الحلقة 161
ضيف البرنامج في حلقته رقم (161) يوم الجمعة 8 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن علي السديس رئيس قسم القراءات بكلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية .
وموضوع الحلقة هو :
علوم سورة الملك .
———————
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان في هذا اليوم الثامن من رمضان من علم ألف وأربعمئة وثلاث وثلاين للهجرة. وسوف يكون حديثنا بإذن الله تعالى معكم في هذه الحلقة المباركة عن سورة الملك. انتيهنا ولله الحمد في الحلقات الماضية من ثمانية وعشرين جزءاً ولله الحمد وسنبدأ اليوم الحديث عن سورة الملك مع ضيفنا الكريم الذي أرحب به باسمي واسمكم جميعاً أيها المشاهدون فضيلة الدكتور أحمد بن علي السديس رئيس قسم القراءات بكلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية، حياكم الله
د. السديس: حياكم الله وأهلاً بكم.
د. الشهري: نبدأ كالعادة يومياً بالحديث عن اسم سورة الملك هل هو اسم توقيفي لها وحيد أم لها أسماء أخرى؟
د. السديس: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليماً كثيراً. أما بعد، فأسأل الله جل وعلا أن يجعلنا جميعاً من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته وأن يتقبل منا أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه. بالنسبة لما تفضلتم بالسؤال عنه وهو اسم السورة، طبعاً هذه السورة أول سورة من الجزء التاسع والعشرين من أجزاء القرآن الكريم وقد وردت جملة من الأسماء وفي تقديري أن كثيراً من الأسماء الواردة مأخوذ مما ورد في فضلها فقد جاء في فضل هذه السورة جملة من الأحاديث والآثار منها ما صحّ ومنها ما لم يصح. ولكن الاسم الذي يوجد في أكثر المصاحف وقد بوّب له الإمام البخاري في صحيحه به وكذلك الترمذي في جامعه هو اسم سورة الملك. وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً “تبارك الذي بيده الملك” كما في الحديث الذي ورد في فضلها وستأتي الإشارة إليه. وورد أيضاً تسميتها بتبارك وهو اجتزاء على أول كلمة وردت في هذه السورة. ورد في بعض الآثار تسمينها بسورة المنّاعة وبسورة المجادِلة وهذأ مأخوذ مما ورد في عموم فضلها من الأحاديث فأشهر اسم سورة الملك وتسمى أيضاً سورة تبارك بناء على ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث مستفاد من أول ما ورد فيها.
د. الشهري: والجزء التاسع والعشرون ينسب إلى هذه السورة يقال جزء تبارك، جزء الملك. ما فضل هذه السورة؟
د. السديس: هذه السورة ورد لها عدد من الفضائل، ما صحّ من ذلك ما رواه الإمام أحمد والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غُفر له. وقد اختلف شرّاح الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم “شفعت” هل هو بمعنى الماضي أو المستقبل بمعنى تشفع لصاحبها ولمن يقرأها ويحفظها ويعمل بمدلولها ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم وفي تعيينها “تبارك الذي بيده الملك” فهذا حديث صحيح وقد حسّنه الإمام الألباني رحمه الله وقد جاء أيضاً في مسند الإمام أحمد وفي سنن الترمذي أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ ألم السجدة وتبارك الذي بيده الملك. وهاتان السورتان بينهما جامع وهو أن كل واحدة من هاتين السورتين قدر آياتها ثلاثون آية وهناك ثلاث سور في القرآن كلها ثلاثون آية هي سورة ألم السجدة وسورة الملك والسورة الثالثة هي سورة الفجر، هذه السور الثلاث عدد آياتها ثلاثون آية
د. الشهري: باختلاف العدد يا دكتور؟
د. السديس: هناك اختلاف في العدد وسيأتي الإشارة إليه في عدد آيات هذه السورة فإن هذه السورة ثلاثون آية على أغلب علماء العدّ وقد جاء عند بعض علماء العدّ المكي والعدّ المدني الأخير أنها واحد وثلاثون آية وتكون الآية الزائدة عند قوله (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ) هذا يكون تمام آية
د. الشهري: كيف يوجهون قول النبي صلى الله عليه وسلم “سورة ثلاثون آية”
د. السديس: عدم الذكر ليس ذكراً للعدم، هذا من جهة ومن جهة أخرى هو كمثل لو قرأ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن بقرآءة ثم قراها بقرآءة أخرى فلا يمنع أن تكون وردت بقرآءة أخرى غير هذا القرآءة. أيضاً كان ابن مسعود يقول: كنا نسميها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم “المانعة” لأنها تمنع من عذاب القبر وإنها في كتاب الله تعالى سورة من قرأ بها في ليلة فقد أكثر وأطال
د. الشهري: إذن مشروع أن يقرأ بها الإنسان يومياً
د. السديس: نعم، صحح هذا الأثر الألباني وقد أخرجه النسائي موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه. من الأحاديث المشتهرة في فضلها ما أخرجه الترمذي أن رجلاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بنى خِباءً له على قبر ولم يكن يعلم بوجود هذا القبر فسمع صاحب هذا القبر يقرأ سورة الملك حتى أتمها فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم هي المانعة تمنع من عذاب القبر لكن هذا الحديث ضعيف على شهرته في كتب التفسير وهو مخالف لدلالة الكتاب والسنة فإن الحيّ لا يسمع كلام الميت على خلاف ما يعتقده بعض أهل الطوائف من أن ذلك أمر محتمت الوقوع. هذا تقريباً ما ورد في فضل السورة.
د. الشهري: ذكرت من ضمن أسمائها المجادلة، ترى لماذا سميت بهذا؟
د. السديس: هذا ورد عن بعضهم، سميت بهذا لأنها تجادل عن صاحبها وتشفع له وتجادل له عند الله تعالى وكون القرآن يحاجج هذا ثابت أن القرآن يأتي شفيعاً ويحاجّ عن صاحبه يوم القيامة، لكن تعيين ذلك بسورة مخصوصة يحتاج إلى دليل صحيح يُعتمد عليه. هذا مجمل ما ورد في فل هذه السورة
د. الشهري: هل نتوقف عند عدد الآيات؟
د. السديس: هي ثلاثون آية عند أغلب علماء العدد وقد ورد خلاف في ذلك عدّت إحدى وثلاثون آية كما ذكرت في العدّ المكي والمدني الأخير
د. الشهري: سؤال قبل أن ندخل في محور السورة وهو متى نزلت سورة الملك؟ هل هي من السور المكية؟ المدنية؟
د. السديس: هي مكية باتفاق وقد حكى الاجماع على ذلك ابن عطية والقرطبي وغيرهما من أهل العلم فهي مكية باتفاق واختلف في وقت نزولها فقيل إنها نزلت بعد سورة الطور. ودلائل وأنفاس السور المكية واضحة في هذه السورة سواء في دلالة المبنى أو حتى في دلالة المعنى وفي مقاصدها فهي مكية بالاتفاق لا شك في ذلك
د. الشهري: ندخل في محور سورة الملك، ما هو محور سورة الملك؟
د. السديس: هذه السورة المباركة العظيمة التي ينبغي للمسلم أن يحتفل بها ويعتني بها حفظاً وتعلماً وفهماً تدور في جملة من المحاور من أهمها أنها في بيان عظم قدرة الله سبحانه وتعالى وتصريفه للأمور وذلك من آثار بركته سبحانه وتعالى التي نصّ عليها في أول السورة فقال (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). المحور الآخر الذي تجتمع عليه أيضاً دلائل السورة هو في ترسيخ عبادة التفكر عند المسلمين هذه العبادة التي لا يفطن لها كثير من الناس فيظن أن العبادة ربما تكون في فعل أمر وترك نهي ولكن هذه العبادة عبادة عظيمة وهذه السورة في معانيها وفي دلالاتها وما تضمنته من أحكام ترسيخ عبادة التفكر عند الإنسان أن يتفكر في ملكوت السموات والأرض أن يتفكر في خلق الله جل وعلا، أن يتفكر في نعم الله سبحانه وتعالى ولعل من محاور السورة الدقيقة قوله تعالى (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)) فكل ما في هذه السورة هو من لطف الله جلّ وعلا ومن دلائل تفرده سبحانه وتعالى بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وعلى هذا السَنَن تأتي السور المكية في جملتها وقد أشار إلى هذا المعنى الامام الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى في التحرير والتنوير
د. الشهري: إذن هذا هو محور السورة الذي دارت عليه آياتها. دعنا ندخل في تفاصيل سورة الملك، ما هو السر في بداية السورة بقوله (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)؟
د. السديس: العرب يعتنون بأمر في أشعارهم وفي نثرهم وهم ما يسمونه براعة الاستهلال وهو أن يكون في صدر كلام المتكلم ما يدل على مراده، هذا المعنى موجود في افتتاحيات سور القرآن الكريم ولذلك اعتنى العلماء قديماً وحديثاً في بيان أنواع الافتتاحات في كتاب الله جل وعلا كما ذكر السيوطي أن هناك عشرة أنواع من الافتتاحات في كتاب الله تعالى كالنداء واستخدام (يا) في النداء دون سائر أخواتها، والقَسَم والشرط والدعاء والجُمل الخبرية ومن مواضع الاستفتاح في كتاب الله جل وعلا ما يتعلق بتحميد الله جل وعلا وتعظيمه كما في هذه السورة وكما في المسبِّحات وكما في السور التي افتتحت بالحمد. و(تبارك) جاءت في سورتين في القرآن في سورة الفرقان وفي سورة الملك. إذا تأملنا (تبارك) هذا الوزن يؤذن بالكثرة والمبالغة والبركة هي كثرة الخير والاستقرار وكل ما في السورة من جملة الآيات والعظات كل ذلك إنما هو بيان لبركة الله سبحانه وتعالى وذكر صريح لأفراد من أنواع بركة الله جل وعلا ولذلك افتتح الله هذه السورة بقوله (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وأيضاً يستفاد من هذا السورة إثبات اليد لله جل وعلا على وجه وعادة القرآن أن يأتي بها مفردة أحياناً ويأتي بها بالتثنية كما قال جل وعلا (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ (64) المائدة) ويأتي بالجمع أحياناً (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا (71) يس) كل ذلك ما مردّه إلى ما صح وثبت لله جل وعلا من هذه الصفة. والمُلك (بضم الميم) كما يقولون اسم لأكمل أحوال المِلك (بالكسر الميم) وهذا يدل على عظم ملك لله جل وعلا وأنه المالك لكل شيء سبحانه وتعالى ولذلك قال (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). ثم ذكر بعد ذلك سبحانه وتعالى جملة من صفاته سبحانه وتعالى من الخلق كما قال (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) وهنا وقفة في الإشارة إلى أن قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ) أي خلقكم للموت في هذه الدنيا وخلقكم للحياة في الآخرة. وقّم الموت على ما تقتضيه مقاصد البلاغة من العناية والاهتمام ولفت الانتباه. ثم قال (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) وفي هذا إشارة إلى أن المقصد المهم في باب العمل هو الحُسن وليس الكثرة، وحسن العمل يتحقق بأمرين: بإخلاص القصد لله جل وعلا وبمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله جل وعلا (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) الكهف) ومن هنا ينبغي للإنسان أن ينتبه كثيراً ينتبه إلى جودة العمل وحُسنه وأن يوافق بهذا الهدي النبوي وأن يكون قلبه قد انعقد على العمل ارضاء لله جل وعلا لا طلب رياء ولا سمعة من أحد من خلقه وبهذا يكون العمل مقبولاً عند الله سبحانه وتعالى. ذكر الله بعد ذلك أمراً عظيماً عادة القرآن في الإشادة به في أحوال متنوعة وسياقات مختلفة منها خلق السموات والأرض كما قال تعالى (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا) في الإشارة إلى عدد هذه السموات وقوله (طباقا) أي متطابقة ومتماثلة في عظمتها وفي أوصافها وإن كانت كل سماء أودع الله فيها ما يشاء من مخلوقاته سبحانه وتعالى. ثم ذكر الله جل وعلا قال (مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ) وهذه أول دعوة في هذه السورة، أول دعوة صريحة للتفكر في خلق الله جل وعلا (مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ) والتفاوت هو الخلل والنقص وأصله يقول علماء اللغة من الفَوْت أن يفوت شيئاً فيقع الخلل بينهما بهذا السبب وفي قرآءة حمزة والكسائي وهي من القرآءات السبعة (تفوّت) بالتشديد وهما بمعنى واحد. وأنا أشير هنا إلى مسألة أيضاً في توجيه القرآءات أن قول كثيرين من العلماء المتقدمين كالأزهري وأبو زرعة وغيره عن توجيه القرآءات أنهما بمعنى واحد هذا من باب التقريب وإلا فكل قرآءة لها مذاق لغوي خاص يدركه من يقرأ في توجيه كتب القرآءات المختلفة.
د. الشهري: هذه نقطة مهمة حتى في قواعد الترجيح عند المفسرين في قواعد الترجيح بالقرآءات من ضمن القواعد قاعدة تقول: اتحاد معنى القرآءتين أولى من اختلافهما، وهذه مسألة تحتاج إلى بحث
د. السديس: قال سبحانه وتعالى (مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ) خلل أو نقص (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ) ورجع البصر إعادة النظر فيه مرة بعد أخرى والسبب في ذلك أمر يدركه الناس بفطرتهم وهو أن الانسان إذا نظر الشيء لأول وهلة لا يرى ما فيه من عيب وخلل حتى يعيد النظر، يكرر النظر فيه مرة أخرى. قال (هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ) والفطور هي الشقوق والصدوع. والقرآن نفى عن السماء أن يكون فيها شيء من ذلك وهذا أمر تعريف العرب ولذلك يقول الشاعر
بنى لكم بلا عمدٍ سماءً وزيّنها فما فيها فطور
ويستعملون أيضاً الفطور بمعنى الشقوق المعنوية لا تكن في الشقوق الحسية كقول الشاعر
شققتِ القلب ثم ذررت فيه هواكِ فليم فالتأم الفطور
وهذا فطر معنوي وليس فطراً حسياً.
د. الشهري: فالانفطار يعني الانشقاق
د. السديس: السماء ما فيها شيء من ذلك في خلقها
د. الشهري: ولذلك جعلها من علامات القيامة (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ (1) الانفطار)
د. السديس: ثم تحدى الله جل وعلا (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) يعني لو أعاد الإنسان، وكرتين هنا على معنى المصدر يعني رجعتين، (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) ما هي النتيجة؟ (يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً) شقياً طريداً (وَهُوَ حَسِيرٌ) وهو أنه مهما أعاد الإنسان النظر في ملكوت السموات والأرض فإنه لن يرى إلا صنعاً تاماً وخلقاً كاملاً يدل على أنه صنع الله جل وعلا ولذلك قال (يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ) وحسير يقول العرب حسر الشيء حسر يحسر حسوراً إذا كلّ وانقطع من طول النظر، إذا أدام الإنسان النظر في شيء فإن بصره يحسر بسبب ذلك. أيضاً من المعاني التي وردت في معنى حسير أنه بمعنى ندم (يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ) أي نادم
د. الشهري: هل ترى أنه يدخل في دلالة هذه الآية ما يفعله الآن علماء الفلك من مشاهدة السموات ومرقبة النجوم بالتلسكوبات والمقربات رغبة في الاكتشاف؟ لأن الآية فيها إشارة إلى النظر المجرد
د. السديس: هذا ما فيه اشكال لأنه مما أمر الله به في التفكر في خلق السموات والأرض ولكن الأمر الذي قصده الشارع هنا ما كان على سبيل طلب النقص أو الخلل فإن هذا لا مجال فيه فإن البصر ينقلب وهو حسير يعني نادم ولم يجد فيه شيئاً من الخلل. انتقل السياق بعد لك إلى خلق عظيم من خلق الله جل وعلا وهو خلق النجم والله جل وعلا يشير إلى خلقه للنجوم في جملة من آيات كتابه جل وعلا كما قال تعالى (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)) وقال تعالى في سورة الصافات (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ (7)) وقال الله جل وعلا هنا (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ) وهذه المصابيح هي النجوم وقوله (وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ) هذه الآية تمسّك بها بعض الملاحدة قديماً وجدوها مطعناً في كتاب الله جل وعلا وقد ذكرها الجاحظ في كتابه الحيوان وغيره قال إن الله يقول (وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ) ونحن لا نرى نجماً زال عن مكانه فأرادوا الطعن في ذلك لكنهم لم يفهموا سياقات القرآن لأن الذي يكون رجماً هي الشُهُب التي تنفك من هذه النجوم فيُرمى بها مسترقو السمع كما قال تعالى (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) الصافات) فلا تكون النجوم رجوماً لأنه لو كانت كذلك لزالت وإنما في سياقات القرآن أن الرجم يكون بهذه الشهب التي تنفكّ عن النجوم. ثم قال تعالى (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) من عادة القرآن إذا ذكر عذاب الشياطين خصص لهم هذا النوع من العذاب وهو عذاب السعير كما قال (وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) سبأ) (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) فاطر) وقال جل وعلا هنا (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) هذا السياق القرآني الشهير. والحكمة في ذلك أن عذاب النار على طبقات ولما كان خلق الشياطين من نار ناسب أن يكون العداب المُعدّ لهم من أقسى أنواع العذاب ومن أشد طبقات النار وهو عذاب السعير وأشار إلى ذلك بعض المفسرين وهذه من العادات التي تأتي من أساليب القرآن الكريم.
د. الشهري: هذه لفتة مهمة، والسعير هو شديد الاشتعال
د. السديس: شديد الاشتعال لأنه يناسب الخِلقة التي خلق الله الشياطين عليها عندما خلقهم من نار. ثم ذكر جل وعلا (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)) يلقون فيها لأنهم وقود للنار كما قال الله جل وعلا في بيان ذلك (فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) البقرة) ونلاحظ أن السياق القرآني يمعن في وصف العذاب فقد كر هنا وصفين أحدهما يدرك بحاسة البصر والآخر يُدرك بحاسة السمع كما قال تعالى (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا) بالسمع (وَهِيَ تَفُورُ) هذا بالبصر وهذا أمعن في وصف العذاب وإشارة إلى تحققه إذا ألقوا فيها وهم سيلقون فيها بعد ذلك ولكن إشارة أن ها الأمر متحقق بسبب صدهم وإعراضهم عن أمر الله جل وعلا ثم قال في وصف النار (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) من شدة الغضب
د. الشهري: لعلي أستأذنك نكمل وصف النار بعد هذا الفاصل. فاصل قصير نشاهد فيه سؤال الحلقة ثم نستكمل الحلقة مع الدكتور أحمد السديس.
———–
فاصل: سؤال الحلقة
قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ (3) الملك) ما هو تفسير كلمة فطور؟
1. اختلاف
2. شقوق
3. عدم التناسب
—————-
د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى وما زال حديثنا متصلاً مع ضيفنا الدكتور أحمد السديس رئيس قسم القرآءات بالجامعة الإسلامية حول سورة الملك. كنا وصلنا إلى قوله تعالى في وصف العذاب (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) ما معنى هذه الآية؟
د. السديس: هذا في وصف النار ومن عادة القرآن كما أنه يصف بغاية النعيم والحبور فكذلك يصف النار بما ينفّر الناس عنها ويجعلهم يحتاطون من الوقوع فيما يسوق إليها. يقول (تَكَادُ) تكاد هذه النار (تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) أي تتميز ويأكل بعضها بعضاً وتتقطع من شدة الغضب وهذا فيه وصف أن الإنسان أحياناً إذا اشتد به الغضب الشديد والحَنَق يخيل إلى الناظر إليه أنه ربما تقطّع أو تمزّق من شدة ما يجد كذلك الأمر هنا على اختلاف الحال والمقام كما هو معلوم. ثم قال سبحانه (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) وهذا السؤال يكثر وروده في القرآن الكريم القصد منه التبكيت، التبكيت لهم أين أنتم عندما كنتم في ومن المهلة والإنذار والإمكان فيقول لهم السائل (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) بمعنى يخوفكم من هذه النار ومسالكها التي وقعتم فيها من شرك وشبهات وشهوات؟ فلا يجدون جواباً إلا أن يقولوا (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ) أي ليست المشكلة في عدم وجود النذارة. ونجد أن القرآن يكرر هذا المعنى في سياقات مختلفة ليشير إلى أمر مهم وهو قوله جل وعلا (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) فإن الله لا يأخذ أحداً بظلم ولا بجريرة لم يعملها وإنا تقام عليه الحجة ابتداءً فإن استقام جازاه الله بذلك وإن وقع فيما خالف الله كانت عرضة للعذاب بسبب وقوعه. (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ) ثم قال تعالى واصفاً حالهم (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) عادة القرآن أن يشير دائماً أن هذه الجوارح إنما يملكها الإنسن حقيقة إذا انتفع بها وكانت سبباً في هدايته وفي عصمته من الوقوع في الخلل والزلل كما قال جل وعلا (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (179) الأعراف) فليست القضية أنهم لم توهب لهم هذه الجوارح من سمع وبصر وعقل وإنما لما لم يستفيدوا منها ولم ينتفعوا بها لرؤية أوامر الله جل وعلا وزواجره كانت حقيقة أمرهم كأنهم لم يوهبوا شيئاً من ذلك ولذلك يتندمون (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) وذكر السمع والعقل لأنهما أساس التكليف. وهذه الآية استدل بها بعض أهل العلم على شرف أو أفضلية حاسة السمع على البصر وهذا صحيح ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله أن الله جل وعلا لا يبتلي أولياءه بالصمم حتى لا يُحال بينهم وبين سماع الحق والنطق به بخلاف البصر فإنه يحصل البلاء بذلك كثيراً وقد وعد الشارع من صبر على فقد حبيبتيه بالجنة.
د. الشهري: سبحان الله! الآن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل الذي يأتي يوم القيامة فيقال له هل تدخل الجنة بعملك أو بفضلي ورحمتي؟ قال بعملي، فقال زنوه بنعمة البصر فرجحت. إذن لو وزنت بالسمع
د. السديس: لصارت أعظم!
د. الشهري: المراد أن البصر أعظم عند الناس
د.السديس: البصر يتعلق بالمحسوسات فقط وإلا السمع شأنه عظيم
د. الشهري: ولذلك تجد علماء مكفوفي البصر ولا تجد علماء صُمّ
د. السديس: كما قال ابن القيم رحمه الله. يوجد شيء عند المفسرين يسمونه بِدَع التفاسير. الزمخشري أشار في هذه الآية قال: ومن بدع التفاسير قولهم (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) أي لو كنا من الحديث ومن أهل العقل ومن أهل الرأي ما كنا من أصحاب السعير. باعتبار أن أهل الحديث أهل سمع يتوقفون عند السمع وأهل الرأي يحكّمون العقل ويقدمونه على الرأي وهذا من بِدَع التفاسير لأن نزول الآية متقدم على مثل هذا التقسيم وهذه المصطلحات وإن كان المعنى في أوله صحيح لأن أهل الحديث من أهل السنة والجماعة لا شك أن الأصل فيهم أن ينتفعوا بمواعظ الله جل وعلا ولذلك قال سبحانه (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ (11)) وهذا المعنى الذي يريده القرآن دائماً ولذلك شهادة الجلود وشهادة الألسن وشهادة الجوارح عموماً كل ذلك من هذه الباب حتى تقام الحجة على العامل بجسده وبأجزائه كل ذلك تبكيتاً له وتأكيداً لعدل الله جل وعلا وإحسانه إلى خلقه، قال جل وعلا (فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ) ثم جاءت النتيجة (فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ)
د. الشهري: ما معنى سحقاً؟
د. السديس: سحقاً أي بُعداً
د. الشهري: قالوا في واد سحيق يعني بعيد
د. السديس: إبعاداً لهم وطرداً من هؤلاء أي أصحاب السعير. ثم انتقل السياق إلى وصف الفريق الآخر كما هي عادة القرآن عندما يصف أحوال المشركين يأتي بوصف أحوال أهل الإيمان غالباً، قال سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) ونجد القرآن دائماً يركز على قضية الايمان بالغيب ولذلك يجعلها الله تعالى من أخصّ وألصق صفات أهل الإيمان كما قال سبحانه (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (البقرة)) فذكر أن الإيمان بالغيب من أخص صفات أهل التقوى لأنه إيمان بشيء غير محسوس لا يدركه الإنسان وهذا يدل على كمال التصديق والإذعان والتسليم لأمر الله جل وعلا. قال (لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) والمغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وهذه تأتي قاعدة التخلية قبل التحلية فأولاً يغفر لهم هذه السيئات ثم بعد ذلك يعطيهم الله جل وعلا الهبات العظيمة والأجور الكثيرة. قال الله جل وعلا بعد لك (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) اختلف في المراد ما هو القول الذي كانوا يُسرّون به أو كان يجهرون به فقيل أنه ما يتعلق بشأن النبي صلى الله عليه وسلم أي أسرّوا قولكم في النبي صلى الله عليه وسلم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور. ثم ذكر جل وعلا أمراً آخر فقال (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) وهذه الآية جاءت في منتصف السورة وكأنها المحور الذي تدور عليه سياقات السورة السابقة سياقاتها اللاحقة (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) أي أنه سبحانه وتعالى الذي خلق الخلق وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى هو الخبير بما يصلحهم وبما تستقيم به أحوالهم وستقيم به شؤونهم. ونجد أن الله جل وعلا اختار هذا الاسم العظيم الاسم (اللطيف) وهذا الاسم قد ورد في سبعة مواضع في القرآن الكريم وعادة القرآن الغالبة أن يأتي بعده باسم (الخبير) كما قال سبحانه وتعالى (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) الأنعام) وكما قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) الحج) وقال تعالى (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) لقمان) وكما في هذا السياق هنا. واللطف لطف الله جل وعلا هو رحمة خاصة منه سبحانه وتعالى هذا بعبده من لازمه أن يوصل إليه البر والخير والإحسان من وجه خفي دقيق وهذا من أجلّ المواضع وأعظمها ولذلك في قصة يوسف عليه السلام مع ما واجه من المصاعب والمتاعب في قصته الطويلة لكن ذلك كان لطفاً قال عليه السلام في آخرها (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء (100) يوسف) قدّر الله جل وعلا له هذا اللطف على وجه لم يفطن له ولم يخطر ببال فهذا من لوازم هذا الاسم العظيم لله جل وعلا (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) هذا هو اللطف
د. الشهري: كأن هذا دلالة اللطف في اللغة، الخفيّ كما يقول الشاعر
وكم لله من لطفٍ خفيّ
د. السديس: هذا هو المعنى لكن الإنسان يجب أن يستشعر لطف الله جل وعلا فإن لطف الله جل وعلا لا يفارق العبد في كل أحواله ولو لم يكن ذلك إلا في أخذ النفس وردّ النفس كل ذلك لطف من الله سبحانه وتعالى والإنسان لا يفطن لذلك أحياناً ولذلك يأتي هذا الاسم وبعده اسم الخبير الذي يدرك الأمور إدراكاً على حقيقتها فهاذان الاسمان متلازمان وينبغي للمسلم أن يستشعر هذا المعنى. ولذلك ذكر الله جل وعلا بعض أنواع لطفه بعد أن صرّح بهذا الاسم في هذه السورة ذكر بعد ذلك جملة من أنواع لطفه فقال جل وعلا (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) أي جعل لكم هذه الأرض مذلّلة وميسّرة وسهلة بحيث يمكن للإنسان أن ينتفع من أجزائها وأن يرتحل في نواحيها ولا يجد في ذلك عناء ولا مشقة ولا صعوبة هذا كله من لطف الله جل وعلا. وقوله (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) اختلف المفسرون في المراد بالمناكب فقيل هي الجبال الشاهقة ويُشكل على ذلك كيف يكون ذلك متلائماً مع قوله (ذلولا) فيقال إذا أمكن لهم أن ينتفعوا بشيء من هذه الجبال فمن باب أولى أن ينتفعوا بالسهول. لكن المعنى الأظهر والله أعلم أن المراد بمناكبها أي بنواحيها وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله وهو مستفاد من اللمحة اللغوية فقال كما أن المناكب هي أطراف الإنسان فمناكب الأرض هي أطرافها بحيث ينتفع الإنسان من أطرافها ووينتفع من نواحيها وهذا كله من تيسير الله جل وعلا ولطفه وإحسانه بخلقه. قال سبحانه (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) (فامشوا) هنا بمعنى الخبر أي ليمشوا ويرتحلوا (وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) فكل ما في هذه الأرض هو من رزق الله جل وعلا. ثم ذكر الله سبحانه وتعالى بعد ذلك قوله تعالى (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) هذا التركيب القرآني أو التعبير القرآني (من في السماء) يستدل به أهل السنة والجماعة على أمر عظيم وهو إثبات علو الله سبحانه وتعالى وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أنها من أنواع الأدلة وليست من أفراد الأدلة، أنواع الأدلة على العلو واحد وعشرين نوعاً كما قال في النونية
وَلَقَد أتَانَا عَشرُ أنوَاعٍ مِنَ الـ ـمَنقُولِ فِي فَوقِية الرَّحمَنِ
مَعَ مِثلِهَا أيضاً تَزيدُ بِوَاحِدٍ هَا نَحنُ نَسرُدُهَا بِلاَ كِتمَانِ
واحد وعشرين، هذه أنواع الأدلة، هذا من حيث الأنواع، كل نوع منها تحته صو كثيرة جداً منه (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) ولذلك هذا الأمر تدل عليه الفطرة ويدل عليه العقل ويدل عليه الشرع ما يتعلق بعلو الله جل وعلا وكما قال القرطبي ولا ينكر هذا إلا جاهل أو ملحد أو معاند
د. الشهري: من الذي أنكر علو الله؟
د. السديس: أنكره جماعات من أهل الحلول والاتحاد وأنكره جماعات من غلاة الجهمية وكفّرهم أهل السنة والجماعة لأنهم أنكروا أمراً تضافرت النصوص الشرعية
د. الشهري: يظنون أن الله ليس في السماء في العلو ولكنه موجود في كل مكان
د. السديس: نعم، ويختلفون في ذلك وبعضهم يزعم أنه إذا قيل أنه في السماء أنه يصير في حيّز أو يصير في جهة وهذا كله من الخلط في فهم النصوص الشرعية. لكن مفسرو هذه الآية على خلاف أهل التفسير (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء) أمره في السماء، أأمنتم في في السماء عذابه، أأمنتم من في السماء أمره، وهذا كله تأويل باطل وهو صرف للمعنى عن الوجه الظاهر للذي أراده الله جل وعلا. قال (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) ومور الأرض هو كمور السفينة في البحر من اضطرابها واتجاهها يمنة ويسرة ومثل ذلك لا تستقيم معه الحال. ثم قال (أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) أي حجارة من السماء كما فعل الله ذلك بقوم لوط وكما أرسل على أصحاب الفيل (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ)
د. الشهري: وكل هذا ما زلنا في الحديث عن صور من صور لطفه سبحانه وتعالى
د. السديس: أي أن الله جل وعلا منع هذا العذاب لطفاً بخلقه وإحساناً إليهم
د. الشهري: سبحانه وتعالى، أستأذنك بفاصل ثم نواصل. فاصل قصير أيها المشاهدون ثم نواصل حديثنا حول سورة الملك.
————-
فاصل: تعريف بمركز تفسير للدراسات القرآنية
ملتقى أهل التفسير
———————
د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى وما زال حديثنا متصلاً مع ضيفنا الدكتور أحمد السديس رئيس قسم القرآءات بالجامعة الإسلامية حول سورة الملك
الفائزة في مسابقة حلقة الأمس: أماني خالد عطية الحارثي من الطائف
د. الشهري: نعود إلى سورة الملك ونحن وصلنا إلى قوله تعالى (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)) الله سبحانه وتعالى يشير إلى أنواع لطفه
د. السديس: وستأتي الإشارة إلى لطف خاص تجاوز اللطف بالإنسان إلى اللطف بالحيوان في قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) وهذه الآية لها مناسبة ظاهرة ذكر لأن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنه ذلل الأرض للإنسان ليسير فيها ذكر في هذه الآية أنه ذلل الهواء للطير يرتحل فيه يرتحل في السماء ولذلك قال سبحانه وتعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) هذا من أمارات لطفه سبحانه وتعالى وهذه الآية فيها وقفات متعددة متنوعة من أهمها أن الله جل وعلا كما أنه في كثير من أحكام القرآن يأتي بها متدرجة فكذلك الشأن في تدبر القرآن قد يتدرج أحياناً في تحقيق معنى التدبر وبيان ذلك أن الله ذكر أحوال الطير على هذا النحو في سورتين من القرآن السورة الأولى في سورة النحل قال (أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) النحل) وسورة النحل متقدمة في النزول على سورة الملك ولذلك لفت النظر على وجه مختصر ودلالة المعنى على مقصوده تكون دلالة تأدية المعنى بالقدر المطلوب أو بأقل منه أو باطناب وتوسع وهذه الأنواع كلها بوسط البلاغة ومن علامات البلاغة
تــــــــــأْدِيَــــــــــةُ الْـــــمَـــــعْـــــنَـــــى بِــــــلَـــــــفْـــــــظِ قَـــــــــــــــــــــدْرِهِ هِــــــــــــــــــيَ الْــــــمُــــــسَــــــاوَاةُ كَـــــــــسِــــــــــرْ بِـــــــــذِكْــــــــــرِهِ
وَبِـــــــــــأَقَــــــــــــلَّ مِـــــــــــنْــــــــــــهُ إِيـــــــــــجَــــــــــــازٌ عُــــــــــــلِــــــــــــمْ وَهُـــــــــــوَ إِلَـــــــــــى قَـــــصْــــــرٍ وَحَـــــــــــذْفٍ يَــنْـــقَـــسِـــمْ
كَــــــــعَــــــــنْ مَـــــجَـــــالِــــــسِ الْـــــفُــــــسُــــــوقِ بُــــــــعْـــــــــدَا وَلا تُـــــــصَــــــــاحِــــــــبْ فَـــــــاسِــــــــقــــــــاً فَـــــــــــتَــــــــــــرْدَى
وَعَــــــــكْــــــــسُـــــــــهُ يُـــــــــــــعْـــــــــــــرَفُ بِــــــــالإِطْـــــــــنَـــــــــابِ كَــــــالْـــــــزَمْ رَعَـــــــــــــاكَ الــــــلَّـــــــهُ قَـــــــــــــرْعَ الْــــــبَـــــــابِ
د. الشهري: رعاك الله هذه إطناب
د. السديس: هنا في هذا المعنى في سورة النحل لفت الله النظر إلى هذا الشأن فلما لم يتنبه الناس لرؤية نعمة الله جل وعلا ولطفه في ارتحال الطير في السماء أتى بهذا المعنى مفصلاً وذكر بعضاً من أحواله في سورة الملك. ولذلك قال سبحانه وتعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ). وأيضاً لعله مما يشار إليه – وكنت وأنا أتابع الحلقات السابقة ألحظ أن بعض المشاهدين يسال أحياناً لماذا ذكرت هذه هنا- في سورة النحل قال جل وعلا (ألم يروا) وهنا (أولم يروا) ولعل هذا تحت قاعدة أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى فهنا لما زيد في المعنى وفي بيان صوره وأحواله زيد في اللفظ بما يناسب ذلك أيضاً. قال (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ) وقوله (فوقهم) هذه إشارة إلى الحالة الغريبة للطير لأن الطير له حالتان: الحالة الأولى حالة معروفة هو وغيره يستوي فيها هو أن يمشي على الأرض ولكن الحالة التي تسترعي الانتباه وتستوجب الاهتمام والتدبر في خلق الله جل وعلا عندما يكون فوق ويرتحل في السماء ولذلك قال جل وعلا (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ)
د. الشهري: في حال طيرانه
د. السديس: وهذا هو المعنى الذي من أجله قال الله جل وعلا (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ (38) الأنعام) لأنه إنما يكتسب الوصف الذي يستوجب الاهتمام في حالة الطيران أما في الجري على الأرض فهذا هو وغيره فيه سواء
د. الشهري: وهذا قد يكون أدقّ من قولهم (يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ) من باب التأكيد وإلا فليس هناك طائر إلا ويطير بجناحيه
د. السديس: المقصود هذا التنبيه للحالات الأخرى التي يخالف فيها كثيراً من المخلوقات. ولذلك قال سبحانه وتعالى قال (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ) صافات أي باسطات أجنتهن والطائر إذا بسط جناحيه في الجو فإنه يصف قوائمه صفاً وقيل (صَافَّاتٍ) للأجنحة وذلك أنه إذا بسط الجناح يصفّ الريش ولا مانع من احتمال الأمرين واصطحابهما معاً لأن الطير لا يستوي طيرانه إلا أن يصفّ قوائمه ويصف ريشه، وهذا المعنى مستفاد منه هذه الحالة العجيبة التي قدرها الله للطير هي الحالة التي عليها الطائرات اليوم فإن الطائرة إذا أرادت الهبوط لا بد أن تستوي الأجنحة ولا بد أن ترتفع العجلات حتى يتسنى لها السير في عباب الهواء، هذه حال الصافات. و(وَيَقْبِضْنَ) أي يضربن بأجتحتهنّ ولذلك نجد الوصف القرآن العجيب (صَافَّاتٍ) اختار اسم الفاعل جاء بها على دلالة الاسم والذي يتضمن بوضعه الثبات والدوام والاستقرار. ولما جاء إلى (وَيَقْبِضْنَ) جاء بالفعل والذي من لازمه التجدد والحدوث لأن القبض متجدد لأن الأصل في الطائر أن يصف جناحيه في السماء إذا أحس بجاذبية الأرض فإنه يخفض بجناحيه، يقبض جناحيه وهو عمل متجدد وحادث ولذلك جاء الوصف القرآني (وَيَقْبِضْنَ). ووصف الطائر بذلك معروف عند العرب الله خاطبهم بشيء يالفونه كما قال النحاس: إن العرب تقول إذا بسط الطائر جناحيه في السماء أنه صافّ وإذا ضرب بهما جنبه قابض فهو جاء على أمر يعرفه الناس جميعاً. قال (مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ) وهنا جاء بقوله الرحمن أي ذو الرحمة الواسعة التي شملت المخلوقات أيضاً حتى في جو السماء (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ). بعد ذلك قال الله جل وعلا في آيتين (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) أي لا أحد، (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) أي لا أحد، وهنا أشار إلى أمرين النصر والرزق وذلك أن الحياة لا تستقيم مع القهر ولا تستقيم مع الجوع والفقر فامتن الله جل وعلا عليهم بالنصرة وامتن عليهم بالرزق سبحانه.
د. الشهري: نختم حتى نأخذ بعض الأسئلة
د. السديس: بقي بعض اللطائف المختصرة. في قوله (أمّن) هناك حكم في القرآءات وهي أن (أّمن) عبارة عن ميمين (أم – من) وطبعاً لا يوقف إلا على النون لأن الميم هنا موصولة وهذا مبحث في القرآءات. لعلي أشير إلى قوله جل وعلا في آخر السورة وقفتين فقط: الأولى مع قوله (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ) أهلكني أي بالموت وقوله (أَوْ رَحِمَنَا) أي بالحياة وهذا فيه اشارة إلى أن الحياة من رحمة الله جل وعلا وهذا صحيح ولكن الإنسان ينبغي أن يستغل هذه الرحمة التي هي فسح الأجل وينتفع بها ليتقرب بها إلى الله. الوقفة الأخيرة في قوله جل وعلا في خاتمة السورة (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا) غوراً أي بعيداً في الأرض لا تدركه الدِلاء ولا يستطيع الناس أن يخرجونه (فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ) أي ظاهر تراه العيون أو عذب ومن العجائب ما أشار إليه الزمخشري في الكشاف أن رجلاً من الأشقياء تليت عنده هذه الآية (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ) فقال والعياذ بالله تأتي به الفؤوس والمعاول فذهب ماء عينيه. وهذا نسأل الله السلامة والعافية جزاء من سخر من آيات الله جل وعلا ومن كلامه. الله يمتن على عباده أنه جعل الماء قريباً لهم يستطيعون الوصول إليه ولو شاء سبحانه لجعله غائراً في الأرض. وهذه تقريباً جملة من الوقفات على عجل وهذه السورة أدعو نفسي وكافة المشاهدين والمشاهدات إلى تأملها وتلاوتها.
د. الشهري: وقفات رائعة يا دكتور أحمد وأرجو أن يكون فيها نفع وفائدة للإخوة. هنا سؤال لأحد الإخوة في قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا) هل المقصود به ماء الشرب فقط؟
د. السديس: لا، هو الماء الذي ينتفع الناس به، الناس قد ينتفعون به لسقيا البهائم أو ينتفعون منه لسقاية الحرث والزرع وينتفعون منه للشرب ولا تستقيم حال دون حال.
د. الشهري: سؤال من الأخ عبد الله الجعيدي يقول: ما حكم القرآءة في مثل قوله (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) الهمزة) ثم يقف ثم يكمل (الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ) ومثلها القارعة (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ/ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ)؟
د. السديس: هذا أمر غير مألوف وإن كان على سبيل الدوام والملازمة فهو غير لائق ولا ينبغي لأن الأصل أن يقف الإنسان عند رؤوس الآي
د. الشهري: وهذه يفعلها بعض الأئمة في التراويح
د. السديس: الأصل أن يقف عند رؤوس الآي كما أن الإنسان عندما نقل إلينا القرآن نقلاً متواترًا عن المشايخ الأفذاذ فلم يكونوا يألفون مثل هذا النوع من التلاوة لكن فعله لبيان المعنى المتعلق ببعض الأحيان لا إشكال فيه لكن الناس أحياناً ينقادون إلى الإغراء في الوقوف والبدء على وجه الحقيقة قد يُذهبوا دلالة القرآن ولا ينبغي أن يصنع ذلك إلا من عالماً بدلالات كتاب الله جل وعلا عالماً بالإعراب حتى لا يحتمل المعنى أمر غير صحيح وغير وارد.
د. الشهري: فتح الله عليك د. أحمد، انتهى وقت هذه الحلقة شكر الله لك ما تفضلت به وأسأل الله أن يجعلنا وإياك من المتدبرين العاملين بكتابه. أيها الأخوة المشاهدون الكرام باسمكم جميعاً أشكر فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن علي السديس رئيس قسم القرآءات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة على ما تفضل به كما أشكركم على متابعتكم وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن العاملين به والمتدبرين له وأراكم غداً إن شاء الله وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.