الحلقة 4 لبرنامج بينات
سورة المائدة – الآيات (87 – 88)
تفريغ الأخت أم عبد الرحمن وأخواتها لموقع إسلاميات
الشيخ مساعد الطيار: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين. أيها المستمعون والمستمعات لا نزال نتفيأ ظلال كتاب الله سبحانه وتعالى، وقد وقفنا عند قول الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة الآية السابعة والثمانين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). ولعلنا نبتدئ بهذه الآية في هذا اللقاء وننظر ما فيها من معانٍ ومن استنباطات، ولعلي ابتدئ بذكر المناسبة بين هذه الآية وما سبق، وهذه المناسبة التي سأذكرها ذكرها الراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى في تفسيره “جامع التفاسير” وعلق عليها بعبارة النظم بأنه قال: أنه ما نظم هذه الآية مع ما سبقها يعني أشبه ما يكون بالمناسبة، يعني كأنه اسم للمناسبة، وعنده ملحظ جميل جداً يقول: لما ذكر الله سبحانه وتعالى قوله (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا) وكان من طبع هؤلاء أنهم حرموا على أنفسهم طيبات كما هو معلوم وخاصة الرهبان بالذات يعني حرموا على أنفسهم كثير من الطيبات يعني عاشوا عائشة الزهد والتقشف بشكل كبير جداً جداً ومنعوا أنفسهم من الزواج فجاءت هذه الآية عقيب ذكر هؤلاء ويصدق أو يصدِّق ما قاله الراغب ما ذكره المفسرون من سبب نزول هذه الآية وهي قصة عثمان بن مظعون والنفر الذين جاءوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته صلى الله عليه وسلم فكأنهم تقالّوها فقال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الثاني: فأنا أقوم الليل ولا أنام، الثالث قال: أنا لا أتزوج النساء، وردت مجموعة من الآثار في هذا المعنى وهو أنهم قصدوا الرهبانية أو الترهب ولهذا قيل كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الآثار «لا رهبانية في الإسلام»، المقصود أن هذه الآيات نزلت بشأن هؤلاء وما ورد من سبب النزول يعضد ما ذكره الراغب من هذه المناسبة الدقيقة في كونه ذكر قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ).
الشيخ محمد الخضيري: وأيضاً هناك مناسبة في جو السورة عامة، فإن السورة تتحدث عن موضوع تحريم الحلال والافتراء على الله في تحريم ما أحل الله من بدايتها (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّـهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ) [سورة المائدة:3] هي في هذا الميدان أبرزته بشكل واضح، فالله عز وجل هنا يؤكد على هذا المعنى وهو أنه لا يحل لأحد أن ينتهك حق الله عز وجل في التحريم والتحليل فيحرّم ما أحلّ الله أو يحلّ ما حرّم الله عز وجل، ويؤكد هذا أنه سيأتينا بعد ذلك قول الله عز وجل (مَا جَعَلَ اللَّـهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) [سورة المائدة:103] في الاستنكار على العرب في كونهم يحرمون بعض الحلال وهذا كله أيضاً مقدمة لما سيأتي في سورة الأنعام من حديث مستفيض حول قضية تحريم الحلال وكون العرب قد افتروا على الله الكذب في هذا الباب حتى بلغوا الغاية وانتهكوا حق الله عز وجل، وجاء في سورة الأعراف أيضاً ما يؤكد هذا في قوله (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٣)) [سورة الأعراف] السور الثلاث هذه حقيقة تكاد تكون أولت هذا الموضوع عناية خاصة جداً وهو أن ينتهك الإنسان حق الله عز وجل في التحريم والتحليل، في سورة النحل وهي مكية قال (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلَالٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (١١٦) النحل) بل خذوا ما هو أعجب من هذا وهو النبي صلى الله عليه وسلم عندما حرم شيئاً من الحلال على نفسه ابتغاء مرضاة زوجاته نزل عليه عتاب من الله عز وجل سواء قلنا إن قصة مارية القطبية عندما حرمها النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه أو قصة العسل (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّـهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) [سورة التحريم] هناك تحلة أيمانكم هنا أيضاً نفس العملية سيأتي بعد قليل (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) [سورة المائدة:89] تراها مترابطة.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: أيضاً فيها إشارة إلى أن قضية تحريم الحلال لا يقل إثماً عن استحلال الحرام، وأيضاً فيه إشارة إلى أن هذا مما انفرد الله سبحانه وتعالى به (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلَالٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ) [سورة النحل:116] هذه أشياء انفرد الله بها هو الذي يحلل وهو الذي يحرّم، لأن البعض قد ينظر إلى تحريم الحلال أنه سهل، ما فيه مشكلة، بخلاف استحلال المحرم والله هنا يقول لا كما تفضلت، انظر كيف شدد أن تحرم على نفسك شيء أحله الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا) فالمنهج الإسلامي الصحيح هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه ثلاثة نفر وسألوا عن عبادته فكأنهم تقالوها فقال: «إني لأتقاكم لله وأخشاكم لله وإنني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» يعني الوسطية الحقيقية هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ محمد الخضيري: هناك ملاحظة أبا عبد الله أنت ذكرت شيء جميل جداً وهو إنه تحريم الحلال لا يقل عن استحلال الحرام، الشيخ ابن عثيمين مرة علق على هذا قال: قد يكون الذي حرّم الحلال أشد، لماذا؟ قال: لأن الأصل الحلّ فكأن الذي يحرم شيئاً أحله الله عز وجل اعتدى على هذا الأصل اللي هو في أصل الخلقة بخلاف الآخر لأنه ما يأتي إلا بنص، فالذي يعتدي على ما الله عز وجل أصلاً أباحه للخلق، الله (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) [سورة البقرة:29] فالأصل في الأشياء هو الحلّ، فكونك تأتي وتفتري على الله الكذب فتحرم شيئاً الأصل فيه أنه حلال ولا يحرم إلا بدليل هذا انتهاك لهذه القاعدة العظيمة من قواعد الشريعة.
الشيخ مساعد الطيار: أيضاً فيه ملحظ لما قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وصف الإيمان قال (لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ) ولم يحدد نوع الطيبات إنما وصفها، بعض الناس أو بعض العُبّاد تجد أنه من شدة
الشيخ عبد الرحمن الشهري: زهده ربما
الشيخ مساعد الطيار: التزامه بالسلوك يناقض معنى هذه الآية من حيث لا يشعر بمعنى أنه أحياناً يحرم على نفسه أشياء أو يمنع نفسه من أشياء من المباحات بدعوى التعبّد في شيء لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم أصلًا ولا دعا إليه صلى الله عليه وسلم وليس من المنهيات وإنما هي من المباحات، وأنا أذكر على سبيل المثال واحد في تويتر ذكر عن أحد العبّاد أنهم كانوا خرجوا من بلدهم إلى مكة بالعمرة وكان واحد مع مجموعة من العباد وكانوا طول الطريق كل واحد منهم منشغل بالتسبيح، لاحظ طول الطريق منشغل بالتسبيح، فلما وصلوا مدينة قال ما شاء الله وصلنا الديرة الفلانية فقال له أحد هؤلاء العباّد: قال سبح، الله لم يسألك عن وصولك، طبعاً هذا لاشك إنه نوع من ماذا؟ من التنطع، هذا نوع من التنطع، الرسول صلى الله عليه وسلم سافر وسولف مع أصحابه وتكلم معهم وسبح الله ونام وأكل وشرب، فأحياناً هذا نوع يدخل أو له شبه في تحريم ما أحل الله.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وأيضاً أحدهم يقولون لا أدري هل هي قديمة فيقول هو من الزهاد وكذا فلما أخرجوا له الطعام وكان من ضمن الطعام فالوذج أظن فلما قرّبوه لهذا قال: لا، قالوا: لماذا؟ قال: لا أستطيع أن أؤدي شكره، أخشى أني ما أستطيع أن أؤدي شكره، فقال أحدهم: قاتلك الله وهل تستطيع أن تؤدي شكر شرب الماء البارد؟! ما تستطيع! هذا من الزهد المذموم يعني وهو نوع من هذا، كأن يمنع نفسه من هذا بحجة أنه لا يؤدي شكرها، نعم الله على الإنسان عظيمة جداً، التنفس، الأوكسجين، الماء البارد، الظل، هذه نعم عظيمة لا تستطيع تؤدي شكرها وأنت تستمتع بها.
الشيخ محمد الخضيري: هناك شيء آخر وهو أن الله تفضل علينا بهذه الطيبات، ما تفضل علينا بها من أجل أن نمتنع منها، تفضل علينا بها لنستمتع بها لكن هل هذا الاستمتاع يصل إلى مرحلة البطر، الزيادة التي تمنع الإنسان وتثقله عن العبادة، الإنشغال بهذه الطيبات حتى تصرف الإنسان عما خلق له؟ لا، خلقها الله لنستمتع بها ونستلذ بها ونشكر الله عليها.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ولذلك قال (وَلَا تَعْتَدُوا) هنا في نفس الآية
الشيخ محمد الخضيري: لا وكونه يقول (لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ) يعني أحلها من أجل أن
الشيخ عبد الرحمن الشهري: (لَكُمْ)
الشيخ محمد الخضيري: (لَكُمْ) من أجل أن تأخذوا منها حظكم، ثم إن النفس لها إقبال وإدبار، فإذا لم تعطها حظها قد تنقلب عليك ولا تطاوعك فيما تريد منها بعد، وهذه مسألة في سياسة النفس يغفل عنها بعض الناس وهو أنه يحجبها ويتنكر لها فيأتي وقت سبحان الله تنقلب عليه انقلاباً تاما وتجمح وقد تطمح إلى الحرام والعياذ بالله والسبب منعها من الحلال. مثل ما يذكر بعض الناس أنه قد لا يتزوج لأن الزوجة تشغله عن العبادة أو التفرغ أو الطاعة أو التبتل هذا في يوم من الأيام قد يقع في الحرام والعياذ بالله أو قد ينتكس من دينه والعياذ بالله! ولذلك ربنا عز وجل من رحمة بنا وعلمه بما نحتاج أباح لنا هذه الأمور بضوابط وبطريقة مسلوكة مشروعة لئلا ترتكس هذه النفوس وتنتكس علينا.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وليس هناك من أجمل اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك
الشيخ محمد الخضيري: نعم، سؤال يا شيخ يعني لو جاءك ثوب جميل وإلا نعل جميل وإلا شيء فاره ويسره الله لك، هل من العبادة أو من الإحسان في مقام الصلة بالله عز وجل الإنسان يرفض هذه الأشياء ولا يستمتع بها أو أنه يأخذها ويستمتع بها ويؤدي شكره فيما يستطيع؟
الشيخ مساعد الطيار: والله الثاني.
الشيخ محمد الخضيري: طبعاً بلا شك، ما يحق للإنسان يقول لا أنا هذه الأشياء لا تلائمني أو لا تناسبني أو شيء من هذا القبيل إلا أن يكون في هذا الشيء نوع من الأذى للشخص الشخصي أو النفسي الذي لا يطلع عليه أحد، فيه مسألة أخرى وهي أن الإنسان قد يتورع عن شيء لنفسه لأنه مثلاً يتعلق به معنى خفي هو يرغب
الشيخ مساعد الطيار: خاص به.
الشيخ محمد الخضيري: إي نعم، هذا ينبغي له لو تورع عنه أن لا يمنع عباد الله منه.
الشيخ مساعد الطيار: صحيح.
الشيخ محمد الخضيري: فسياستك لنفسك لا تجعلها قاعدة للخلق
الشيخ مساعد الطيار: وهذا من تمام الفقه
الشيخ محمد الخضيري: وهذا من تمام الفقه، فقد تفعل أنت أشياء مع نفسك سواء في طعامها، في شرابها، في قيامها، في قعودها، في سفرها، في حلها ترحالها، ترى أنه من سياستك لنفسك افعله مع نفسك لكن الله ما حرمه على عباده فلا تأمرهم به أو تنهاهم عنه بحجة أنك لا تفعله أو أن ذلك مما يؤذيك أو يغير سياستك.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم وفي قوله (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) [سورة الأعراف:32] هذا استنكار، استنكار من الله سبحانه وتعالى على من يفعل ذلك، ما دام الله قد أحله وأنه من الطيبات وما أحله الله فإنه من الجائز للإنسان أن يستمتع به فيما أحله الله سبحانه وتعالى دون اعتداء ودون إسراف ولا مخيلة، والمنهج الوسطي هو فيما تفضلتم به في أنك تستمتع فيما أحله الله لك من غير إسراف ولا مخيلة ولا اعتداء كما في هذه الآية (وَلَا تَعْتَدُوا) والاعتداء هو التجاوز للحد الذي أحله الله.
—— فاصل ——
الشيخ مساعد الطيار: تجاوز مذموم
الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم أصلاً أنت الآن محرم عليك الكبر والخيلاء ولو كنت لابس خيشة صح وإلا لا؟
الشيخ محمد الخضيري: صح.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: فليست المسألة هي مرتبطة بنوع اللباس أو كذا حتى يقول هذا قد يكون يشير إلى الكبر أو كذا، لكن الإنسان أعرف بنفسه كما تفضلت وأعرف بما يصلح نفسه وما يناسبها لكن المنهج هو ما ذكره الله سبحانه وتعالى أن ما أباحه الله وما أحله للناس، بعض الناس قد إذا أجبرته على الزهد يرتكس، نفسه لا تنقاد له إلا وهو مستمتع بما أحله الله وبما أباحه وما أعطاه، وبعضهم بالعكس إذا رتع في هذه النعم انحرف، فالإنسان يحتاج إلى أن يسايس نفسه مسايسة حتى لا تنصرف
الشيخ مساعد الطيار: والاعتداء هنا في قوله (وَلَا تَعْتَدُوا) قد يكون الاعتداء في دائرة الحلال، بمعنى أنه الآن الاعتداء الذي ورد عند هؤلاء الصحابة هو اعتداء في دائرة الحلال يعني لم ينتقلوا إلى مُحرّمٍ صريح، بمعنى أنه في دائرة الحلال وسماه قال (وَلَا تَعْتَدُوا) فإذاً منع النفس من الطيبات تعبداً يعتبر اعتداء، اعتداء بمعنى جاوز من الحلال إلى حرام صريح.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: هذا لا شك في حرمته
الشيخ مساعد الطيار: إي نعم، هذا لا شك في حرمته، هذا يقال اعتداء وهذا يقال عنه اعتداء.
الشيخ محمد الخضيري: وقد يكون من الحلال إلى الحرام.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: لا وأيضاً من صور الاعتداء في الحلال الإسراف، يعني يستمتع بما أحله الله ولكن يدخل في الإسراف والمبالغة والتبذير فيحرم من أجل هذا لا من أجل أصل الاستمتاع به.
الشيخ مساعد الطيار: ومن باب أيضاً إتمام الفائدة قد يأتي الإثم مع الاعتداء مثل قوله (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [سورة المائدة:2] (مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) فإذا جاء الاعتداء مفرداً فهو دال على معنى الإثم، وكذلك إذا جاء الإثم فهو يدل على عدوان، لكن إذا جاءا مقترنين فهذا وقع سؤال وهو ما الفرق بين الإثم والاعتداء؟ فمن الجوابات التي قيلت أن الإثم يكون خاصاً والاعتداء يكون على الغير، هذا أحد الأقوال، وآخرون قالوا أن الإثم أيضاً هو خاص لكنه في فعل لا يتجاوز الإنسان، والاعتداء أن يعتدي من الحلال إلى الحرام يعني أنه يفعل حراماً ليس فيه اعتداء ليس فيه زيادة إذا وقع فيه الزيادة فهو اعتداء ومثّلوا له بمن تزوج خامسة فيسمون هذا اعتداء فهذه طبعاً من باب الفائدة أنه الألفاظ التي تذكر متقاربة المعاني أو بينها اشتراك إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: في قوله هنا (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّـهُ حَلَالًا طَيِّبًا) يعني إعادة للموضوع (لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ) هذا نهي، وهنا أمر (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّـهُ حَلَالًا طَيِّبًا) إشارة إلى الإباحة يعني أن الأمر هنا للإباحة (حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨)) موضوع الأكل هنا تلاحظون أن الله سبحانه وتعالى ينهانا أن نحرّم ما أحلّ الله، وينهانا أن نعتدي في ذلك، ثم أمرنا بأن نأكل مما أحلّ الله لنا وقال (وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨)) أيضاً مرتبطة الأمر بالتقوى هنا في قضية الأكل، نربط هذا الموضوع يا مشايخ بأصل السورة وهو المقصد العظيم من سورة المائدة تحدثنا عنه في البداية وهو أنها تتحدث عن الوفاء بالعقود مطلق العقود سواء كانت هذه العقود بينك وبين الله وهي أحق بالوفاء أو العقود بينك وبين غيرك من الناس فيجب عليك أن تفي بها وكأن هذا موضوع الأكل والطعام وما أحله الله وما حرمه عقد بينك وبين الله سبحانه وتعالى، يجب عليك أن تفي به، فلا تأكل ما حرم الله ولا تحرم ما أحل الله، وتستمع بما أعطاك الله وما رزقك في حدود ما أذن لك وأن هذا من تمام العبودية، ومن كمال العبودية، بل هو من كمال شكر الله سبحانه وتعالى أن تستمتع بما أحلّه الله لك وتشكره سبحانه وتعالى عليه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها» يعني هو يستمتع ويأكل ويشرب والله يرضى عنه فقط بمجرد أنه أدى شكرها وقال الحمد لله فأي نعمة أفضل من هذه؟! بل هي عبودية من العبودية التي ينبغي على الإنسان.
الشيخ محمد الخضيري: في قوله (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)) انظر كيف عاقب هؤلاء بحرمانهم من محبته، مما يدل على أن محبة الله عز وجل هي غاية عظيمة من الغايات التي يسعى إليها أصحاب النفوس الشريفة، وأنه مما يهدد به كما تقول لابنك إذا لم تفعل كذا أو إذا فعلت كذا فإني لا أحبك أو فإني سأكرهك أو أبغضك، طبعاً وفيها أن الله يحب الذين لا يعتدون
الشيخ عبد الرحمن الشهري: المقسطين
الشيخ محمد الخضيري: مفهوم المخالفة وعليه فإن الإنسان من خلال هذه الآية يحرص على أن يتقي كل شيء فيه اعتداء لأنه سيؤدي به إلى عدم محبة الله له، ومحبة الله مطلب عظيم وقد جاء في هذه السورة قول الله عز وجل (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [سورة المائدة:54] وهنا يأتي في موطن آخر (لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)) فالمؤمن صاحب النفس العالية والمتطلع إلى الكمال يبحث عن محاب الله عز وجل فيأتيها، ويبحث عن ما يسخط الله عز وجل ومساخطه فينتهي عنها ويبتعد منها، لا تظن أنك إذا تركت ما حرّم الله عليك إنك بذلك امتثلت النهي أو امتثلت الأمر، لا، المسألة فيها شيء آخر علاقتك بالله تتأثر بفعلك للأمر واجتنابك للنهي.
الشيخ مساعد الطيار: أيضاً في خاتمة الآية بما أنها مرتبطة بقصة عثمان بن مظعون والنفر الذين كانوا معه هنا مسألة يمكن نسميها النزول والتنزيل طبعاً النزول يسمى سبب النزول والتنزيل هو تنزيل الآية على حدث ما، النزول والتنزيل كثير ممن يقرأ في التفسير لا يفرق بين الأمرين فيقع عنده مشكلات ولبْس، بمعنى أنه قد يقول قائل لو أن أحداً نظر إلى الآية قال هذه سورة المائدة وسورة المائدة من آخر ما نزل وعثمان بن مظعون كان أمره سابقاً فكيف يكون مقصودًا بالآية؟! طبعاً قد تأتي مثل هذه التساؤلات، طبعاً هو سبب نزول الآية كما هو ظاهر قد يكون اتفاق بين المفسرين أن سبب نزول الآية قصة عثمان بن مظعون والنفر الذين كانوا معه، لكن نقول هنا ننبه أن من عادة السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم أن يُعملوا تنزيل الآية على الأحداث إما أن تكون أحداث سابقة قبل نزول القرآن أصلاً وإما أن تكون أحداث في وقت النبوة وإما أن تكون أحداث جاءت بعد وقت النبوة هذا يسمى تنزيل، تنزيل الآيات على ما يناسبها من القصص، وقد يعبّرون عنها بعبارة “نزلت في كذا” يقولون نزلت في كذا، فالذي لا يفهم طريقتهم في التعبير يظن أن هذا هو
الشيخ عبد الرحمن الشهري: هو سبب النزول المباشر
الشيخ مساعد الطيار: إي نعم، قضية سبب النزول المباشر نحن نسميه سبب النزول لا يقولون سبب النزول، هذه نسميه سبب النزول المباشر هذه نزول يعني نزلت لهذا الأمر بالذات تحديداً ما أنزل الله، في كلا الأمرين ننظر نحن إلى ما اللفظ مثل ما فعل الآن الطبري عندنا بعبارة سأذكرها لما قال (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)) هل المقصود أو الخطاب خاص بأولئك النفر فقط دون غيرهم؟ يقول الطبري: وإذ كان ذلك كذلك وكان الله تعالى ذكره قد عمّ بقوله (وَلَا تَعْتَدُوا) النهي عن العدوان كله كان الواجب أن يكون محكوماً لما عمّه بالعموم حتى يخصّه ما يجب التسليم له، وليس لأحد أن يتعدى حدّ الله تعالى ذكره في شيء من الأشياء مما أحلّ أو حرّم، فمن تعداه فهو داخل في جملة من قال تعالى ذكره (إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)). إذاً عمم. ما شأن قصة عثمان؟ قال: وغير مستحيل أن تكون الآية نزلت في أمر عثمان بن مظعون والرهط الذين هموا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هموا به من تحريم بعض ما أحلّ الله لهم على أنفسهم ويكون مراداً بحكمها كل من كان في مثل معناهم ممن حرّم على نفسه ما أحلّ الله له أو أحلّ ما حرّم الله عليه أو تجاوز حداً حدّه الله إلى آخر كلامه. إذاً معنى هذا الآن دخلنا بين تنزيل ونزول فسبب النزول نقول عنه سبب النزول هو عثمان بن مظعون لكن أيضاً تنزّل الآية على من يحرم ما أحل الله له أيّ نوع من أنواع التحريم فنقول إنه داخل في ضمن هذه الآية. ولعلنا نقف عند هذا وإن شاء الله نكمل في اللقاء القادم الآية التي بعدها (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّـهُ) سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
رابط الحلقة فيديو
https://www.youtube.com/watch?v=7R6Njjsh6Cg