الحلقة 58
د. نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وبعد. ها نحن من جديد بعد شهر رمضان المبارك الذي توقفنا فيه فترة قصيرة نعود إلى شيخنا الجليل الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله في هذه الآيات القرآنية التي تبدو متشابهة ولكن بينها فروق دقيقة ويترتب على تلك الفروق أحكام قرآنية مهمة ولعل في جعبة شيخنا الكثير في هذه الليلة المباركة فليتفضل مشكوراً.
د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرة أخرى بعد انقطاع شهر كامل نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفتح علينا وعليكم من كتابه العزيز ما يجعلنا من أهل القرآن يوم القيامة. آيتنا اليوم (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) الصافات) (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) البروج) مع اختلاف الصيغ (ذلك هو الفوز، إن هذا لهو الفوز، ذلك الفوز) الفوز يوصف مرة بأنه فوز فقط وهذا الفوز المطلق الذي ليس له وصف يوصف أحياناً بأنه فوز مبين ويوصف أحياناً بأنه فوز عظيم ويوصف بأنه فوز كبير وتحت كل وصف من هذه الأوصاف معنى يغاير المعنى الأخر فالفوز في الدنيا والآخرة متنوع.
كلمة فوز مطلقاً فاز يفوز فوزاً كما يقول علماء اللغة، يقولون الفوز النجاة من الشر والظفر بالخير أو بالأمنية. واحد كان في حالة شر ثم انتقل إلى خير مباشرة يسمى هذا فوز. هناك فرق بين النجاة وحدها واحد كان سيغرق وما غرق يقال نجا ثم هذا كان يغرق ثم جاء واحد أنقذه وصار ملكاً لم ينجو فقط من الشر وإنما أصابه خير كبير جداً، هذا يسمى فوزاً. الفوز لا يسمى فوزاً إلا إذا كان هناك احتمال شر كبير مثلاً يقال فاز الفريق الفلاني بالكرة، لماذا يقولون فاز؟ إما أن يكون فائز وإما يخرج من السباق يعني ينتظره شر كبير. واحد يمتحن البكالوريا فإما أن ينجح وينتقل إلى جامعة وإما أن يرسب ويصيح ليس فقط خسر الإمتحان، أين يذهب؟! ماذا يفعل بشهادته؟! عندما ينجح في الامتحان ويُقبل في الجامعة يقال فاز لأن هناك أناس ينجحون في الامتحان ولكن لا يُقبلون في الجامعة لأن نجاحهم بسيط. ولهذا يحدثنا رب العالمين عن فوز مطلق لا يستحق أن يأتي بعده وصف، لا هو مبين ولا هو عظيم ولا هو كبير. يقول تعالى (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ (185) آل عمران) فقط فاز، أحاديث كثيرة واحد محكوم عليه في النار واحد يمشي على الصراط، الذي يذهب للجنة والذي يذهب إلى النار يتقابلون على الصراط، كلهم على هذا الجسر وواحد ذاهب إلى النار ومغلول ووجهه أسود وهو يمشي قال يا فلان ألا تعرفني؟ هذا الآخ ذاهب إلى الجنة وجهه أبيض وحوله ملائكة، قال لا، لا أعرفك، قال أنا الذي وهبتك وضوءاً يوماً من الأيام، قال نعم تذكرت، قال ماذا أصابك؟ قال أنا من أهل النار فاشفع لي فقال يا رب هذا وهبني وضوءاً يوماً فشفّعني فيه فيقال له خذ بيد أخيك إلى الجنة، يعني كان على حافة النار، هذا مثل الذي نجح في الاختبار وأخذ خمسين بالمائة، صحيح هو نجح لكن ليس نجاحاً عظيماً ولا كبيراً ولا مبيناً، فقط مجرد نجاح يعني ليس سقوطاً. (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ (32) فاطر) هذا راسب، (وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ) خمسين بالمائة (وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) هذا الاسبق هو هاذ الفائز إما فوز عظيم أو مبين أو كبير. رب العالمين يقول (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ) هذا كان ذاهباً إلى النار زُحزح قليلاً من الرسوب ولكنه ليس النجاح العظيم المهم أنه زحزح من النار وأُدخل الجنة في أدني درجاتها، هذا الفوز الذي هو خمسين بالمائة المهم أنك لست راسباً لست في النار لكنك في أية مرتبة في الجنة. هذا الفوز يكون أحياناً فوزاً فوز مبين وفوز عظيم وفوز كبير.
الفوز المبين هو ساعة ما يكون الفوز ليس خمسين في المائة، هذا كان متوقع أن يرسب لكن النتيجة أظهرت أنه حصل على تسعين في المائة، في سباق الخيل هناك خيول سريعة وإذا بأحد هذه الخيول قبل نهاية السباق يقفز قفزة هائلة فيفوز فوزاً مبيناً بأن يخرج الأول على السباق الكل يتحدث فيه. في بطولة آسيا العام الماضي الفريق العراقي نصفهم غير مدرب من خمس سنوات وليس لديهم مدرب وليس عندهم مال ليشتروا بطاقات طائرة ولا ليقيموا في فنادق فأرسل لهم سمو الشيخ محمد بن راشد طائرة ذهبوا بها ودفع لهم أجور الفنادق ومع هذا أخذوا بطولة آسيا، هذا الفريق المنهك المعتب صار بطل آسيا فكان حديث الدنيا كيف هذا الفريق المنهك يفوز على الفرق العظيمة؟! هذا فوز مبين. كما يسمون النصر نصراً مبيناً، أميركا والإتحاد السوفياتي يتحاربون إذا انتصر احدهم يسمى نصراً لأنهما متكافئين. أما دولة صغيرة تحارب أميركا وتغلبها هذا غير متوقع وهذا فوز مبين. بدر سموها نصراً مبيناً لأن المسلمين كانوا 300 رجلاً معهم عصيّ قابلوا جيشاً عرمرماً وينتصرون عليهم، هذا نصر مبين تتحدث عنه الدنيا كلها، وقِس على هذا في كل الحروب (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ (249) البقرة) هذا نصر مبين لأن الناس تتحدث عنه كيف حصل؟ كيف هذا؟. يوم القيامة (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) الصافات) إلى أن قال (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56) الصافات) كانوا سيدخلون النار كيف خلصوا منها؟ لا يعرفون. “يؤتى بالرجل يوم القيامة وليس له حسنة (هذا يكون في النار) فيقول الرب عز وجل خذوا عبدي إلى الجنة، هذا الرجل هو نفسه يقول مم يا رب وليس له حسنة؟ قال إنه كان يرحم أهله، بهذه يدخله الجنة، هذه ليست على البال، هو نفسه يقول أنا لا أستحق الجنة، هذا فوز مبين لم يكن ليقع لكن وقع. غوردن سيهر المستشرق المعروف يقول هؤلاء العرب جاءوا من الجزيرة العربية ليس عندهم سيف ولا حصان ولا يعرفون السباحة جوعى، هؤلاء بضعة آلآف يسقطون دولتين عظيمتين يتقاسمان الكرة الأرضية (من عين التمر في العراق إلى مشرق الشمس يملكها كسرى، ومن عين التمر في العراق إلى مغرب الشمس يملكها قيصر) وليس هناك دولة ثالثة على وجه الأرض، يأتي عرب الجزيرة يركبون الحمار أو يمشون مشياً وبيدهم سيوف كان يسميها الروم (دوك) يعني مغزل، أسقطوا فارس وأسقطوا قيصر، أسقطوا امبرطوريتين كاملتين في سنة واحدة وهم قلة قليلة، غوردن سيهر يقول هذا لا يمكن أن يقع بكل المقاييس ولكنه وقع ولا أدري كيف ولا لماذا؟ هذا يسمونه النصر المبين. فكل سباق أو تسابق أو حرب بين فئتين إحداهما ما كانت بكل المقاييس مؤهلة للنصر أو الفوز تفوز يقال (ذلك الفوز المبين) فساعة ما يقع يصير مبيناً، عندما يكون باهراً. أحياناً يأتي فوز، إثنان مثلاً يلعوبن كرة الطاولة، واحدهم فاز عل الآخر هذا فوز، لكن فوز كرة قدم، سباق عالمي أو سباق خيول سباق قدرة يفوز واحد غير متوقع له الفوز بين أساطين العالم يقال فوز مبين الذي يبهر العالم. إذن يوم القيامة عندما يقول (ذلك الفوز المبين) هناك أناس رعبوا وقالوا نحن هالكون، هؤلاء لن يدخلوا الجنة فقط وإنما في أعلى الدرجات (ذلك الفوز المبين)، واحد دخل أعلى الدرجان لأنه خدم أمه وآخر خدم أبوه، واحد كظم غيظه وأنفق في السراء والضراء، أعمال بسيطة لكنها دفعت به دفعاً إلى الدرجات العلا (فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) طه) والناس كلها تتحدث عنه يوم القيامة كيف دخل هذا ولم يكن متوقعاً؟! يقول الحديث:” رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب ذو طمرين لو أقسم على الله لأبرّه”. كان عندنا في حارتنا واحد شحاذ مسكين بسيط ملابسه مقطعة، هذا ملك يوم القيامة في الجنة، هذا فوز مبين لم يكن متوقعاً. لو تتبعنا الفوز المبين في القرآن سنجدها هكذا.
إذن هناك فوز مطلق من زحزح قليلاً عن النار ثم أدخل الجنة فقد فاز (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) لكن هناك فوز مدويّ هذا الفوز المبين الذي كان مبيناً ساعة وقوعه والناس تتحدث عنه، كل الناس تحدثوا عن أي فريق ضعيف أو عن أي دولة صغيرة تنتصر على قوة، يتحدثون عنها في أساطير وأفلام وقصص، هذا فوز ما كان متوقعاً، هذا الفوز المبين بعد أن صار مبيناً سيحقق أرباحاً خيالية. عندما هذا الفوز المبين يحقق شهرة عالمية وأفلام تؤلف عنهم وكل بطل من الأبطال في الفريق يبيع قصة حياته وصاروا أصحاب أموال وأملاك، مثلاً غاغارين عندما صعد إلى الفضاء أول مرة يذهب واحد للفضاء، كان حديث الكون والناس تتابع المركبة الفضائية السوفياتية كيف خرجت إلى الفضاء، حبسنا أنفاسنا كان فوزاً مبيناً. ثم زار غاغارين جميع دول العالم وفي كل دولة من دول العالم يستقبلونه استقبال الأبطال، زناس تأخذ معه صوراً وصار ملياردير والكل يعطوه هدايا، هذا صار عظيماً بعدما كان مبيناً. بعدما اشتهر واستغرب الناس كيف خرج إلى الفضاء، ويتكلمون ومع هذا حقق أرباحاً لأن جميع رؤوساء العالم رضوا عنه وعاملوه بمنتهى الاحترام، لقي رضى العالم بأجمعه. مثلاً في كرة القدم، كان بيليه ملك قلوب الناس وقبل سنوات كان مارادونا، وهؤلاء أصبحوا محبوبين من جميع العالم وجميع العالم راضي عنه وهو رضي عن العالم. تبين أن أجمل وأعظم وأغلى نعمة في الكون أن تُحِب وأن تُحَب أنت تحب كل الناس وكل الناس يحبونك، هذه نعمة لا يعرفها إلا من حاز عليها، يقول الله تعالى عن هؤلاء (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) المائدة) في الحديث عن النبي صلى الله علهي وسلم يتحدث عن بيعة العقبة حيث بايعه سبعين رجلاً قال تعالى (فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التوبة) هذا فوز ما بعده فوز، يقلب الفوز المبين إلى عظيم يكسبه مكاسب هاائلة. رب العالمين في حديث لما يدخل أهل الجنة الجنة يقال لهم هل تريدون شيئاً بعد؟ يقولون لا، ماذا يمكن أن تعطينا أكثر من هذا الذي نحن فيه؟ قال أن أرضى عنكم. حينئذ يشعرون بنعمة خيالية، فنعمة الرضا يوم القيامة بدون تشبيه من ضرب الأمثال تخيل أنت نجم عالمي في الرياضة، في السياسة، في الاقتصاد، رؤوساء دول في العالم محبوبون قاموا بجهود إنسانية، مثلاً كارتر الرئيس الأميركي الأسبق إلى الآن أينما يجد مشاكلاً يذهب لحلها أينما كانت ويقول هذا معتدي وهذا صادق، أصبح محبوباً عند العالم وهو ليس لديه مشكلة مع أي دولة في العالم، يذهب لأية دولة، هناك رؤوساء عظماء لكن نصف العالم يكرههم وهم يكرهون نصف العالم، ما يشعر باللذة، لذته في أن تنعم بالرضا. تكلم الله سبحانه وتعالى عن سيدنا عيسى عندما قال (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) المائدة) (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) المائدة) ما من نعمة أعظم من أن يرضى الله عنك يوم القيامة. إذا رضي الله عنك ثم يرضيك بعدها بشيء لا تجد له أي بديل، كيف؟ ملك من الملوك أعطاك سيارة وبيت هذه نعمة، ثم يسلم عليك عندما يراك وفي يوم من الأيام يأخذك أمام الناس بين أحضانه ويقبلك ويعلن حبه لك ويمدح بك وأنك من أصدقائه حينها أنت تزهد بكل ما أعطاك بل بكل ملك الدنيا. هذا الفرق بين أهل الرضى وأهل الجنة، الجنة أكل وشرب وشهوات لنا نحن المساكين، أما الأنبياء والشهداء والصديقون رضي الله عنهم ورضوا عنه كل الجنة لا تساوي عنده شبر ولا لقمة تجاه رضي رب العالمين. إسألوا الله الفردوس الأعلى فإنها مقصورة الرحمن.
==========فاصل===============
الفوز المبين يصبح عظيماً برضى الملك وكل الناس يعرفون إذا كنت من حاشية الملك فرق بين أن تفرح بالنعمة وبين أن تفرح بالمنعِم، ولهذا أصحاب الألباب يعرفون ماذا يعني الرضا. قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) الضحى) (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) هذا الرضى يجعل ذلك الفوز عظيماً.
د. نجيب: لعلك تشير إلى سيدنا يوسف عليه السلام، خروجه من السجن فوز وكونه عبداً وخادماً فيعيّن وزيراً من الوزراء فوز مبين وتملكه زمام العالم ووالديه وإخوانه فوز عظيم.
د. الكبيسي: يقول تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) التوبة) هؤلاء هم السابقون. الفوز العظيم هو الذي يرفعك درجات بحيث لم تعد الملذات مهمة، الجنة شهوات أكل وشرب ونساء وقصور، هذا عظيم ونحن كلنا نريد ذلك نفكر بالقصور والحريم والشهوات وأكل، هذا ما في بالنا، هذا الذي يقول وعوتك وجلالك لو ألقيتني في النار ما شكوت منك، هذا الحب وهذا سوف يقابل بالرضا ولذلك هناك طبقيات هائلة في الجنة، هذا الصائم إذا أدى شروط الصوم بكل أركانه وشرائطه وآدابه يدخل من باب مخصوص في غاية الرقي يسمى الريان من ساعة ما يدخل يشعر أنه إنسان آخر ويستقبل استقبال الملوك، لا يوجد ملك يوزر ملكاً آخر ويسال في نفسه ماذا سيطعمني الملك اليوم! هذا ليس ملكاً، أما الملك فيسال كيف سيستقبلني، كيف سيمدحني أمام الآخر؟ يتكلم عن المعنويات وعن الروحانيات أما الماديات فهي لحراسّه. هذا الفوز العظيم يترتب على كونه مبيناً، هذا الفوز العظيم لا يأتي لمجرد الفوز، يعني واحد نجح خمسين بالمائة هذا مجرد فوز هذا ليس عظيماً، العظيم لمن بدأ فوزه مبيناً كان حديث الناس، هذا ينقلب إلى فوز عظيم. الكلام طويل والآيات التي فيه أعجزبة، دقائق التعبير الإلهي في هذا الباب إعجاز لغوي.
هذا الفوز العظيم إذا كنت سوف تضحي بنفسك من أجله، دفعت ثمنه نفسك، أوشكت أن تموت بل مِت، أوشكت أن تُقتل بل قتلت، أنت لما أقدمت على العبادة أنت متأكد أنك لن تنجو، ستموت، هذا يسمى الفوز الكبير. الفوز الكبير عندما يصبح خالداً في الدنيا والآخرة، فوز الدنيا والآخرة يسمى الفوز الكبير، الكل يتحدث عنه. كلنا يعلم أصحاب الأخدود (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) البروج) لأنهم دفعوا حياتهم وأصبحوا قصة التاريخ. عندما تكون بطولتك لوجه الله يتحدث عنها العالم كما تحدثنا عن أصحاب الأخدود، جعلوا لهم شقاً من النار وفيه نيران هائلة وكانوا من جماعة سيدنا عيسى أو موسى ولا فرق، قالوا إما أن ترتد وتعبد معنا الأوثان أو نضعك في النار، قال ضعوني في النار ووضعوه في النار ولم يرتد ولا واحد. وكلنا نعلم بطولة ماشطة ابنة فرعون، فرعون كان لديه بنت جميلة وذكية ولديها ماشطة تمشط شعرها، صارت مؤمنة بالله وعندما أربعة أولاد فسقطت المشط من يدها في أحد الأيام وهي تسرّح شعر ابنة فرعون فلما التقطته قالت بسم الله، قالت البنت يعني أبي؟ قالت لا، هو ربي ورب أبيك، قالت البنت من هو ربي؟ قال الله، قالت البنت أليس ربك هو أبي؟ قالت لا، ربي الله، فذهبت البنت وأخبرت أباها فقال فرعون للماشطة أن أهلها تربوا عند فرعون كيف تقولين هذا الكلام؟ إرجعي عن كلامك، قالت لا أرجع ربي الله فجعلوا لها فرن كبير من النحاس وأوقدوا فيه النار ووضعوا أولادها الأربعة واحد تلو الآخر في هذا الفرن وما تراجعت وما ارتدت ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج شمّ رائحة طيبة فقال يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال هذه رائحة ماشطة بنت فرعون.
الفوز المطلق فقط مجرد نجاح بأي شكل المهم أنك لست في خطر (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)، هذا الفوز إذا كان مدوياً ولم تكن تتوقعه هذا فوز مبين. والفوز العظيم هو الذي يجني ثماراً هائلة من فوزه وهو أعظم ما في الجنة وهو الرضا (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الفوز الكبير هذا أرقى الأنواع، نحن عندنا العيد الكبير، المسجد الكبير، العلامة الكبير، كل شيء عظيم متفوق على أقرانه فهو كبير. ولهذا الفوز الكبير هو أرقى أنواع الفوز ولهذا ما جاء في القرآن إلا مرة واحدة على أصحاب الأخدود وفي هذا كفاية. كل فوز كان ثمنه أنك وهبت حياتك أو أوشكت يسمى هذا فوزاً كبيراً. مثلاً أهل بدر كانوا سيموتون كل الأشياء العظيمة في التاريخ لو تقرأوها تجدون عجباً. الفوز الكبير موقف في حياتك، موقف سيدنا حمزة عندما ضرب أبو جهل وقال له رُدها إن استطعت ورفع رأس المسلمين وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشعر بشيء من المهانة من هذا فجاء حمزة وضرب أبو جهل بقوة في ناديه وقال رُدّها لو استطعت فألغى المهانة وانقلبت على هذا الكافر بشكل رهيب. والتاريخ مليء بمثل هذه التصرفات. مثلاً عمرو بن ودّ كان يقدّر بأربعة آلآف فارس، في حصار الخندق حاضرت جميع أمم الشرك هؤلاء المسلمين في الخندق وفي منتصف الليل وكان ليلاً بارداً وريح وهواء بارد استطاع عمرو بن ود وجد مكاناً من الخندق وعبر عليه ورآه المسلمون أمامهم فقال أين أنتم يا مسلمون؟ يا محمد أين قومك؟ من يبارز؟ فقال عليّ بن أبي طالب قال يا رسول الله أنا أبارزه والرسول صلى الله عليه وسلم يقول له إجلس، واستمر عمرو بن ود بالاستفزاز وصار يشتم المسلمين فطلب علي ابن أبي طالب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم ليبارزه فأذن له وأعطاه سيفه ودعا له وسيدنا عليه بدون ترس وذاك معه حصان ومتترس بالدروع وغيرها، وسيدنا علي كان شاباً في الخامسة والعشرين وذاك كان رجلاً طويلاً قال له من أنت يا بني؟ قال أنا علي بن أبي طالب، فقال إن أباك صديقي وما أحب أن اقتلك فقال عليّ لكن أنا أحب أن أقتلك وصار علي بن أبي طالب يستفزه ويتحداه إلى أن رماه بحفنة من التراب فغضب غضباً شديداً إلى أن نزل عن فرسه وخلع درعه ونزل للمبارزة وما هي إلا جولتان وسيدنا علي يقتله بضربة قاضية فيموت، كبّر المسلمون وفرحوا لما قتل بهذه الثواني في المبارزة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقتل عليّ لعمرو بن ود يعدل عمل أمتي إلى يوم القيامة، ألغى هذا الذل الذي كان سيركبهم.
==========فاصل==========
لا بد أن يكون لكل إنسان موقف في التاريخ. يقال لما جاء المغول وهولاكو إلى بغداد ودلهم رجل إسمه ابن العلقمي على بغداد وبدأوا يقتلون العراقيين بالآلآف فقام رجل من الجنود الذين كانوا عملاء للتار ضرب هولاكو بالحذاء فانكسر الجيش وخرج المغول من العراق وذهب هذا الرجل الذي كان اسمه عبد الله بن جهشم فصار إسمه في التاريخ كله. ما هي مواقفنا نحن؟ إذا واحد أغضبك وأنت في موقف تستطيع أن تعفو عنه فعفوت هذا موقف هائل. عندك مبلغ من المال تدخره لغرض فرأيت واحداً محتاجاً عنده عملية أو أنه سيسجن فأعطيته المال هذا موقف هائل، هذا فوز كبيرز أنت نائم في غرفة جميلة ومعك زوجة شابة وأنت نائم في ثلث الليل الأخير قمت تصلي رب العالمين يقول انظروا إلى عبدي هجر فراش حبيبه من أجلي أشهدكم أني قد غفرت له. واحد عنده ناس قطاع طرق وأعداء يجتاحون مدينته وهو يدافع عن هذه المدينة من هؤلاء اللصوص الأقوياء وكان معه عشرات من الرجال لكنهم هربوا وتركوه وحيداً وكان بغمكانه هو أن يهرب لكنه بقي يحارب اللصوص إلى أن قُتل يقول تعالى انظروا لعبدي صبر لي بنفسه ولو شاء لهرب كما هرب أصحابه. إذا رزقك رب العالمين بموقف صعب في حياتك فهذا فوز. جاء رمضان وبينك وبين أحد خصومة فاتصلت به واستسمحته هذه صعبة على النفس لكنك تقوم بها (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت) فاختر لنفسك موقفاً واحداً من هذه الماقف تفوز يوم القيامة فوزاً كبيراً. أبو بكر كان عنده موقف وعمر وعثمان وحمزة والبدريون لهم موقف وأم عمارة لها موقف فخذ لك موقفاً في حياتك تفوز فوزاً كبيراً.
د. نجيب: هذه المواقف تكون مفترق طرق في التاريخ كموقف آسية زوجة فرعون عندما قال (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) القصص)، موقف رجاء بن حيوى عندما كانت الأمور مختلطة ورشح عمر بن عبد العزيز.
د. الكبيسي: الجماعة الذين جاؤا يقاتلوا سيدنا الحسين مع ابن أبي زياد انقلبوا معه والحسن نفسه أصلح الله به بين فئتين من الأمة. هذا عز الدنيا والآخرة.
د. نجيب: وموقف سيدنا أبو بكر الصديق في حروب الردة من مانعي الزكاة، وموقفه من النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج قال إن كان قالها فقد صدق.
د. الكبيسي: الفوز الكبير في الدنيا معروف وفي الآخرة معروف، في الدنيا محبوب وفي الآخرة ملك، هذا الفوز الكبير. هذه المواقف رزق من رب العالمين. هناك رجال أشداء لكن ليس لديهم مواقف، سيدنا آدم قال عنه تعالى (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) طه)
د. نجيب: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) فاطر) فلعل هؤلاء من السابقين. نسأل الله تعالى أن يلحقنا بهؤلاء المسارعين إلى الخيرات وبالسابقين. وباسمكم جميعاً أتقدم بالشكر الجزيل لشيخنا الجليل على هذه الفرائد والفوائد المباركة داعين المولى سبحانه وتعالى أن يتم علينا هذه النعمة وكل عام وأنتم بخير.
بُثّت الحلقة بتاريخ 25/9/2009م
———————————
رابط الحلقة فيديو:
الروابط:
الجزء الأول:
http://video.yahoo.com/watch/6066731/15765147
الجزء الثانى:
http://video.yahoo.com/watch/6066927/15765468
الجزء الثالث والأخير:
http://video.yahoo.com/watch/6067377/15766315
الحلقة كاملة:
http://video.yahoo.com/watch/6065345/15761968
روابط تحميل الحلقة فيديو wmv
على واحد من هذه الروابط
http://rapidshare.com/files/285454937/25-9-2009.wmv.html
http://www.MegaShare.com/1484878
http://www.mediafire.com/download.php?ntimg2zdhmm
روابط الحلقة mp3 :
على واحد من هذه الروابط
http://rapidshare.com/files/285226116/25-9-2009.mp3
http://www.megaupload.com/?d=3G609WXA
http://depositfiles.com/en/files/f53lzjowj
http://www.filefactory.com/file/a0cb6d7/n/25-9-2009_mp3