الحلقة 3 لبرنامج بينات
رمضان 1436هـ
سورة المائدة 84 – 88
تفريغ الأخت أم عبد الرحمن وأخواتها لموقع إسلاميات
الشيخ مساعد الطيار: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أرحب بكم أيها المستمعون والمستمعات وأبتدأ مع أخوي الكريمين الدكتور عبد الرحمن الشهري والدكتور محمد الخضيري ونكمل ما كنا وقفنا عنده وهو قول الله سبحانه وتعالى في هؤلاء النصارى الذين امتدح شأنهم بقبول الحق (وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤)) نلاحظ في هذه الآية أنهم وصفوا ما أُنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم أنه حق، وكما ذكرت يا دكتور محمد قبل أن الأصل في الحق أن يذعن له الإنسان، هذا هو الأصل ولكن قد يكون هناك موانع تمنع من قبول الحق. وأيضاً حتى من أن يقول إن هذا حق، يعني يصل إلى أن يقول بأنه حق، وسبق في حلقات سابقة ذكرنا مثالًا أو نموذجًا لقسّ النصارى في أسبانيا في الأندلس في القرن تقريباً التاسع أو العاشر الذي كان عنده غلام جاء به أبوه وعمره عشر سنوات وجعله خادماً لهذا البابا عندهم وكانوا يقرؤون الإنجيل ويستشرحونه مع هذا القس ومرة مرض -يعني شوفوا أقدار الله سبحانه وتعالى كيف القدر يجري- لما مرض قال لتلميذه هذا اذهب أنت وكان عمره تقريباً عشرين سنة قال اذهب أنت وتدارسوا أنتم أيها الطلاب المكان الذي وقفنا عنده فكان من قدر الله أنهم وقفوا عند الآية التي تتكلم عن نبي آخر الزمان، “الفارقليط” الذي يجيء في آخر الزمان، فالمهم الطلاب تناقشوا فيه ولم يخرجوا بنتيجة فجاء إلى الشيخ في المساء فقال الشيخ: ماذا فعلتم؟ قال: حصل منا كذا كذا ناقشنا الموضوع الفلاني فقال: ماذا قلتم؟ قال: قلنا كذا وكذا، ذكر له جملة ما قالوا، قال: ما وصلتم إليه، قال: فما هو يا أستاذ؟ قال: لا أخبرك، قال: لماذا أنا تلميذك؟ قال: لا أستطيع أن أخبرك، يقول فبكيت عنده وقبلت قدمه وقلت: أنا أخدمك لي عشر سنين ومنزلتي عندك بالتي تعلم ولا تخبرني قال: إن أخبرتك فإني أخشى على نفسي وعليك فكبرت عنده قال: لماذا؟ ما هو السر الذي في هذا المكان ما تخبرني؟ يقول: فبكى ثم ألححت عليه إلا تخبرني وأكون يعني
الشيخ عبد الرحمن الشهري: لن أخبر أحدًا بسرّك
الشيخ مساعد الطيار: فقال: هذا نبي المسلمين، قال: هذه الآية في نبي المسلمين يقول: فقلت له أنت تعرف الحق فلماذا لا تتبعه، انظر الفرق بين هؤلاء وأولئك يقول: فبكى بكاء مراً وقال: أنت ترى حالي الآن وجاهي عند هؤلاء وكبر سني فلو أظهرت هذا عادني هؤلاء وقد يقتلونني ولو ذهبت إلى المسلمين لم يعرفوا قدري، فانظر سبحان الله ما الذي منعه من الحق، آسف يمنعه من الإذعان للحق هو عرف الحق لكنه منعه من الإذعان للحق والإيمان به واتباعه سبب هذا الجاه أو الخوف بين خوف من قتل أو خوف من زوال جاه وخوف من أن يذهب للمسلمين فلا يُعرف حقه وهذا سبحان الله جاء للمسلمين وارتفع شأنه التلميذ
الشيخ عبد الرحمن الشهري: الذي هو التلميذ.
الشيخ مساعد الطيار: إيه، ذهب إلى تونس وكتب قصته في رسالة وكان أيضاً يعتبر هو عن نفسه يذكر وأشار إليها أنه كان يرى أن المسلمين ما يعرفون يناقشون النصارى
الشيخ عبد الرحمن الشهري: هذه نقطة مهمة.
الشيخ مساعد الطيار: وهي إلى اليوم موجودة تجد الواحد منا حينما يأتي يناقش واحد نصراني يظن أنه يستطيع أن يناقشه بما عنده من الحق يعني يكتفي بأنه والله نحن أصحاب الحق، لا، لا يكفي هذا بل هناك أدلة وحتى هناك طرائق لعلي في أحد لقاءاتنا السابقة إذ تذكر أذكر أنك ذكرت أن أحد الامريكان الذي أسلم وأراد أن يدعو بعض البريطانيين طبعاً هذا فيمن حدّثها ونسيها
الشيخ محمد الخضيري: ذكرني حتى أتذكر نعم.
الشيخ مساعد الطيار: حذيفة هذا الذي كان ذهب إلى بريطانيين يدعوهم، هو أمريكي طبعاً الامريكي تدخل عليه مباشرة أما البريطاني لا يحتاج إنك تسوي له إعصار
الشيخ عبد الرحمن الشهري: مقدمة.
الشيخ مساعد الطيار: إيه تدور دوران حتى
الشيخ محمد الخضيري: تصل إلى المقصود.
الشيخ مساعد الطيار: إيه فكانوا راح للبريطانيين هؤلاء مباشرة وجاءهم بالأمور فكرهوا منه ذلك وانتبه هو بعدين، استغرب قال سبحان الله هؤلاء ما هم على طبع (كلمة غير واضحة) فأنا أقول إنه قصدي إشارة فقط إلى أن المسلمين أحياناً أو بعض المسلمين ما يعرف كيف يدعو هؤلاء
الشيخ محمد الخضيري: ويوصل هذا الحق إلى الناس. في قوله (وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤)) قدم الإيمان بالله وبالحق الذي جاء على الطمع للدلالة على أن الحق يجب أن يُعترف به بغض النظر عما سيكون من جزاء عليه لأنه هو الأصل يعني كوني أعترف لك بحق معين هو لك ثابت هذا واجب عليّ أصلاً، كونه سيترتب على ذلك أنك ستكافئني هذا فضل منك علي ولذلك هم قدّموا ما هو الواجب أصلاً وهو الإيمان بالحق لكونه حقاً واجباً لله عز وجل لا يمارى فيه ولا يدارى ثم قالوا بعدها (وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثَابَهُمُ اللَّـهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥)). وفائدة أخرى في قول الله عز وجل (يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا) لاحظوا يا إخواني أهمية أن يباشر الإيمان القلوب في التأثير على الإنسان ليتخذ قراراً صارماً مع نفسه هو المشكلة أنه أحياناً الواحد قد يعرف الحق معرفة مثل ما ذكرت يا أبا عبد الملك قبل قليل معرفة علمية نظرية لكن دون إيمان، متى يتخذ القرار الصارم ويحس بالشغف لقبول هذا الحق والتضحية من أجله؟عندما يأتي الإيمان، الإيمان الذي لا يأتي إلا بإذن الله عز وجل مع بذل الإنسان جهده وحرصه في الوصول إليه. ولذلك انظروا مثلاً إلى السحرة أنا أتعجب جداً من حالهم وكيف أنهم كانوا في أول النهار أعوان للباطل ويصدون الناس عن سبيل الله عز وجل، لما ظهر لهم الحق ألقي السحرة ساجدين وبعدها قيل لهم إن فرعون سيقتلكم ويقطع أيديكم وأرجلكم من خلاف ويعلقكم في جذوع النخل (قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (50) [سورة الشعراء] سنموت اليوم أو غداً، فرعون لن يفعل شيئاً أكثر من الموت والموت سيأتينا أصلاً، كيف أوتوا هذا الإيمان العظيم وهذه الرغبة الصادقة في اتخاذ قرار مصيري قد يؤدي بهم إلى الفناء؟! كل ذلك يسهل أمام الإيمان، وهذا يدلنا على أن الإنسان كلما صدق في إيمانه وتلبس بهذا الإيمان أنه لا يبالي بشيء من زينة هذه الدنيا ولا من أعراضها الذي تمنعه من أن يضحي أو يقبل، فالذي يقول لك أنا يا أخي ما أقدر أسوي الشيء الفلاني، عندك ضعف في الإيمان، لو كان إيمانك قوياً ما وقف هذا الشيء أمامك. ولاحظوا حتى في أمور الحياة إذا كان إيمان الإنسان بشيء قوي وجازم تجده يفعل ولا يبالي بأحد ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لصاحب الحق مقالًا» صاحب الحق لأنه مؤمن بحقه يتكلم حتى على من هو أرفع منه وعلى منه أكبر يصير عنده حجة ولسان وقوة لماذا؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: لقناعته
الشيخ محمد الخضيري: إي نعم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: أيضاً هنا فائدتان وأنا ما أود أن نطيل أكثر من هذا في هذه الآيات، النقطة الأولى في قوله سبحانه وتعالى هنا على لسان هؤلاء (وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثَابَهُمُ اللَّـهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥)) كيف أن هؤلاء يرون أن وضوح الأدلة مع أنه قال أنهم (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ) يعني القرآن الكريم أنهم رأوا في دلالته وفي وضوحه ما يكفي لقيام الحجة عليهم وهو قال في الآية قبلها (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا) وهم أهل العلم وأهل العقل وأهل الفهم في هذا المجتمع رأوا أن ما سمعوه من القرآن الكريم كافياً لإقامة الحجة عليهم، ولذلك سألوا هذا السؤال الاستنكاري كأن واحد سألهم وقال لهم: كيف تنقادون وتخضعون لهذا؟! فقالوا: (وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤)) فهذا فيه إشارة إلى أن لما أنزل الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم من القوة ما يجعل الآخرين لا يملكون أمامها إلا الانقياد والخضوع، إذا كان الله قد أراد بهم الهداية ومن يرد الله أن يهديه يستجيب وإذا أراد الله سبحانه وتعالى بعبد أن يحرمه هذا الخير فلو أقمت عليه ألف حجة لن يستجيب. النقطة الثانية أن هذا المعنى معنى قضية الإيمان إذا ترسخ في النفوس فإن الإنسان يستمسك به ولا يفارقه ولذلك هرقل أدرك هذا المعنى فطرح سؤالاً من ضمن الأسئلة التي سألها لأبي سفيان قال: هل يرتد أحد ممن يتبع محمدا بعد سقطة لدينه؟ فلما قال له: لا، فقال هرقل في شرحه لهذه الأسئلة قال: وسألتك عن هل يرتد أحد منهم سقطة لدينه فقلت لا وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب، خلاص ما يمكن أحداً يموت من أجله، ولذلك عمار بن ياسر رضي الله عنه وأمه سمية ووالده عذبوا حتى ماتوا تحت التعذيب ولم يتراجعوا عن دينهم، والأمثلة في ذلك كثيرة في الإسلام وفي غيره.
الشيخ محمد الخضيري: لما يقال لنا عن بعض المنتكسين والذين يرتدون على أعقابهم بعد أن كانوا على الاستقامة أنا أجزم جزماً بأن هذه الاستقامة التي كانت منهم ما كانت عن إيمان صادق هي كانت مراعاة لبيئة أو جو معين ولكن النفس لم تتشرب الإيمان حقاً، ولذلك من حين ما وجدت صارفًا يصرفها عن الحق أو مجتمعاً آخر أو شيئاً من هذا القبيل ظهرت عل حقيقتها وتفسير الارتداد والانتكاس بمثل هذا تفسير واضح جداً ما يحتاج إلى أن يقول لواحد والله وأنا أشعر من نفسي بالإيمان الصادق قد تتوقع من الناس الردّة تقول لا، إذا باشرت حقيقة الإيمان القلوب فإنه لا يكاد يرتد الإنسان
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ولا يمنع هذا أن الإنسان لابد أن لا ينقطع من سؤال الثبات.
الشيخ محمد الخضيري: إي نعم لا شك.
الشيخ مساعد الطيار: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
—— فاصل ——
الشيخ مساعد الطيار: تعليقان سريعان: الأول في قوله (وَنَطْمَعُ) الطمع في عرف الناس أنه مذموم ولكن الآية هنا جاءت في طمع محمود والذي يبدو والله أعلم أن الطمع من حيث هو يعني بمعنى رغبة معينة قد يكون أغلبه في المذموم ولكن نقول السياق يحدد ماذا؟ يحدد نوع الطمع في مثل قوله (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ) [سورة البقرة:75] هنا إشارة إلى أنه طمع في غير محله، أما هنا (وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤)) هذا طمع محمود. الفائدة الثانية اختيارهم مع القوم الصالحين دلالة على فقههم، من أين استدللنا على فقههم؟ أن طلب الدخول في الصالحين هو من مطالب الأنبياء، وهذه يغفل عنها كثير من الناس يعني بمعنى الآن النبي أي نبي من الأنبياء هو بلغ أعلى المراتب التي يصل إليها من؟ الإنسان، يعني أعلى مرتبة النبوة، ومع ذلك تجد إبراهيم عليه الصلاة والسلام وغيره من الأنبياء يطلبون أن يدخلهم الله مع القوم الصالحين.
الشيخ محمد الخضيري: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)) [سورة يوسف] هذا يوسف لاحظ سبحان الله.
الشيخ مساعد الطيار: إذن المقصود الذي أريده فقط هو على الأقل إن مرتبة الصلاح هذه مرتبة عظيمة جداً جداً حتى الأنبياء كانوا
الشيخ محمد الخضيري: يريدون الدخول فيها
الشيخ مساعد الطيار: إي نعم، ولهذا نقول هذا من فقههم أن يطلبوا الدخول في الصالحين.
الشيخ محمد الخضيري: طبعاً في قوله (فَأَثَابَهُمُ اللَّـهُ بِمَا قَالُوا) فيه بيان أن الله سبحانه وتعالى إذا ذكر الجزاء يذكر سبب هذا الجزاء لئلا يُظَنّ أن الجزاء جاء عفوياً أو اعتباطياً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بل إن جزاء الله موافق للحكمة مبني على عمل وأسباب يمكن للإنسان أن يتخذها فيحصل ذلك الجزاء الذي قال فهذا من منهج القرآن في كون الأعمال والجزاءات والعقوبات مبينة على أسباب لا تظنون أنكم والله وأنتم جالسون في مساجدكم تنزل عليكم عقوبة من السماء وإنه ما يدرى من سيعاقب ومن سيجازى، ومن سينال الجنة ومن سينال النار، لا، كل ذلك مبني على أسباب ولذلك قال هنا (فَأَثَابَهُمُ اللَّـهُ بِمَا قَالُوا) الباء هنا للسببية.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: أيضاً في قوله سبحانه وتعالى (وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥)) إشارة إلى أن هذا العمل وهو الانقياد لأمر الله سبحانه وتعالى والاستجابة لأوامره هو من غاية ما يكون من الإحسان، الإحسان إلى النفس أولاً بأنها استجابت لأمر الله سبحانه وتعالى وبالتالي سوف يكون لها إن شاء الله من الأجر ومن الثواب في الدنيا وفي الآخرة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. وإشارة أيضاً إلى أن الإيمان بالله سبحانه وتعالى من أعظم درجات الإحسان والانقياد لأوامره والتسليم لأوامره والخضوع لأوامره، لأن البعض أحياناً قد يظن هذا ضعفًا أنك عندما تؤمن وأنت لم تقتنع القناعة التامة أن هذا ضعف في شخصيتك في حين أن الانقياد لأوامر الله والاستجابة والتسليم المطلق لأمر الله هو غاية الإحسان، إحسان الإنسان لنفسه.
الشيخ مساعد الطيار: أيضاً أبو عبد الله في لفظ (الْمُحْسِنِينَ) يعني فيه فائدة وهي أن هذا مقام إضمار ولكنه جاء على الإظهار لأنه قال (وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥)) ولم يقل “وذلك جزاؤهم” ونحن نعرف أن العرب تختصر بالضمير وهذه سبق أن أشرنا إليها كثيراً وهذا فيه إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى يجازي كل محسن وهم من جملة المحسنين، فالله سبحانه وتعالى جازاهم هذا الجزاء لأنهم من جملة المحسنين وكل محسن بأن الله سبحانه وتعالى يجازيه.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: أيضاً تلاحظون هنا في الآية ملاحظة وهي أن الله سبحانه وتعالى في هذا المقام مقام ثناء على هؤلاء الذين عرفوا الحق وانقادوا له وآمنوا به وخضعوا له فأطال الله سبحانه وتعالى وأطنب في ذكر جزائهم فقال (فَأَثَابَهُمُ اللَّـهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) والنفس تحب هذا، يعني الله سبحانه وتعالى ليرغب الناس في الجنة ذكر لهم من صفاتها التي تحبها (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) وأن فيها الحور، وأن فيها كذا، وأن فيها كذا، كل هذا من أجل أن بعض النفوس لا تقبل عليك إلا إذا طمعتها وذكرت لها الجزاء، وبعض النفوس لا تستجيب إلا إذا حذرتها وتوعدتها، فالله سبحانه وتعالى ذكر هذا وهذا، هنا المقام مقام تحبيب للتوبة وفي الإيمان وفي الانقياد ففصل في ذكر الثواب وأوجز في ذكر العقاب فقال (فَأَثَابَهُمُ اللَّـهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) يعني ذكر لهم هذا الجزاء ثم ذكر لهم أنكم سوف تبقون فيها بقاء مستمراً لأنك أحياناً قد تقول للإنسان هذا جزاءك جنة عظيمة لكن تجلس فيها يوم واحد فيذهب النعيم
الشيخ محمد الخضيري: يتكدر
الشيخ عبد الرحمن الشهري: يتكدر لكن عندما تقول هذا نعيم عظيم وستبقى فيه بقاء دائماً (خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥)). ثم ذكر عاقبة المكذبين قال (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) يعني بكل ما ذكرنا (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (٨٦)) وانتهى.
الشيخ محمد الخضيري: فيه لفتة هنا يا إخواني في قوله (فَأَثَابَهُمُ اللَّـهُ بِمَا قَالُوا) في أن القول له مكانة عظيمة جدًا وأنه سبب للجزاء، وعليه ينبغي للإنسان أن يحذر من فلتات لسانه ومن مقالته التي يقولها، وكذلك قوله (بِمَا قَالُوا) القول عند أهل العلم ينقسم إلى قسمين قول لسان وقول قلب، فقول اللسان هو شهادته بالحق قول الإنسان أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله هذا يعصم دمه ويجعله خرج من طائفة الكفار أو المشركين إلى طائفة المسلمين
الشيخ عبد الرحمن الشهري: بهذه الكلمة.
الشيخ محمد الخضيري: بكلمة نعم، لكن لا يكون مؤمناً إلا بقول القلب، فالقلب له قول وهو إقراره بهذا الأمر وطواعيته به وانقياده ولذلك قوله (فَأَثَابَهُمُ اللَّـهُ بِمَا قَالُوا) دلالة على أن الإنسان لابد أن يحقق القول في وجهيه القول اللساني والقول القلبي.
الشيخ مساعد الطيار: طبعاً الإحسان الحقيقة ورد في القرآن في أكثر من موطن وصالح لأن يكون بحثاً “الإحسان في القرآن”.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: قد كُتب فيه بحوث.
الشيخ مساعد الطيار: بحوث؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم.
الشيخ مساعد الطيار: طيب إذاً كُفينا. في (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) سبق أن أشرنا إلى وصف الأنهار بأنها تجري من تحت الجنان، طبعاً ليس المراد أنها تجري تحت الأرض، وإنما المراد تجري على سطح الأرض، فجاء التعبير نظراً لارتفاع أشجار الجنان، فالنسبة لأشجار الجنان الأنهار تجري تحتها، وهذا أشار إليه الطبري رحمه الله تعالى في أول آية ذُكرت فيها قوله (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) وأنه ليس المراد أنها تحت الأرض وإنما هي ظاهرة للعيان هذه الأنهار وإنما عبّر عنها تجري التحتية بالنسبة للشجر.
الشيخ محمد الخضيري: لكن هل أنت تنفي بهذا يا أبا عبد الملك أو الطبري ينفي أن أنهار الجنة في أخاديد؟
الشيخ مساعد الطيار: لا، لا هو يريد أن يقول أنها ظاهرة على الأرض وليست تحت، ليس مفهوم التحتية أنها تحت الأرض وإنما هي تحت هذه الأشجار لكنها فوق الأرض.
الشيخ محمد الخضيري: لأن أنا قرأت في بعض الكتب ولم أتحقق من ذلك أن أنهار الجنة ليست في أخاديد وإنما هي قائمة هكذا ولذلك تجري على غير ما هو موجود في الدنيا، الدنيا لابد لها من أخدود تمشي فيه، في الجنة يقول لك ما فيه أخدود.
الشيخ مساعد الطيار: من غير أخاديد.
الشيخ محمد الخضيري: من غير أخاديد فهل هذا فعلاً ثابت؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ورد في بعض الروايات
الشيخ مساعد الطيار: ورد لكنه لا يؤثر على الفكرة المذكورة
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ابن القيم يقول في النونية: أنهارها في غير أخدود جرت. لكن نحن نؤمن بأنها في غاية ما يكون من الكمال والجمال، وأيضاً في قوله (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا) كما في هذه الآية، وفي (تَجْرِي تَحْتَهَا) [سورة التوبة:١٠٠] كما في سورة التوبة هي قراءة أيضاً وفي قراءة أخرى (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا) فيفرقون العلماء، خاصة علماء البيان فيقولون (تَجْرِي تَحْتَهَا) أنها تمر عبرها، أما (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا) أن منبع هذه الأنهار من هذه الجنان التي ذكرها الله.
الشيخ مساعد الطيار: أيضاً في الذي ذكرته أبو عبد الله إذا كان بقي شيء في الآية (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا) المقابلة دائماً بين الأصناف
الشيخ محمد الخضيري: أصحاب الجنة، أصحاب النار
الشيخ مساعد الطيار: إي نعم، فهنا لما ذكر هؤلاء الذين آمنوا انتقل إلى الصنف الآخر وهم الذين كفروا، وطبعاً هنا لم يحدد في السياق الذي كفروا وأطلقها لكن من خلال السياق واضح أنه يقابل هؤلاء الذين سمعوا الحق وآمنوا به من النصارى، وصنف من النصارى سمعوا هذا الحق ولكنهم ماذا؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: لم يؤمنوا.
الشيخ مساعد الطيار: أعرضوا يعني جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقال عنهم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا) يعني جمعوا بين الكفر والتكذيب قال (أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (٨٦)). طبعاً الذي ذكره أبو عبد الله قبل قليل فائدة مهمة جداً متى يكون الإطناب؟ طبعاً الإطناب حسب السياق، ولما كان الآن السياق في سياق تمدّح لهؤلاء الذي آمنوا جاء الإطناب
الشيخ عبد الرحمن الشهري: في ذكر الثواب.
الشيخ مساعد الطيار: إي نعم، بخلاف الذين كفروا ليس المراد الحديث عنهم فجاء
الشيخ عبد الرحمن الشهري: في آية واحدة
الشيخ مساعد الطيار: إي نعم، مختصرة، قد يكون العكس أحياناً على حسب ماذا؟ على حسب السياق، ولهذا نقول إن قضية الإطناب وضده هي مرتبطة
الشيخ عبد الرحمن الشهري: بالسياق الذي وردت فيه
الشيخ مساعد الطيار: بالسياق الذي وردت فيه إي نعم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: شوفوا يعني فكرة السياق اللغوي فكرة مهمة جداً في فهم القرآن الكريم، وفي فهم أي كلام، لابد أن تنظر للسياق الذي ورد فيه هذا الكلام، ما قبله، ما بعده، أحواله، ظروفه، حتى تستطيع أنك تفهم هذا الخطاب أو هذا الكلام، القرآن الكريم لم يخرج عن هذه القاعدة فإنه عندما يتحدث عن مثلاً الجنة وعن نعيمها فيطنب في ذلك ويفصل يكون السياق سياق رحمة وسياق ذكر جزاء المؤمنين جزاء المنقادين، وأيضاً بالعكس إذا جاء الحديث عن الوعيد والتهديد فإنه يطنب في ذكر عذابهم في جهنم وجزاءهم وملائكة العذاب وإلى آخره.
الشيخ مساعد الطيار: نعم لعلنا نقف عند هذا، وإن شاء الله نكمل في اللقاء القادم ما بقي من الآيات، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
رابط الحلقة فيديو
https://www.youtube.com/watch?v=3t_sOjCKpGU