في رحاب سورة

في رحاب سورة الكهف – 2 – د. محمد صافي المستغانمي

في رحاب سورة

د. محمد صافي المستغانمي

قناة الشارقة – 1436 هـ

الحلقة 4 – في رحاب سورة الكهف – 2

تقديم الإعلامي محمد خلف

تفريغ موقع إسلاميات حصريًا

يعرض مساء الأحد الساعة 9 ليلا بتوقيت مكة المكرمة ويعاد الإثنين الساعة 11.30 ظهرًا.

سر الدعاء في سورة الكهف:

لهذا الدعاء الذي ورد في سورة الكهف (رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) سر من الأسرار.

لا بد أن ندعوا بأدعية القرآن الكريم لأن فيها أسرار عرفناها أو لم نعرفها ما بثها الله في قرآنه العظيم إلا لأن لها أسرار وكذلك ندعوا بأدعية الرسول صلى الله عليه وسلم.

العلماء قالوا استجاب الله دعاء هؤلاء الفتية فقيض لهم كهفا عظيما وجعله مناسبا لعيشهم زمنا طويلا ليمكثوا فيه فترة طويلة، فتية يمكثون هذه الفترة نائمين ولا يصيبهم شيء حفظهم الله جلّ جلاله وكلأهم ورعاهم وجعل الشمس تزاور إذا طلعت عليهم وقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وجعل كلبهم باسط ذراعيه يحرسهم وهذا كله رحمة واحدة من رحمات الله تعالى. دعاؤهم كان عظيما إلى درجة أن الله سبحانه وتعالى علّمه رسوله صلى الله عليه وسلم (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ﴿٢٣﴾ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ﴿٢٤﴾) استفد من قصة أهل الكهف وردد نفس الدعاء وقل عسى أن يهديني رب لأقرب من هذا رشدا (وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) دعاء عظيم علمه الله تعالى للفتية فاستجاب لهم وعلمه للرسول صلى الله عليه وسلم

هذا الدعاء فيه شيئان اثنان: فيه رحمة وفيه رشدًا. رشدًا علمه النبي صلى الله عليه وسلم قال (وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) وموسى عليه السلام (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿٦٦﴾) اطلب علما راشدا نافعا مباركا. الكلمة رشدا مصدرها رُشد، رُشد ورشدا وردا في سورة الكهف فخط السورة مبني على الرشد حتى لما قال (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) لم ترد في القرآن كله إلا في هذا الموضع وردت وليّ ولا شفيع، وليّ ولا نصير، وليّ ولا واق، وليّ ولا حميم، أما وليًا مرشدا (مرشدا اسم فاعل من رشدا) فلم ترد إلا فيها لأنها مبنية على الرشد. مثلا ورد في سورة الرعد (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ) [الرعد: 37] تناسب ذكرها في السورة مع ورود قول الله تعالى (لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ﴿٣٤﴾) فكل كلمة تتناسب مع سياق السورة التي وردت فيها.

(فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)

(وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا)

(وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا)

(قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿٦٦﴾)

الخط الثاني هو الرحمة الفتية طلبوا من الله رحمة فقيّض لهم رحمات. الرجل الصالح قال (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴿٦٥﴾) رحمة مع علم لدنّي، هذا مقصود. لذلك أهل الكهف أعطاهم الله رحمة واحدة والعبد الصالح أعطاه رحمة وعلما من لدنه وذو القرنين لما بنى السد وأقامه (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) لما نصب لهم ذلك السد المنيع لم يقل هذا من فضل ربي أم من نعم الله عليّ وإنما قال (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) لأن سورة الكهف مبنية على الرحمة والغلام الذي قتله العبد الصالح قال (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴿٨١﴾) الرحمة مقصودة في قصص السورة وهي خط من خطوط السورة والرشاد والرشد خط من خطوط السورة أيضًا. وكذلك حسن في السورة أيضًا (أجرا حسنا).

(رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً)

(فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ)

(وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ)

(فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا)

(فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴿٨١﴾)

(وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ)

(قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي)

قصة الكهف سميت السورة باسمها في دلالة على هذه القصة التي وردت فيها وربما تكون من أعجب وأعظم القصص في السورة (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ) الرقيم كلمة اختلف فيها كثيرا وتوقف عندها حبر الأمة ابن عباس. (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) ما دلالة كلمة الفتية؟

سماهم في البداية (أصحاب الكهف) (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ) هذا سؤال بلاغي، إظهار في محل الإضمار. المقتضى اللغوي أن يقال “أم حسبت  أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا إذ أووا إلى الكهف”، كأن نقول جاءني الأستاذ فلان ودرس وعرض عليّ، لا يكرر المسند إليه. لو ترك وقا:ل أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا إذ أووا إلى الكهف يتساءل السامع هل كانوا شبابا؟ هل كانوا شيوخا كبارا؟ ما شأنهم؟ إظهار بدل إضمار ليبين حقيقتهم (إذ أوى الفتية) فهم فتية وهم أصحاب الكهف فأتى الله باللفظين ليبين حقيقتهم.

ما مدة لبثهم في الكهف؟

أرجح أن هذا ليس هو العدد، اختلف في عدد الفتية (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) الله جلّ جلاله يعلم كم عددهم لكنه لم يذكر عددهم بالتفصيل والقصص القرآني لا يهتم بالأعداد ولا الأسماء ولا المكان ولا الزمان فإذا اهتم بها القارئ ذهب المراد من القصة، فالقصة في القرآن تساق للعبرة والموعظة (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) لو قال القرآن كان عددهم ثلاثة لقال القرشيون نحن ورد في كتبنا خمسة ولو قال ستة لقالوا ورد في قصصنا سبعة، يعني الله جل ثناؤه لم يعطهم فرصة للتكذيب فقال (ما يعلمهم إلا قليل) ابن عباس قال: وأنا من القليل إن شاء الله لأنه أوتي فهمًا في القرآن. فالقرآن لم يحدد عددهم. بعد بضعة آيات قال (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴿٢٥﴾) هذا فيها اعجاز علمي أن 300 سنة شمسية تساوي 309 سنة قمرية. (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) هل هذا هو الزمن؟ لا، لأنه علينا أن نقدر فعلًا هنا ويقولون لبثوا كما قال في البداية (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ وهنا يقدّر فعل ويقولون لبثوا في كهفهم، لماذا نضمر؟ لأن الجواب في الآية (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا) الله أعلم بما لبثوا ولو كانت المدة 309 سنين هي المدة المرادة فلماذا قال الله تعالى بعدها (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا)؟ لو قال (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) على وجه التقرير لما كان هناك جدوى من قول (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا) فهذه الواو (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) واو عاطفة في فعل محذوف يدل عليه الكلام السابق. (مثل الجنة التي وعد المتقون أكلها دائم وظلها) هي أكلها دائم وظلّها دائم، من أين عرفنا أن ظلها دائم؟ من أكلها دائم، ما دام في السياق ما يدل نحذف. أعظم بيان بيان القرآن. عودنا القرآن أن علينا أن نقدر كلمات فلماذا لا نقدر هنا؟ والآية اللاحقة تدل على هذا التفسير. بعض العلماء يميل إلى أنهم لبثوا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا وأنا أظن أنه مرجوح بالدليل الذي ذكرته وهذا ذكره الإمام قتاده في تفسير الزمخشري في الكشاف فأنا أرجح للأدلة اللغوية.

قصة صاحب الجنتين:

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ﴿٣٢﴾ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ﴿٣٣﴾)

هذه القصة هي من القصص الركن في هذه السورة لم ترد في غيرها في القرآن (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ) آتت لم يقل آتتا لأننا عندما نستخدم (كلتا) يأتي الفعل مفرد. (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا) ولم تنقص منه شيئا، ترددت كلمة (ظلم)

(وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا) قال العلماء نظرا لخصب هاتين الجنتين آتت أكلها قبل النهر، فالنهرللجماليات ولمزيد من الاحتياط (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا) زيادة في الاحتياط المائي وزيادة في المنظر. تخيل جنتان من أعناب وزروع وبينهما نهر. الرجل اغتر بماله واغتر بجنتيه ويا ليته توقف عند (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ﴿٣٥﴾) لكنه استرسل واستبعد الساعة (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً) ثم غرور زائد عن كل لزوم (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) هو يريد الجنتين في الدنيا والجنتين في الآخرة بدون عمل. فهذه فتنة المال. أما صاحبه الذي كان يحاوره كان رجلا مؤمنا عاقلًا فذكره بحاله وبأصله (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴿٣٧﴾) كيف تقلّب في صلب أبيه وأمه وكان المقتضى والأولى أن يقول (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) سورة الكهف علمتنا أننا إذا أردنا الهداية والرشاد علمتنا الدعاء العظيم في قصة فتية الكهف (رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)الكهف) وهذه القصة علمتنا أن نقول (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) عندما يرزقنا الله تعالى، المال غير ممنوع في الإسلام “نعم المال الصالح للرجل الصالح” فمن أراد المال فعليه أن يقول ما شاء الله ومن أراد الصحة فعليه بدعاء أيوب (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)الأنبياء) وومن أراد أن يفرج الله كربه فعليه بدعاء يونس (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)الأنبياء) ومن خاف من قوم من سلطان يقول (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)آل عمران) ومن خاف من مكر العباد يقول (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)غافر) أدعية كثيرة في القرآن الكريم.

(إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39)الكهف) حين تراني أنا أقل منك مالا وولدا ما زلت أنا أفوض أمري إلى الله (فعسى ربي) شرطية، (فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40)الكهف) إن ترني شرطية، هذه القصة لا بد لكل مسلم إذا قرأها أن يخشى من فتنة المال ويتعوذ من فتنة المال.

مقدمة السورة دائمًا توحي بمضمونها، (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) قضية الكتاب ثم قضية الشرك (لينذر   أجرا حسنا  وينذر  ولدا) المشركون، لما تكلم عن الشرك جاء بقصة أهل الكهف تنفي الشرك وتثبت التوحيد وانتصر لأهل الكهف وعظّم شأنهم وذكر قصتهم.

بعد ذلك قال (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴿٤﴾ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴿٥﴾ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴿٦﴾) مواساة لمحمد صلى الله عليه وسلم لعلك مهلك نفسك لأجل الكافرين، (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) هذه الآية جاء تفصيلها في الآية (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) كل ديباجة لها تفصيلها. ثم قال (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴿٧﴾) تفصيلها في قصة صاحب الجنتين.

السورة القرآنية سبقت جميع البحوث العلمية، سورة الرحمن بدأت (الرحمن) ثم فصلت الآلآء، سورة الكهف ذكرت الديباجة ثم التفصيل، ذكرت في المقدمة الموضوع جملة ثم تفصله، قصة صاحب الجنتين تفصيل لقوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴿٧﴾) الأولى من رزقه الله أن يقول ما شاء الله ويزداد بهذا المال قوة ويعبد الله سبحانه وتعالى.

الدليل القاطع على أن هذه القصة هي تفصيل هذه الآية بعدها قال (إن ترني أنا أقل  صعيدا زلقا  غورا) انظر إلى لفظ صعيدا زلقا يشير إلى زميله صعيدا جرزا. الصعيد هو الأرض الخالية، اختار الله عز وجلّ من الألفاظ في البداية (إنا جعلنا من على الأرض زينة    صعيدا جرزا) أما الثانية فقال (صعيدا جرزا) نفس المعنى بمعنى خالية جرداء، لو شاء الله ما ترك لك شيئا. فإعادة اللفظ بذاته رابط بين المقدمة والقصة.

(وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)الكهف) فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ  الذي يقلب كفيه هو الخاسر النادم الذي خسر خسرانا مبينا إما يقلب كفيه أو يعض على يديه. كان يمكن وصفه أنه فأصبح نادمًا على ما أنفق فيها لكن عوضا عن التعبير بالعملية الذهنية جاء بالعملية الحركية (فأصبح يقلب كفيه) حركة يدوية كناية عن الندم والخسران، في اللغة العربية لغة الجسم في القرآن شيء عظيم (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ 119 آل عمران) (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)الإسراء) (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)الفرقان) (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)السجده) (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)الإسراء) لغة الجسم في القرآن شيء عجيب ألفت فيها كتابا سميته بلاغة النظم في لغة الجسم في القرآن الكريم هي رسالة دكتوراة. ثمة في القرآن 35 مصطلحًا للعين (خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)الملك) (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)الأحزاب) (يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)النور) (وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ (47)الأعراف) (سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا 15 الحجر)

أفصح على هذه الندامة ولم يكتفي بالإشارة بيديه (فأصبح يقلب  ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا) وما جاءت سورة الكهف إلا لتنفي الإشراك، السورة تؤكد قضية التوحيد وتنفي الشرك فجعل هذا الخسران الذي وقع فيه نتيجة الشرك بالله والاعتداد والغرور. الشرك لا يعني فقط عبادة غير الله سبحانه وتعالى وإنما الكفر بنعمة الله وأشرك بالله المال وأنكر القيامة وأنكر البعث فهذا شرك وقال (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)الكهف) في موضع آخر في سورة فصلت قال (ولئن رجعت إلى ربي) وهنا قال (رددت) المفسرون قالوا رجع بمعنى رد. قال في آية الكهف (ولئن رددت) لأنه في قصة ذو القرنين قال (ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87)الكهف) وهذا من الاتساق في القرآن وحتى في قصة موسى مع فتاه قال (فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64)) بينما في سورة فصلت (وَلَئِنْ رُجِعْتُ (50)) قال فيها (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44)الزمر) هذه مفاتيح فقط ليهتم القارئ بالتدبر.

ورد بعدها مباشرة (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)) الحديث ما زال متسقا حول الجنة وحول الماء الذي يفتن إلى أن يقول (المال والبنون).

(واضرب لهم مثل  ) هذا مثل والقرآن مليء بالأمثال ذكر هنا بالتحديد بعد قصة صاحب الجنتين ليقوي القصة ويسمى في البلاغة تشبيه تمثيلي، التشبيه العادي نقول فلان يشبه الأسد أو تشبيه بلاغي أحمد أسد، حذفنا الأداة وحذفنا وجه الشبه، أما التشبيه التمثيلي فهو نوع من أنواع التشبيه يكون فيه وجه الشبه منتزعا من متعدد (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء) لو قال (واضرب لهم الحياة الدنيا كماء) لا يتضح المعنى، (واضرب  أنزلناه من السماء   الرياح  ) وجه الشبه منتزع من كل هذا المتعدد والتشبيه التمثيلي هو تشبيه صورة بصورة وفي سورة يونس مثل قريب من هذا المثل (  فاختلط به نبات الأرض  أتاها أمرنا) المثل في سورة الكهف أوضح وآية سورة يونس لها شخصيتها. في سورة الكهف ضرب الله مثلا للحياة الدنيا بالدورة النباتية: ماء أنزلناه من السماء، اختلط به نبات الأرض، أصبح هشيما تذروه الرايح (التبن) طوى أطوارا كثيرة لم يفصل فيها وإنما ذكر الطور الأول والأخير لإفادة اضمحلال الدنيا وزوالها وهذا هو المراد بالمثل هذه الدنيا لا تدوم ولو دامت لغيرنا ما وصلت إلينا، ولو دامت لدامت لقارون وفرعون. الله تعالى يريد أن يصف لنا اضمحلال الدنيا وزوالها فضرب لها هذا التشبيه التمثيلي. ويؤكد المعنى ما ورد في الآية التي تليها (المال والبنون زينة   الباقيات الصالحات  ) هذا تصحيح للقيم، في الآية السابقة ضرب لنا الصورة وهنا كلام صريح جدا، المال والبنون زينة وليست قيمة، تصريح وليست مبدأ وليست آلهة تعبد. والباقيات الصالحات إما أنها (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) رمز للعبادات جميع العبادات هي الباقيات الصالحات بما فيها هذه الكلمات الطيبة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم غراس الجنة.

ثم وردت في سورة الكهف قصة إبليس ورفضه السجود (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50))وهي قصة تكررت في القرآن في أكثر من موضع وإن كان ورودها في هذه السورة يختلف عن ورودها في السور الأخرى. (وإذ قلنا  بدلا) ففسق عن أمر ربه كان لإبليس أعبد من الملائكة وهو ليس منهم (كان من الجن) فسق بمعنى خرج وابتعد كما تفسق الرطبة وخرج عن أمر ربه بالسجود لآدم وفي آية أخرى قال (واستكبر) الجديد في هذه الاية أنها بينت نسبه (إبليس من الجن وليس من الملائكة كان مطيعا ولكن لما رد الأمر على الآمر وانشغل بما لديه وتكبر على آدم فسق عن أمر ربه كانت عاقبته خسرانا وطرده ربه من الجنة.

وبعدها قال (أفتتخذونه وذريته أولياء  ) لا ينبغي أن تشركوا به وتتخذوا ذريته أولياء كما اتخذ المشركون في عهد أصحاب الكهف اتخذوا من دون الله ولدا، هذا التناسق (قالوا اتخذ الله ولدا)وهذا كلام خطأ وهنا قال (أفتتخذونه وذريته  أولياء من دوني) لا ينبغي (أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء) أتى بقصة إبليس وإبائه للسجود وذكر كيف أننا لا ينبغي أن نتخذه وذريته أولياء وفي النهاية أعطتنا الخلاصة (أفتتخذونه وذريته..)

قصة موسى مع العبد الصالح

هذه القصة لم ترد في القرآن إلا في سورة الكهف لغرابها وجمعها لكل غريب مع أن قصة موسى أكثر القصص دورانا وتكرارا في القرآن

الأرجح عند بعض العلماء أن العبد الصالح نبي وليس رسولا إلى جهة معينة والأولى أن نكتفي بالتعبير القرآني (العبد الصالح) وورد في السنة تسميته الخضر.

الله تبارك وتعالى علّمه من لدنه علما وأراد تبارك وتعالى أن يعلم موسى درسا عظيما وقصته مع العبد الصالح تقينا من فتنة العلم والاغترار به، المفترض أن نأخذ العلم نأخذه وسيلة لنتقرب إلى الله ونعبده لكن لا نغتر به، نطلب المال لكن لا نغتر به

هذا الرجل الصالح علمه الله علما لدنيا أما موسى عليه السلام فعلمه شرعي أنزل الله عليه التوراة. والعلم الشرعي هو العلم وفق الأحكام، علم محمد صلى الله عليه وسلم علم شرعي هو القرآن وفق الظاهر أما العلم اللدني فهو علم غيبي خصّ الله هذا الرجل الصالح به وهو مشتق من لدن الله، هو من علم الغيب، لكن التصرفات فيه لا تكون وفق الظاهر، كليم الله أنزل الله عليه التوراة وكلمه واصطفاه ولكن الله اصطفى هذا الرجل الصالح بعلم غيبي فتصرفاته وفق هذا العلم الغيبي وموسى كان يتصرف وفق العلم الشرعي، ركبوا في السفينة كان يفترض أن يقول لهم جزاكم الله خيرا لكنه خرق السفينة، أصحاب السفينة أكرموهما.

(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)) كان مع موسى فتى، البحرين منطقة معينة حددها الله له، حقبا فترة طويلة من الزمن من الحِقب. (فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)) لا بد من اتخذا الزاد واتخاذ الأسباب. لما قال حوتا يقصد به الزاد بشكل عام وكان فيه نوع من السمك (فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)) هذه الإشارة التي أرشد الله تعالى موسى أن المكان الذي تفقد فيه الحوت سوف تجد الرجل الصالح. الأمر منتظر ولكن الفتى أنساه الشيطان، اتساق بين نسيان الفتى ونسيان محمد صلى الله عليه وسلم (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)) هنا لم يذكر الشيطان تأدبا

لقاء موسى بالرجل الصالح (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)) أدب الحوار وأدب النبوة موسى عليه كان أعلم الناس في وقته ولكن الله بعثه إلى هذا الرجل الصالح الذي آتاه الله رحمة من لدنه وعلما من لدنه وهو كليم الله اصطفاه (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)طه) شيء عظيم ولم يكلم الله تعالى أحدا سواه وهو يقول (هل أتبعك  رشدا) ومع هذا قمة الأدب أدب الطالب مع المعلم (هل أتبعك  ) ألطف أسلوب ما قال له علّمني أو أريد أن أتعلم وقال (مما علمت) من بعض ما عندك من العلم ولم يرهقع ويقول أعطني كل المعلومات التي عندك، أدب العلم وأدب الطالب مع العلماء هو ما نستفيده من هذه القصة. (رشدا) علما نافعا.

الأستاذ من حقه أن يشترط (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)) كان صادقا فقال أنت لديك علم لم يعلمني الله إياه وأنا لدي علم لم يعلمك الله إياه. قال موسى (قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)) ثقة طالب العلم الذي لديه جرأة وثقة بنفسه ولديه جلد وصبر على التحمل. العلم يرسخ بالملازمة ما قال علمني وإنما قال أتبعك: لا بد أن أتبعك وأمشي في ركابك، يمكن للعلماء أن يستنبطوا من قصة موسى مع العبد الصالح آداب العلم وطالب العلم في كلام موسى في أدبه ولطفه مع الرجل الصالح في جواب الرجل الصالح ولكن موسى كان رجلا ذا ثقة بنفسه. (قال ستجدني صابرا) موسى استفاد من درس محمد صلى الله عليه وسلم وقال (ستجدني إن شاء الله) محمد صلى الله عليه وسلم لما أجاب مشركي قريش ما قال إن شاء الله

خوطبت الأمة بشخص نبيها الأمة تخاطب بشخص النبي (يا ايها النبي) خطاب لللنبي لكنه للأمة من بعده وهناك خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم

اشترط عليه (قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)) من حق الأستاذ أن يشترط على طالب العلم.

(فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)) خرقها من غير سابق إنذار وما فعل أهل السفينة شيئا وفي عرف موسى وعرف الناس جميعا هذا خطأ، أما في عرف الرجل الصالح قال (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72))

(فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)) غلام صغير قتله، في السفينة نسي موسى أما هنا لم ينسى وإنما غضب موسى غضبة قوية (لقد جئت شيئا نكرا) منكرا فظيعا، فأكد (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75))

هنا قال (ألم أقل لك) هنا القضية وجّه له الحديث المباشر وقبلها قال (ألم أقل إنك لن تستطيع) وقال مرة إمرا ومرة نكرا

القصة كلها درس في الآداب والأخلاق بين المعلم والطالب.