البشارة الحادية عشرة:
(إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) مريم)
ماذا تقول لعبد جعل الله تعالى له ودا؟ إذا وده الله تعالى ودّه جبريل u وإذا وده جبريل ودّته الملائكة ثم وده الصالحون من الناس. وفي الحديث القدسي: إذا أحبّ الله عبداً نادى جبريل إني أحبّ فلاناً فأحِبّه ثم ينادي جبريل في الملائكة إن الله يحب فلاناً فأحبوه فتحبه الملائكة ثم يوضع له القبول في الأرض.
مودة الله تعالى أولاً ثم مودة جبريل ثانياً ثم مودة الملائكة ثالثاً ثم مودة الناس. كل من آمن بالله وعمل الصالحات وصار بطلاً في هذا وهناك فرق بين أن يكون عمل الصالحات وأن يكون دخل في الصالحين (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) العنكبوت) هؤلاء متخصصون في الصلاح وانتقلوا من عمل الصالحات الى أن صار الصلاح ديدنهم فهؤلاء يحبهم الله تعالى. وهناك فرق بين الحب والودّ فالحب يكون لعمل ما مثلاً تحب شخصاً لشجاعته أو كرمه أو دينه هذا الحب يترقّى ويتعمق في قلبك حتى يصبح حباً لذات هذا الانسان وليس لأجل عمله يصبح وداً مثلاً رجل صنع لك معروفاً فأحببته بهذا المعروف ثم زاد الحب في قلبك يوماً يعد يوم فأصبحت تحبه لذاته ونسيت معروفه ومهما فعل فإنك تحبه حتى لو أساء إليك فانقلب الحب ودّاً. قال تعالى في أهل بدر بعد أن امتدحهم لصبرهم وبلائهم : اعملوا ما شئتك فقد غفرت لكم. انقلب حب الله تعالى ودّاً. وهذا ينطبق على كل الذين جاء في القرآن ذكر أن الله تعالى رضي عنهم ورضوا عنه وهم الأنصار والمهاجرون والرضوانيون الذين اتّبعوه باحسان.
هذا هو الحب وكل من عمل الصالحات حتى صار صالحاً هذا الانسان يحبه الله تعالى لصلاحه ثم ينقلب هذا الحب إلى أن يودّه الله تعالى لذاته. وفي الحديث: إن من عباد الله عز وجل من رزقهم ويعافيهم ولا يبتليهم وإذا ماتوا أدخلهم الجنة. هؤلاء أحبهم الله تعالى لذواتهم لأمر ما وهو أعلم بهم ولا يُسأل عمّا يفعل . فكما يحب هذا العبد لصلاحه إذا أحبّه لذاته صار ودّاً (سيجعل لهم الرحمن ودا) والجعل هو تغيير الصيرورة شيئ لم يكن ثم صار إذن هكذا هي مودة الله عز وجل (اعمل ما شئت فقد غفرت لك) وفي الحديث القدسي: إن عبدي أذنب ذنباً فقال يا رب اغفر لي فيقول الله عز وجل علم عبدي أن له رباً يغفر الذنوب قد غفرت لعبدي. وفي حديث آخر: من استغفرني وهو يعلم أني قادر على أن أغفر له غفرت له كل ذنوبه. فليفعل عبدي ما شاء إذا كلما أذنب ذكرني واستغفر.
أما حب جبريل u والملائكة: حملة العرش مولعون بالصالحين (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) غافر) هذه الآية تدل على حب الملائكة لعباد الله . أصحاب المساجد وأأصحاب الأعمال الصالحة تعشقهم الملائكة ويتفقدونهم إذا غابوا ويستبشرون إذا عادوا. ” إن للمساجد أوتاداً الملائكة خُلّتهم” هؤلاء يصبحون حديث الملائكة إذا مانوا من زوار المسجد الذين تعودوا على المساجد (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ (11) الرعد) (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) الطارق).
حينئذ إن كنت صالحاً تستغفر لك الملائكة ليل نهار حتى وأنت نائم تدخل بين ثوبك وجسدك. فإا اكتمل حب الله تعالى وحب جبريل u والملائكة وهذا من السهولة فما عليك إلا أن تكون من أصحاب الأعمال الصالحة مهما أذنبت ومن العمال الصالحة أن تستغفر كلما أذنبت وتنوي التوبة حتى وإن عدت تجدد التوبة والاستغفار. إذا أحبك الله تعالى وجبريل u والملائكة يجعل الله تعالى لك القبول في الأرض بين الناس فيحبونك ويقتدون بك ويسرون برؤيتك ويتشرفون بزيارتك ويصبح ذكرك على ألسنتهم ثم كما قال r: يوضع له القبول في الأرض” ويقول تعالى في الحديث القدسي: ما أقبل علي عبد بقلبه إلا أقبلت عليه بقلوب المؤمنين. فإذا أقبلت على الله تعالى بقلبك وفرّغته من هموم الدنيا ومشاغلها يُقبل عليك الله تعالى ومعه جميع قلوب المؤمنين. وفي الحديث: تفرّغوا من هموم الدنيا ما استطعتم وما أقبل عبد بقلبه الى الله عز وجل إلا جعل الله قلوب المؤمنين تفِد اليه بالود والرحمة وكان الله بكل خير أسرع إليه.
وهذه خاتمة العبادات العظيمة ولو قرأنا النصوص تعلمنا كيف تكون محباً ومحبوباً بين الناس ويقول تعالى في الحديث القدسي: وجبت محبتي للمتحابين فيّ. ويقول تعالى : يوم القيامة أين المتحابين في جلالي اليوم أظلهم بظلي يوم لا ظل إلا ظلي. أن تحب عبداً لله لا لمصلحة دنيوية وإنما فقط لاعجابك بصلاحه وكرمه وأخلاقه ليس لك عنده مصلحة ولا حاجة فهذه عبادة لا تسبقها عبادة يوم القيامة.
جاء أعرابي الى رسول الله r فسأله: متى الساعة؟ فقال r ماذا أعددت لها؟ فقال ما أعددت لها لا كثير صلاة ولا كثير صيام إلا إني أحبك فقال r المرء مع من أحبّ. فما فرح الصحابة بحيث كما فرحوا بهذا الحديث. وفي الحديث: أقرب الناس مجلساً من الله يوم القيامة المتحابون في الله.