تأملات تدبرية

أخلاقيات القائد من سورة الكهف

نموذج القيادة في سورة الكهف

أخلاقيات القائد من سورة الكهف

بقلم د. خالد فارس
(حصريًا لموقع إسلاميات)

1- الأخذ بأسباب العلم : لم يكتف القرآن بتحديد العلم فقط كصفة قيادة و لكنه أتبعه بضرورة العمل بهذا العلم و الأخذ بأسبابه فقال (فأتبع سببا(85) الكهف) وهذا يدحض نظرية العلم قوة، فالعلم لن يكون قوة إلا إذا تم استخدامه وتطبيقه لصالح المؤسسات. ومن الملاحظ تكرار (اتبع سببا) ثلاث مرات فدلت على ضرورة الأخذ بالأسباب في كل خطوة وتوظيف العلم لتحقيق الأهداف.

2- المرجعية : القيادة وفق منهج واضح المعالم قائم علي نظرية الثواب و العقاب و لا يترك الناس لهواهم (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا(86) الكهف).
3. العدل : الحكم بين الناس بالعدل مبدأ يكفل راحة و طمأنينة الرعية و المرؤسين و من شاكلهم فالظالم يؤخذ علي يديه لتستقر الحياة و يأمن الناس (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا(86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا(87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا(88)الكهف).
4- التحفيز لإجادة العمل : شكر من أحسن عمله يكون حافزا له علي الإجادة و الصلاح و قد يكون أيضا بتذكيره بمردود هذا العمل عليه في الدنيا أو الآخرة (وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا(88)الكهف).
5- ديناميكية الحركة : القائد الناجح هو الذي يجوب نطاق عمله من أوله إلي آخره و لا يجلس في مقر قيادته و ينتظر من ينقل إليه الأخبار و لذا طاف ذو القرنين في أرجاء ملكه شرقا و غربا ليحقق ما أراد الله منه باستخلافه علي الأرض (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا(86) الكهف) (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا(90)الكهف).
6. التواصل و الاستماع للشكوي: فالقيادة التنفيذية في حالة تواصل مستمر مع من فوقها ومن تحتها، فالقائد لابد من تبرير قراراته بمنتهى الشفافية لمن هم فوقه حتى يظهر من بيانه عدله والتزامه بالمنهج (قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا(87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا(88)الكهف) ويؤخذ منه رفع التقارير المستمرة عن أداء العمل وتحقيق النتائج كما أنه يبين واحدة من مهارات التواصل وهي حسن الإستماع للناس وكسر كل الحواجز التي قد تعيق هذا الإتصال فقد كان هؤلاء القوم لا يفقه أحد كلامهم ولا يفقهون هم كلام أحد بحسب ما جاء في القراءات المتواترة (يَفْقَهون) بفتح الياء والقاف وقرأ حمزة والكسائي (يُفْقِهون) بضم الياء وكسر القاف. لابد للقائد الناجح من فتح قنوات اتصال بينه و بين من هو مسئول عنهم و أن يستمع إليهم علي كافة درجاتهم و طوائفهم و أن يكون الاتصال مباشرا دون عائق (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا(94) الكهف) (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا(95) الكهف).

ثم يأتي موقفٌ يمر عليه الكثيرون مرورا عابرا و لكنه يرسم مجموعة من الصفات الأخلاقية في القائد عندما يعرض عليه رعيته مكسبا دنيويا مقابل القيام بعمل لهم فيرفض رفضا قاطعا و يفضل ثواب الله عليه (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا(94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا(95) الكهف) و من الصفات المستنبطة من هذا الموقف الرائع

7. غلق باب الكسب غير المشروع : فلا يحق للقائد أخذ أجر علي عمل مكلف به إلا ممن كلفه بالعمل فلا يقبل هدية أو عطية بسبب منصبه أو ما مكنه الله له.
8. الإحساس بالمسئولية : عندما يشعر القائد بالمسئولية تجاه من يقودهم فإن هذا يكون دافعا لتحقيق مصالحهم دون التكسب من وراء ذلك.
9. العفة و طهارة اليد : القائد الحق هو من لا يستغل حاجات رعيته و ينهب ثرواتهم بحجة أنه يقوم علي رعايتهم و تحقيق مصلحتهم.
10. نصرة المظلوم : نصر المظلوم واجب لا يحتاج إلي مقابل.
11. العمل الجماعي : و هذا بين في قوله: (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا(95) الكهف).
12. التوظيف الأمثل للطاقات البشرية : فلقد وظف ذو القرنيين طاقات القوم فيما يحسنوا و طلب منهم العون بالقوة و ليس بالمال أو العلم.

وللقيادة صفات ثابتة لا يمكن تجاهلها أو الاستغناء عنها وتعد من القواعد الأساسية وهي اضافة لما سبق:
13. وضوح التعليمات و الأوامر الصادرة من القيادة (خطة تشغيل محكمة) : فلقد كان ذو القرنين محددا فيما يطلبه وواضحا وضوحا شديدا كما في قوله: (آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا(96) الكهف).
14. استغلال الموارد المتاحة : فلقد استخدم ما لديهم من مواد مثل الحديد والنحاس وغيرها ليحقق النتائج المرسومة بالموارد المتاحة في دمج عجيب لمبدأ الكفاءة في استغلال المتاح مع الفاعلية في تحقيق أفضل النتائج.
15. التعليم والتوجيه : فلقد علمهم ذو القرنين كيفية بناء سد منيع.
16. التدريب على رأس العمل: أشركهم ذو القرنين في العمل ليكون التعليم واقعا عمليا ملموسا وليس نظريا.
17. استخدام القوة في التعمير و الإصلاح.
18. إدارة المخاطر وتحقيق المطلوب بأيسر الطرق وأقل خسارة ممكنة فلقد كان ممكنا لذي القرنين أن يقاتل يأجوج ومأجوج ولكنه فضل عزلهم ودفع شرهم بأبسط الطرق.
19. التواضع و رد الفضل لله : التوفيق من الله و علي كل قائد ناجح في مؤسسته أن يعلم أنه لولا توفيق الله له ما كان لينجح و لذلك قال ذو القرنين (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا(98) الكهف) كما أنه على كل قائد ناجح أن يرد الفضل إلى أهله وألا ينسب لنفسه ما ليس له.

أخلاقيات القائد