برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر 1429هـ – الجزء الثامن عشر

التفسير المباشر

الحلقة الثامنة عشرة

18-9-1429هــ

 

د:عبد الرحمن: بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالَمين، وصلّى الله وسلّم وبارك على سيِّدِنا ونبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. حياكم الله أيُّها الإخوةُ المشاهدون في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات برنامجكم اليومي [التفسير المباشر] الّذي يأتيكم من استديوهات قناةِ دليلٍ الفضائيّة بمدينة الرياض.

اليوم هو الثامن عشر من شهر رمضان المبارك من عام تسعةٍ وعشرين وأربعِ مِئَةٍ وألف، وحديثُنا اليوم سوف يكون حول الجزء الثامن عشر من أجزاء القرآن الكريم.

وهذا الجزء يبدأُ من أوّلِ سورة المؤمنون مع سورة النور وحتى 20 آية من أوّلِ سورة الفرقان.

وقبل أن أبدأ في عرضِ موضوعاتِ هذا الجزء أُريد أن أُذَكِّرَكم بأرقامِ الهواتف الّتي يمكنكم التواصل معنا عن طريقِها من داخل السعودية (012084444) أو (014459666) وعلى الهاتف الجوال للمراسلات (0532277111 ) وعلى المتّصلين من خارج السعودية إضافة الرقم الدولي؛ كما يمكنكم التواصل عن طريق الإنترنت عن طريق موقع برنامجنا [www.tafsir.net] ضمن موقع ملتقى أهل التفسير.

أبرز الموضوعات الّتي اشتمل عليها الجزء الثامن عشر:

  • تحدّثت سورة المؤمنون عن صفات المؤمنين الصادقين.
  • كما تناولت كذلك أصول الدين من التوحيد والرِّسالة والبعث.
  • ثمّ تعرّضت لذكر قصص الأنبياء أو قصص بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام.

أمّا سورة النور فقد تناولت:

  • الآداب والأخلاق الاجتماعيّة وقضايا العفاف والستر للأُسرة المسلمة.

وابتدأت سورة الفرقان:

  • بالحديث عن القرآن وتكذيب المشركين له.

هذه أبرزُ الموضوعات الّتي اشتمل عليها هذا الجزء.

يَسُرُّني في بداية هذا اللّقاء أيُّها الإخوة المشاهدون أن أُرَحِّب بضيفِ هذه الحلقة الّذي شرّفنا وزارنا وجاء إلينا من مدينة جازان، وهو مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوْقاف والدّعوةِ والإرشاد بمنطقةِ جازان، وأستاذ التفسير والدّراسات القرآنيّة بجامعة جازان، وهو فضيلةُ الشيخ الدكتور حسين بن علي الحربي، فحياكم الله يا أبا علي.

د:حسين: حيّاكم الله، وحيّا الله الإخوة المشاهدين.

د:عبد الرحمن: حياك الله ونحن سعداء بك في هذا اللقاء ونرجو بإذن الله أن تكونَ حلقةً ثرِيّة إن شاء الله.

د:حسين:إن شاء الله يوفقنا ويسددنا.

د:عبد الرحمن: بدايةً يا دكتور حسين في مطلعِ هذه الحلقة أو كمستهلِّ لها نريد أن نتحدّث ونطلع الإخوة المشاهدين عن موضوع سورة المؤمنون، وسورة النور على وجه الخصوص ونُرجِئ سورة الفرقان إلى حلقة غدٍ إن شئت.

د:حسين: بسم الله، والحمد لله والصّلاةُ والسّلام على رسولِ الله وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَن والاه، وبعد. فأحمدُ الله تعالى الّذي يسّرَ سُبُل نشر الخير ودلّه للنّاس، وأُثَنّي بالشكر بعد شكر الله تعالى لأخي الدكتور عبد الرّحمن الّذي سلك منهجاً لتبسيط وتفسير وإيضاحه للناس، وهذا منهج قليل في الساحة الإعلاميّة أو حتى في محاضن العلم العامة غير النظامية، دروس التفسير تقلّ ونشرها للناس وإشعار الناس عموم الناس بفهم القرآن ومعانيه مهم للغاية إذ هو دستور الحياة وينطوي على سعادة الدنيا والآخرة.

أمّا حديثنا في هذه الحلقة فسورة المؤمنون سورة مكيّة باتّفاق أهل التفسير، وكعادة السور المكيّة الّتي تُخاطب شريحة من الّذين أسلموا مبكِّراً، والتحقوا بالإسلام، وتُقارِع الكافرين الّذين يعاندون هذا الدين من كفّارِ قريش وغيرهم. فإذا استُقْرِئَت السورة يمكن أن نُجْمِل أهم محور تدور عليه جميع موضوعات السورة في أنّها تعتني بتحقيق الوحدانيّة لله تعالى، والدّعوة إلى تحقيق الوحدانية في إلهِيّته، وإبطال الشرك ونقض قواعده والتنويه بالإيمان وشرائعه.

ثمّ إذا تتبّعنا الموضوعات فهي افتُتِحَت أوّلاً بذكرِ صفات المؤمنين، وفي هذا إيضاح في حال أهل الإيمان الّذين آمنوا وحقّقوا التوحيد لله عزّ وجلّ، وأهم الخصال والصّفات الّتي تحَلَّواْ بها وحقَّقوها لله عزّ وجلّ، وذكر من جملةِ صفاتِهم: وصفهم بالإيمان {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1}} ثمّ الصّلاة، ثمّ الخشوع، وأيْضاً خصّه في الصّلاة، الإعراض عن اللغو، في الصّدقات، حفظ الفرْج، أداء الأمانة، الوفاء بالعهد، المحافظة على الصّلاة. وجملة هذه الصفات هي الّتي تُحَقِّق السّعادة وتُورِث الجنّة؛ كما جاء في نصِّ هذه الآية {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ {10}} وكما في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديثِ عمر: ” أُنْزِلَ عليَّ عشرَ آيات مَن أقامهنّ دخل الجنّة ثمّ تلا قول الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1}} إلى آخر الآيات العشر” وكلّ خصلة من هذه الخصال مُوجِبٌ للفلاح، وذلك بدليل تَكرار الموصول {الَّذِينَ} في كلّ آية {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4} * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {7} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ {8} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {9}} كرر ذكر الموصول {الَّذِينَ} الّذي يُشعِر بأنَّ كُلَّ خِصلة من هذه الخِصال منفَرِداً مُحَقِّق للفلاح، ولو كان المقصود أنّ هذه الخصال مجتمعة لا يتحقّق الفلاح إلاّ بها مجتمعة دون غيرِها وإن كان الكمال ذلك لكان العطف: “الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وعَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ” وهكذا

د:عبد الرحمن: هذه لفتة جميلة.

د:حسين: أيْضاً من أهمِّ الموضوعات الّتي تناولتها سورة المؤمنون: الاستدلال على وحدانيّة الله تعالى وقدرته واستحقاقه للعبادة، الاستدلال بالقدرة والخلق، ونحوِها من الأفعال الّتي أخبر الله تعالى بها في ثنايا هذه السورة على استحقاقه للعبادة، فذكر خلق الإنسان أصلِهِ ونسلِه، وأستدلّ بخلقِ السّماواتِ السّبع، والامتنان بإنزال المطر، وإنبات الأرض، والامتنان عليهم بما خلق الله لهم من السّمع والأبصار والأفئدة، فكلُّ هذه ذكرها الله تعالى؛ استدلالاً على الكفّار بأنَّ الّذي فعل ذلك مُستَحِقٌّ للعبادة، وكثيراً في القرآن يرد الاقتران بين خلق السموات والأرض وخلق الإنسان {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}[غافر: 57]. ثمّ أخبر عن عدد من قصص الأنبياء مع أقوامهم ودعوتهم؛ تحقيقاً للتوحيد، إبطالاً للشرك، وذكر نهاية المشركين وعاقبتهم ومآلهم؛ تنبيهاً للمخاطَبين بهذا الكتاب أنّ هذا هو مآل الكفار، وأيْضاً أخبر بمآل المؤمنين في أوّل السّورة، وفي آخر السّورة دليل على ذلك فقد ذكر قصّة نوح، وقصة صالح عليه السلام وقصّة موسى وأخاه هارون عليهما السلام وعيسى عليه السلام وخلقه، ثمّ ختم هذه القصص بحوار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع قومه حول التوحيد والإيمان، ثمّ أخبر إجمالاً عن الرُّسُل { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا}[المؤمنون: 44] يعني: متراتبين.

د:عبد الرحمن: والعادة يا دكتور حسين أنّ إذا جاء القصص القرآني مثل هذه السورة أو غيرِها فالأصل أنّه موجود في السور المكيّة؛ لتثبيت قلب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولأخذِ العِبرةِ منه في دعوته عليه الصّلاة والسّلام وأيْضاً لتثبيت المؤمنين الّذين اتّبعوه.

د:حسين: بِلا شكّ هذا من أهمّ أغراض ذكر القصص في القرآن أنّها لتثبيت قلب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ كما جاء منصوصاً في كتاب الله عزّ وجلّ. وأيْضاً يُؤْخَذ فيه أنّ هؤلاء الكفّار المخاطَبين بهذا القرآن أنّ هؤلاء الأقوام دعواْ أقوامهم، ومنهم مَن آمن ومنهم مَن كفر، وكانت النتيجة المؤمنين أن صارت عاقبتهم حميدة، والكافرين عاقبتهم وخيمة.

د:عبد الرحمن: فتح الله عليك. هذه ما يتعلّق بسورة المؤمنون وسورة النور نستأذنك في عرضِ موضوعاتِها بعد أخذ اتّصال معنا متصل، تفضل يا أخي الكريم الأخ عبد العزيز من السعودية حياك الله

عبد العزيز: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

عبد العزيز: عبد العزيز الزهراني يحيّكم من مكّة المكرّمة على بُعْد بضعة كيلو مترات من الحرم الشريف.

د:عبد الرحمن: الله يحيك يا أخ عبد العزيز وأن يتقبّل منّا ومنك.

عبد العزيز: الله يرضى عليك وإياك.

د:عبد الرحمن: تفضل حياك الله.

عبد العزيز: باختصار شديد قبل أن أطرح سؤالي: أنا سعيد جدّاً بما أنّه لأوّل مرّة في هذه القناة المباركة أشترك معكم، وهذا من كنت أتمنّى أن أعرف هذا البرنامج منذ زمن، لكن أود أسأل يا شيخ هل له إعادة حتى ننشر بين الناس.

د:عبد الرحمن: نعم نعم الإعادة الساعة الثانية بعد منتصف الليل.

عبد العزيز: ثلاثة أسئلة سريعة يا شيخ:

د:عبد الرحمن: يلا تفضل.

عبد العزيز: السؤال الأول يا شيخ: هل ورد في شأن قوم نوح عليه السّلام: {وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ {29} ، وفي شأن الاستعاذة من همزات الشياطين ومن أن يحضرون باللّفظ هل ورد في شأنِ ذلك فضل، ومتى يكون ذلك الدّعاء إن كان مأثوراً؟ طبعاً هو مأثور لا شكّ لكن هل له مكان يُسَنّ الدّعاء أو يستحبّ الدّعاء عنده؟ هذا السؤال الأول.

السؤال الثاني يا شيخ: في قول الله عزّ وجلّ في سورة النور: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} يعني يذهب بعض العلماء أنّه إلى أنّ هذا الأمر في البيوت ليتك تحدّثنا عن هذه القضيّة بالذّات الحقيقة.

والسّؤال الأخير: يرى العلماء أنّه ليس من سورة بدأت بمعجزةٍ إلاّ سورتيْ الإسراء {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} وسورة القمر {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ {1}} لكن ألا ترى أنَّ افتتاح سورة الفرقان بإنزال الله عزّ وجلّ أو بالحديث عن إنزال القرآن أيْضاً افتتاحٌ بمعجزة؟ شكراً لكم.

د:عبد الرحمن: أحسنت شكراً لك شيخ عبد العزيز حياك الله وبيّاك. وأسئلة جيّدة الحقيقة.

قبل أن ندخل في الأسئلة يا دكتور حسين نريد أن سورة النّور الآن نريد أن نبيّن للإخوة المشاهدين موضوعها الأساسي الّذي جاءت للتأكيد عليه والحديث عنه.

د:حسين: بِلا شكّ أنّ سورة النّور يدور محورها على قضيّة تحقيق الآداب الإسلاميّة المتعلّقة بحقوق الله عزّ وجلّ وبحقوق خلقه، ومن جملة هذه الآداب الّتي ذكرها؛ مثلاً أحكام العفاف والسّتر، وذكر فيه أيْضاً قصّة الإفك، معاشرة النّساء للرّجال، آداب الخُلطة والزّيارة، حدّ الزّنا، عقاب القذف، حكم اللّعان، كلّها حفظ الأعراض، ذكر براءة عائشة، آداب المسلمين في المخالطة، إفشاء السلام، التحريض على مكاتبة العبيد، الأمر بغضّ الأبصار، وحفظ الفروج، الحجاب، ذمّ أهل النّفاق، التّحذير من حبائل الشيطان. هذه كلّها سورة مدنيّة وموضوعاتها من موضوعات السورة المدنيّة في ذكر الأخلاق والآداب وبعضاً من الأحكام.

اهتمّ السّلف بتعليم سورة النّور وحثّهم عليه يؤثِرَ عن عمر رضي الله عنه أنّه كتب لأهل الكوفة: “عَلِّموا نِساءَكم سورةَ النّور” وهي من السور الّتي تحتاج كلُّ أُسرة إلى معرفة أحكامها، فهي تُنَمّي كثير من الآداب والأخلاق الّتي تتعاطاها حتى أحكام الأطفال استئذان الأطفال، الاستئذان على النّساء، الدّخول على النّساء، غضّ الأبصار، كلّ مسلم لا يستغني عن القرآن عموماً، ومن جملة ذلك التي هي سورة النور الّتي أوصى السّلف بالاهتمام بها وتعليمها للنّاس.

د:عبد الرحمن: في بداية سورة المؤمنون يا دكتور حسين يلفت النّظر إلى أنّه كرّر الحديث عن الصّلاة مرتين فقال الله سبحانه {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2}} ثمّ قال في نهاية الحديث {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {9}} قد يتساءل المتسائل لماذا هذا التَّكرار، وما الفرق بين الآيتين؟

د:حسين: إذا صار التأمُّل لجملة الصّفات المذكورة في أحوال المؤمنين في مطلعِ هذه السورة الكريمة يُلاحَظ أنّها تحتوي على أمرين: على أعمال قلبيّة، وأعمال بدنيّة. فالصلاة عمل بدني، الخشوع عمل قلبي، الإعراض عمل قلبي وعمل بدني أيْضاً. إعراض بالقلب وإعراض بالبدن، حفظ الفروج عمل بدني، وهكذا والزّكاة عمل بدني، وحفظ الصلوات، وحفظ الأمانات كلّها أعمال بدنيّة، وأيْضاً من الأمانات جزء منها عمل قلبي؛ لذلك هي لا تخرج عن عمل قلبي وعمل بدني، فإذا اتّضح هذا اتّضح على أنّ الله أكّد على موضوع الصّلاة لأهميّتها، وأيْضاً راعى فيها الجانبين، ففي أول مطلع السورة ذكر العمل القلبي أن يهتم بالصلاة في الجانب القلبي، وفي آخر الصفات الذي هو {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {9}} التأكيد على العمل البدني بالمحافظة البدنيّة على أوقاتها على طهورها على آدائها على سننها أركانها واجباتها، والخشوع عمل قلبي {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2}} إذ الخشوع هو لبُّ الصّلاة ولا يستقيم أمر الصّلاة إلاّ بالخشوع.

د:عبد الرحمن: بالنسبة للقصص الّتي وردت في سورة المؤمنون يا دكتور حسين ما الّذي يلفت نظرك أو يستوقفك في قصص الأنبياء في هذه السورة العظيمة؟

د:حسين: طبعاً افتُتِحَت القصص بقصّة نوح عليه السّلام، في الآية الّتي قبلها {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ {22}} في مقام الامتنان على النّاس، ثمّ أردفها بقصّة نوح.

د:عبد الرحمن: مناسبة جميلة بين ذكر السفينة.

د:حسين: ذكر السفينة لأنّها هي كانت سبيل نجاة نوح وقومه الّذين آمنوا معه، وفي مقام الامتنان أنّ هذه وسيلة من وسائل النّجاة والتّنقُّل {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ {22}} وفي قصّة نوح عليه السّلام وفي باقي قصص الأنبياء طبعاً الموضوع الرّئيسي هو: قضيّة الدّعوة إلى توحيد الله عزّ وجلّ ولعبادته {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ} في بعض قصص القرآن يُلاحظ أنّه يأتي الخطاب مِنَ النبيّ عليه السّلام لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} فيأتي بعدَها (قال) أو (وقال) وفي بعضِها يأتي (فقال)، طبعاً ذكر الفاء في مَقول القول من الملأ دالٌّ على أنَّ هؤلاء لم يَدَعو لِعقولِهم فرصة، ولا لأفكارهم فرصة لتأمُّل قول النّبيّ الّذي دعاهم إليه، والتثبت منه صحّةً وقَبولاً، بل باشروا بالرّفض {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} فجعلوا مبدأ البشريّة أن يكونوا بشر ناقض للرّسالة وهذه دعوى باطلة قد ردّ الله تعالى عليهم، وأيْضاً جعلوا من ضمن القوادح أنّه يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق، وهذه أيْضاً ردّ الله تعالى عليهم في أواخر الآية العشرين من سورة الفرقان كما سيأتينا

في قصّة {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ {31}} لم يذكر الله تعالى النّبيّ هنا، ويظهر والله تعالى أعلم أنّه صالح عليه السّلام في قصّةِ ثمود؛ لأنّ الله تعالى أخبر عن أنه أهلكَهم بالصَّيْحة، والصّيحة كانت عقاباً لهم.

د:عبد الرحمن: {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ {31}} نعم جميل.

لعلّها إجابة لسؤال الأخ عبد العزيز الأول يا دكتور حسين عندما قال في قوله تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ {29}} فهذه وردت في قصّةِ نوح عليه السّلام {وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ {29}} فهو يسأل: هل هذا الدّعاء أو هذا الّذي قاله نوح هنا، هل له خصوصيّة بأن يدعو به المسلم إذا نزل منزِلاً جديداً؟

د:حسين: هو يعني في دعوةِ نوح عليه السّلام له فهو ثابت بكونه من الدّعاء المأثور من الأدعية المأثورة الّتي إذا دعا بها الإنسان كان مُصيباً لِما كان عليه الأنبياء والرُّسل عليهم الصّلاةُ والسّلام.

د:عبد الرحمن: وأيْضاً يبدو لي يا دكتور أيْضاً أدعية القرآن لها خصوصيّة يجب على المسلم أن يحرص عليها.

د:حسين: يعني لكن قضيّة اقترانها بتثبيتها في سنّة محدّدة في وقت محدّد هذه تحتاج إلى ثبوت سنّة، لكن كونه من الأدعية الّتي يستحبّ الإنسان أن يدعو بها في كافّةِ أحيانِها أو في المناسبات المناظِرة لها فهذا جاري وفقَ ما أمر الله تعالى به في كتابه.

د:عبد الرحمن: جميل جدّاً.

د:حسين: بعد ذلك قال الله تعالى في إرسال الرّسل {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ {42} مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ {43} ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} جعل هذا الإجمال لدعوة جملة من القرون الآخرين من الأُمم، وأخبر في نهايته بمصيرهم بأنّهم يعني أتبع بعضهم بعضاً في الهلاك {وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أي: أُهْلِكوا {فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ {44}} يعني: لأنّ هذا مصير الّذين لا يُؤمنون، ففي هذا دعوى للكافرين بأنّهم يؤمنوا بهذا الكتاب الّذي جاء به

د:عبد الرحمن: فتح الله عليك يا دكتور معنا اتّصال من الأخ أبو هاشم من السعودية تفضل

أبو هاشم: السلام عليكم.

د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.

أبو هاشم: لديّ سؤال في قوله عزّ وجلّ {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ {6} وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ} ومعها قال: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} فما السّرُّ في ذلك.

د:عبد الرحمن: طيب أبشِر. تكثر أسئلة النّاس يا دكتور حسين حول مثل هذه الفروق، والّتي تدلُّ الحقيقة على أنّ النّاس بدأوا الحقيقة يحرصون على التّدبُّر والموازنة والمقارنة بين آيات القرآن في مواضع، بعضهم يذكر ما الفرق بين قوله كذا في سورة كذا، وقوله كذا في سورة كذا؟ كيف نجمع بين قوله كذا؟ وهذا معروف عند المتخصِّصين، لكن كان قليل أن تسمع من الجميع.

د:حسين: هذا أثر حميد من آثار نشر مثل هذه البرامج للنّاس ودعوتهم إلى تدبُّر القرآن، وهذا ممّا يُشْكَر عليه كلّ مَن أسهم فيه.

د:عبد الرحمن: في يا دكتور أنا عندي تساؤل بمناسبة وجودك معنا في هذا اللّقاء، وأنت اعتنيت كثيراً بالتّرجيح في كتب التفسير وقواعده وكتابك “قواعد التّرجيح” من الكتب الّتي انتفعنا بها كثيراً.

معنا مثلاً لنضرب مثال إن شئت بآية من الآيات الّتي معنا في هذا اللّقاء وحول قضيّة عندما يجد المسلم الآن يفتح كتاباً من كتب التفسير يا دكتور حسين مثل كتاب تفسير ابن كثير أو غيره؛ مثل قوله سبحانه وتعالى على سبيل المثال في سورة النور {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} تعلم أنت أنّه تجد في كتب التّفسير اختلافاً في المقصود بالزّينة في هذه السّورة؛ فيحتار الّذي يقرأ كتاب التّفسير يقول: ما هو القول الصّحيح من هذه الأقوال؟ كيف أستطيع أن أصل إلى القول الصّحيح وأُرَجِّحُهُ؟ فلو ألقيت بالضّوء على مثل هذا المبحث يا دكتور.

د:حسين: حقيقةً القراءة في كتب التفسير، والنّظر في كلام أهل العلم كيف يختارون القول الأصوَب أو الأقرب إلى الصواب في تفسير الآية أو الأَوْلى حتى والألصق بدِلالة اللّفظ، يعني يستطيع من خِلالها الخروج بجملة ضوابط، وهي ما وفّق الله عزّ وجلّ وجمع في كتاب “قواعد التّرجيح”؛ ليَصِل من خِلالها للفهم الصّحيح للآية. والمثال الّذي ذكرته هو فعلاً من الأمثلة الّتي اختلفت فيها أقوال أهل التفسير كثيراً، وتجتمع أقوالهم في ثلاثةِ أقوال؛

1.      أنّ المراد بالزّينة المذكورة في الآية أنّها الزّينة الّتي هي خارِجة عن أصل الخِلْقة، ولا يستلزم النّظر إليها النّظر إلى شيء من بدن المرأة؛ مثلاً الجلباب الّذي تلبسه، وأنّه ممّا يتزيّن به، وإذا نُظِر إليه لا يُرى شيء من البدن.

2.      والقول الآخر أو المعنى الآخر هو: أنّ الزّينة هي ما تتزيّن به المرأة، ويستلزم النّظر إليه، النّظر إلى شيء من بدن المرأة؛ كالنّظر إلى زينة الخضاب مثلاً أو الكحل أو الخاتم ونحوها، فإنّ النّظر إلى هذه الزّينة لازمٌ له أن يُرى موضعه وهو من أصل الخِلقة.

3.      والقول الثالث: أنّ الزينة هي: جزء من أصل الخِلقة؛ كالوجه والكفّين كما في بعض قول أهل التفسير،

ولكن باستقراء المصطلح القرآني أو استعمال القرآن للفظ الزينة في كتاب الله عزّ وجلّ يوضّح لنا أنّ أوْلى الأقوال وأفضلُها في تفسيرِ هذه الآية هو القول الّذي يرى أنّ الزّينة هي ما تتزيّن به المرأة، وهو خارِجٌ عن أصلِ خِلْقَتِها، ولا يستلزم النّظر إليه، النّظر إلى شيءٍ من بدنِها، وورد ذلك في آيات كثيرة يكثُر تكرارها في القرآن أنَّ المراد ب الزّينة هو هذا المعنى؛ مثل قول الله عزّ وجلّ {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف: 31] فالمراد من هذا هو ما يتزيّن به من اللِّباس، وليس المقصود هو البدن، ومثلُها قول الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ}[الأعراف:32] فالّذي أخرجه هو الشيء الزّائد عن خارج البدن {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا}[الكهف:7] وما على الأرض هو خارجٌ عن أصلِ الأرض؛ {وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا} [القصص:60] فالإيتاء هذا شيء زائد عن أصل الخِلقة {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}[النحل:8] زينة لكم وهو خارج عن أصلِ خِلْقَتكم {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الكهف:46] زينة؛ كذلك مثلُها {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ}[الحديد:20]، { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ}[طه:59] وهكذا من الآيات الّتي وردت فيها لفظ الزّينة عند الاستقراء هذا نجد فيه أنّ غالب استخدام القرآن لهذه اللّفظة هو بمعنى أنّ الزّينة الخارجة عن أصل الخِلقة، ولا يستلزم النّظر إليها النّظر إلى شيء من البدن. وبالتالي فإنّ عُرْفَ القرآن واستخدامه لهذه اللّفظة يُؤَيِّد أنّ المعنى المراد في هذا الموضع الذّي اختلف فيه أهل التّفسير في المراد بالزّينة أنّه المراد بمثله مثلَما أراد الله في المواضع الأخرى، فَحُمِلَ الموضع المُخْتَلَف فيه على الموضع المُتَّفَق فيه، وهذا مَلْحَظ ذكره عدد من أهل التفسير، ومنهم في هذا الموضع الشيخ العلامة محمد بن علي الشنقيطي عليه رحمة الله.

د:عبد الرحمن: هذه الطريقة حقيقة مفيدة جدّاً في جمع النظائر يعني الآن عندما يقرأ وأنا متأكّد أن الأخ المشاهد الآن استمتع بمثل هذه اللّفتة الكريمة عندما تجد موضعاً فيه خلاف {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} معظم أقوال المفسِّرين تجد أنّهم لا يخرجون عن الآيةِ نفسِها، ولو جمعوا النّظائر الأخرى لاتّضح الأمر كما فعله بعض المفسرين.

د:حسين: ذكرت حقيقة جملة من الأمثلة الّتي يمكن استخدامها، وهذا الأسلوب أو هذا المعنى.

د:عبد الرحمن: يعني القاعدة الّتي يمكن أن نُسَمّيها.

د:حسين: القاعدة هي حمل كلامِ الله تعالى على الغالب من أسلوب القرآن ومعهود استعماله أوْلى من الخروج به عن ذلك.

د:عبد الرحمن: ممتاز.

د:حسين: فإذا كان عُرْف القرآن يستخدم لفظةٍ معيّنة على معنى معيّن الغالب في هذا اضطرد فيه على موضع أو موضعين وقع الخلاف فيها، وأحد الأقوال المُخْتَلَف فيها موافق لِما هو عليه القرآن فالحمل على الموافق أوْلى، ما لم يُوجَد دليل يدلّ على إرادة الآخر أقوى من هذا الاستقراء.

د:عبد الرحمن: وأحسب يا دكتور حسين أنّ الأخذ بهذا القول حتى أستر للمرأة.

د:حسين: بِلا شكّ طبعاً توجد قرائن أخرى كثيرة تُؤيّد وتصحح هذا القول من السنّة ومن مقاصد الشريعة أنّ الأصل هو حفظ المرأة، وأنّ زينة المرأة في وجهها وكفّيها، في وجهها بالدّرجة الأولى.

د:عبد الرحمن: الحقيقة أنّه مثال طريف؛ لعلّنا أيْضاً نعطي المشاهدين أمثلة أخرى لكن أستأذنك في أخذ اتّصال من الأخ صالح من السعودية تفضل.

صالح: السلام عليكم.

د:عبد الرحمن: عليكم السلام، معذرةً على التأخير يا أخ صالح.

صالح: الله يحفظك ويسلمك الشهر عليك مبارك.

د:عبد الرحمن: الله يبارك فيك ويحيك.

صالح: أشكركم على هذا البرنامج القيّم.

د:عبد الرحمن: الله يحيك.

صالح: في إستعراض في القرآن إستعراض قصص الأنبياء – الله يحفظك- مثلاً لمّا يذكر الله عزّ وجل نوح ثم إبراهيم ثم بعد ذلك يذكر قصة موسى عليه السلام هل هذه القصص الحقب الزمنية تكون متواترة؟ يعني مثلاً لمّا يذكر قصّة نوح وبعده إبراهيم يعني جاء بعد فترة من الزمن بعد أن أتت قصة قوم إبراهيم، أو هي فقط سرد ذكر القصص للعبرة فقط؟ هذا السؤال الأول. وهناك سؤال ثاني – الله يحفظك –

د:عبد الرحمن: تفضل.

صالح: بالنسبة لقصة لوط مع قوم إبراهيم هل هم في نفس الحقبة الزمنية يعني قوم لوط يعني جاءوا في نفس الوقت الّذي ذُكِر فيه قوم إبراهيم؟

د:عبد الرحمن: واضح سؤالك شكراً.

صالح: الله يجزاك الجنة.

د:عبد الرحمن: شكراً لك يا أخ صالح حياكم الله وبياكم. هل هناك أيْضاً مثال آخر يا دكتور حسين أيضاً تتحفنا به.

د:حسين: طبعاً في أمثلة كثيرة.

د:عبد الرحمن: يعني نقول في القاعدة أنّ حلّ اللّفظة المُختَلَف فيها على نظائرها في القرآن الكريم أوْلى من حملها على غيرِها.

د:حسين: منها أيْضاً في قولِ اللهِ تعالى:

د:عبد الرحمن: في نفس السورة الّتي معنا اليوم.

د:حسين: سورة النور نعم في قول الله تعالى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} {عَلِمَ} صلاته، مَن الّذي عَلِم؟ الضّمير في (علمَ) المستتر يعود إلى أيّ شيء؟ مَن الّذي عَلِم؟ { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ}. أهل التّفسير اختلفوا على قولين:

  • مِنهم مَن أعاد الضّمير على لفظة ( كُلّ ) {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ} أي كُلٌّ مِنَ المُصَلّينَ والمُسَبِّحينَ قد عَلِمَ صلاةَ نفسِهِ وتسبيحَ نفسه.
  • ومنهم مَن حمل أعاد الضّمير على لفظ الجلالة الوارد ذكره في أوّل الآية {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ}.

فكون المعنى كلٌّ من المُصَلّين والمسبِّحين قد عَلِمَ اللهُ صلاته وتسبيحه. هذان القولان في هذه الآية.

طبعاً القول الأوْلى أن يكون الضّمير يعود إلى (كلّ) {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} أي كلٌّ مِنَ المُصَلّين والمُسَبِّحين قد عَلِمَ صلاةَ نفسِهِ وتسبيحَ نفسِه، بدليل أنَّ اللهَ تعالى قال في خاتمةِ الآية {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ {41}} فذكر الله تعالى أنّه عليم، ختم بالعلم، وعندما نعيد الضّمير إلى لفظ الجلالة الضّمير عَلِمَ نُعيد لفظ الجلالة يصبح المعنى مكرّراً مرّتين: علم الله صلاتهم، وأيْضاً والله عليمٌ بِما يفعلون، فصارت الجملة خاتمة الآية تأكيد لِما ذُكِر، بينما لو أعدناه إلى لفظة ( كُلّ ) في الآية يعني صار كلٌّ من المُسَبِّحين والمُصَلّين صار كُلٌّ علم صلاةَ نفسه وتسبيحَ نفسه {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ {41}} صار معنًى جديداً، وإيجاد معنى جديد أوْلى من أن نجعل المعنى مُؤكِّد، فهذا يندرج تحت قاعدة التأسيس أوْلى من التأكيد، تأسيس معنى جديد في الآية أوْلى من إحالته إلى أن تكون مُؤكِّدة.

د:عبد الرحمن: هذه قواعد جميلة يا دكتور حسين في ضبط المعاني.

د:حسين: بالضّبط، ويتضّح المعاني الأقرب والأليق بالسّياق.

د:عبد الرحمن: جزاك الله خيراً وفتح عليك. أستأذنك يا دكتور حسين في فاصلٍ نُعَرِّفُ فيه بكتابكم ثمّ نعود للإخوة المشاهدين. فابقواْ معنا أيُّها الإخوة.

******************************

فاصل: التعريف بكتاب

“قواعِدُ التّرجيحِ عندَ المُفَسِّرين” دراسةٌ نظريَّةٌ تطبيقيّة”

مُؤلِّفُ هذا الكتاب هو الدّكتور: حُسَيْن بن عَلي بن حُسَيْن الحربي.

وهو دراسةٌ تأصيليّةٌ جمع فيها الباحث ما توصّل إليه من القواعد الّتي يستعمِلُها المُفَسِّرون في ترجيحِ بعضِ الأقوال في تفسيرِ الآياتِ على بعض. وقد اختار المُؤلِّفُ تفسيرَ الطّبري، وتفسيرَ ابنِ عطيّة، وتفسيرَ الشّنقيطي؛ لتَمَيُّزِ هذه الكتب بالعنايةِ بقواعدِ التّرجيحِ بين الأقوال.

وقد صدر الكتابُ عن دارِ القاسمِ للنّشر بالرِّياض في طبعته الثّانية عام ألفٍ وأربِعِ مِئة وتسعةٍ وعشرين للهجرة. كما صدر مختصرُ الكتاب للمؤلّفِ نفسِه عن دارِ ابنِ الجَوْزي بالدّمام عامَ ألْفٍ وَأرْبَعِ مِئَةٍ وَتِسْعَةٍ وَعِشرينَ للهجرةِ كذلك.

*********************

د:عبد الرحمن: مرحباً بكم أيُّها الإخوةُ المشاهدون مرّةً أخرى بعد هذا الفاصل، وأُكَرّر التّرحيب بضيْفِنا في هذا اللّقاء فضيلة الشيخ الدّكتور حسين بن علي الحربي، أستاذ التفسير بجامعة جازان، ومدير عام فرع وزارة الشّؤون الإسلامية والأوقاف والدّعوةِ والإرشاد بمدينةِ جازان أو بمنطقةِ جازان. حياكم الله يا أبا علي مرة أخرى.

د:حسين: حيّاكم الله أهلاً وسهلاً.

د:عبد الرحمن: الحقيقة الحديث عن القواعد الّتي يستفيدُ منها الّذي يقرأُ في كتب التفسير، حديثٌ ذو شجون وأرجو أن يُيَسِّر الله أن نُخَصِّصَ إحدى حلقات هذا البرنامج بعد رمضان إن شاء الله إن استمرّ حول هذا الموضوع فهو موضوع نافع علميّاً ودقيق أيضاً يستفيدُ منه الجميع. لأن كثيراً من النّاس يا دكتور حسين يتساءل عندما يجد أقوالاً مختلفة في تفسير الآية يقول ما هو القول الصحيح؟ هل هو الّذي ذكره ابن كثير أو الّذي ذكره ابنُ جرير؟ فعندما تأتي وتقول لهم مثل هذا الكلام تقول: هناك قواعد ينبغي علينا أن تعلّمها مثل قاعدة التأسيس أوْلى من التأكيد، وقاعدة أنّ حمل اللفظ المختلَف فيه على عُرْف القرآن أوْلى من الخروج عنها. هذه قواعد ربّما يندرج تحتها كثير من المفردات والمعاني.

الأخ عبد العزيز الزهراني سأل سؤالاً فقال قوله سبحانه وتعالى في سورة النور {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} يقول البعض يخُصُّها بالدّخول للبيوت باعتبار أنّه لا يرى، فهل هذا القول مستقيم؟

د:حسين: رفع الحرَج عن الأعمى وعن أصحاب الأعذار ورد في مثلِ هذا وورد أيضا حتى في الجهاد ورفع العذر عن صاحب العذر كالعرج والعمى ونحوها فهي ليست خاصة.

د:عبد الرحمن: جميل جدّاً. سأل سؤالاً أيْضاً عن الابتداء بالسور، فقال: إنّه يُقالُ -ولا أدري من أين وجد هذه المعلومة- يُقال أنَّ السور الّتي ابتدأت بذكر المعجزات فقط سورة الإسراء وسورة القمر في قوله {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى}[الإسراء:1] وقوله {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ {1}} يشير إلى وأيْضاً يشير إلى انشقاق القمر، فهل هذا صحيح وهل سورة الفرقان يمكن أن تُعَدّ من السور الّتي ابتدئت بذكر المعجزات؟

د:حسين: نعم بالنسبة للإسراء، والقمر، هذه افتُتِحَت وذُكِرَ فيها مطلعِها الإعجاز المعجزة الحسيّة الذي هو انشقاق القمر والإسراء؛ لأنّها خارقة في الحسّ، وأمّا سورة الفرقان فهي المعجزة فيها أعظم، وهي معجزة معنويّة أعظم من حتى المعجزة الحسيّة وهي إنزال الكتاب، ومثلُها أيْضاً السّور الّتي افتُتِحَت في قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}[الكهف:1] ونحوها، فإنزال الكتاب إعجازُهُ أعظم من انشقاق القمر والإسراء.

د:عبد الرحمن: هنا سؤال يا دكتور حسين في الآية السابعة والعشرين من سورة النور {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {27}} يقول: ما معنى تستأنِسوا؟

د:حسين: أي تستأذنوا، تستأنسوا معناها: تستأذنوا وتسلِّموا. الاستئناس يعني تجدوا الأُنس ممَّن هو بداخل البيت بالاستئذان والسّلام معروف.

د:عبد الرحمن: وهو أيْضاً يسأل عن وجه الشّبه بين هذه الآية وبين الآية الأخيرة آية 61 في قوله {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} ؟

د:حسين: هذه في الاستئذان على مَن هو بداخل البيت، الاستئذان في الدّخول على الآخرين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} بيوت الغير. والآيةُ الأخيرة التي هي {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} إلى أن قال {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ} هذه بعض أهل التفسير قال هي بيوتكم، وبعضهم قال المساجد يعني أقوال متعدّدة يجتمع فيها أن يُطْلَق عليها البيت الّذي هو ليس مخصوصاً بالغير.

د:عبد الرحمن: ويبدو لي يا دكتور يعني التّعبير بالاستئناس هنا فيه زيادة على موضوع السلام يعني: كأنّك تُسَلِّمُ سلاماً يعني يدخِلُ الأُنسَ على مَن تُسَلِّمُ عليه.

سائلٌ يسأل يا دكتور في أول سورة النور وهذه الناس يسألون عنها بكثرة في قولهِ سبحانه وتعالى في موضوع اللِّعان، وتشريع اللِّعان في قولِهِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ {6 وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ{7}} ثمّ قال {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ {8} وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ {9}}. أوَّلاً: ما هو اللِّعان يا دكتور حسين؟ يعني حتى الناس يفهمونه ما المقصود باللّعان.

د:حسين: اللّعان هو أن يقذف، إذا قذف اتّهم الرّجُلُ زوجته بالفاحشة، وهي أنكرت ذلك ولم يكن لديهِ بَيِّنة، فالحكم في ذلك أن يتلاعنا، وأُقيمَت الشّهادات في اللِّعان مقام الشُّهود؛ لأنّ الله تعالى ذكر حكم القذف قبل ذلك، وأنّه يأتي بأربعةِ شهداء فلا تقوم الحُجَّة في القذف إلاّ بالأربع الشهود أن يشهدوا شهادةً صريحة، وبين الزّوجين قد يتعذّر ذلك فأُقيمَت الأَيْمان مقام الشّهود بالأربعة، وكوْنُهُ خصّ عند ذكر النِّساء بالغضب في شهادة الرّجل باللّعن، يعني يمكن يُذْكَر عدد من الأوْجُه من أهمِّها أنّ اللّعان غالباً في النّساء يستطرد على ألسنتهن كما وصف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ” تُكْثِرْنَ اللّعن” النّساء؛ فلذلك عُدِلَ عنه إلى ذكر الغضب لأنّه أشدّ في التّخويف وإعادة الضّمير إلى أن تصير الأَيْمان صادقة وليست كاذبة.

وأيْضاً وجه آخر: غالباً أنّ الرّجل لا يتّهم أهلَهُ إلاّ بحقيقة، وبقرينة قوية وصدق، بينما المرأة تُريد أن تدفع عن نفسها، فذكّرها بالغضب لأنّها الغالب أو الأغلب عندما تُنكِر وهي تعلم الحقيقة فهذا هو أُسلوب المغضوب عليهم أنّهم يعلمون الحقّ وينكرونه، فصار مُشابهاً لحالهم بأن يكون عليهم الغضب.

د:عبد الرحمن: جميل جدّاً.

د:حسين: عندي حقيقة في موضوع الشّهادة على الأربعة الشُّهداء يعني في هذه الأربعة الشّهداء قال الله تعالى عنها { فَإذا لَمْ يَأْتوا بِالشُّهَداء فَلا تَقْبَلوا لَهُمْ شَهادةً أَبَداً وَأُلائِكَ هُمُ الفاسِقون} فحكم عليهم بالكذب في قوله سبحانه وتعالى { ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {4}} فهذه الثّلاثة الأحكام أن يُقام عليهم حدّ الجلْد، وأنّهم تُرَدّ شهادتهم وحكم عليهم بالفسق {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ {13}} هذا النّصّ حقيقة فيه حماية للأعراض بقدر كبير من التّحفُّظ، فتأمّل كيف حكم الله على مَن لم يأتِ بالشّهود أنّه كاذب، كاذبٌ عند الله وكاذبٌ عند النّاس قد يكون في نفس الأمر صادق والحَدَث حَدَث، لكنّه لم يستطِع إحضار الشّهود الأربعة، بل قد يورث ثلاثة شهود، ويبقى الرابع الآن يصبح الجميع كاذبون، فهذا فيه حماية لجانب الأعراض وألا يستهان في هذا الموضوع بالقذف النّاس، والأصل في الأعراض أن اتُسْتَر ما لم تكُن هي داعية للفجور والمجون، وهذا مَلْحظ مهم حكم الله عليهم بالكذب مع أنّه قد يكون في حقيقة الأمر صادق، لكن عجز عن الشهادة وذيوع إخباره وإذاعته للأمر يكون أقرب إلى الكذب، أو يكون هو كاذب.

د:عبد الرحمن: الحقيقة أنّها في غاية كما تفضّلت أنّها في غاية القوّة والحماية {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ {13}}، ومن بابِ أوْلى عندَ خَلْقِهِ، ودخلت هذه الآيات في داخل قصة الإفك { إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم}.

يسأل سائل يا دكتور حسين الأخ صالح يسأل من السعودية عن قصص الأنبياء ويسأل سؤالين:

يقول: أنّ الله سبحانه وتعالى يورد قصصَ الأنبياء مرتَّبَةً أحياناً؛ فيبدَأُها بنوح، ثمّ هود، ثمّ صالح، ثمّ شُعَيْب، ثمّ إبراهيم ولوط؟ ويسأل سؤالاً عن قوم لوط هل دائماً تأتي قصّة إبراهيم ثمّ يأتي بعدها قوم لوط فهل كان لوط وإبراهيم متزامنين؟

د:حسين: بالنسبة لإبراهيم ولوط عليهما السلام هما في حقبة زمنية واحدة وإبراهيم هو عم لوط أخو أبيه، ورد في سورة العنكبوت {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {26}} بالنسبة لإبراهيم عليه السلام ولوط هم في حقبة زمنية كما قال الأخ والمعلومة الّتي لديه معلومة صحيحة فهما في زمنية واحدة {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} .

د:عبد الرحمن: جميل جدّاً، وأمّا بالنسبة لترتيب القصص.

د:حسين: ترتيب القصص بالنسبة للقصص الّتي بين أيدينا هي مرتّبة زمنياً لكن جميع ما ورد في القرآن هل هي ترد مرتّبة أو قد يُخل التّرتيب؟ هذا حقيقة يحتاج إلى بحث

د:عبد الرحمن: في بعض المواضع تجد مرتّبة، وبعض المواضع يخالف الترتيب لمناسبة السّياق. معنا اتّصال من الأخت أم البراء من السعودية تفضلي يا أم البراء

أم البراء: السلام عليكم.

د:عبد الرحمن: عليكم السلام ورحمة الله.

أم البراء: في سورة الإسراء في آية رقم 33 و 34 {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى} {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ} وهنا أيْضاً في سورة النّور في آية 31 يقول: { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} هذه من أسباب القرب للزّنا صحيح؟ هنا السؤال {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ} ما هي الأسباب المُؤدِّيَة للقرب إلى مال اليتيم هل هناك أسباب أم لا يوجد؟ أنا لا أرى أنّ هناك أسباب، فأرجو شرحها بارك الله فيكم.

د:عبد الرحمن: بارك الله فيك شكراً لك.

هناك الحقيقة أسئلة يا دكتور في وردتنا من الجوال حول سورة النور وسورة المؤمنون أيْضاً في قوله سبحانه وتعالى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3}} يقول كلّها إثبات، قد أفلح المؤمنون الخشوع في الصلاة والإعراض عن اللغو وفعل الزّكاة والمحافظة عن الفرج يقول: كلّها في إثبات الفعل إلاّ اللغو فجاء النّهي عنه يسأل هل هناك حكمة؟

د:حسين: اللغو طبعاً هو قول ما لا فائدةَ فيه، والّذي يبتعد عمّا لا فائدةَ فيه؛ فإنّه من بابِ أوْلى مبتعِدٌ عمّا حرّمَ الله.

د:عبد الرحمن: الحقيقة يا دكتور يعني يلفت نظري ولعلّك تسدد هذا القول في قوله سبحانه وتعالى {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3}} يذكر هذا الوصف للمؤمنين أنا لفت نظري أمس والأخ يتحدّث عن سورة المؤمنون أو سورة الأنبياء في قوله سبحانه وتعالى وهو يصف هؤلاء المعرضين قال {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ {2} لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} فتأمّلت فإذا بوصف المؤمن في القرآن الكريم لا يلعب ولا يعبث، وأنّ من صفاته الجدّيّة وحتى في أواخر سورة الفرقان {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}[الفرقان: 63] ذكر الله سبحانه وتعالى من صفاتهم { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا {72}} وأذكر تعليق لصاحب ظلال القرآن رحمه الله تعليق نفيس في هذا الجانب ويقول: أنّ المؤمن ليس لعّاباً ولا صاحب عَبَث وإنّما هو صاحب جدّية.

د:حسين: وهذا هو.

د:عبد الرحمن: لعلّه من أسرار بدايته {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3}}

د:حسين: يعني صفة المؤمن أنّه هذا الأمر من الله تعالى للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ {7} يُروى عن بعض السّلف أنّه مرّ بقومٍ يلعبون قال: مالكم تلعبون؟ قالوا: فرغنا من عملِنا فنحن نلعب قال: هكذا أُمِرَ الفارِغ {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ {7} وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ {8}[الشرح:7-8]

د:عبد الرحمن: الحقيقة قصة الإفك يا دكتور حسين مليئة بالآداب التربوية منها أوّلاً في قوله: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ {12}} ثمّ قال بعدها: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ {16}} الحقيقة قصة الإفك لو أردنا أن نُفَصِّل فيها سنحتاج على حلقات لكن السائل يسأل هنا يقول: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ} يقول: ما الفرق بين التّلَقّي بالألسنة والقول بالأفواه؟

د:حسين: التلقّي من اللّفظ ودِلالة اللّفظ واضحة في أنّ المقصود هو المبادرة يعني مجرّد ما ظهرت الشّائعة بادر النّاس بالخوْضِ فيها فهي تقتضي أنّه بادر دون أن يُعْمِل أي تفكير أو تثبُّت في الموضوع.

د:عبد الرحمن: القول بالشائعات بدون تثبّت.

د:حسين: إشاعة، هي أقرب إلى الإشاعة، وأمّا القول فهو تكرار معاودة الحديث فيه بعد إشاعته. فهذا ملْحظ.

د:عبد الرحمن: معنا اتّصال يا أخ حسين لعلّه يكون آخر اتّصال في هذه الحلقة، الأخ نايف من السعودية تفضل

نايف: السلام عليكم.

د:عبد الرحمن: تفضل وعليكم السلام ورحمة الله.

نايف: تحية طيبة لك يا دكتور عبد الرحمن ولضيفك الكريم.

د:عبد الرحمن: أهلاً وسهلاً يا أخي.

نايف: أنا لديّ سؤال يا دكتور حسين عن كتابه الّذي عُرِضَ قبل قليل هل هناك فرق بين قرائن الترجيح وقواعد التّرجيح، وهل كلّ قرينة تُسَمّى قاعدة؟ يعني هل من ضابط لهذا؟

ثمّ إذا أرَدْنا أنْ نُطَبِّق الآية الرابعة من سورة المؤمنون الله عز وجل قال {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4}} الشيخ حفظه الله ذكر هنا الزّكاة الواجبة، لكن هل يُقال أنّ الزّكاة هنا الزّكاة التي هي زكاة القلب: الإيمان بالله وتوحيده بدليلين اثنين: الدّليل الأول: السورة مكية وفرض الزكاة لم يأتي إلا في المدينة

الدليل الثاني: أنّ الزّكاة الواجبة تأتي بلفظ إيتاء الزكاة، يؤتون الزّكاة، أمّا في الآية هذه لم تأتي إلاّ بالفعل {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4}} فهل تُؤيِّد القرينة بالقول بأنّ الزّكاة هنا ليست زكاة المال، إنما هي زكاة النّفس. السلام عليكم.

د:عبد الرحمن: أحسنت شكراً جزيلاً لك وبارك الله فيك.

الأخت أمّ البراء تسأل سؤالاً في سورة الإسراء وهو قوله سبحانه وتعالى في الآية 33 من سورة الإسراء طبعاً هي مرتبطة في موضوع {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى} {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ} تقول: واضح {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى} أنّه قربانه بأسباب لكن ما معنى {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ} تسأل كيف يُقْرَب مال اليتيم؟

د:حسين: لأنّ يعني مال اليتيم له حُرمة أكثر من مال أيّ شخص آخر بالغ ومميِز وراشد بالإضافة إلى أنّ الله تعالى أَذِنَ للولي أن يأكل من مال اليتيم بقدر الحاجة الفعلية، فالتّحذير من القربان تحذير من أن لا تأخذ شيئاً ليس له، فيبقى يتعامل معه بهذا الحذر معه.

بالنّسبة للأخ نايف بالنسبة للقرائن والقواعد طبعاً في فرق شاسع بينهم الأمرين:

بالنسبة للقرينة هي الّتي ترد في مثال أو مثالين في بعض الأمثلة تُسمى قرينة، وبعض الآيات الّتي تستخدم فيها بعض القرائن الموجودة الّتي ليست مضطردة، فهذه تسمّى قرينة، لكن لا تصلح أن تصير هذه نفس القرينة الّتي رُجِّحَ بها في هذا الموضع تصبح قاعدة مضطردة يُرَجَّح بها إلاّ إذا كانت مضطرِدة.

إذا كانت مضطردة تُصبح قاعدة إذا كان مجرّد قرينة في الكتاب ذكرت أنّ القواعد تستخدم القرائن التّرجيح بالقرائن يكون في أحد الأقوال تُرَجّحه في القرينة في السّياق أو في أي قرينة أخرى. فهذا الفرق بينهم.

أمّا بالنّسبة للزكاة في أوّل سورة المؤمنون لم أذكر لم أنُصّ على أنّها المقصود بها الزّكاة الواجبة لكن هي كذلك فعلياً.

وبالنّسبة لِمَن اختار بأنّ المقصود بها تزكية النّفوس فعلاً يستدلّوا به مثل القرائن الّتي ذكرها من لفظ الإيتاء، ومن أيْضاً الاقتران المباشر بينها وبين الصّلاة {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} بينما هنا في سورة المؤمنون فصل بينها باللّغو أو فصل بينها

وأيْضاً من القرائن الّتي يستدلّون بها على أنّها من الزّكاة الواجبة هي موضوع أنّ الآيات مكيّة مثل هذه الآية وآية سورة فُصِّلَت، لكن الصّحيح أنّ المقصود بها زكاة المال، والمقصود بها أصل الصّدقة.

د:عبد الرحمن: وسورة الماعون وهي مكيّة وردت في آيات كثيرة

د:حسين: فالزّكاة المقصود بها في هذا الموضع هي الزّكاة أصل الصّدقة ولا مانع أن يدخل من ضمنها وممّا تدلّ عليه الآية تزكية النّفوس وهي مذكورة بنصوص أخرى.

د:عبد الرحمن: جميل الله يفتح عليك. لعلنا يا دكتور حسين والوقت داهمنا ما بقي معنا إلاّ دقيقتين تقريباً وقفة تربوية مع قوله سبحانه وتعالى في قصة الإفك الّتي في سورة النور {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ {12}} ما معنى الآية؟

د:حسين: حقيقةً في سورة الإفك يجب على كلّ مسلم أن يروّض نفسه على الآداب الموجودة بها، وقد وقع في موضوع الإفك أثاره أهل النّفاق وقع فيه بعض أهل الإسلام في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكما أخبر الله تعالى في قصة مسطح أو غيره ممّا ذُكِر في السُّنّة النّبويّة. من جملة هذه الآداب مَن تأدّب بها نجا، فمثلاً أبو أيّوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه وزوجته نَجَواْ من الوقوع في الإفك أنّه قال أبو أيّوب لزوجته: ” أتَرْضَيْنَ” “أأنتِ تَفْعَلينَ هذا؟ قالت لا، قال فعائشة أوْلى منك. فَسَلِمَ الانزلاق في ذلك بأن يُحِبَّ الإنسان أن يأتِيَ النّاس بما يُحِبّ أن يَأْتوه، فلو أنّ هذه القاعدة الشرعية المنصوص عليها في السنّة النّبويّة أُعمِلَت لدى النّاس عموماً في أنفسنا أننا لا نُعامل النّاس إلاّ بمثل أن يُعاملونا به لَخَرَج النّاس من كثير من المزالق، فهذا الظّنّ الّذي صَبَّ على واتّجه إلى عائشة رضي الله عنها وقد برّأها الله من فوق سبع سماوات إلى قيام الساعة بهذه الآيات العظيمة العشر يقول الله تعالى {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} أي سمعتم قصّة الإفك ظننتم بأنفسكم أقام عموم المسلمين بعضهم مقام بعض فجعلهم كالنّفس الواحدة {بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ {12}} أي كذب.

د:عبد الرحمن: والحقيقة قصة أبا أيّوب مثال عملي في هذا يعني الآن إذا كنتَ أنتَ لا ترى أنّ أهلَك أو أختك أو يعني تقع فيهذا فعائشة رضي الله عنها من باب أوْلى. الحديث ذو شجون الحقيقة يا دكتور لكن الوقت انتهى الحقيقة، ولكن بإذن الله يا دكتور أن يكون لقاء آخر بإذن الله معك.

في نهاية هذا اللّقاء أيُّها الإخوةُ المُشاهِدون أشكر الله سبحانه وتعالى الّذي يسَّرَهُ، ثمّ أشكر ضيفي العزيز فضيلة الشيخ الدكتور حسين بن علي الحربي، أستاذ التفسير بجامعة جازان، ومدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدّعوة والإرشاد بمنطقة جيزان، على ما تفضّل به من الإجابة وتشريفنا في هذا اللّقاء، شكر الله لكم يا أبا علي، شكر الله لكم أيُّها الإخوة المشاهدون، نراكم غداً بإذن الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

http://www.youtube.com/watch?v=m3BboC7uEQE&list=PLF923571A3B4F5F5A&index=17&feature=plpp_video