وأُخر متشابهات

وأُخر متشابهات – الحلقة 50

اسلاميات

الحلقة 50

د. نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد. باسمكم جميعاً أرحب بشيخنا العلامة الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله في آيات قرآنية جديدة تبدو أنها متشابهة وبينها فروق دقيقة يتفضل ببيانها..

د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. آيتان أو موقعان من مواقع القرآن الكريم ضمن المواقع الكثيرة التي يتحدث فيها الله عز وجل عن بني إسرائيل. وبنو إسرائيل أمة عجيبة لا تشبهها أمة على وجه الأرض من حيث أن الإسرائيلي اليوم هو نسخة بالمائة مائة من الإسرائيلي الذي كان على عهد موسى لم يختلف ولا شعرة في كل مزاجه وما وصفه الله عز وجل به. في حين أن جميع الأمم تتطور وتتغير تقاليدها وأعرافها وحضاراتها وثقافاتها وأمزجتها ومنهم العرب العربي اليوم غير العربي بالأمس بالتاريخ قبل قرن أو قرنين أو ثلاثة. الإسرائيلي لم يتغير ولا شعرة. هاتان الآيتان تتحدثان عن بعض سمات الإسرائيليين التي نلمسها ويلمسها العالم اليوم:

الأولى شدة القسوة قسوتهم عجيبة غريبة مع اثنين، مع العدو وهذا أمر مفروغ منه إلى حد الإبادة يقولون على بابل :اتركوها خراباً يباباً مأوى للغربان والفئران. ومع الصديق إذا أخطأ ولو مرة الصديق الموالي الذي يواليهم وقد يكون عميلاً وقد يكون إذا أخطأ مرة ضمن ألف مرة يخدمهم فيها فإنهم يقسون عليهم قسوة هائلة. هذا أمر.

ثانياً شدة ولعهم بنقض العهود.

ثالثاً وهذا هو المهم. عندما تكون بينهم خصومة بين عدو أو صديق على أرض على معاهدة على قضية لا يملّون من الجدل ولو جلسوا عامين أو ثلاثة أو قرن لن يتازلوا عن موقفهم ولو شعرة وعندما يتنازلون ساعة بعد يوم بعد سنة بعد شهر بعد عام تُسقط الحكومة لتأتي حكومة تبدأ من الصفر وكأن هذا كله ذهب. وحينئذ لن تصل في النهاية إلى شيء معهم أبداً إلا في حالة واحدة لا يمكن أن تأخذ حقك من إسرائيلي إلا إذا أخفته فما دمت لا تحيفه ولا تستطيع أن تخيفه وإنما هو الذي يخيفك فهذا دأب الإسرائيلي. نتحدث عن هذا واحدة واحدة.

(وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ (12) المائدة) – (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ (167) الأعراف)

في المائدة 12 قال تعالى (وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (12)) إلى أن قال (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)) هذا أول وصف من أوصافهم فالإسرائيلي في زمن موسى هو نفسه الإسرائيلي اليوم وهو نفسه الإسرائيلي إلى يوم القيامة. أمة فيها من التماسك التاريخي على عاداتها وأصوليتها وشمائلها وكل ما يتعلق بمزاج الأمم، هذه الأمة غير قابلة للتغير مطلقاً مهما كانت عند الشرق عند الغرب مع الغربيين مع المسلمين في الأجيال المتعاقبة الإسرائيلي هو نفسه ولهذا لا يمكن أن تتعامل مع الإسرائيلي إلا إذا عرفت مزاجه وتقاليده وطبيعته ربما حينئذ تأخذ أهبتك لكي تصل منهم إلى حقك أو بعض حقك. وعيب العرب اليوم من خمسين ستين سنة الفلسطينيون كل يوم يغيرون فيهم ويرجعون من الصفر جاء نتنياهو ألغى كل ما سبق وقال نبدأ من الصفر. الناس تغضب ولكن هذا الإسرائيلي الذي لا نعرفه.

د. نجيب: للحديث بقية بعد الفاصل.

================فاصل==========

هكذا هو الأمر عندما قال الله تعالى (وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ) يتكلم سبحانه وتعالى عن أول ما أخذ الميثاق عليهم في عهد سيدنا موسى (وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) الأعراف) ثم غيروا هذا وكما قال تعالى (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً) لعناهم هم الآن يسمونها لعنة بني إسرائيل التي هي قوله تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ (167) الأعراف) رب العالمين أعلنها جليّة (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) أنه ما من أحد يستطيع أن يوقف هؤلاء القوم إلا الله عز وجل لأنهم لا يُقهرون من حيث قدرتهم على الصمود حتى لو أبدتهم فبقي منهم واحد (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) إقرأ تاريخ اليهود جميعاً في العالم في بني إسرائيل كلما استقروا في قُطر أو قرية والقرية يعني المجتمع يسيطرون عليها يتحكمون فيها ثم ينكبون فيها نكبة عظيمة واللافت للنظر أن هؤلاء القوم يستقبلون هذه النكبات وهذه المصائب وهذه الإفناءاتبغاية القوة والصرامة والصبر والصمود بل إنهم يتمنونها بحيث يتمنى أحدهم أن لا يموت قبل أن يقع في هذه اللعنة من حيث أنهم يعتقدون أن من يموت في مثل هذه اللعنات التي تسلط فيها الشعوب عليهم فحينئذ يموتون شهداء. رب العالمين يقول (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً) وفعلاً المعروف أن خصومة الإنسان مع بني إسرائيل قاتلة إما أن تغلبهم وإما أن يفعلوا بك شيئاً لا يخطر ببالك. والتاريخ كله مليء بذلك، مع العدو كلكم تعرفون ما فعلوا بغزة وغيرها في التاريخ وما يفعلوه في كل بلد يحتلونه وإذا حاربوه فإنهم ينتقمون منهم شر انتقام لا يبقون فيه شيئاً “اتركوها خراباً يباباً مأوى للغربان والفئران حتى لا يجد بدوي مكاناً يربط فيه ناقته” هذا هو النص التلموذي الذي عندهم. لكن المشكلة مع الصديق وعندهم قدرة على إيجاد الموالين بالترغيب والترهيب عجائب. رب العالمين يحدثنا (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) الإسراء) وفعلاً مرتين يكاد يكونون يحكمون دولاً ومدناً بأكملها ولا يوالون للتي هذه التي يسيطرون عليها ولا شعرة ينقضونها شيئاً فشيئاً. رب العالمين يحدثنا عن العلو الكبير ذلك الذي يصبح العالم كله رهن إشارتهم بل إن العالم كله سوف يُحكم من القدس. هذا هو العلو الكبير الذي لم يسبق لليهود مثله، هذا الذي هو اليوم بحيث تعرفون أن العالم كله يأتمر بأوامرهم ويخشى صولتهم وجولتهم. القسوة على العدو معروفة، القسوة على الصديق هذا أيضاً من مزاج بني إسرائيل من حيث أنهم لا يقبلون المِنّة يعني عندما يوطفون واحداً لكي يكون موالياً ينفذ أراءهم لا يعتبرونه متفضلاً بل يعتبرونه خائناً أخذ ثمناً يعطونه منصباً يعطونه مالاً، منصب نفوذ. قرأت في الصحف المحلية هنا قبل سنتين أو ثلاث واحد فلسطيني عملوه عميلاً لهم ثم يتكلم كيف أغدقوا عليه المال وأعطوه شقة في تل أبيب وشقة في إيطاليا وأموال فلما انتهت مهمته يتكلم ماذا فعلوا به، نكلوا به تنكيلاً عجباً لأنه ليس له مِنّة عليهم. جيش لبنان الجنوبي الذي بقي ثلاثين عاماً يخدمهم بدأوا يخنقونهم في شوارع تل أبيب إلى أن هربوا منهم. هكذا كل من يواليهم رغم أنفه أو باختياره بمال أو بدون مال إذا انتهت مهمته فإنهم يقسون عليه قسوة لا يمكن تصورها. حتى كلينتون الذي هو واحد من رؤساء أميركا الذين لا يستطيعون أن يقولوا كلمة معهم إلا إذا خرج من الحكم وخدمهم خدمة بعينيه ككل رئيس أميركي، قال كلمة واحدة عندما زاره باراك مع ياسر عرفات قال كلمة خفيفة وهو يسير في الحقيقة قال ربما يكون من المصلحة أن يكون للفلسطينين دولة. كيف يقول هذا الكلام؟ فضحوه في قضية مونيكا حتى أولبرايت تقول علناً والله لقد أشفقت عليه دخلت عليه الغرفة وجدته يبكي رئيس أميركا لا يستطيع أن يجد غرفة محصنة يستطيع أن يمارس فيها قضاياه الشخصية الذي هو حرٌ فيها إلا ويطّلعون عليه ثم يفضحونه برغم كل خدماته لهم (وجعلنا قلوبهم قاسية). رب العالمين عز وجل تحدث عن بني إسرائيل في زمن موسى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) الأحزاب) ما أن غاب يومين حتى عبدوا العجل حرفيون محرفون يحرفون الكلم عن مواضعه ساعة ما ينزل ويحرفون الكلم من بعد مواضعه في الأجيال التي بعد ذلك. هذان المزاجان من أمزجة بني إسرائيل لم تتغير ولم يتغير شيء في بني إسرائيل. فإذا أردت أن تفاوضهم عليك أن تعرف أن هؤلاء القوم لا يمكن أن يتغيروا. منذ أن احتلوا فلسطين إلى الآن بدأ العرب يتننازلون يوماً بعد يوم، كل يوم مبادرة وكل يوم تنازل والسلام خيار استراتيجي والسادات ذهب إليهم وقدموا التنازلات وإلى هذه الدقيقة لم تتقدم إسرائيل بتنازل ولا شعرة. هم يوحون بهذا يقولون تسقط حكومة وتأتي حكومة أخرى، لكنهم كل مرة يبدأون من الصفر, الآن نتنياهو يقول انتهينا ربما أفكر في أن أتفاوض مع الفلسطينيين، هم يتفاوضون لأجل التفاوض وليس لأجل الوصول إلى نتائج. كل المؤتمرات أوسلو وغيرها وغيرها ثم يبدأون من جديد ولو بقينا مائة عام ستأتي كل المفاوضات على نفس النتبيجة سنة سنتين ثلاثة أربع وصحف وقال وقيل تلغى ونبدأ من جديد. لا يمكن إلا أن تخيفهم ولكي تخيفهم لا بد لك من قوة إذا علموا أنك قوي ينصاعون لك وينصاعون مع قدرتهم على التآمر عليك إذا وجدوا منك غفلة لحظة فإنهم سوف يفعلون بك نفس القسوة التي يفعلونها دائماً.

هذه الآية تحدثنا عن قسوتهم. نحن الآن نقرأ كتباً خيال جون كينيدي الذي هو يهودي وسيناتور وأميركي. ولا يمكن أن يكون سيناتور إلا إذا كان موالياً وهو موالي لعقيدتهم. يوم من الأيام ذهب ليزور عدن لأنه هناك واحد معتقل في عدن أيام الحكم الشيوعي فيها فلا بد أن يذهب لإطلاق سراحه وفعلاً ذهب وأطلق سراحه وعاد بطائرته ونزل في بيروت وهو خارج من المطار ليركب طائرته ليواصل السير ياسر عرفات كانت طائرته نازلة يدخل المطار ففي الطريق حيا أحدهما الآخر بهز الرأس. يقولون له كيف تجيب ياسر عرفات على تحيته بهزّ رأسك؟ أسقطوه. والكتاب هذا مطبوع الآن في الأسواق “من يستطيع الكلام في إسرائيل” والكتاب يتكلم عجباً! هذا اليهويد السيناتور المثقف الذي هو موالي لإسرائيل بالمائة مائة يتكلم عجباً عن هذه الأمة العجيبة. ولهذا عندما تقرأ هذا الكلام من يهودي سيناتور تقول أين نحن من هذا؟ العرب الذين يفاوضون يعرفون هذا. ولذلك كل هذه الجهود التي تبذل مع الإسرائيليين من مفاوضات ومبادرات هذا كله كلام مضيعة للوقت وإشغال العالم. مزاج إسرائيلي هم يضحكون على أنبيائهم.

(قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) المائدة)- (قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) المائدة)

الآية الأخرى تقول (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22)) هذه أريحا وكانت عاصمة العماليق والعماليق أشداء. رجلين وهما يوشع بن نون وكالب من علمائهم وأحبارهم المعروفين ومساعدي سيدنا موسى عليه السلام، من أكارم القوم (قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ (23)) يخافون الله عز وجل ويخافون على بني إسرائيل ولهم صلة بالله سبحانه وتعالى صلة قدسية ومن أصحاب الكرامات. إذا كان سيدنا موسى عنده معجزات فهذان الحبران العظيمان لهما كرامات (قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23)) فقط اذهبوا للباب، تحركوا قليلاً وبقوا أسبوعاً كاملاً وهم يحاورونهم ويطلبون منهم أن يتحركوا قليلاً ليصلوا إلى الباب ورب العالمين سيفتح لكم أبواب أريحا كاملة، وبعد أسبوع من المفاوضات والإقناع قالوا (قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)). لماذا في الاية قبلها قالوا (وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا) وهنا أضاف (أبداً) (قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا) بعد كل هذا الإقناع من عالمين عظيمين من حبرين كريمين من أتباع سيدنا موسى من أصحابه العظام ومحترمون عند بني إسرائيل لعلمهم وتعهدوا قالوا إن الله أخبرنا أنه ما إن تصول الباب حتى يفتح المدينة لكم قالوا أبداً (قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)) قال (قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) المائدة)

د. نجيب: وهؤلاء أصحاب سيدنا موسى وليسوا أعداءه، أصحاب وأتباع ومؤمنين

د. الكبيسي: طبعاً. وعلماؤهم معروفون عندهم. هؤلاء مولعون بالجدل والمفاوضات ثم يبدأ من الصفر. بعد أن بقوا يجادلون هذين الحبرين العظيمين والعالمين الجليلين يوشع بن نون وكالب، اسبوع وهذان العالمان جاؤوا بكرامات وخوارق أنكم منصورون ولم يتحركوا شعرة أضافوا عناداً جديداً قالوا (قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا) إذا كان هذا الجدال وهذا الموقف غير المتزعزع والإصرار على الرأي والعودة بالمفاوضات إلى نقطة الصفر مع مساعدي نبيهم وهم أنبياء في بعض الروايات أن يوشع بن نون نبي عند بعض المفسرين ومع هذا قالوا (قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)) لذا قال (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)) جزاء على هذا الموقف. رب العالمين في زمن الأنبياء عاقبهم بأنهم تاهوا أربعين سنة، انتهى هذا الأسلوب بعد النبي صلى الله عليه وسلم بعدما جاء رحمة للعالمين. الإنتقام الجماعي من رب العالمين على أصحاب الديانات الذين يعصون كما كان قبل محمد عليه الصلاة والسلام كانت تأتيهم ريح صرصر والآن انتهى.

د. نجيب: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) الأنفال)

د. الكبيسي: أحسنت. وهذا من إكرام المصطفى عليه الصلاة والسلام (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء). من رحمة الله تعالى بالعالمين أنه رفع العذاب الجماعي الذي كان يفعله مع الأمم السابقة جميعاً كما فعل مع بني إسرائيل (فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ (54) البقرة) ناس تقتل ناس حتى تاب الله عليهم. بعد محمد صلى الله عليه وسلم انتهى هذا الأسلوب ورب العالمين سبحانه وتعالى قال لنا هذه طبيعة بني إسرائيل إلى يوم القيامة لن تستطيع قوة في الأرض أن تنهي هذا الذي هم فيه من إضرار هذا الكون. الكون كله سيخرب مرات ومرات ومرات بهؤلاء المفسدين في الأرض ولن يستطيع أحد عليهم إلا رب العالمين بتسليط (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ (167) الأعراف) وهم يعرفون هذا، في فرنسا أعدموهم في إيطاليا وفي بريطانيا وفي روسيا وفي كل مكان ذهبوا يُطردون. وقادم ذلك العلو الكبير (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) الإسراء) وهذا هو الذي نحن فيه. يقول كاتب الكتاب “من يستطيع الكلام في إسرائيل” يتكلم هذا الرجل السيناتور الأميركي في كتابه يقول لما ذهب كيسنجر بين مصر وإسرائيل بعد حرب العبور في الخيمة 101 للتفاوض ونحن واكبنا هذا سموها الرحلة المكوكية بين تل أبيب والقاهرة إلى أن عقدوا الاتفاقية. يقول جون كنت أحد المستقبلين لكيسينجر وهو عائد من إحدى هذه الرحلات المكوكية يقول في المطار وأنا أحد مستقبليه.

إتصال من الأخ أيمن من ليبيا: أنا من غزّة وأقول مهما تفاهمنا مع بني إسرائيل ومهما اتفقنا معهم من اتفاقيات فهم ناقضو العهود ذكره الله عز وجل في القرآن. فأسأل الله عز وجل أن يزيل هذه الغمة عن هذه الأمة. يقول تعالى في سورة البقرة (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (74) البقرة) فما أشد من الحجارة قسوة إلا قلوب بني إسرائيل.

الإجابة: هكذا وصفهم الله عز وجل وهكذا التاريخ يثبت هذا أنهم باقون على هذه الصفة لن يتزحزحزا عنها شعرة ولن يتزحزحوا. وبالتالي عليكم أنتم الفلسطينيون أن تحسنوا التعامل معهم وفقاً لهذا الذي ذكره الله عز جل ليس من المنطق أن تثقوا بهم أو أن تعطوهم كل شيء أو تتنازلون وغيره والعرب هكذا كل يوم مبادرة وكل يوم تنازل لعلهم يلينون لن يلينوا وهذا في الحقيقة يُحمد لهم. اقولها بصراحة هذا عيب فيهم أو ميزة لهم؟ والله هذه ميزة. ناس عندهم موقف صارم لا يتنازلون عنه إلا أن تخيفه. لماذا سماهم رب العالمين القردة والخنازير؟ لأن القردة لا تطيعك إلا إذا أخفتها فالقرداتي الذين يرقّصون القرد كيف يعودوه على هذا؟ يأتون بكلب يربطونه بجانب القرد فيضرب هذا القرداتي الكلب ضرباً شديداً بحيث يعوي الكلب عواء شديداً يقطع القلوب فيخاف القرد ومرة بعد مرة يخاف القرد ومن خوفه يطيع صاحبه طاعة عمياء. فرب العالمين سماهم قردة. هذا الإسرائيلي إذا لم بخف منك لا تطمع بأن يسمع منك ولا أن يعطيك ولا أن يُنصفك وهذا قوة لذا عليك أن تعرف أن عدوك على هذا الأساس أما نحن فنأخذها على الطريقة العربية.

إتصال من الأخ محمد من دبي: نسأل عن نبذة بسيطة عن عذاب القبر

الإجابة: هذا تكلمنا فيه أكثر من مرة.

رب العالمين لما ذكر كلمة (أبداً) هذه الزيادة، هؤلاء بعد هذا النقاش الطويل الشديد.

د. نجيب: أبداً يعني مستقبلاً

د. الكبيسي: هم أصروا هم قالوا يا موسى إنا لن ندخلها وبعد الحبرين العظيمين والموثوقين عند بني إسرائيل وبشروهم بشارة ادخلوا عليهم الباب فإن دخلتموه فإنكم غالبون ما قبلوا وقالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً. هذا هو الإسرائيلي يفاوضك سنة سنتين ثلاثة لا يمل ولا يكل ولا يتعب ومهما جئته بحجج سيرجع بك إلى النقطة الأولى. هكذا هي الطبيعة التي وصفها الله عز وجل من حيث قسوتهم على الناس وقسوتهم على العدو أولاً قسوة إبادة كاملة ومع الصديق أو الموالي إذا أخطأ ولو مرة واحدة. ولو تعرف الناس حقائق الأمور لعجبنا.

(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا (76) المائدة) – (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا (188) الأعراف)

كلمة الضر والنفع. في المائدة (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)) قدّم الضر. في الأعراف (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)) هاتان الكلمتان في كتاب الله عز وجل تتأرجح هكذا مرة يقدم النفع ومرة يقدم الضر. مرة يقدم ما يضرهم مرة يقدم ما ينفعهم. وهذا ليس عبثاً التقديم والتأخير في كتاب الله عز وجل يرسم موضوعاً عليك أن تفهمه فرق كبير بين (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ (18) يونس) وبين (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ (55) الفرقان). نتكلم فيها واحدة واحدة. رب العالمين لما تكلم عن عبدة الأوثان قدم الضر لأن عُباد الأوثان يعبدونها لأنهم يخافون من لعنتهم كلما سألت واحداً لماذا أنت وثني تعبد الشمس، تعبد القمر، تعبد الأصنام، تعبد الأرواح وتعبد الشياطين؟ حتى الذين يعبدون الشيطان يقولون نعبدهم لكي نتقي شرهم.

د. نجيب: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) الجن)

د. الكبيسي: إذا رأيت كلمة الضر مقدمة فاعلم أن هذا من عبدة الأوثان. إذن لما رب العالمين يقول لم تعبدون، أتعبدون يعني يتكلم مع الوثنيين. ثم في يونس (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)) (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا (16) الرعد) قدم النفع. هؤلاء يتكلم رب العالمين عن الذين يعبدون الملوك سواء كان فرعون وغيره سواء كانت عبادة حقيقية يعبدوهم من دون الله كما قال فرعون (أنا ربكم الأعلى) (وما علمت لكم من إله غيري) لماذا هذا الإنسان يعبد فرعون؟ ليس حباً فيه وإنما حباً بما عنده وبالتالي رب العالمين يقول كل الذين عبدوا الأشخاص، عبدوا الملوك، عبدوا الملأ إنما طامعون فيما عندهم فقدم النفع قال (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا) إذا كنتم قد عبدتوهم واتخذتوهم أولياء من دون الله فهذا يعني أنكم طامعون فيما عندهم إعلموا إذن أن هؤلاء لا يملكون لأنفسهم نفعاً فكيف يملكون لكم نفعاً! إذن هذا عن الطغاة من أهل النفوذ والمال. أما مع عبادة الله فيقدم النفع على الضر لما النبي صلى الله عليه وسلم يقول (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) الأعراف) قدّم النفع. نحن كل من يعبد الله من كل الأديان اليهود النصارى المسلمون الصابئون يعبده لا خوفاً من عقابه كما يفعل اصحاب الأصنام في الغالب يغلب علينا الطمع فيما عند الله لذا ندعو الله بالصحة والعافية والنصر فنحن الذين نعبد الله عز وجل يغلب علينا طلب النفع من الله سبحانه وتعالى بعد ذلك الخوف منه والخشية من جلالته.

د. نجيب: لأن الأصل رحمة الله

د. الكبيسي: الرحمة “رحمتي سبقت غضبي” فتلاحظ كلما جاءت العبادة لله يقدم النفع على الضر وهذا مضطرد اضطراد يلفت النظر.

إتصال من الأخ أبو أحمد من دبي: البعض يقولون أن اليهود الذين في فلسطين سينا يعقوب بريء منهم وهم ليسوا ابناء سيدنا إسرائيل هل هذا الكلام صحيح؟

الإجابة: لا، الإسرائيليون إسرائيليون، بنو إسرائيل هم اليهود الذين لم يقبلوا أن يدخل أحد في أمتهم. هم بنو إسرائيل فعلاً لكن إذا دخل شيء في النسب فهذه قضية ثانية. لكن هم أبناء بني إسرائيل ولهذا تجدهم على وفق الصفات التي شكا منها موسى وشكا منها عيسى عليهما السلام لا تزال موجودة عندهم إلى هذا اليوم. إقرأ ماذا قال سيدنا موسى وماذا قال سيدنا عيسى على بني إسرائيل تجد هذه الصفات التي شكى منها هذان النبيان العظيمان لا تزال موجودة في بني إسرائيل بجدارة وقوة وإصرار وهذا دليل على أنهم من بني إسرائيل. قد يكون هناك بعض الحبشيين، ربما دخل بعض الدخن هذه قضية تاريخية لكن الأمة الإسرائيلية هي نفس الأمة الأمة في قلبها وصُلبها.

نستمر في كلمة الضر والنفع. إذن حيثما وجدت تقديم الضرر فهو مع الأوثان. تقديم النفع إما مع الذين يعبدون الله عز وجل لأن كل من يعبد الله يرجو رحمته أو ممن يعبدون الملوك والعظماء وأصحاب النفوذ وهؤلاء يطلبون منهم النفع العاجل. نحن كما قال تعالى (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ (9) الزمر) أحياناً عندما يقدم يقدم النفع لأن الله سبحانه وتعالى قريب من المحسنينوأحياماً مع المؤمننين الموحدين يقدم الضرر لأن الله سبحانه وتعالى كما قالت الآية الكريمة (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) يعني أن المسلم بكل الديانات الثلاثة الموحّد لله عز وجل متأرجح بين الخوف والرجاء. في حالةٍ ما تقدم الخوف على الرجاء وفي حالةٍ ما تقدم الرجاء على الخوف. نقرأ بعض النصوص طبعاً كل الآيات الأخرى التي فيها نفع وضر مع الله أو مع الأصنام أو مع الملوك تخضع لهذا القانون. في سورة الفتح عندما يتكلم عن الأعراب المنافقين (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)) أنت تخاف على أموالك فهل هي التي تدفع عنك؟! التقديم والتأخير دائماً له مناسبة وفق الآية.

نتكلم عن الخوف والرجاء (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ (9) الزمر) العلماء مختلفون في هذه الأمة بين أيهما أفضل الخوف أو الرجاء والكلام في هذا متكافئ. نتكلم عن الخوف أولاً. الخوف من الله، عندنا خوف وعندنا خشية. الخوف خوف العقوبة من العصاة في الأمة والخشية المهابة والجلال “نِعْم العبد صهيب لو لم يخش الله لم يعصه” من هيبته. كلنا عندما نحب ملكاً أو اميراً وشيخاً نطيعه لهيبته، لجلاله، لاحترامه، لعدله، هذه خشية وليس خوفاً وإنما حباً فيه. عندما تطيع حباً فهذه خشية وعندما تطيع عن خوف هذه عن معصية. إذن الخوف عموماً وكما نعرف سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله منهم واحد ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ذكر الله وذكر جلاله وهيبته وقدرته وذكر ذنوب نفسه ففاضت عيناه هنا الخوف يسبب له مثل هذا. يقول النبي صلى الله عليه وسلم “إن رجلاً لم يعمل حسنة قط وكان يسرف على نفسه قال لأهله إذا مت احرقوني وارموا نصفي في البحر ونصفي في البر قالوا لِمَ؟ قال حتى لا يعذبني الله. فرب العالمين جمع هذا وجمع هذا قال له ما حملك على هذا؟ قال الخوف منك وفي رواية قال من خشيتك فقال تعالى إن مغفرة الله عز وجل لمن يخشاه” هذا حديث متفق عليه.

يقول تعالى أخرجوا من النار من خافني في مقام. يوم من الأيام كانت أمامه معصية لذلية وامتنع عنها خوفاً منه عرضت عليه رشوة، خيانة فخاف من الله وامتنع، حالة جنسية، حالة عصيان، في يوم من الأيام في مقام كانت تدفعه شهوته دفعاً فخاف وقال إني أخاف الله عز وجل وامتنع فرب العالمين في هذا المقام يخرجه من النار. في حديث آخر “وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع على عبدي أمنين” إذا كنت تخاف الله في الدنيا مستحيل أن يخوفك الله في الآخرة لا يجمع عليه خوفان ولكنك إذا كنت آمن منه في الدنيا ولا تسأل فيه وتفعل كل شيء فسوف يخيفك هناك. إذن الخوف من الله عز وجل فيه هذه الفضيلة.

إتصال من الأخ سعيد من الشارقة: لماذا جعل الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل شعب الله المختار؟ ولماذا وعدهم بفلسطين؟ ولماذا صبر عليهم على الرغم من كل ما ذكره الشيخ؟

الإجابة: هذه الأسئلة تحتاج لكتاب وهي مشروحة في كل الكتب. نحن فقط تكلمنا عن كلمة (أبداً) لماذا آية فيها كلمة أبداً وآية ليس فيها كلمة أبداً. أما هذه الأسئلة فبحاجة إلى كتاب كامل.

يقول صلى الله عليه وسلم: “من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزلة” أدلج أي الذي يصلي في الليل (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17) آل عمران) هذه الدُلجة في العبادة (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا (16) السجدة) ما الذي يجعل الإنسان وهو نائم في فراشه الناعم الهانئ في البرد أو الحر يترك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام أحد ليصلي التهجد يقول تعالى انظروا إلى عبدي هجر فراش حبيبه من أجلي أشهدكم أني قد غفرت له. لماذا؟ من خاف أدلج يعني قام في الظلام وترك فراشه يصلي ويستغفر. من أدلج بلغ المنزلة وهذا معروف “أهل الليل أشراف أمتي”

إتصال من أم نائل من أميركا: اليهود لا يفوا بالعقود وهم مسيطرون في هذه الدنيا فهل هم اذكياء أم هذا تدبير من رب العالمين أن يكونوا بهذه القوة على قلتهم بالنسبة للمسلمين الذين أعدادهم بالمليارات؟

الإجابة: كونهم أذكياء هذه لا نختلف فيها، كون بني إسرائيل أذكياء هذه معروفة ولهذا سمعت مرة ياسر عرفات يحكي لما كان يتفاوض مع إسحق رابين في الدار البيضاء فيبدو أن عرفات كان قوي الحجة فرابين قال له كم أنت يهودي يا عرفات؟! ونحن دائماً في لغتنا إذا كان ذكياً جداً أو بارعاً في اللف والدوران تقول له أنت يهودي. فلا شك أنهم أذكياء.

إتصال من الأخت أم عبد الله من الشارقة: مرات أشعر أن الذي يقربني من الله تعالى حبه أكثر من خوف. مرات اشعر بالمحبة أكثر من الخوف. وأنا أتحدث مع صديقاتي كلما ذكرتهم يقولون إن الله غفور رحيم أقول لهم وإنه شديد العقاب لا أحب أن أخيفهم ولكن أحب أن أحببهم لكنهم يقولون ربنا أرحم من هذا فكيف أجيبهم؟

الإجابة: أنت رائعة. هذا الكلام صحيح على شرط عند التوبة. عندما يتوب يقول إن الله غفر رحيم اللهم اغفر لي ذنوباً جرّأني عليها طمعي في عفوك، لكن هو مستمر ويقول هذا فكأنه يستهزئ بالله والنبي صلى الله عليه وسلم قال “كالمستهزئ بالله” وهذا عقوبته أشد لأنه أولاً عاصي وثانياً أنه قليل أدب مع الله. هذا الكلام عندما تتوب وتندم وتقول يا رب اغفر لي ذنوبي (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران) عدم الإصرار.

إتصال من الأخ محمد من السودان: الله تعالى وصف إسحق عليه السلام بقوله (فبشرناه بغلام عليم) ووصف إسماعيل عليه السلام (بغلام حليم) فهل هاتين الصفتين ربما تكون مشتركتين في الأمتين هل يغلب على بني إسماعيل الحلم ويغلب على بني إسرائيل العلم أم أنها صفات خاصة بالنبيين.

الإجابة: أبداً، عامل الوراثة عامل مؤثر كتاباً وسنة وواقعاً. وفعلاً العرب أهل حلم وأهل سماحة ما من أمة أكثر سماحة من العرب. المصريين لما عبروا القناة وأسروا حوالي ثلاثمائة إسرائيلي أخذوهم للقناطر الخيرية وسمعنها في إذاعة لندن قالوا العرب أمة رحيمة. انظر ماذا يفعل الإسرائيليين بالأسرى الفلسطينين قطعوا أوصالهم كما قال تعالى (وجعلنا قلوبهم قاسية). الأمة العربية والإسلامية خاصة أمة رحيمة جداً وحليمة ونعم اليهود أذكياء أهل علم..

يقول صلى الله عليه وسلم “لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد” هكذا العبد مع ربه بين الخوف والرجاء. عن العباس بن عبد المطلب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما تتحات عن الشجرة اليابسة ورقها” آية من الآيات، أحدهم كلمك عن الله عز وجل، رأيت أمامك كيف نجى رب العالمين أحد، واحد ذكر قصة عن الله فاقشعر جسمك من خشية الله فإن شاء الله رب العالمين لا يبقي عليك ذنباً.

د. نجيب: لا يأمن مكر الله ولكن لا يقنط من رحمة الله.

د. الكبيسي: أبداً. هذا عن الخوف. أما عن الرجاء فالاستغفار وأنتم تعرفون ما معنى الاستغفار ” من سره أن يرى صحيفته يوم القيامة فليكثر من الاستغفار” والاستغفار إذا لزمته لا يبقى عليك ذنب وهذه الآية واضحة عن المستغفرين (فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران). عن أنس دخل النبي صلى الله عليه وسلم على شاب وهو يختضر فقال له كيف تجد؟ قال أرجو رحمة ربي وأخشى ذنوب قال عليه الصلاة والسلام ما اجتمعت في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو ونجاه مما يخاف. والنبي صلى الله عليه وسلم قال “لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله”. إذا أحسنت الظن بالله فإن الله يعاملك على ظنّك ولهذا في الحديث عمل مصائب وأخذوه على النار وحملته الملائكة لرميه في النار وغذا به رآها سوداء فقال يا رب ما ظننتك أنك تضعني في مثل هذا قال ما كان ظنك؟ قال ظني أنك رؤوف رحيم قال أدخلوا عبدي الجنة، أنا عند ظن عبدي بي. وبالتالي الرجاء في هذا أعجوبة. يقول صلى الله عليه وسلم “إن شئتم أنبأتكم بأول ما يقوله الله عز وجل للمؤمن وبأول ما يقول المؤمن لله، قالوا بلى يا رسول الله، قال إن الله عز وجل يقول للمؤمنين هل أحببتم لقائي؟ فيقولون نعم يا ربنا فيقول لِمَ؟ فيقولون رجونا عفوك ومغفرتك فيقول وجبت لكم مغفرتي” أنا عند ظن عبدي بي” ولكن ظن العقلاء وليس ظن الأغبياء. هناك فرق بين الظن وبين العبث، كما في الحديث “اتبع نفسه هواها ويتمنى على الله الأماني”. أنت إذا غرقت في الذنب هذا شيء آخر، واحد عمل كل ذنوب الكون ثم تاب هذا عليه أن يحسن الظن بالله والله تعالى قال شرط أساسي (وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ) إذا كنت لا تزال تصر على ما فعلت فلا تتعب نفسك إلحق نفسك قبل أن تموت. لكن الكلام رجل عصى الله ولو مائة عام ثم تاب توبة صحيحة فصحت توبته وندم على ما فعل وقال رب اغفر لي فلن يبقي الله تعالى عليه ذنب كما قال في الآية (أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران). يقول صلى الله عليه وسلم “إن حسن الظن بالله من حسن العبادة” كلنا نعبد الله ونتفاوت إذا كانت عبادتك حسنة فأنت من الذين يحسنون الظن بالله، متى؟ عندما تتوب. رب العالمين بكرمه بسماحته بجلاله إذا تبت عليك أن تحسن الظن بالله.

د. نجيب: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) الزمر). باسمكم جميعاً أقدم لسيدي الجليل الشيخ الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله ورعاه بالشكر الجزيل داعين المولى سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى إتمام هذه البدائع والفرائد التي قلّما يضمها كتاب داعين المولى سبحانه وتعالى أن نلتقي معكم في الحلقة القادمة على خير شاكرين جميع الإخوة الذين تابعوا معنا على الهواء والسلام عليكم ورحمة الله.

بُثّت الحلقة بتاريخ 29/5/2009م