بينات – رمضان 1433 هـ
الحلقة 15
الآية 162-
الشيخ محمد الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مشاهدي الكرام نحن معكم اليوم في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم بينات والذي نتفيؤ فيه ظلال سورة النساء وقد وصلنا فيها إلى قول الله عز وجل في الآية الثانية والستين بعد المئة (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)). هذه الآية مشاهدي الكرام جاءت بعد ما ذكر الله عز وجل جملة من معايب اليهود ومثالبهم وذنوبهم ومصائبهم وما أحل بهم من العقوبات جزاء لهم على ما فعلوا لكن القرآن يعلمنا العدل ويأمرنا بالإنصاف فربنا سبحانه وتعالى يبين أن بعض اليهود قد نجوا من تلك المآثم والمصائب والمعايب لأنهم كانوا راسخين في العلم ومنهم الصحابي الجليل عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه وأرضاه فإنه لما رأى صفة النبي صلى الله عليه وسلم أسلم وبادر إلى الإسلام. تحدثنا في المجلس الماضي عن الرسوخ العلمي وأهميته وأن طالب العلم ينبغي له أن يكون راسخاً في العلم متمكناً من العلم الذي يصبو إلى أن يكون إماماً فيه وأنه لا يكتفي بقراءة بعض المقدمات أو الكتب أو يكتفي بقراءة مثلاً أخبار أو جرائد أو مجلات أو يذهب إلى صغار الطلاب أو من يكبره قليلاً ليتعلم منه ويكتفي بذلك بل عليه أن يجلس إلى الكبار وأن يكثر من مدارسة ذلك العلم وجمع كتبه والقراءة في مسائله وتحرير قضاياه قضية، قضية حتى يتمكن منه. نعود مرة أخرى مشايخنا الكرام معنا الدكتور عبد الرحمن الشهري والدكتور مساعد الطيار إلى هذا الموضوع مرة أخرى هل من تعليق يا دكتور مساعد؟
الشيخ مساعد الطيار: نعم نحن دخلنا في بعض القضايا المرتبطة بطلب العلم وعلاقتها بالرسوخ العلمي وكان الحديث حقيقة عن مسائل أرى أنها مهمة لطالب العلم وكثيراً ما يتساءل طالب العلم عنها. والموضوع موضوع العلم وطلب العلم سبحان الله هو في أصله هو توفيق من الله سبحانه وتعالى يعني لو سألت أنت العالِم كيف تعلمت؟ هل أنت خططت لنفسك أن تكون هكذا؟ ستجد أنه لم يفعل هذا من ذات نفسه يعني التخطيط الاستراتيجي في بعض الأحيان ليس له مقام في مثل هذا وإنما هي منّة من الله سبحانه وتعالى على هذا العبد فتوجه إلى هذا التوجه. لكن هناك لا شك بعض الأمور التي يمكن أن يجتهد فيها طالب العلم ليصل فيها إلى حد الرسوخ ولا شك أنه الاستفادة من المتقدمين ومعرفة أحوالهم وسيرهم وكيف بلغوا هذا؟ مثل قول الشافعي رحمه الله تعالى قال يذكرون عنه قال: لو اشتريت بصلة ما تعلمت مسألة. فهذه تشير إلى مسألة مهمة جداً وهي الحرص على التفرّغ. وأنا أنبّه هنا إلى مسألة مهمة جداً وهي الأوقاف التي تكون لطلاب العلم نحن مع الأسف في هذه الأزمان نفتقدها شيخ الإسلام ابن تيمية، ابن كثير، ابن القيم، تقي الدين السبكي من علماء الشافعية وغيرهم من العلماء، السيوطي، السيوطي اعتزل بيته لما بلغ الأربعين اعتزل وتفرغ للتأليف من أين كان ينفق على نفسه؟ هي من الأوقاف يعني أوقاف مخصصة لهؤلاء العلماء، هذه المدرسة الصالحية لها أوقاف من يدرس فيها له مرتب معين يأخذه من كان من علماء الحنابلة لهم أوقاف خاصة، الشافعية لهم أوقاف خاصة، الحنفية لهم أوقاف خاصة، المالكية لهم أوقاف خاصة، فهذه الأوقاف كانت تدر على العلماء وينتجون الموسوعات العظام إنما كانت في هذه الأوقات التي كان يقال عنها أنها عصور انحطاط مثل صبح الأعشى للقلشقندي أو مثل خزانة الأدب للبغدادي أو غيرها من الكتب الكبيرة والضخمة أو تاريخ الإسلام للذهبي أو سير أعلام النبلاء أو غيرها من الكتب العظام كلها كانت في هذه الفترة من أين كان هؤلاء يستطيعون أن يتعيشوا إلا من هذه الأوقاف؟ فأنا أقصد من ذلك أن الرسوخ في العلم له طريق يمكن أن يوصل إليه بعد توفيق الله سبحانه وتعالى نحن إنما ذكرنا بعض الإلماحات في هذا الموضوع ويمكن أن يرجع إلى كتب التي تكلمت عن العلم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: أيضاً هذه الآية فيها إشارة إلى أن الرسوخ العلمي ممدوح حتى في الشرائع السابقة وأن اليهود والنصارى فيهم أهل علم وأهل رسوخ علمي ويتفاوتون في طبقاتهم ولذلك عبد الله بن سلام رضي الله عنه كان من كبار علماء اليهود فعلاً حتى أنه لما أراد أن يسلم قال للنبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ مساعد الطيار: وهذا من حكمته.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: يا رسول الله إن اليهود قومٌ بُهْت.
الشيخ مساعد الطيار: يعرفهم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني لو أسلمت وعلموا بإسلامي من الآن سوف يبهتونني حقي فاُدعُهم يا رسول الله وأسألهم عني فلما دخول على الرسول صلى الله عليه وسلم: يا معشر يهود عبد الله بن سلام
الشيخ محمد الخضيري: ما هو فيكم؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: كيف هو فيكم؟ وعبد الله يستمع من وراء الستار قالوا: هذا عالمنا وابن عالمنا وخيرنا وابن خيرنا يبدو أنه كان مقدم جداً عندهم فلما سمع هذا الثناء وهذا الإطراء وهذا الفخر به خرج وقال يا معشر يهود أشهدكم أنني قد أسلمت وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله قالوا فعلت ذلك؟ قالوا أنت شرّنا وابن شرّنا.
الشيخ محمد الخضيري: بنفس اللحظة.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني كما تقول نفس المشهد الشاهد أن الرسوخ ممدوح حتى عندهم وأيضاً هنا في هذه الآية الله يقول (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، (وَالْمُؤْمِنُونَ).
الشيخ محمد الخضيري: الراسخون في العلم منهم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: فأولاً قال الراسخين في العلم وقدمهم وهذا دليل على فضل العلم التقديم هنا الأمر الثاني أن هناك من كانوا مؤمنين بموسى عليه الصلاة والسلام إيماناً حقيقياً بدليل أنهم كانوا يعرفون أنه مبشر بمحمد في التوراة فبمجرد أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم آمنوا به إيماناً بما ذكره لهم موسى فشهد لهؤلاء وشهد لهؤلاء. فهذه فيها إشارات أولاً الثناء على المؤمنين الصادقين منهم الذين قادهم إيمانهم وأيضاً الثناء على الراسخين في العلم منهم الذين قادهم رسوخهم في العلم إلى الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وللهداية.
الشيخ محمد الخضيري: وقد يكون المراد بالمؤمنين هنا والله أعلم هم المؤمنون من هذه الأمة المهاجرين والأنصار يعني (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) أي من أهل الكتاب (وَالْمُؤْمِنُونَ) أي من هذه الأمة قال (يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) يا محمد (وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) على الأنبياء السابقين كالتوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود ثم قال (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ).
الشيخ مساعد الطيار: لكن يا أبو عبد الله ما تلاحظ إن السورة أو قصدي الآيات كلها في اليهود.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: اليهود يعني المؤمنون هنا.
الشيخ مساعد الطيار: فإدخال المؤمنين من هذه الأمة كإدخال عكرمة بمحمد صلى الله عليه وسلم في ذلك.
الشيخ محمد الخضيري: لكن ما الذي يمنع يا أبا عبد الملك الذي يدل على هذا لما قال (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ).
الشيخ عبد الرحمن الشهري: تريد أن يقول “والمؤمنون منهم” أيضاً.
الشيخ محمد الخضيري: يعني لما قال (وَالْمُؤْمِنُونَ) دل على أن هؤلاء مراد أيضاً أي وأن إيمان هؤلاء وهؤلاء واحد.
الشيخ مساعد الطيار: أنا ما أدري والله أعلم السياق مقام السياق قصدي ليسوا مقصودين أهل الإيمان من أمة محمد ليسوا مقصودين بهذه الآية فإدخالهم يحتاج إلى دليل لأن كل الآية الآن وهذه سنستفيد فائدة أن كل الآية الآن هي في من؟ في اليهود فمنهم الراسخون في العلم ومنهم المؤمنون ومنهم الذين يقيمون الصلاة ومنهم الذين يؤتون الزكاة.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: طبعاً الذين استجابوا للنبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ مساعد الطيار: طبعاً أو حتى الذين كانوا يفعلون هذا قبله لأن كل هذه الأركان كانت موجودة في الشرائع فكأن هذا أقرب والله أعلم.
الشيخ محمد الخضيري: (وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) ثم قال (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) بعد ما ذكر الإيمان ذكر إقام الصلاة وهذا يدل على أنه أجلّ الأعمال وأولاها لكن يأتي السؤال هنا لماذا ذكرها منصوبة؟
الشيخ مساعد الطيار: مع أن ما قبلها.
الشيخ محمد الخضيري: مع أنها معطوفة على مرفوع لأنه قال (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ) فالمتوقع أن يقول “والمقيمون الصلاة” وفي قراءة “والمقيمون” نعم لكن المقصود هنا لماذا جاءت منصوبة؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: طبعاً هذه منصوبة على المديح أو على المدح أو على الاختصاص يعني وأمدح المقيمين الصلاة وهذا أسلوب جميل جداً من أساليب العرب الهدف منه لفت انتباه المستمع يعني أنت الآن وأنت تستمع إلى هذه الآية مرفوعة، مرفوعة، ثم تجيء هذه منصوبة بين المرفوعات ملفتة للنظر صح؟
الشيخ محمد الخضيري: جداً.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: فتجعل المستمع ينتبه لماذا؟ فيعرفون طبعاً أنه نصبت على المدح ولذلك يقولون الحكيم لا ينصب على المدح إلا لحكمة فهنا الحكمة ظاهرة فيها إشارة إلى مدح هذه الصفة وهي صفة إقامة الصلاة.
الشيخ مساعد الطيار: وأهميتها.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وإلى أهميتها ولا شك أنه الصلاة لها أهمية خاصة في هذه الآية وفي غيرها يعني قد أظهر الله أهمية الصلاة بأكثر من طريقة في القرآن الكريم.
الشيخ محمد الخضيري: طبعاً هذا الأسلوب بالمناسبة كما ذكرت يا أبا عبد الله أسلوب عربي صحيح وكان العرب يستخدمونه مثلاً يقولون جاء محمدٌ وصالحٌ وسعدٌ وخالداً وفهدٌ مثلاً يعود إلى الأول، خالداً لماذا نصبته؟ قال كأنه يقول أخصُّ خالداً بالمجيء أو بالدعوة أو بشيء من هذا القبيل فهو مثل ما ذكرت يلفت الانتباه هذا من جانب، من جانب آخر يخص هذا بشيء زائد عن هؤلاء الذين معه في الكلام وقد ورد في قول الله عز وجل (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ) “مَنْ” مرفوعة (آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ) المعطوفة على “مَنْ” المرفوعة (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) ثم قال (وَالصَّابِرِينَ) [البقرة:177] عطف الصابرين هنا وجعلها منصوبة صار المعنى وأخص الصابرين لأن هذه التي في السورة أو في الآية لا تقوم إلا على ساق الصبر الإيمان وإيتاء المال على حبه وإقام الصلاة والإيفاء بالعهد كل ذلك لا يقوم إلا على ساق الصبر فخص الصابرين قال أخص الصابرين بمزيدٍ من المدح.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: هذا الأسلوب أسلوب لفت الانتباه موجود في هذا الأسلوب الذي هو الاختصاص وموجود في الالتفات أليس كذلك؟ أسلوب الالتفات وهو الالتفات من الغيبة إلى الحضور أو من الحضور إلى الغيبة.
الشيخ مساعد الطيار: وفي الاعتراض أيضاً.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وفي الاعتراض يعني كلها الهدف منها لفت انتباه المستمع ولذلك يعجبني أو له حظ من النظر الذي يقول أن الحروف المقطعة في أوائل السور الهدف منها التنبيه ولفت الانتباه كأن هؤلاء المشركين كانوا يعرضون عن استماع القرآن الكريم ولا يلتفتون إليه فعندما ابتدأت بهذه الاحرف المقطعة أنصتوا له بدليل أنه عندما انتقل الحديث إلى المدينة المنورة أو نزل القرآن الكريم أو النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة قلّت السور التي تبدأ بالحروف المقطعة بل إنك ربما لا يوجد من السور التي نزلت في المدينة التي فيها أحرف مقطعة إلا البقرة وآل عمران فيه غيرها؟
الشيخ مساعد الطيار: المذكور البقرة وآل عمران.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: إي نعم ولذلك يجعلونها من ضوابط المكي والمدني فيقولون كل سورة ابتدأت بالحروف المقطعة إلا البقرة وآل عمران فهي مكية فقد يكون هذا له حظ من النظر لأن هذا أسلوب عند العرب وهو لفت الانتباه أنت مشغول ذهنك بشيء ثم يلفت انتباهك إما تأتيك مرفوعات ثم يأتي هذا منصوب هذا لماذا؟ هذا اختصاص إما مديح أو غيره. الالتفات نفس القضية يتكلم، يتكلم بأسلوب ثم يلتفت بأسلوب آخر ليلفت الانتباه.
الشيخ محمد الخضيري: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)) كلام عن غائب.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: (إِيَّاكَ).
الشيخ محمد الخضيري: (إِيَّاكَ) انتقل إلى الحضور (حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) [يونس:22].
الشيخ عبد الرحمن الشهري: (بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) أذكر تكلم ابن الأثير وهذه فائدة أدبية لعلي أعطيها لكم وللإخوة المشاهدين ابن الأثير تكلم في كتابه المثل السائر عن أدب الكاتب والشاعر فتكلم عن المتنبي في قول المتنبي وهو يتحدث عن مسألة من مسائل البلاغة وهي التجريد الالتفات.
الشيخ مساعد الطيار: التجريد هو الالتفات؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: لا يعني يريد أنه يشير إلى كيف أنه جاء بالالتفات ويقصد به التجريد فيقول: لا خيل عندك كأنه يتكلم عن ايش؟ عن المخاطب
لا خيل عندك تُهْديهَا ولا مال فَليُسْعِدِ النُّطْقُ إن لم تُسعِدِ الحال
وما شكَرْتُ – التفات – وما شكَرْتُ لأن المال فَرّحَني سِيّانِ عندي إكثار وإقلال
لكن رأيت قبيحاً أن يُجَادَ لَنَا وأننا بقضاء الحق بُخّالُ
فهو يقول أنه جرد من نفسه شخصاً آخر يخاطبه فقال: “لا خيل عندك” مع أنه يقصد “لا خيل عندي أهديها ولا مال “فَليُسْعِدِ النُّطْقُ” بدليل إنه يتكلم عن نفسه في البيت الأول أنه رجع في البيت الثاني فقال:
وما شكَرْتُ لأن المال فَرّحَني سِيّانِ عندي إكثار وإقلال
هذا الأسلوب وهو الالتفات من الغيبة إلى الحضور أو من الحضور إلى الغيبة فيه تنبيه للسامع.
الشيخ محمد الخضيري: ولذلك يسميه العرب شجاعة العربية.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: هذا ابن جني الذي سماه.
الشيخ محمد الخضيري: قالوا لأن المتحدث به والمتفنن بتلوين القول والالتفات مثل الرجل الشجاع يكر ويفر ويذهب يميناً ويساراً فهذا يلون في الكلام كتلوين المقاتل في ألوان القتال.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: كرٌّ وفرّ.
الشيخ محمد الخضيري: كرٌّ وفرّ.
الشيخ مساعد الطيار: هذه اللفظة (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) فيها مشكلتان علميتان طبعاً نقول مشكلة.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: غير الإعراب قصدك.
الشيخ مساعد الطيار: هي الإعراب هو الرسم أو وُجهت هذه الكلمة بانتقاد طبعاً هذا الانتقاد الذي وجه لم يوجهه أبو جهل في الإعراب لو وجهه أبو جهل لكان له وجه.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: أبو جهل وطبقته.
الشيخ مساعد الطيار: وطبقته نعم أبو جهل وطبقته لو وجهوا له لكان له وجه لكن أعجب ما يكون أن يأتي متأخر متحذلق إما ملحد وإما أعجمي نصراني فيدعي خطأ القرآن نحوياً يقول هذا خطأ نحوي.
الشيخ محمد الخضيري: والعرب العرباء ما قالت هذا!!
الشيخ مساعد الطيار: إي نعم فهذا الحقيقة أنا دائماً أقول للطلاب بعض الأقوال القول نفسه يدل على سقوطه بنفسه مثل هذا.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: هذا لأنه درس النحو وأخذ منه قواعد خفيفة وتوقع إنه صار مثل الخليل بن أحمد ينتقد القرآن الكريم وهذه أنا وجدت كتاب “أخطاء نحوية في القرآن الكريم”.
الشيخ محمد الخضيري: أعوذ بالله.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: كاتبه واحد وكاتب وقال إن هذا القرآن الذي يزعم المسلمون أنه معجز وأنه، وأنه، وجدته مليء بالأخطاء النحوية.
الشيخ مساعد الطيار: بعد مليء.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وقد قسمتها يعني تعب نفسه ورتبها على حسب.
الشيخ محمد الخضيري: مسكين.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وذكر منها أمثلة كلها من هذا النوع لم يفهم كيف أن هذا الذي ظنه هو خطأ هو عين الصواب وله حكمة.
الشيخ مساعد الطيار: جميل لكن قبل الدخول في القضية العلمية القضية العقلية فنقول له هذا القرآن إما أن يكون كلاماً عربياً تُليَ على عرب أو لا؟ فإن أثبت أنه تلي على عرب بغض النظر عنهم قبلوه أو لم يقبلوه، كفروا به أو آمنوا به فإن قلت أنه قد تلي على قوم عرب هؤلاء القوم العرب هل أثرت عنهم أنهم استشكلوا هذا سواء من آمن به أو من كفر؟ الجواب لا، فإذاً استشكالك ليس في محله أبداً.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: عقلياً.
الشيخ مساعد الطيار: عقلياً لأنه صار حجة بذاته.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ما دام أنه أقره العرب الفصحاء حتى من الأعداء.
الشيخ مساعد الطيار: حتى من الأعداء.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: أقروه ما لك كلام وهذا أصلاً ترى وجه الإعجاز عندما يقال الآن أن القرآن الكريم معجز للعرب وغيرهم من باب أولى فما دام أنه عجز عن معارضته المشركون من أمثال أبي جهل وأبي لهب وهم كانوا أحرص على رده ما داموا قد سكتوا ولم يعترضوا بمثل هذا الاعتراضات.
الشيخ محمد الخضيري: دل ذلك على أنه سائغ في لغتهم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: أنه صحيح لأنه لو كان خطأ وردّوه لكان هذا من أقوى ما يطعن فيه في القرآن لو جاء أبو لهب يقول والله هذا خطأ في اللغة نحن لا نقول كذا هذه مشكلة لكنه لم يقل هذا.
الشيخ محمد الخضيري: وأيضاً كانوا هم يبحثون عن ثغرة
الشيخ عبد الرحمن الشهري: بأي وسيلة.
الشيخ محمد الخضيري: يثلبون بها القرآن أو يعترضون بها عليه ولم يذكر أنهم ذكروا شيئاً من هذا في كتاب الله عز وجل فدل ذلك على أنهم سلموا بهذا الكتاب كما أنزل على هذا النحو.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وثيقة لغوية.
الشيخ محمد الخضيري: إي نعم، لعلنا نكمل الحديث إن شاء الله بعد هذا الفاصل، مشاهدي الكرام فاصل قصير ثم نواصل فابقوا معنا.
*.*.*.*.*.*.*.* فاصل *.*.*.*.*.*.*.*
– إعلان جوال تفسير
– تقرير عن مركز تفسير وملتقى أهل التفسير
*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*
الشيخ محمد الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشاهدي الكرام كنا قبل الفاصل نتحدث عن قول الله عز وجل (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) وقلنا إن هذه قد عطفت على مرفوعات ولكنها نُصِبَت وبيّنا بيّن المشايخ الفضلاء جزاهم الله خيراً أن هذا النصب أمر معروف عند العرب بل هو من البلاغة بمكان وهو يسمى النصب على الاختصاص أو على المدح يعني أخص أو أمدح المقيمين الصلاة. هناك ملاحظة وهو أن الأمر بالصلاة أو الثناء على الصلاة أو على القائمين بها يأتي بلفظ الإقامة بمعنى “أقيموا”، “والمقيمين”، “وأقيموا”، “وأقاموا”، “أقم الصلاة” مما يدل على أن الصلاة لا يراد منها أن يؤتى بها أفعالاً مجردة بل يؤتى بها على وجه الإقامة وهو أن يؤتى بها على وجه الكمال والتمام ومراعاة الآداب وعدم الإخلال بشيء من الأركان والواجبات وهذا أمر ينبغي أن يلاحظه من يريد أن ينتفع بصلاته وهو جواب لكل من يسأل ويقول أنا أصلي ولكني لا أرى تغيراً في حياتي فنقول له باختصار هل أقمت الصلاة؟ أديتها على الوجه المطلوب شرعاً، أحضرت فيها قلبك وأقبلت فيها على ربك واجتهدت أن تؤديها على الوجه الكامل إنك إن فعلت ذلك رأيت آثارها كما قال الله عز وجل (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) [العنكبوت:45].
الشيخ مساعد الطيار: ولهذا إذا جاء التمدّح بالصلاة لا يتم منفرداً إلا بوصف زائد (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩)) [المؤمنون].
الشيخ عبد الرحمن الشهري: (خَاشِعُونَ (٢)) [المؤمنون].
الشيخ مساعد الطيار: (دَائِمُونَ (٢٣)) [المعارج].
الشيخ محمد الخضيري: (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) هذا أول عمل.
الشيخ مساعد الطيار: بقي عندنا لو تكرمت.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: الإشكال الثاني.
الشيخ مساعد الطيار: الإشكال الثاني.
الشيخ محمد الخضيري: نعم صحيح.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: أنت ذكرت الإشكال اللغوي.
الشيخ مساعد الطيار: النحوي.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: النحوي لماذا نصبت في سياق المرفوعات؟ وقلنا أن اختصاص على المدح. والثاني؟
الشيخ مساعد الطيار: هناك إشكال آخر أيضاً يورده بعض المستشرقين وغيرهم وهي بعض الآثار التي وردت في هذه الآية بالذات عن بعض السلف في قولهم أخطأ الكاتب. فمثلاً ورد عن أبان بن عثمان أنه سئل ما شأن “المقيمين” لماذا كتبت هكذا؟ قال إن الكاتب لما كتب (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) حتى بلغ قال ما أكتب؟ قيل له اكتب (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) فكتب ما قيل له.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني اكتب المقيمين كأنها مفعول به فكتبها المقيمين هو.
الشيخ مساعد الطيار: نعم اكتب (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) ورواية أخرى أيضاً عن عائشة سئلت عن قوله (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) وقوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) [المائدة:69]، (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) [طه:63] فقالت يا ابن أخي هذا عمل الكتّاب أخطأوا في الكتابة وذكر في قراءة ابن مسعود “والمقيمون الصلاة” إذا نظر طبعاً طالب العالم إلى
الشيخ محمد الخضيري: طبعاً هذه قراءة شاذة.
الشيخ مساعد الطيار: نعم إذا نظر إلى هذه القراءات أو إلى هذه الآثار يتهوّل كيف ينسب الخطأ إلى الكتّاب وهذا يمس كلام الله سبحانه وتعالى؟!! في هذا جوابان: الجواب الأول أنه لم يثبت بالإسناد شيء من هذه الآثار التي تثبت خطأ الكاتب فأسانيدها مطعون فيها.
الشيخ محمد الخضيري: وبهذا ينتهي الإشكال.
الشيخ مساعد الطيار: هذا هو الأصل لكن جواب آخر فيما لو صحّت هذه الآثار فنقول إن العلم في مثل هذا متنوع بمعنى أن ما تعرفه عائشة ليس كل العلم وإنما جزء من العلم في هذا المقام فحكمت بما تعلم وخطّأت ما لا تعلم يعني حكمت صححت ما تعلم وخطأت ما لا تعلم وغيرها من الصحابة علم ما جهلت فصوبه فهذه قضية مهمة أن ننتبه لها وهذه قاعدة كلية، قضية أخرى في هذا المقام أيضاً أن نقول يجب أن نعلم ما هو مقام الرسم من المقروء في الصدور لأن عندنا مقروء في الصدور مكتوب في السطور هل المسلمون يعتمدون على المكتوب في السطور فينطلقون منه للقراءة أو الأصل أنهم يعتمدون على المقروء في الصدور ويدونونه فيكون التدوين في مرتبة أقل وإنما هو مجرد استئناس وضبط بما في الصدور؟ من عرف حال المسلمين وننبه طلاب العلم الذين يناقشون المنصّرين والمستشرقين وبعض الملاحدة في هذا المقام أنبههم إلى هذا الأمر أن ينتبهوا إلى هذا إلى اليوم لا يمكن أن تقول بأن كل مسلم يستطيع أن يحصل على مصحف مع كثرة طباعة المصحف ونشاط المسلمين في هذا المقام فكيف بالسابق ولهذا أقول ونحن نناقش هذا مع الطلاب أقول لهم اسألوا أي جد من أجدادكم وآباءكم إذا ذهب يوم الجمعة إلى المسجد وهو في مدينة وجاء متأخراً هل يستطيع أن يحصل على مصحف؟ لا يستطيع يعني المصاحف بالنسبة لأعداد المسلمين أقل وكل ما رجعنا إلى زمن كانت أقل وأقل فإذاً كيف كان يتلقى المسلمون القرآن؟ كما تلقاه محمد صلى الله عليه وسلم كيف تلقاه؟ سمعه من جبريل والرسول صلى الله عليه وسلم أسمعه الصحابة وحفظوه الصحابة نقلوه للتابعين وحفظه التابعون وهكذا إلى اليوم هذه الطريقة الآن الطفل الصغير أول ما يُعلَّم هل هو يعرف الكتابة والقراءة؟
الشيخ محمد الخضيري: السماع.
الشيخ مساعد الطيار: الأعجمي يحفظ وقد لا يستطيع أن يقرأ من المصحف فإذاً هذه القضية مهمة جداً اعتبارية مهمة أن الأصل في الحقيقة إنما هو المقروء وأما الاختلاف في المرسوم فلا يؤثر على المقروء والدليل على ذلك أننا نجد فيما تواتر عندنا وفيما ثبتت قراءته أنه يقرأ بوجه وهو مرسوم بوجه آخر فمثل ذلك اتفقت المصاحف على كتابة “الصراط” بالصاد وقرئت بأوجه ثلاثة بالسين وبإشمام الصاد زاي وبالصاد وكذلك كتبت “بضنين” بالضاد أخت الصاد ولذا نجد بعض القراء قرأوها بالظاء ولم تكتب بالظاء في أي مصحف من المصاحف كذلك “لأهب” كتبت بجميع المصاحف لأهب ولم تكتب في أي مصحف ليهب وقرئت أيضاً ليهب في القراءات المتواترة مما يدل على أن مقام الرسم ليس هو الأصل وإنما هذا تكميل وإنما الأصل هو مقام الإقراء.
الشيخ محمد الخضيري: والتلقي.
الشيخ مساعد الطيار: والتلقي فإذا فهمنا هذه سيزول عندنا إشكالات كثيرة جداً جداً مما يحكيه أو مما يرد من هذه الشُبَه.
الشيخ محمد الخضيري: وهناك جواب آخر لعلنا نختم به في هذه المسألة وهو أننا في كثير من هذه المرويات يجب أن يكون عندنا محكم ويكون عندنا متشابه المحكم عندنا هو أن المسلمين متفقون على أن هذا القرآن لم يشب بشائبة ولم يدخله شيء من التحريف أو النسيان أو عدم الضبط هذه قضية محكمة بنصوص الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم هذا الأمر المحكم لا يشغب عليه برواية يؤتى بها من هنا أو من هناك لينقض أصل من الأصول برواية فنقول بل بالعكس رد هذه الرواية أو تأويلها والبحث عن مخرج لها أولى من نقض هذا الأصل العظيم. وهذه قاعدة عند المسلم أصلاً في قضايا كثيرة وهو أنه يردّ المتشابه إلى المحكم ويجعل العمل بالمحكم بل إنه لو أشكل عليه فلم يعرف الجواب على ذلك المتشابه فإن بقاءه على المحكم أولى يبقى على المحكم كما قال الله عز وجل في آية المحكم والمتشابه (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا) [آل عمران:7] لكنهم يستمسكون بهذا المحكم وأما المتشابه يقولون نحن ما نعرف ماذا نعمل به؟ نمسك بالمحكم، المتشابه يأتي الله بمن يعرف كيف يؤول أو ما خبره هل صحيح أو ضعيف أو غير ذلك؟ وهذا أيضاً جواب مهم جداً وقاعدة كلية في هذا الباب وفي أبواب أخرى من الدين.
(وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) اقترن إيتاء الزكاة بإقام الصلاة أبا عبد الله ما وجه ذلك عندك؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: طبعاً لا شك هي في الإسلام ركنان من أركان الإسلام.
الشيخ محمد الخضيري: هذا واحد.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وكذلك حتى في الأديان السابقة في اليهودية وفي النصرانية فإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هي أيضاً من شعائر هذا الأديان السماوية التي اتفقت فيها ولذلك من المباحث المهمة وقد ذكرها عدد من الباحثين العلماء قديماً وحديثاً ما اتفقت فيه الشرائع السماوية مثل هذه القضايا مثل إقامة الصلاة اتفقت الشرائع.
الشيخ مساعد الطيار: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ).
الشيخ عبد الرحمن الشهري: (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥)) [البينة].
الشيخ مساعد الطيار: سماه دين القيّمة.
الشيخ محمد الخضيري: الدين المستقيم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وأيضاً هي حتى سبحان الله لو لم تكن حتى أعجبني أحمد زكي رحمه الله في موسوعته عندما قال إن الصلاة لو لم تكن من شعائر الدين لكانت من مكارم الأخلاق وأنا أقول إن أداء الزكاة لو لم تكن شرعاً وركناً من أركان الدين لكانت هي أصلاً مكرمة من أعظم مكارم الأخلاق والتكافل بين الناس فكيف وهي ركن من أركان الدين.
الشيخ محمد الخضيري: هناك أمر آخر أبا عبد الله وهو أن الله عز وجل من كرمه ولطفه بعباده يجعل الدين مكون من جزئين يكمل أحدهما الآخر القيام بحقه والقيام بحقوق عباده فلا يتم دينك حتى تقوم بحق الله وتقوم بحق عباده فالصلاة قيام بحق الله والزكاة قيام بحق العباد ولذلك جعلا
الشيخ عبد الرحمن الشهري: متلازمين.
الشيخ محمد الخضيري: متلازمين في القرآن في أكثر من ثمانين موضعاً يعني ما جعل الصيام ولا الحج جعلت الصلاة والزكاة لأن الصلاة عنوان العلاقة بالله والزكاة عنوان العلاقة بالعباد وأداء حقوقهم، أمر ثالث ذكره بعض العلماء وهو أن من أقام الصلاة رزقه الله وإذا رزقه الله وجب عليه أداء الزكاة قال الله عز وجل (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (١٣٢)) [طه] مما يدل على أن من أسباب الرزق العظيمة وأبوابه المفتوحة إقام الصلاة فإذا أقمت الصلاة اجزم جزماً بأن الله سبحانه وتعالى سيرزقك ويوسع عليك وإذا أوسع عليك وجبت عليك الزكاة بوجه ما.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: هذه فعلاً فائدة مهمة جداً.
الشيخ محمد الخضيري: قوله (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
الشيخ مساعد الطيار: ذكر شيئاً من أركان الإيمان وشيء من أركان الإسلام فهذا من أركان الإيمان (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
الشيخ محمد الخضيري: لكنه قدّم بالمناسبة أبا عبد الملك قدم الإيمان (بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) قال (يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) ثم جاء في الأخير قال (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) هل الإيمان بما أنزل إليه وما أنزل من قبله أهم من الإيمان بالله واليوم الآخر؟
الشيخ مساعد الطيار: هو داخل فيه لأنه طريق إليه.
الشيخ محمد الخضيري: لماذا أخره؟
الشيخ مساعد الطيار: لماذا أخر ماذا؟
الشيخ محمد الخضيري: الإيمان بالله واليوم الآخر.
الشيخ مساعد الطيار: لأنه طريق إليه إذا كان الحديث عن اليهود كما قلنا فيكون معنى ذلك الإيمان بما أنزل إليك مطلب وقدم لأهميته المقام الآن مقام إيمان اليهود فهذا تمدّح لمن آمن من اليهود بأنه آمن بما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم فهو طريق إلى هذا والآخرون (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) [النساء:150] هناك ذمّهم وهنا مدح هؤلاء بأنهم (يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) خلاف أولئك (وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ). فمعنى ذلك الآن أن الآية في حقيقتها ذكرت مجموعة من الأعمال سواء كانت أعمال قلبية أو أعمال بدنية أو حتى أعمال مالية لأن ما ذكر الله سبحانه وتعالى عن هؤلاء الراسخون في العلم الذين وصفهم قال (وَالْمُؤْمِنُونَ) يعني هؤلاء الصنفان وطبعاً فيه خلاف هل هم صنفان أو صنف واحد لكن الظاهر والله أعلم أنهما صنفان وصفهم كلهم (يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) هذا جانب عقدي لما قال (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) هذا جانب عملي (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) هذا جانب مالي ثم قال (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) هذا جانب أيضاً عقدي فهو جمع بين هذه الأمور يعني بين الأمر العقدي والأمر العملي جمع بينهما وهذا يدلنا على المسألة اللي ذكرناها أن عبد الله بن المبارك لما سألوا عبد الله بن المبارك عن نزول الله الذي هو حديث النزول فقال الذين جاءوا بأحاديث الحلال والحرام هم الذين جاءوا بهذا الحديث هذا الحقيقة يشعرنا هنا بنفس القضية أن الشريعة شيء واحد فهذه التفصيلات وذكر أن الإسلام أصول وفروع هذا إن كان تقسيماً فنياً فلا إشكال في ذلك.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: تقسيم دراسي يعني.
الشيخ مساعد الطيار: تقسيم دراسي لكن إن بُني عليه معلومات أو عمل فهذا لا شك أنه ماذا يوقف عنده ويُحرّر لأن إذا قال أن الفروع بعضهم قال بعض كبار الإسلام قال إن الأصول هو الفروع وذكر أن من الفروع الأحكام العملية طبعاً الأحكام العملية الصلاة وهي أصل من الأصول والزكاة والحج والصيام فيوقع هذا التقسيم في مثل هذه الأمور ولهذا نحن نقول مثل هذه الآية تدلنا على أن الشريعة شيء واحد الاعتقاد والعمل متمازج معاً بعضه مع بعض فابتدأ بأمور قلبية وختم بأمور أيضاً قلبية أو بمسائل مرتبطة بالإيمان ثم ذكر مسائل مرتبطة بالإسلام ثم رجع إلى مسائل مرتبطة بالإيمان في قوله (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وهذه أيضاً فيها فائدة تلاحظون الاقتران ونحن كررناه كثيراً حتى أنت ذكرت يا شيخ محمد قبل قليل الاقتران بين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وذكرت العلّة هنا أيضاً الاقتران بين الإيمان بالله واليوم الآخر يعني مع أن أركان الإيمان ستة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره لكن الاقتران أكثر دائماً بين الإيمان بالله واليوم الآخر.
الشيخ محمد الخضيري: حتى في السنة النبوية.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر» سبحان الله العظيم ذكر القيامة دائماً يتكرر كثيراً في القرآن حتى على سبيل المثال أذكر من الأشياء يربطه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بالأخلاق وبالتعامل مع الآخرين كما في قوله (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣)) [المطففين] ثم ربطها مباشرة بأمر عقدي صح؟ قال (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٦)) مما يدل على التذكير باليوم الآخر دائماً مخيف ويجعل الظالم ويجعل الإنسان يحاسب نفسه ويمتنع عن كثير من المعاصي بسبب تذكره لليوم الآخر.
الشيخ محمد الخضيري: ولهذا أبا عبد الله نقول إنه الذي يدفع الإنسان عن العمل هو تعظيمه لله عز وجل ومعرفته به وهذا من أعظم الدوافع للعمل أن تعرف الله وتعلمه تؤمن بأسمائه وصفاته وتعرف فضله عليك وإنعامه فهذا يحفزك على العمل له.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: محبة وتعظيماً.
الشيخ محمد الخضيري: محبة وتعظيماً وخوفاً ورجاءً إلى آخره أو قد تضعف نفسك عن أن تعمل لضعف علمك بالله أو لإصابة الإيمان بشيء من الاهتراء هنا يأتي السائق الآخر وهو تذكّر الجزاء ماذا ينتظرك من الجزاء في الآخرة؟ ماذا سيفوتك من الأجر ومن الجنة والنعيم العظيم؟ وماذا سينتظرك من العقوبة إن تركت؟ فهنا إن لم ينفع الأول أجدى الثاني فجاء ليسوق الإنسان.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: الإيمان بالله واليوم الآخر.
الشيخ محمد الخضيري: نعم الإيمان بالله واليوم الآخر.
الشيخ مساعد الطيار: يعني مقام الخوف والرجاء.
الشيخ محمد الخضيري: مقام الرجاء في الأول عن علم وطمع فيما عند الله ومحبة لله وإقبال عليه والثاني يكون في جزائه وعقوبته وإنعامه وغير ذلك تدفع الإنسان إلى العمل. ثم ختم الآية بقوله ولعلنا نختم هذه الحلقة بها (أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)) عظّم الأجر بقوله (أَجْرًا) فنكّرها ثم وصفه بأنه عظيم ثم أيضاً قال (سَنُؤْتِيهِمْ).
الشيخ مساعد الطيار: وجعل الإيتاء منه.
الشيخ محمد الخضيري: وجعل الإيتاء منه وعظّم نفسه عند الإيتاء والعظيم لا يؤتي إلا شيئاً
الشيخ عبد الرحمن الشهري: عظيماً.
الشيخ محمد الخضيري: عظيماً. أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينيلني وإياكم الأجر العظيم وأن يجعلنا جميعاً ممن آمن بما أنزل على محمد وما أنزل من قبله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وآمنوا بالله إيماناً حقيقياً وآمنوا باليوم الآخر ثم آتاهم ربهم سبحانه وتعالى من لدنه أجراً عظيماً. إلى هنا يصل بنا المطاف في تفسير هذه الآيات أسأل الله سبحانه وتعالى أن نلقاكم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.