الحلقة 170
ضيف البرنامج في حلقته رقم (170) يوم الأحد 17 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور زيد عمر العيص، أستاذ التفسير بجامعة الملك سعود .
وموضوع الحلقة هو :
علوم سورة الإنسان
********************
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان في هذه الساعة القرآنية التي نقضيها معكم في تدبر آيات القرآن الكريم والحديث عن سوره وآياته. اليوم بإذن الله تعالى سيكون حديثنا عن سورة الإنسان. وباسمكم جميعاً في بداية هذا اللقاء أرحب بضيفي العزيز فضيلة الأستاذ الدكتور زيد عمر العيص، أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود، حيّاكم الله يا دكتور زيد.
د. زيد: حياكم الله وحيّا الله المشاهدين الكرام
د. الشهري: الله يحييك، هذه فرصة طيبة دكتور زيد، هذه السنة لقيناك عدة مرات والحمد لله، ظفرنا بك. اليوم عن سورة الإنسان وأتوقع أن الوقت لن يكفينا للحديث عن هذه السورة العظيمة لكن لعلنا نتوقف عند أبرز النقاط فيها. أولاً نبدأ بسورة الإنسان ما دلالة هذا الاسم؟ وهل هو الاسم الوحيد لهذه السورة أم هناك أسماء أخرى؟
د. زيد: بسم الله، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام الله عليكم وعلى المشاهدين الكرام.
د. الشهري: وعليكم السلام ورحمة الله
د. زيد: ذُكر لهذه السورة خمسة أسماء: سميت بسورة الإنسان وهو الأشهر ولكن تسمى أيضاً بسورة “هل أتى على الإنسان” كما ورد في البخاري
د. الشهري: كما في أول آية منها
د. زيد: نعم، النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بألم السجدة وهل أتى على الإنسان. وسميت بسورة الدهر كذلك وسميت بسورة الأمشاج لأن الأمشاج لم تُذكر في القرآن كله إلا في هذه السورة، وسميت بسورة الأبرار إنما المشهور أنها سورة الإنسان أو سورة “هل أتى على الإنسان”
د. الشهري: متى نزلت سورة الإنسان؟ هل هي قديمة النزول؟
د. زيد: سورة الإنسان سورة مكية وإن كان هناك خلاف في هذا الأمر حيث ذكر جمع من العلماء أنها مدنية لأنه ورد فيها ذكر إطعام الأسير والأسير لم يكن في مكة. وأنا باعتقادي أن هذه حجج واهية انطلت على بعض العلماء الكرام حينما يتمسكوا بدليل مثل هذا
د. الشهري: هو أشبه ما يكون بقرينة ضعيفة
د. زيد: لا شك أنها قرينة ضعيفة. السورة كلها بأسلوبها ومعانيها وأغراضها سورة مكية بامتياز أما ذكر الأسير فهذا أمر معهود لأن العرب كانت عندهم الأسرى أصلاً ولربما في هذا إيماء إلى أنه سيكون للمسلمين شأن ودولة وسيكون عندهم أسرى. أما أن يُتعلق بها من أجل أن يقولوا بأن هذه مدنية، فالحقيقة أنها سورة مكية
د. الشهري: هل ورد في فضل سورة الإنسان أحاديث خاصة؟
د. زيد: الذي ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها في صلاة الفجر من يوم الجمعة ولا شك أن في هذا دلالة على فضل تمتاز به هذه السورة عن غيرها. وأنت قبل قليل ذكرت لي أمراً، قلت أنك تأملت هذه السور التي كان يقرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم فخرجت بشيء، لا بأس بأن نسمعه أيضاً فتكون محاورة بيننا.
د. الشهري: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة سوراً منها ما كان يقرأه في صلاة الفجر ومنها ما كان يقرأه في صلاة الجمعة ومنها ما أمر بقرآءته مطلقاً يوم الجمعة مثل سورة الكهف فوجدت أنه يربط بينها أولاً أن فيها تذكير للإنسان بأصل خلقته وتذكير للإنسان بمصيره في الآخرة فحسُن أن يُكرَّر هذا كل أسبوع على الناس فكأن صلى الله عليه وسلم أراد أن يكرر هذا كل أسبوع على الناس حتى يكونوا على ذكر منه
د. زيد: الإنسان حين يتذكر أصله ومصيره يُعدِّل من مسيره
د. الشهري: ولعل هذا يدفعنا إلى الحديث عن محور سورة الإنسان ومقصود سورة الإنسان ما الذي ظهر لديك؟
د. زيد: نظرت في سورة الإنسان فرأيت أن محورها يدور حول الامتنان من الله تعالى على الإنسان بإيجاده وإدراكه وإعطائه من الصفات التي ميّزته ومنها ميزة الاختيار فهي سورة الامتنان وتبِعَ هذا الامتنان طلبٌ وهو الشُكر
د. الشهري: دعنا ندخل في السورة حتى يتضح المحور بشكل أكبر.
د. زيد: بداية السورة بداية على عادة سور القرآن بداية جميلة لطيفة راقية (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ) المفسرون قالوا (هل) بمعنى (قد)، ومعناها “قد أتى على الإنسان حين”، هذا جيد ولكن نحن دائماً نحب أن نتجاوز هذه الدلالات اللغوية فقط، لِمَ لم يقل الله سبحانه وتعالى “قد أتى على الإنسان حين من الدهر”؟
د. الشهري: وجاء بالاستفهام
د. زيد: نعم، لماذا قال (هل) ثم فُسرت (هل) بـ (قد)؟ هنا يراعى أمران: الاستفهام قائم وتأكيد هذه الحقيقة أيضاً قائم وكأن الله سبحانه وتعالى يقول للإنسان: هل خطر ببالك يوماً أنك لم تكن شيئاً؟ هل أنت تُقِرُّ بهذه الحقيقة أنك لم تكن في يوم من الأيام شيئاً مذكوراً ولا وجود لك؟ فـ(هل) التي بمعنى (قد) مجيئها في هذا المقام له دلالة أوسع مما تصورها بعض المفسرين. فهو إقرار وطلب من الله تعالى للعبد أن يُقِرَّ أنه في يوم من الأيام لم يكن شيئاً وهذا الزمن على كلام العلماء مليارات السنوات -لا أدري مدى صحة هذا الكلام- لم يكن الإنسان موجوداً وكان فيما يبدو لي والله أعلم أن هذا الكون كان قائماً مليارات السنوات بدون هذا الإنسان، إذن الكون يقوم بدونه ثم شاء الله له أن يوجَد فامتنّ عليه بأن أوجده وامتنّ عليه بأن جعله مُدرِكاً سميعاً بصيراً وامتنّ عليه بأن جعله مختاراً. ولكن في هذا السياق هناك كلمة تستدعي الوقوف عندها (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) انظر الربط بين الخلق، بين الإيجاد وبين أن جعله مدركاً ذا حواس وعلّق ذلك كله بالابتلاء (نَّبْتَلِيهِ) الخلق ليس عبثاً ولا تسلية ولا ملء فراغ إنما للابتلاء (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) الملك). فمسألة الابتلاء هنا قائمة، الابتلاء بأصل الإيجاد والابتلاء بالحواس والابتلاء بمبدأ الاختيار الذي مُيِّز الإنسان به عن سائر المخلوقات التي نعرفها. ولهذا ختم بقوله (إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) هذه نتيجة الاختيار وعلى هذا تقوم السورة كلها. بعد ذلك ما يأتي – إن صح التعبير- تطبيقات ومشاهد لهذه الحقيقة الكبرى التي أشار إليها مطلع السورة وهذا أيضاً موجود في القرآن كله تجد مجمل السورة يتجمع في أولها ثم ما عداه يتفرع منها ويعود إليها
د. الشهري: إذن موضوع السورة هو الامتنان وامتنان بأصل إيجاد الإنسان وامتنان بما رزقه الله من الحواس والاختيار. لماذا قال هنا (نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) لماذا تخصيص السمع والبصر؟
د. زيد: هناك ارتباط وثيق أن الإنسان إنما يؤتى من سمعه وبصره ولهذا قال سبحانه وتعالى (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36) الإسراء) فما دام أنه مسؤول عن هذه الحواس فإذن هو مبتلى بها
د. الشهري: وأيضاً في قوله في آية أخرى (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) النحل) هذه أدوات التعلّم
د. زيد: أدوات التعلم والادراك والإحساس ويُبتلى من خلالها الإنسان
د. الشهري: دعنا نتجاوز المقدمة التي توقفنا عندها في قوله (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ) وبالمناسبة ما معنى (أمشاج)؟
د. زيد: هذه لفظة غريبة. الأمشاج هي الأخلاط مختلطة مما يأتي من الرجل ومن المرأة وربما مختلطة مما تنبته الأرض يعني خلط دقيق حكيم ويدل على قدرة وحكمة من الله سبحانه وتعالى، “من أخلاط” ما هذه الأخلاط؟ ربما نعرف بعضها ونجهل أكثرها
د. الشهري: انتقل بعد هذه المقدمة في قوله (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) ثم تعريفه هنا للسبيل في قوله (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) ما المقصود بالسبيل هنا؟
د. زيد: هنا يأتي بعد ذلك التفريع الذي أجملته بداية السورة. بعد أن امتنّ على الإنسان بإيجاده ثم بهذه الحواس ثم جعله محل ابتلاء إذا كان الناس محل ابتلاء فالنتيجة إما كافر وإما شاكر، بعد ذلك يأتي التفصيل حال الكافر وحال الشاكر وهذا ما رأيناه في هذه السورة (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) وهي مرتبطة بما قبلها والكفور هنا إما كفور بالنعمة وكافر أيضاً بالله سبحانه وتعالى في الغالب ثم بعد ذلك يأتي تفصيل ما جزاء الشكور وما جزاء الكافر؟
د. الشهري: يظهر لي لطيفة جميلة لا أدري هل تؤيدني فيها في قوله (إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) لم يقل إما شكوراً وإما كفوراً فبّر عن الشاكر باسم الفاعل للدلالة على أن الله سبحانه وتعالى يرضى من الإنسان بأدنى درجات الشكر والعبادة
د. زيد: لأن الله هو الشكور
د. الشهري: ولم يكلّفه وأما الكفور فأشار إلى ما يغلب على الناس أن أكثرهم كفور فأشار إلى أنه لا يعاقبهم إلا على شدته
د. زيد: باعتبار أن كفور صيغة فعول أشد من فاعل
د. الشهري: ما رأيكم في الفكرة؟
د. زيد: جميل جداً
د. الشهري: نواصل يا دكتور فيما لدينا من محاور
د. زيد: هذه السورة كما قلنا نود أن تبقى متسلسلة أجزاؤها مرتبطة كما ذكرنا قبل قليل (إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) ما هي النتيجة؟ وهي التي عليها دائماً يسلّط الضوء بالنسبة للإنسان أنت إما أن تكون شاكراً وإما أن تكون كفوراً، يقول لك: وهَبْ أني كنت واحداً من هذين، ما النتيجة؟ النتيجة ذكرتها السورة مباشرة (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا) هذه السورة فيها شيء يسترعي الانتباه وهو أنه أوجز كثيراً في مشهد العذاب للكافرين وتوسّع كثيراً في مشاهد النعيم حتى فيما يبدو لي والله أعلم أن أكبر وأوسع مشهد من مشاهد النعيم في السور إنما ورد في هذه السورة، متواصل
د. الشهري: كأنه فتح لباب الدعوة إلى الله والتوبة والتشجيع
د. زيد: وتشجيع الناس لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أن الناس أول ما نزل هذا القرآن على أناس يعيشون في صحراء في هذه المناطق يكثر العطش ويكثر الجوع ويقلّ اللباس وتكثر الحرّ والشمس فجاءت هذه السورة تقدّم من صور النعيم ما هو عكس ما يعاني منه الناس، ولا يقال ويُحتج علينا أن القرآن إنما نزل للناس جميعاً إنما يقال هذه هي معاناة الناس جميعاً الناس في كل مكان تعاني من الجوع وتعاني من الحر وتعاني من الظمأ لأن طبيعة الإنسان تقوم على هذا. توسع القرآن في سرد هذه المشاهد العجيبة وهذه أيضاً تتمة للامتنان. يعني أوجده من العدم ثم ضمن له حياة أبدية غاية في الرفاهية وفي النعيم بشرط أن يأخذه بحقها، أن يكون شاكراً لله سبحانه وتعالى
د. الشهري: هذه لفتة مهمة. وألاحظ إحدى الأخوات سألت في تويتر تقول: تكرر في سورة الإنسان لفظ يشربون، عيناً يشرب بها، لعلك بهذا أجبت على السؤال
د. زيد: أرجو أن يكون تضمن الجواب، قال (عينا يشرب بها)
د. الشهري: وهذا سؤال دائماً يتكرر وأنا أذكر أن لك بحثاً في هذا في التضمين. الآن هو اكتفى بآية واحدة عندما قال (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا)
د. زيد: وطوى صفحة الكافرين
د. الشهري: انتهى في آية واحدة. ثم قال (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا 5))
د. زيد: هنا قال الأبرار ولم يقل المؤمنين أو المتقين لأن البرّ هنا هو غاية الصلاح والتقوى حيث إن البرّ هو مجمع الخير فتتجمع في هذا الإنسان صور الخير كلها فاستحق أن تُذكر بعد ذلك هذه المشاهد العظيمة وكأنه لا يستحقها إلا الأبرار من الناس
د. الشهري: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا) ما معنى كافوراً
د. زيد: الكافور معروف هو مادة مشهورة عند الناس تُستخرج من الأخشاب التي عمرها طويل جداً، ورائحتها جميلة إنما كيف تمزج بالماء؟ أنا أقول هذه إنما هي أسماء لمسميات تقرّب للذهن ثم لها يوم القيامة حال لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. ليس هناك إلا نوع من التقريب فقط فلتذهب النفس كل مذهب في استحضار لذة هذا الشراب
د. الشهري: في قوله في نعيم أهل الجنة (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا) لماذا أولاً العين هنا؟ وهنا سؤال حول الحلقة ما الفرق بين النهر والعين؟ ذكرت العيون في السورة كثيراً، الأمر الثاني ولماذا قال يشرب بها والمتبادر للذهن يشرب منها؟
د. زيد: أخشى أن تأخذ من وقت البرنامج ولكني أوجزها بشدة، يريد القرآن بإيجاز أن يبيّن أن الشرب في الجنة للتلذّذ وليس لضمان البقاء كما هو في الدنيا، فلو قال عيناً يشرب منها لتبادر إلى الذهن أن شُرب الآخرة كشُرب الدنيا من أجل البقاء ومن الظمأ ودفعٌ لضرر وهذا غير وارد فقال (يشرب بها). فإن كان الشرب في الآخرة للتلذذ فقط لم لم يقل عيناً يتلذذ بها؟ يُخشى أن يُفهم أن التلذذ بالنظر وليس بالذوق. إذن نحن أمام ما يمكن أن يسمى توهمين: توهم أن يشرب من أجل البقاء وتوهم أن يتلذذ بها بالنظر دون الشرب فأراد القرآن أن يأتي بالمعنيين والقرآن على عادته في إيجازه العجيب لم يقل عيناً يشرب بها عباد الله تلذذاً، صارت طويلة، فجاء هذا الأسلوب ضمّن الفعل (يشرب) ضمّنه كلمة (يتلذذ) لو الآن فتحنا إن صح التعبير كلمة يشرب سنجد بداخلها كلمة يتلذذ، ما الذي دلنا على كلمة يتلذذ هذه؟ حرف الباء الذي يتعدّى به (يتلذذ) فلما رأينا عيناً يشرب بها قلنا نحن نعرف يشرب منها ما دائم يشرب بها إذن في داخل كلمة يشرب كلمة هي المناسبة للباء ضُمّنت فيها وهذا ورد في القرآن في سورة كثيرة جداً وكما تفضلت أنا لي في ذلك بحث.
د. الشهري: ألا يمكن أن يقال أننا نضمّن فعل يشرب بها معنى يروى بها؟
د. زيد: نعم ممكن
د. الشهري: لكن كلامك جميل عندما قلت أن الشرب في الجنة ليس من ظمأ لأنه ليس فيها ظمأ
د. زيد: الحقيقة لأن الكلمة مقدّرة أحياناً تتسع الكلمة المجال لأكثر من تقدير. ولهذا القرآن الكريم هنا عدّد بعد أن ذكر الأبرار لماذا أعطاهم هذه العين؟ هذا الذي يهمنا مباشرة؟ هذا الذي يهمنا فقال (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴿٧﴾ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴿٨﴾ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴿٩﴾) نقف قليلاً مع هذه التي تهمنا وتعني المشاهد الكريم. أولاً الوفاء بالنذر هنا أرجو ألا يتبادر للذهن أن المراد به النذز المعهود عندنا أن يقول فلان: والله نذراً عليّ إن حصل كذا أصنع كذا، ليس هذا هو المتبادر وإن كان داخلاً في المعنى لأن النذر أصلاً إنما يُستخرج به من البخيل. إنما المراد به الالتزام بالقيام بما أوجب الله على الناس وبما ألزموا أنفسهم به طاعة لله وامتثالاً لأمره
د. الشهري: فيكون أشمل
د. زيد: ولذلك تشمل كل ما أمر الله تعالى به وتشمل كذلك كل ما التزم به المرء على نفسه أمام الله سبحانه وتعالى من أعمال ومن طاعات سواء في ذات الله سبحانه وتعالى أو في ذات خلقه مما يُرضي الله تعالى وجاء التفصيل بعدها حتى ما يتبادر للذهن أن المتبادر للنذر المعروف عندنا شرعاً
د. الشهري: لعلنا نكمل بعد الفاصل بقية الصفات التي جعلها الله سبحانه وتعالى سبباً لاستحقاق هذا النعيم. فاصل أيها الإخوة المشاهدون ثم نعود لاكمال حوارنا إن شاء الله.
—————————————-
فاصل – سؤال الحلقة
قوله تعالى (إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)) ما هو معنى كلمة (قَمْطَرِيرًا)؟
1. شديدا
2. يسيرا
3. غريبا
——————————————–
د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى ما زال حديثنا متصلاً مع ضيفنا الأستاذ الدكتور زيد عمر العيص أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود عن سورة الإنسان وما فيها من الدلالات والعبر. وقفنا يا دكتور زيد عند السبب الأول الذي استحق به هؤلاء المتقون هذا النعيم الذي ذكره الله سبحانه وتعالى فقال (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) أنت ذكرت المقصود بالوفاء بالنذر هل ما زال هناك إضافة في هذا الجانب؟
د. زيد: يصاحب القيام بالواجبات خوف من الله سبحانه وتعالى وهذا الخوف من هذا اليوم. ولهذا اليوم هنا كما قال ابن عاشور رحمه الله قال هي مفعول به وليس ظرفاً بمعنى أن الأبرار لا يخافون ذلك اليوم يعني هذا اليوم الذي هو شرّه مستطير هم لا يخافون يكونون في أمن وإنما يخافون عاقبته وحوادثه وما يكون فيه من شرّ مستطير، يخافون اليوم من الآن، الآن يخافون ذلك اليوم لكن لا يخافون في نفس اليوم يعني يوم القيامة لا يخافون، ذاك ظرف للأمن والطمأنينة لهم لكن هم اليوم يخافون ذاك اليوم، هذا معنى لطيف.
د. الشهري: أستأذنك يا دكتور نأخذ إتصال معنا الدكتور عبد الله الكندري من الكويت حياكم الله يا دكتور عبد الله، تفضل.
اتصال من د. عبد الله الكندري من الكويت: بالنسبة (يَشْرَبُ بِهَا) الشيخ أعطانا تفسيراً جميلاً، أنا أول ما سألت حضرتك تبادر إلى ذهني (يشرب بها) و(يشرب منها) يعني يشرب بها كما تفضل الشيخ (مع) أما يشرب منها فهو شرب الدنيا عندما تأخذ شيئاً من شيء كأنك تستقطع منه فكأنه بعد فترة يمكن أن ينتهي هذا الشيء طبعاً هذا في الجنة غير وارد إنما هذا شيء دنيوي. فعندي سؤال للشيخ هل مكن أن يكون من ضمن المعاني لهذه الآية أنه (منها) قد يأخذ الشيء ويستنقص منه أما (بها) فهو معه ففيها نوع من الديمومة كما نعرفها؟
د. زيد: ليس ببعيد، قد تتسع دلالة الآية لهذا المعنى جزاه الله خيراً لفتة طيبة من الدكتور
د. الشهري: يعني هو يقول أنه لو قلنا يشرب منها لدلّ على أنها قد تنفد.
د. زيد: هذا يعود لمعنى (من) هل هي بيانية أو تبعيضية.
د. الشهري: طبعاً انا لأعتقد أنه يخفى على الدكتور عبد الله هذا الموضوع وهو موضوع طويل، الدكتور زيد له بحث بعنوان (التضمين في القرآن الكريم) وأظنه منشور في مجلة كلية الشريعة في الكويت لعل الدكتور يرجع إليه وهو موجود على ملتقى أهل التفسير، نعود يا دكتور إلى قوله (وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) قلت أن المقصود يخافونه من الآن فيعملون له.
د. زيد: فإذا وصلوا إليه كانوا آمنين، هذا المعنى المهم. لأن البعض يقول: الله يعيننا على عذاب جهنم، الله يعيننا على ذلك اليوم! نسأل الله أن يقينا شره المستطير بما نستحق من عمل.
د. الشهري: إذاً هذه الصفة الثانية أنهم كانوا يخافون يوماً كان شره مستطيراً وتكرر معنا يا دكتور.
د. زيد: الآن يبدأ الخوف ثم يتأخر الرجاء بعد ذلك ولهذا السورة قدمت الخوف السور المكية تكثر الحديث عن الخوف في بداية الإعداد والتربية والبناء ويأتي بعده الرجاء.
د. الشهري: النقطة الثالثة قال (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) بالمناسبة يا دكتور أنا والله قبل أن آتي إلى الأستوديو رأيت إخواننا السوريين الذين هربوا إلى تركيا وهربوا إلى الأردن وهم إخواننا وكانوا في أمن وفي حالة أحسن ما نحن فيه، هم الآن في أمس الحاجة إلى أن نتعاون معهم.
د. زيد: الحقيقة أن القرآن الكريم أكثر من الحديث عن إطعام الطعام والسنة النبوية زاخرة بالحثّ على الإطعام والآية هنا ذكرت قيداً جميلاً جداً لرفع مقام المُطعمين لكن هذا القيد يتضمن إشارة أخرى يشير لها قال (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ) يعني يقدّمونه وهم محتاجون إليه وكثير منا يقدّم ما فاض ولكن في ذلك خير حتى لا نزهِّد، ولكن هنا إشارة أنه ينبغي على الإنسان حتى وإن كان محتاجاً أن يُطعِم فليس مقصوراً على الأغنياء حتى المحتاج، وبعض الناس صارت عندهم قناعة أنه ما دام هو محتاج ليس عنده فائض فإذاً هو لا يطعم. لا، يجب أن يُطعم وهو محتاج (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ) هذا فيه مزيد من الثناء وفيه معنى الإيثار ولكن أيضاً فيه معنى آخر أن إطعام الطعام حتى من المحتاج ينبغي أن يطعم (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ).
د. الشهري: أستأذنك في إتصال من الأخ عارف من عمان حتى لا نطيل عليه حياكم الله يا شيخ عارف.
الأخ عارف: حياكم الله وجزاكم الله خيراً على البرنامج دكتور زيد كيف حالك؟
د. زيد: حياك الله وحيّا الله أهل عُمَان الذي ورد فيهم حديث صحيح في صحيح مسلم في فضلهم، أن رجلاً قال للرسول صلى الله عليه وسلم ذهبت إلى منطقة كذا فلم يكرموني ولم يضيفوني قال: لو أتيت أهل عُمَان لأكرموك.
الأخ عارف: يروى أن الفاروق رضي الله عنه لما سمع رجلاً يقرأ (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) قالها ليتها تمّت، أي ليتني لم أكن شيئاً، فكان السلف يخافون من هذا اليوم يتمنون أنهم لم يخلقوا. بالنسبة للسؤال ورد كثيراً في القرآن جمع الأبرار والبررة ما الفرق بينهما؟ السؤال الثاني في سورة الإنسان (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) وفي سورة فاطر قال (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ (33) فاطر) نلاحظ أنه في سورة الإنسان جاءت بصيغة الماضي بينما في فاطر جاءت بصيغة المضارع فهل من توضيح؟
د. الشهري: هذه مسألة من مسائل السياق وهي صنعة الدكتور. نكمل قضية (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) يعني هذه جملة اعتراضية “على حبه”.
د. زيد: أن الإنسان ينبغي أن ينفق مما هو محتاج إليه بعض الأحيان
د. الشهري: الحقيقة أن هذا هو الذي يستحق عليه الإنسان الثناء أنه ينفق مع حبه للشيء.
د. زيد: أحياناً الذي يفيض عنده الطعام يتمنى من الله أن الناس يخلصه من هذا الشيء فهو ليس له بذلك منّة.
د. الشهري: وهو مأجور على كل حال.
د. زيد: مأجور لا شك طبعاً حتى نعظم هذا الفعل. ذكر القرآن الكريم ثلاثة أصناف ضعيفة: المسكين واليتيم ليتمه وصغره والأسير لأسره وعبوديته، لكنه بدأ بالأكثر والأشهر وهو المسكين فهو أكثرهم وأشهرهم.
د. الشهري: وقالوا المسكين إذا أُفرِد يدخل فيه الفقير والمسكين.
د. زيد: هنا أود أن أذكر إخواننا في سورة المدثر ورد إطعام المسكين (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) المدثر) هناك كانت سبباً في دخول النار وهنا سبب في دخول الجنة والتمتع بنعيمها فالذي يطعم المسكين يدفع عن نفسه النار بإذن الله ويضمن الجنة
د. الشهري: إتقوا النار ولو بشق تمرة.
د. زيد: ولهذا أنا أود أن أشير إلى المسكين هنا إلى معنى أرجو من المشاهدين الكرام أن يتنبهوا له وهم أهل لذاك يتبارد للذهن أن المسكين هو الفقير المعدم الذي نراه على قارعة الطريق يسأل الناس في الطرقات، ليس هذا هو المسكين حقيقة ولهذا أنا أقول للمشاهدين المسكين صنفان: صنف يطرقُ بابك وصنف تطرقُ بابه
د. الشهري: نترك تفصيلها لما بعد الفاصل، فاصل أيها الإخوة المشاهدون ثم نعود لإكمال هذه المحاورة اللطيفة مع الدكتور زيد بن عمر حفظه الله.
——————-
فاصل تعريف بنشاطات مركز تفسير
مطبوعات مركز تفسير – كتب علمية – أبحاث –
——————-
د. الشهري: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى، ما زال حديثنا متصلاً عن سورة الإنسان مع ضيفنا الأستاذ الدكتور زيد عمر العيص أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود. وقبل أن نواصل حديثنا نشاهد الفائز في مسابقة الأمس ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الفائزين في الدنيا والآخرة.
الفائز في سؤال الأمس:. إبراهيم الرفاعي – المدينة المنورة – السعودية.
د. الشهري: طبعاً الجائزة يا دكتور هي جهاز آيباد.
د. زيد: ما شاء الله عليكم كرماء جزاكم الله خيراً ولكن المشاهدين المتابعين يستحقونها وأتمنى لو توزعوا على كل مشاهد ولكن لعلهم يظفرون بأكثر من هذا إن شاء الله، هذه المدارسة لكتاب الله
د. الشهري: أصلاً الجائزة الحقيقية التي يكسبها المشاهد هي مثل هذه المعلومات التي تقولها يا دكتور. والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم “أيّكم يريد أن يغدو إلى بطحان أو العقيق فيغنم ناقة كوماء أو ناقتين كوماوين؟ فقالوا كلنا يا رسول الله، فقال لأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أية من كتاب الله خير من ناقة وآيتين خير له من ناقتين ومن أعدادهن من الإبل).
د. زيد: معنى ذلك خير لهم من ألف آيباد.
د. الشهري: لكن هذه مجرد أشياء رمزية لتشجيع الأحباب والإخوان. الوقت سيدركنا.
د. زيد: أقول بإيجاز وقفنا عند هذه، المسكين مسكينان مسكين يطرق بابك وهذا للأسف النوع الذي نعتني به أما الذي ينبغي أن تطرق أنت بابه لا تذهب له بل أحياناً نقول لو كان محتاجاً كان جاءنا، أين أنت من قوله تعالى (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا (273) البقرة)؟
د. الشهري: حتى يا دكتور والله أعلم أن فيه نوع من التوبيخ لمن لا يذهب إليهم سماه الله جاهلاً.
د. زيد: نعم سماه جاهل لأنك لا تكتشفه أنت وحتى لو عرفت وقلت فلان محتاج يغلق بابه قال لك لو محتاج كان جاءنا ما هذا الفهم السقيم؟!! ولهذا من يطرق باب المسكين هو خيرٌ ممن يطرق المسكين بابه. وهذا معنى أرجو من المشاهدين الكرام وأنا أثق فيهم أن يحفظوا هذه العبارة: أن المسكين مسكينان من تطرق بابه ويطرق بابك، فيا أخي جرّب أن تطرق الباب أنت، الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم عن المسكين قال: ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان هذا معروف أمره مشهور حاله يأخذ بالعكس هذا شريك للناس في أموالهم إنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يُتفطن له، قال لا يجد غنى يغنيه إذاً هو يجد شيئاً لكن لا يغنيه لماذا لا يُتفطن له؟
د. الشهري: لأنه لا يسأل.
د. زيد: أو صاحب مهنة أو صاحب وظيفة ولهذا الشافعي رحمه الله قال صاحب المهنة الخرِق لأن عنده محل عنده وظيفة ينزل يومياً للعمل لباس مرتب، تقول ما شاء الله! تجده موظفاً في مكان ما بألفين ريال لا تكفيه لباس! هذه مشكلة كبيرة ينبغي أن نعيد النظر في مفاهيمنا حقيقة أناس يتلوون أطفال نساء أصحاب عفة أصحاب حياء لا نطرق بابهم لا بد أن يأتي ويقف أمامنا ونرى المذلة والاستكانة حتى نعطيه، لا والله، هؤلاء لا يظفرون بهذا النعيم!.
د. الشهري: هذا النوع الأول مسكيناً النوع الثاني (وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)
د. زيد: اليتيم والأسير لعلها إن شاء الله تلحق بها ما قلناه في هذا يقال في هذا.
د. الشهري: أيضاً النقطة التي تليها وهي لا تقل أهمية عنها وهي قوله (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا).
د. زيد: ولهذا اُنظر إلى حساسية السلف، كان بعض السلف إذا أعطى أحداً شيئاً لا يقول له ادعو لي لأنه لو قال له ادعو لي أنت أردت منه جزاءً، السيدة عائشة أم المؤمنين حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها وأرضاها صاحبته في الجنة -هذه قضية مهمة ينبغي أن نتذكر دائماً أن النبي صلى الله عليه وسلم في أعلى منزلة في الجنة هل يجادل أحد في هذا؟ أليست أمهات المؤمنين زوجات له في الجنة؟ إذاً هنّ معه- عائشة رضي الله عنها وأرضاها كانت إذا أرسلت بصدقة مع جارية لها تقول لها اُنظري ماذا يقولون وبماذا يدعون لنا حتى ندعو لهم بمثل ما دعوا لنا حتى لا يكونوا جزاء لنا، ما هذه الحساسية؟ أحياناً يقال والله فلاناً نعطيه والله ما يشكرنا! والله ما فيه خير!.
د. الشهري: هذا يريد الجزاء العاجل.
د. زيد: أين (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) إن كنت تريد جزاءً في الدنيا لك ذلك لكن ليس لكمن النعيم الذي سيأتي الآن، اختَر أنت نعيم شرب ولباس واتكاء وأساور وذهب وفضة شيء عجيب، السورة صفحة كاملة إختار إما تأخذ كل هذا وإما تأخذ كلمة مدح وثناء (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا).
د. الشهري: أنت نبهتني إلى مسالة الآن أن هناك كثير من أهل الخير وأهل الفضل والمؤسسات يتبرعون للمشروعات الخيرية ولكن يحرصون على صورة في الجريدة أو ينوه عنها هل يدخل في هذا يا ترى؟
د. زيد: والله أنا لا أعتقد أن هذا قد يؤدي إلى هذا المحظور إذا كانت النية صالحة لأن الاسلام دين واقعي والله سبحانه وتعالى قال (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ (271) البقرة) هذه صورة من صور الإبداء لحثّ الناس والنبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع الصدقات علنا جهاراً نهاراً أمام الناس ويأتون بصدقاتهم وهو ينظر إليهم فهذه المسألة ليست بهذه الحساسية يعني الإنسان يحب أن يُرى يحب أن يُذكر
يهوى الثناء مبرز ومقصر حب الثناء طبيعة الإنسان
هذه إن شاء الله فيها خير إنما تعود للنية.
د. الشهري: نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص، بقي معنا دقيقتان فقط، ولا أريد أن أترك سؤال الأخ عارف الفرق بين الأبرار والبررة وحلوا ويحلون؟
د. زيد: أرجو منه الحقيقة أن يعود إليها نحب من إخواننا أن نعيدهم إلى التفسير والكتب. إنما أود أن أقول أمامنا في هذه السورة مشهد عجيب متكامل من مشاهد النعيم الذي يشمل كل ما تحتاجه النفس أولاً فيها شراب ثم فيها لباس وفيها أساور من ذهب وفضة وفيها اتكاء فيها راحة وفيها ظلال ليس فيها شمس ليس فيها حر كل ما كان يعاني منه الإنسان في الدنيا سيجد خلافه يوم القيامة وهذا فيه تشجيع للنفس. من وقف في الشمس في سبيل الله يتذكر أنه لا شمس يوم القيامة، من ظمئ في سبيل الله يتذكر أن هناك شرباً يوم القيامة يتلذذ به، من ترك بعض اللباس من حرير ومن ذهب في سبيل الله يجده يوم القيامة، من أتعب نفسه في الدنيا في المشي والوقوف في سبيل الله والوقوف في الصلاة سيجد أنه يوم القيامة يكون متكئاً، هذه معاني متقابلة
د. الشهري: باقي معنا أقل من دقيقة أريد أن نقف مع نقطة واحدة في قوله سبحانه وتعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ (24)).
د. زيد: القسم الثاني من السورة هو قسم التثبيت الذي لا تكاد تخلو منه سورة الله سبحانه وتعالى يعرض الدين ويعرض الثواب والعقاب والجزاء بصور حسية قريبة من النفس كما رأينا قبل قليل طعام وشرب وراحة ثم بعد ذلك يتوجه دائماً للرسول صلى الله عليه وسلم يذكره إكراماً وتثبيتاً وثناءً على موقفه ودائماً يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المقام ويذكر أمرين: الصبر والحث على العبادة، فهما زادان لا غنى عنهما للنبي وهو نبي وبالتالي لا غنى عنهما لأتباعه من الدعاة، الصبر والذكر سواء العبادة وما شابه ذلك. فالصورة مكتملة حقيقة. وتختم بعد ذلك بأنها هذه أمامكم أيها الناس إختاروا ما شئتم (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) ولهذا ينبغي على المسلم أن يُكثر من دعاء الله سبحانه وتعالى أن يهديه وأن يشاء له الخير لأن مشيئة العباد متعلقة بمشيئة الله تعالى إذ لا قيمة لمشيئتنا وحدها فلا بد أن نكثر من الدعاء أن يشاء الله لنا ولكم الخير وأسأل الله تعالى أن يشاء لنا ولكم وللمشاهدين الكرام الخير والسداد والصواب والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
د. الشهري: اللهم صل وسلم عليه، أيها الإخوة المشاهدون إنتهى وقت هذه الحلقة باسمكم جميعاً أشكر ضيفنا الدكتور زيد بن عمر العيص أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود كما أشكركم جميعاً على متابعتكم وأعتذر عن عدم التوقف مع الأسئلة لضيق الوقت حتى أننا لم نكمل السورة كاملة. أرجو أن يكون في ما ذكره الشيخ كفاية وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتدبرين أراكم إن شاء الله غداً وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.