برنامج بينات

برنامج بينات – 1436هـ – الحلقة 5 – سورة المائدة

بينات 1436هـ

الحلقة (5) | [المائدة:89]

تفريغ الأخت الفاضلة أم عبد الرحمن وأخواتها لموقع إسلاميات

الشيخ عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في برنامجكم “بينات”، لا زال حديثنا متصلاً مع المشايخ الفضلاء حول سورة المائدة، وقد وقفنا أيها الإخوة عند قوله تعالى (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) إلى آخر الآية، هذه الآية في سورة المائدة هي مما انفردت به سورة المائدة تذكرون كنا في أول الحديث عن سورة المائدة ذكرنا أنها انفردت في ثمان عشرة فريضة لا توجد إلا فيها من الأحكام الفقهية منها هذه الآية وهي كفارة اليمين وما العمل إذا أراد الإنسان أن يكفّر عن يمينه. فالله سبحانه وتعالى هنا يقول (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) ولغو اليمين كما فسرها المفسرون وكما فسرتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها هي ما اعتاده الناس في كلامهم العادي من قولهم بلى والله، وإي والله، ونحو ذلك، مما ظاهره الحلف ولكنه في حقيقته هو من اللغو الذي لم يتعمده الإنسان ويقصده ويؤكده تأكيداً ولذلك قال هنا (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) وأن هذا قد عفا الله عنه. ويمكن أن نربط هذه الآية أو هذا الحكم كفارة اليمين هنا بموضوع السورة وهو موضوع العقود والوفاء بالعقود أنها كلها تجتمع في التأكيد والتوثيق لأن العقود مبنية على التوثيق وعلى التأكيد وعلى الإشهاد وعلى الوفاء، أيضاً هنا قضية اليمين هي نوع من التأكيد والعقد المؤكد ولذلك هنا يأتيك المخرج عندما تقسم أو تحلف يميناً منعقدة مؤكدة ثم تجد أن غيرها أولى منها أو نحو ذلك، ماذا تصنع؟ هنا المخرج في قضية كفارة اليمين فهذا هو وجه المناسبة بين هذا الحكم الموجود في هذه الآية وهو كفارة اليمين وبين موضوع السورة بصفة عامة وهو موضوع العقود والوفاء بها.

الشيخ مساعد الطيار: أيضاً أبو عبد الله قد تكون علاقة خفية بين الآية التي قبلها في قول أنها نزلت في عثمان بن مظعون وأصحابه وبين الأيمان لأن أولئك قد ألزموا أنفسهم بأن يفعلوا كذا وكذا وكذا قال علي أن أصوم ولا أفطر ففيها شبه من اليمين، لعل هذا أيضاً مناسبة لذكر اليمين هنا.

الشيخ محمد الخضيري: بل هي مناسبة ظاهرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ) ثم جاء بعدها كفارة اليمين مما يدل على أن تحريم الطيبات داخل في اليمين ويشهد بهذا قول الله عز وجل في سورة التحريم (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّـهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) يعني إذا حرمتم شيئاً مما أباحه الله لكم.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: هل هذا يمكن أن نستفيد فائدة من هذا أن سورة التحريم نزلت بعد هذه الآية في سورة المائدة، لأنه قال في سورة التحريم (قَدْ فَرَضَ اللَّـهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) يعني قد بيّن الله لكم كيف تكفرون عن أيمانكم.

الشيخ محمد الخضيري: والله في النص ما يشعر بذلك.

الشيخ مساعد الطيار: خاصة وأن قصة مارية يقولون إن مارية متأخرة. أيضاً اليمين التي تكون على باطل من حلف مثلاً أن يعصي، حلف على معصية مثلاً يقول لأخيه والله لا آكل معك والله لا أدخل بيتك هذه فيها قطيعة رحم.

الشيخ محمد الخضيري: الشافعي يراها من اليمين اللاغية.

الشيخ مساعد الطيار: إي نعم، بعضهم يراها من اليمين اللاغية ولا يرى فيها كفارة.

الشيخ محمد الخضيري: هناك يمين أخرى أيضاً أدخلوها في اليمين اللاغية وهي أن يحلف على شيء يظنّ صدق نفسه فيبين بخلاف ذلك كأن تقول والله لقد جاء فلان أنت تظنه جاء فيتبين أنه ما جاء، فتسمى هذه اليمين يمين اللغو التي لا كفارة فيها فقد عفا الله عز وجل عن هذه الأنواع الثلاثة التي ذكرتموها

الشيخ مساعد الطيار: على خلاف طبعاً في الثاني

الشيخ محمد الخضيري: على خلاف في الثاني أحسنت.

الشيخ مساعد الطيار: وتكون عندنا قول الرجل لا والله، وبلى والله، مثل ما قالت عائشة أو أن يحلف على معصية أو أن يحلف على شيء يظنه كذلك ولا يكون كذلك

الشيخ محمد الخضيري: وهذا كله داخل في اليمين اللاغية، وبهذا يتبين أن اليمين عندنا ثلاثة: يمين لاغية بهذه الأقسام التي ذكرناه، ويمين معقودة أو مكسوبة تسمى أو يمين الحنث التي يكون فيها الحنث وهي المذكورة في قول الله عز وجل (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) وهو أن يحلف على شيء مستقبل أن يفعله فلا يفعله أو أن لا يفعله فيفعله، فهذه تسمى اليمين المكسوبة.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني مثلاً تقول والله لا أدخل بيت فلان

الشيخ محمد الخضيري: مثلاً أو والله لأعطين فلان كذا وكذا فلم تعطه فهذه تسمى يمين معقودة مكسوبة يمين الحنث وهي التي تجب فيها الكفارة إذا خالف الإنسان ما حنث عليه، النوع الثالث من أنواع اليمين وهي اليمين الغموس وهي التي تغمس صاحبها في الإثم وهي اليمين على الكذب

الشيخ عبد الرحمن الشهري: الصريح

الشيخ محمد الخضيري: إيه أن تقول والله ما فعلت كذا وأنت قد فعلت

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني معناها على شيء ماضي

الشيخ محمد الخضيري: على شيء ماضي وأنت كاذب فيه، سميت يمين غموساً قالوا لأنها تغمس صاحبها في الإثم أو تغمس صاحبها في النار نسأل الله العافية وهي من كبائر الذنوب وهي الذي نزل فيها قول الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّـهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَـئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّـهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٧)) [سورة آل عمران] ففي هذه جاء التحذير من اليمين الغموس.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: جميل، وهي من صفات المنافقين كثرة الحلف (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤)) [سورة المجادلة] ونحو ذلك (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً) [سورة المجادلة:16] يعني أصبح اليمين والحلف ديدنًا لهم ولذلك الأيمان يلجأ إليها في حدود ضيقة جداً هذا من الأدب أن لا يجعل الإنسان اليمين على لسانه كلمة تقال كل وقت فيقسم على كل شيء، ويحلف على كل شيء، ما يصلح هذا، ليس من صفات المؤمن.

الشيخ محمد الخضيري: ولذلك في آخر الآية قال (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) قيل من معانيها يعني احفظوا أيمانكم أن تطلقوها في كل شيء فيحلف الإنسان على القليل والكثير والمهم والتافه وغير ذلك، لا اجعل اليمين محترمة ومقدرة فما تحلف إلا على شيء يستحق الحلف.

الشيخ مساعد الطيار: أيضاً فائدة فيما يتعلق بالألفاظ التي جاءت في اليمين، في القرآن جاء اليمين والقسم والحلِف

الشيخ محمد الخضيري: والأليّة

الشيخ مساعد الطيار: والأليّة

الشيخ محمد الخضيري: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ) [سورة النور:22] قالوا معناها ولا يحلف

الشيخ مساعد الطيار: أو الذين يؤولون

الشيخ محمد الخضيري: (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ) نفس المعنى (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) [سورة البقرة:226] أن يحلفون على ألا يأتوا زوجاتهم ألا يجامعهن.

الشيخ مساعد الطيار: وهذه طبعاً أخاف أقول إنه تصلح بحث يقول أبو عبد الله مبحوثة

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لا، موجودة الأيمان في القرآن الكريم

الشيخ مساعد الطيار: لا، الأيمان كبحث غير كتاب ابن القيم

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لا، بحث إن لم أكن واهمًا للدكتور عادل الشدي له بحث تكلم فيه عن صفات اليمين في القرآن الكريم

الشيخ مساعد الطيار: جيد يعني الصيغ التي ترد فيها اليمين.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم.

الشيخ محمد الخضيري: قوله (بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ) حقيقة فيها دلالة على أن الشارع لا يؤاخذ إلا على الشيء الذي يقصده الإنسان أما ما خرج منه من غير قصد فإن الشارع لا يؤاخذ الإنسان عليه ويؤكد هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» ولذلك لو تلفظ إنسان ألفاظ لا يقصدها فإنه لا يؤاخذ بها في الشريعة يعني لو قال كلمة الطلاق لامرأته لا يريد الطلاق وإنما يريد الانطلاق أو شيء من هذه العبارات لا يريد لفظ الطلاق المعروف في الشرع فإنه لا يؤاخذ بهذا، ومثله أيضاً الألفاظ التي تتم بها العقود كألفاظ البيع والنكاح وغيرها العبرة فيها بما يقع في القلب حتى في الحج لو قال إنسان: لبيك عمرة

الشيخ مساعد الطيار: وهو يريد الحج.

الشيخ محمد الخضيري: وهو يريد الحج، أو قال لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج كما يقول بعض الناس، وقالوا له: أنت وش تريد؟ قال: والله سمعت الناس يقولون كذا فقلته، طيب أنت ماذا تريد؟ قال: أنا أريد حج ما فيه هدي، هكذا يصرحون بعضهم يقول: أريد حجًا ما فيه هدي، ما عندي فلوس الهدي فنقول: إذاً أنت تريد أن تفرد، العبارة هذه التي قالها لا تؤثر على ما نواه في قلبه، فالعبرة بالنية وما عقد في القلب وليس باللفظ الذي يجري على اللسان ولكن لا يعني ذلك أن الإنسان يتساهل بالألفاظ ولا يأخذ لها مأخذها.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: أحسنت وهذه طبعاً قاعدة من القواعد الكبرى الفقهية الأمور بمقاصدها ويستخرجون منها قاعدة تؤكد الكلام الذي ذكرتموه وهي أن العبرة في العقود بالمعاني

الشيخ محمد الخضيري: لا بالمباني

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لا بالمباني، يعني بالمقصود الذي يقصده لا باللفظ الذي قاله، قد يكون اللفظ يدل على معنى هو لا يقصده ولم يخطر على باله

الشيخ محمد الخضيري: يقول أعطيتك بنتي مثلاً لا يقصد بها العطاء الهدية وإنما الزواج فلو قال قبلت تم الزواج بها، هو قال أعطيتك بنتي، ما قال زوجتك بنتي

الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم هنا فائدة في قوله (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ) يعني مناسبة التعبير بـ(عَقَّدتُّمُ) مع سورة المائدة ومع القول بأولها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أن هذا اليمين هو عقد يلزم الإنسان بها نفسه أليس كذلك؟ فجاء التعبير هنا بالعقد ولم يقل “ولكن يؤاخذكم بما عَقَدتم” لا جاء هنا في قراءة حفص (بِمَا عَقَّدتُّمُ) بالتشديد إشارة إلى أن اليمين هي يمين ملزمة مؤكدة كأنها معقودة بحبل إشارة إلى لزومها للحالِف والمقسم، ولذلك هذا إشارة إلى خطورة القسم.

الشيخ مساعد الطيار: نعم طبعاً فيه ثلاث قراءات في (عَقَّدتُّمُ): (عَقَّدتُّمُ) بالتشديد، و(عَقَدتُّمُ)

الشيخ عبد الرحمن الشهري: بالتخفيف

الشيخ مساعد الطيار: وفيه (عَاقَدتُّمُ) وهي قراءة عبد الله الشامي، طيب الآن في (عَقَّدتُّمُ) واضح فيها معنى ماذا؟ التوكيد، و(عَقَدتُّمُ) معناه (كلمة غير واضحة) الفعل، لكن (عَاقَدتُّمُ)

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني فيها مفاعلة

الشيخ محمد الخضيري: مفاعلة بينك وبين الله وإلا لا؟

الشيخ مساعد الطيار: هل هي مرادة أو تكون عاقدتم هنا بمعنى عقدتم؟

الشيخ عبد الرحمن الشهري: هنا هم دائم في صيغة فاعل في هذه المواضع ليست بالضرورة دائماً صيغة فاعل تدل على المفاعلة من طرفين أو المقابلة من طرفين مثل قاتل وجاهد هذه فيها مفاعلة من طرفين، لكن فيه صيغة فاعل تأتي وهي من طرف واحد مثل عالج فلان المريض فهو من طرف واحد مثلاً، ولذلك ماذا يصنعون في القرآن في توجيهها في هذه الحالة يقولون أنها تدل على المبالغة في الفعل فأنت إذا قلت مثلاً هنا (وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَاقَدتُّمُ الْأَيْمَانَ).

الشيخ مساعد الطيار: إذاً تكون بمعنى (عَقَّدتُّمُ)

الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم تكون بمعنى التأكيد تأكيد الفعل، وأيضاً هي في الحقيقة فيها نوع من المشاركة وإلا لا لهذه المفاعلة ليست بعيدة.

الشيخ مساعد الطيار: ليست بعيدة لأنه سيكون لها مقابل

الشيخ عبد الرحمن الشهري: بالضبط فيه التزام

الشيخ مساعد الطيار: فيها نوع من الالتزام نعم

الشيخ محمد الخضيري: قوله (فَكَفَّارَتُهُ)

الشيخ عبد الرحمن الشهري: تحدث عن كفارة اليمين

الشيخ محمد الخضيري: إي نعم، جعل الله عز وجل لهذه اليمين التي يعقدها الإنسان أو يُعقدها ويكسبها جعل لها مخرجاً وهذا من سعة الشريعة فإنه إذا حلف الإنسان وألزم نفسه بفعل شيء أو تركه لم يجعله محجوراً بل جعل له مخرجاً لكن هذا المخرج فيه نوع من العقوبة التي هي في ظاهرها عقوبة وفي باطنها رحمة لأن فيها إطعام المساكين فيه كسوة لهم فيه عتق للرقاب لاحظت؟

الشيخ عبد الرحمن الشهري: صحيح.

الشيخ محمد الخضيري: ولذلك قال (فَكَفَّارَتُهُ) لكي تخرجوا من أيمانكم، ما الذي يُخرج الإنسان من يمينه؟ إما أن يشق عليه الفعل فهو يريد أن يخرج من يمينه، وإما أن يترتب على اليمين أمر لا يحبه أو يكون فيه نوع من أنواع القطيعة أو غير ذلك فيخرج منها بمثل هذا، يعني كأن يقول والله لا أتصدق على فلان، أو لا أسلّم على فلان، فيقال له: سلّم عليه، فيقول: كيف أفعل ذلك وقد حلفت؟ وهذه موجودة عندنا في الساحة بين الناس يقول: أنا حلفت ما يمكن أرجع في يميني، لا ارجع يا أخي.

—— فاصل ——

الشيخ محمد الخضيري: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إني لأحلف على يمين فأرى غيرها خير منها فآتي الذي هو خير وأكفر عن يميني» فليس من الرجولة كما يعتقد بعض الناس أن الإنسان يقول الكلمة فلا يرجع، لا ترجع متى بان لك الحق أو الخير كما قال الله عز وجل في سورة البقرة (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّـهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ) يعني لا تجعلوا الله حاجزاً بينكم وبين ما تريدون أن تفعلوه من الخير (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّـهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا)

الشيخ عبد الرحمن الشهري: (أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ)

الشيخ محمد الخضيري: إي نعم، فينبغي على الإنسان متى بان له الخير أن يفعل الخير ويكفر عن يمينه ويكون بذلك قد انتهى. ما هي الكفارة قال (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) يعني هي كفارة تخييرية يخير الإنسان فيها بين فعل ثلاثة أشياء إما أن يطعم عشرة مساكين من أوسط ما يطعم الناس

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني ماذا؟

الشيخ محمد الخضيري: مثلاً طعام وسط الناس في زماننا هذا رز ودجاج، أطعِم

الشيخ مساعد الطيار: عندنا هنا.

الشيخ محمد الخضيري: هنا في بلادنا

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وفي كل بيئة

الشيخ محمد الخضيري: في كل بيئة لها وسط عالي ونازل، فلا تطعم بالحقير ولا بالعالي لأن لا يكلفك الله ذلك لكن لو فعلته هذا منك تطوع، الواجب عليك هو الوسط. الثاني كسوة هؤلاء وأقل الكسوة ما يكون سترة في الصلاة يعني ما يستر الإنسان بها عورته، يعني سروال وفنيلة مثلاً أو قميص يستر عورة الإنسان بحيث تصح صلاته لو صلى به فيكسو عشرة من المساكين سواء كساهم دفعة واحدة أو متفرق المهم العدد مطلوب لأن الله نص عليه

الشيخ عبد الرحمن الشهري: عشرة.

الشيخ محمد الخضيري: عشرة، (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) وهو عتق رقبة من العبودية التي هي فيها والرقبة العلماء يقولون المطلوب الرقبة المؤمنة سواء كانت ذكرًا أو أنثى والظاهر من الترتيب هذا أن الله ترقّى بالعبد من الأدنى إلى الأعلى فالإطعام ثم أعلى منه الكسوة ثم أعلى منه تحرير الرقبة فإن لم يستطع واحدة من هذه الثلاثة انتقل على الترتيب هنا كفارة اليمين تتميز عن سائر الكفارات بأن فيها تخييراً وترتيبا، فالتخيير في الثلاثة فإن لم يستطع أي واحد من هذه الثلاثة انتقل إلى الصيام قال (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) من لم يجد واحد من هذه الثلاثة فيصوم، من المشتهر عند الناس وهذا الأمر أذكره لإخواني المشاهدين أنه إذا حلف إنسان فقطع يمينه أو خالف يقول صم ثلاثة أيام

الشيخ مساعد الطيار: إي نعم بدأوا بالصوم

الشيخ محمد الخضيري: يبدؤون بالصوم، وهذا طبعاً خطأ ما سببه، فيه سبب له بالمناسبة، كان الناس في فقر لا يكاد أحد يجد أن يكفر بطعام أو كسوة أو غيرها

الشيخ عبد الرحمن الشهري: أو تحرير رقبة

الشيخ محمد الخضيري: فدائماً السائغ عندهم هو الصيام مباشرة

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وهو كان في حقهم صحيحاً

الشيخ محمد الخضيري: صحيحاً لكن انتقل إلينا ونحن الحمد لله أنعم الله علينا وأرغد بالعيش فصار الإطعام أخف علينا من الصيام ولذلك نقول لا يجب عليك إما أن تطعم أو تكسو أو تحرر رقبة فإن لم تجد واحد من هذه الثلاث تنتقل إلى الصيام، والصيام ولله الحمد ثلاثة أيام، هل هي على التتابع أو على التفرق؟ خلاف بين العلماء قرأ أُبي بن كعب وابن مسعود “فصيام ثلاثة أيام متتابعات” وهذه ثابتة بأسانيد صحيحة عنهم، لكن هل هي قراءة تفسيرية أو مما نسخ؟ الله أعلم.

الشيخ مساعد الطيار: أيضاً فيما يتعلق بقضية الكفارات الترتيب كأنها صارت أربع كفارات في حقيقتها

الشيخ عبد الرحمن الشهري: أربع خيارات

الشيخ مساعد الطيار: أربع خيارات لكن لاحظ في وسط هذه الخيارات جاء عتق الرقبة

الشيخ عبد الرحمن الشهري: مع أنه لا يقارن بإطعام المسكين ولا كسوته من حيث القيمة

الشيخ مساعد الطيار: ولا حتى الصيام

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني الآن تحرير الرقبة لو وجدت أول شيء لن تجد الآن لصعوبة ذلك، لكن لو وجدت لا يقل عن عشرة آلاف ريـال.

الشيخ مساعد الطيار: صحيح، فهو مكلف، المقصود أن الله سبحانه وتعالى لما خيّر، خيّر كما ذكرت خير بشيء يسير وبشيء عالي وهذا يبدو والله أعلم أنه أيضاً يرجع إلى حال المكفّر فقد يكون من أراد أن يكفر عن يمينه غنياً فيمكنه أن يعتق فتكون الفرصة لعتق رقبة ولهذا سبحان الله لاحظ أن مدخل الأمر كان

الشيخ عبد الرحمن الشهري: حلف ويمين

الشيخ مساعد الطيار: باختيار العبد، والخروج منه ليس باختياره، فهذا هو فلما كان الخروج ليس باختياره اختياره جاءت هذه الكفارات، وفائدة أخرى سبق أن ذكرناه نعيدها للتذكير بها وهي أن الله سبحانه وتعالى جعل سبيل الرقّ واحدًا وهو الحرب وفتح أبواب العتق

الشيخ محمد الخضيري: مما يدل على تشوفه للعتق

الشيخ مساعد الطيار: إي نعم، وهذا يدل أيضاً على أن قضية الرق مسألة مستقرة في أذهان البشر

الشيخ محمد الخضيري: ما يتركونه

الشيخ مساعد الطيار: إي نعم، حتى الآن هناك صور للرق لكنها صور مبطنة ولهذا على سبيل المثال يسمون الوظيفة بالرق رق الحضارة القرن العشرين وواحد وعشرين يجعلون الرق فيها انتقل من الرق القديم بالصور القديمة إلى رق جديد بطريقة جديدة ولهذا خاصة عندما تكون في شركة أو غيره هو في النهاية أشبه بالرقيق عند هذا

الشيخ محمد الخضيري: يعني نحن أرقاء يا أبو عبد الملك الآن

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لكن ما ينطبق علينا أحوال الرقيق يجوز نصلي الجمعة

الشيخ محمد الخضيري: يا أبو عبد الله يعتقنا نحن الآن من رقنا نسأل الله أن يعتق من رقّنا

الشيخ مساعد الطيار: هي نظرة فلسفية للفكرة بأن الإنسان ليس حراً مطلقاً في نفسه في إنه يستطيع أنه يذهب ويجيء وإلى آخره، ما يستطيع يتصرف كما يشاء لأنه مرتبط

الشيخ عبد الرحمن الشهري: بالعمل

الشيخ مساعد الطيار: بالوظيفة نعم.

الشيخ محمد الخضيري: في الآية أيضا ًدلالة جميلة جداً وهي تشوّف الشارع لما يكون فيه نفع للخلق، فإن الكفارة صار فيها صيام وصار فيها إطعام وكسوة وعتق رقبة بدأ بهذه، لماذا لا يكون الصيام أولاً؟ لأن الصيام قاصر، منفعته لك وليست لغيرك، لأن تطعم خير من أن تصوم ولذلك لو خير الإنسان بين أن يصوم يوماً نفلاً أو يعمل فيتصدق لأن يعمل فيتصدق خير من أن يصوم فيكون الصيام قاصراً على نفسه وهذا يدل على تشوف الإسلام في الجملة لنفع الآخرين وبذل المعروف وإيصال الخير للناس

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وهذا من دلالات التقديم والتأخير في القرآن، لماذا قدم الله سبحانه وتعالى في الكفارة كما تفضلت الإطعام والكسوة والعتق قدمها لأن فيها نفعاً كلها مشتركة في أن فيها نفع للغير

الشيخ مساعد الطيار: ولهذا غالب الكفارات من هذا النوع

الشيخ محمد الخضيري: مشايخنا لما سئلوا عن أيهما الأفضل أن تحج أو تبذل مال الحج لفقير أو مسكين؟ الشيخ ابن باز رحمه الله سئل قال: بذله للفقراء والمساكين إذا كان الإنسان أدّى ما عليه من الفريضة أفضل إذا كان هناك من يحتاجه. طبعاً لا يُلزم هو بهذا قد يقول إنسان أنا أجد نفسي أو قلبي أو يتغير إيماني لكن في الجملة بغض النظر عن الأحوال الخاصة لكل إنسان الأولى أن يكون المال الزائد بدل أن يبذل في نافلة قاصرة أن يبذل في نافلة متعدية.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: أيضاً يمكن أن نستخرج من فوائد هذه الآية في قوله سبحانه وتعالى (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) إشارة هنا إلى تكريم المساكين من جهة أن الله سبحانه وتعالى قال أطعمهم من أوسط ما تطعم أهلك، والغالب أن الإنسان من حبه لأهله ومكانتهم عنده لا يطعمهم إلا الجيد من الطعام فالله سبحانه وتعالى قال اجعل هؤلاء المساكين كأنهم أهلك وأسرتك، فكما لا تطعم أهلك إلا الجيد أطعم هؤلاء المساكين مثل ما تطعم أهلك ولذلك قال (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) وإلا كان بالإمكان يقول من أوسط طعامكم أو من أوسط الطعام لكنه قال (أَهْلِيكُمْ) إشارة إلى هذه الروح التراحم بين المجتمع المسلم حتى في هذا الجانب.

الشيخ محمد الخضيري: وهذا يؤكده الآية الأخرى (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ) [سورة البقرة:٢٦٧] يعني

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ما ترضاه لنفسك

الشيخ محمد الخضيري: ما ترضاه لنفسك، فالأولى بك إذا أنفقت على الفقراء والمساكين أن تتخير لهم وأن تبحث عن الطيّب، وهذا له ارتباط بالآية السابقة وهي قول الله عز وجل (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّـهُ حَلَالًا طَيِّبًا) طيّب اختيار الطيّب دائماً فيما يقدم سواء للأضياف أو للأهل أو للفقراء والمساكين الطيّب في أصله والطيّب في وصفه، يعني الطيبوبة هنا تشمل كل ما يمكن أن يصدق عليه هذا الاسم.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وهذا إشارة إلى أن ليس المقصود بالطيّب هنا الحلال لأنه قال هنا (حَلَالًا طَيِّبًا) فدل على أن الطيّب هنا شيء غير الحلال وإنما المقصود به طيبة النوع أو طيبة الوصف لأن كل شيء فيه تفاوت حتى على سبيل المثال الآن الرز أنواع فيه نوع منه فاخر وثمين وغالي وفيه نوع ردئ وكله يقال له رز، فإذا أراد الإنسان أن يتصدق أن يتصدق من الجيد من الطيب.

الشيخ مساعد الطيار: أيضاً لاحظ مثال فيما يتعلق بالطعام أنه لما قلنا نحن الآن مثلاً في وقتنا الرز يعني في عهد التابعين مثلاً هذا الأسود سئل فقال الخبز والتمر والزيت والسمن وأفضله اللحم لكن الآن مثلاً الزيت أو السمن قلّ من يرى أنه مما يمكن أن يُطعم. مثال آخر قال الزيت قال وأحسبه الخل أيضاً يعني أدخل الخل فيما يُطعم يعني من أوسط الطعام، وذكر أمثلة كلها تدخل في هذا الباب، يعني أنه ذكر أنواع من المطعومات التي يمكن أن يقدمها الإنسان للفقير.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لم يبق إلا أقل من نصف دقيقة، في قوله سبحانه وتعالى (ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) لاحظوا أنه عبّر هنا بالحلف وعبّر باليمين هنا في نفس الآية فقال (بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ) وقال هنا (ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) إشارة إلى ما تفضلتم به إلى أنه يجب على المسلم أن يحفظ يمينه إلا مما لابد منه لأنها هي كما قلنا عقد بينك وبين الله سبحانه وتعالى يجب عليك أن تلتزم به، لعلنا أن نضيف بعض الفوائد حول هذه الآية في المجلس القادم بإذن الله تعالى، نكتفي بهذا ونشكركم أيها الإخوة المشاهدون على متابعتكم ونلقاكم إن شاء الله في الحلقة القادمة بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

رابط الحلقة فيديو

https://www.youtube.com/watch?v=ecVqWHL7MiA