بينات 1436هـ
الحلقة (6) | [المائدة:89]
تفريغ الأخت الفاضلة أم عبد الرحمن وأخواتها لموقع إسلاميات
الشيخ عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في برنامجكم “بينات” في هذا المجلس الذي مازلنا نتحدث فيه عن آية كفارة اليمين في سورة المائدة، حياكم الله يا مشايخ.
الشيخ محمد الخضيري: حياك الله
الشيخ مساعد الطيار: حياك الله
الشيخ عبد الرحمن الشهري: كنا وقفنا في قوله تعالى (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) في آية كفارة اليمين فأشار الله سبحانه وتعالى في هذه الآية إلى أن كفارة اليمين على قسمين: القسم الأول فيه خيارات ثلاثة فقال (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) هذه على الخيارات يستطيع الذي يريد أن يكفر عن يمينه، أقسم على شيء ثم رأى أن غيره خيراً منه أو أنه عجز عن الوفاء لأي سبب من الأسباب فيكفر عن يمينه بإحدى هذه الخيارات الثلاث: إما إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن عجز عن واحدة من هذه الثلاثة ينتقل للخيار الرابع قال (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) وكنتم ذكرتم في المحاضرة أو الدرس الماضي أن بعض الناس يلجأ مباشرة أو يذهب مباشرة إلى الصيام أليس كذلك؟
الشيخ محمد الخضيري: نعم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: بل بعضهم أحياناً يقول إذا حلف عليك أو أقسم عليك يا شيخ مساعد يقول لا تخليني أصوم ثلاث أيام مباشرة أليس كذلك؟
الشيخ محمد الخضيري: صحيح.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: يقول لا تلجئني إلى كفارة اليمين التي هي الصيام وكان ذكر الشيخ محمد علة ذهاب الناس مباشرة إلى الصيام أن الناس كانوا فيما مضى فقراء لا يجد الواحد منهم ما يطعم به عشرة مساكين أو يكسوهم أو يحرر رقبة فهو تلقائياً يذهب إلى الخيار الرابع مباشرة لعجزه لكن نحن اليوم كما ذكرتم في اللقاء الماضي أن الناس اليوم في خير يستطيع كثير من الناس اليوم أنه يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أما تحرير الرقبة فقد يكون فيه صعوبة اليوم أليس كذلك يا شيخ؟
الشيخ مساعد الطيار: صحيح.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ماذا لديكم في هذه الآية قبل أن ننتقل للآية التي بعدها؟
الشيخ محمد الخضيري: هذه قضية في معرفة تاريخ الأشياء حتى تستطيع معرفة تعليل لما ترى أحياناً من بعض الأشياء غير المبررة، أذكر قضية صلاة التراويح كان الناس قديماً يصلون أول الليل ركعات خفيفات ويأتون في العشر الأواخر في آخر الليل يصلون ركعات طويلات ومضى عليهم زمان في هذا يوم كان الناس لا كهرباء ولا غيره ثم لما شق عليهم في آخر الليل إنه يجعلونها كلها قالوا لماذا لا نقدم بعضها في أول الليل فصاروا يقدمون ثنتين من الطويلات إلى أول الليل
الشيخ عبد الرحمن الشهري: إلى بعد العشاء بعد التراويح
الشيخ محمد الخضيري: إيه، ما الذي يحصل كانوا يصلون أربع تسليمات خفيفات ثم بعدها مباشرة تسليمتان طويلتان، ما هو السر في التسليمتان الطويلتان؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: أنهم قدّمت من صلاة آخر الليل
الشيخ محمد الخضيري: إيه، الناس أخذوها من هذا، أذكر أني مرة اتصلت بأحد المشايخ قلت يا شيخ هذا الفعل ما تفسيره؟ قال: الناس رغبة في زيادة في الخير، قلت: ممكن الناس يصلون عشر تسليمات ما هي المشكلة؟ لكن كونها خفيفات ثم تأتي بعدها ركعتين طويلتين أو تسليمتين طويلتين؟! قال: ما أدري، قلت: هذه أُخذت من آخر الليل وجاؤوا بها قال: إي والله صدقت إذاً هذا لا يصلح!. فمعرفة تاريخ الأشياء جيد في تحليل
الشيخ عبد الرحمن الشهري: هذا ليس والدكتور مساعد اعلم مني بهذا تاريخ العلوم، دراسة تاريخ العلوم في أي علم من العلوم ضروري جداً لطالب العلم مثلاً تريد تقرأ في النحو فتأتي مباشرة تقرأ في أقسام الاسم وأقسام الفعل والنواصب والمرفوعات وكذا دون أن تقرأ في تاريخ علم النحو كيف نشأ، كيف وضعت قواعده، أهم كتبه وأهم مناهجها وأبرز الشخصيات التي أثّرت في تاريخ النحو سيبقى عند طالب العلم نقص، ولذلك تاريخ العلم، تاريخ التفسير، تاريخ الفقه، تاريخ التشريع، وهكذا، هذه مفيدة جداً، تفضل يا دكتور مساعد.
الشيخ مساعد الطيار: نعم في قوله سبحانه وتعالى (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) طبعاً حفظها من أن تحنثوا فيها ثم تضيّعوها فلا تؤدوا الكفارة، هذه أحد صور حفظ اليمين. طبعاً قول الله سبحانه وتعالى (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) أيضاً ممكن حفظها ابتداء يعني احفظوا أيمانكم من أن توقعوها في غير محلها فهذا يكون ابتداء، لكن إذا تمت فحفظها يكون بأداء كفارتها
الشيخ عبد الرحمن الشهري: أو بالوفاء بها.
الشيخ مساعد الطيار: إي نعم بالوفاء.
الشيخ محمد الخضيري: إذاً صورها صارت: الوفاء بها إذا حلف الإنسان على شيء أن يفي، والثاني حفظها إذا حنِث أن يؤدي كفارتها، والثالث حفظها قبل ذلك وهو أن لا يضعها إلا موضعها.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وهذا يعني ربما يكون من أهم صورها
الشيخ محمد الخضيري: إي نعم، صحيح.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني اليوم تجد بعض الناس يحلف على كل صغيرة وكبيرة يدخل المجلس فيقول والله تجلس هنا، والله تقوم هنا، والله تأكل هذا، والله لا تأكل هذا، وكل هذا طبعاً حرص على إكرام الآخرين لكن هذا من امتهان اليمين.
الشيخ محمد الخضيري: صحيح.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: فلذلك المفترض أنها تحفظ فلا تحلف إلا في مواضع محددة ومواضع تستحق أن تقسم ولذلك حتى القسم في القرآن الكريم له هيبته وفي موضعه
الشيخ محمد الخضيري: وفي موضعه حتى من النبي صلى الله عليه وسلم لا يقسم إلا على شيء يستحق القسم.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ولذلك لما سمع أعرابي قسماً في القرآن الكريم قال: من أغضب الجبار حتى يقسم؟!
الشيخ محمد الخضيري: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (٢٣)) [سورة الذاريات]
الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم، القسم ينبغي أن يحفظ يعني من صور حفظه هو حفظ اليمين ألا تُمتهن وأن يحلف على كل صغيرة وكبيرة ولذلك قال الله سبحانه وتعالى من صفات النمّامين وكذا قال (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١)) [سورة القلم] جعلها صفة من صفات النفاق وصفات المكذبين الذين (يَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا) [سورة التوبة:74] (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً) [سورة المجادلة:16] كل ما قيل لهم قالوا والله ما نقصد كذا، والله ما نقصد كذا، وهم كاذبون.
الشيخ محمد الخضيري: وما ذكرته من الشأن الاجتماعي يا أبا عبد الله وهو قضية أن الناس يحلفون على أشياء كثيرة جداً خصوصاً إذا أرادوا أن يعبروا عن إكرامهم، أنا أرى أن هذا ليس من الإكرام أولاً إنك تلجئ أخاك إلى شيء لا يحبه وتكرهه على أمر قد لا يريده فلماذا تحلف عليه؟، ثانياً في الغالب أنك تدفع دسيسة البخل في نفسك بالحلف يا أخي ابذل ما عندك بالمعروف بنفس طيبة فمن قبِله فله القبول من رضي فله الرضا ومن سخط فلست مسؤول عنه، يعني لست مسؤول عن أن تبدي كرمك لكل إنسان ويشهد الناس لك القاصي والداني، أطيب الكرم وأحسنه ما كان عن طيب نفس.
الشيخ مساعد الطيار: صحيح.
الشيخ محمد الخضيري: الطعام بين يديك كُل، والنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه ضيف ما زاد على أن قال كل، لكن ما حلف بالله على أن يأكل.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: هو ترجع إلى بعض العادات الاجتماعية بعضهم يظن أنك إذا لم تحلف عليه وتقسم عليه أنك لا تحبه وأنك غير جاد في إكرامه ولذلك مثلاً إذا التقيت به يريد أنك تقسم بالله العظيم أنك تتعشى عندي أو تتغدى عندي، وأنك إذا فقط قلت تفضل تتعشى عندي أو كذا إنك لست جاداً في دعوتك، هي تستحق أنها تصحح فعلاً وأن يُحفظ اليمين، احفظ اليمين، لا تضعه إلا في مواضعه ولا تلجئ الآخرين وتكرههم على ما يكرهون برغبة في الإكرام أو كذا.
الشيخ مساعد الطيار: هناك مسألتان لو تكرمت متعلقة بالتشريع المسألة الأولى إن بعض العلل العقل لا يدركها يعني بالتشريع بمعنى لو أن إنسان بحث بحثاً عقلياً ما علاقة كفارة اليمين بهذه الأنواع التي ذكرها الله سبحانه وتعالى؟ ما علاقة اليمين وتكفيرها بهذه الأنواع يعني الآن ذكر إطعام عشرة مساكين وهي سهلة بالنسبة للمقتدر أو كسوتهم أو تحرير رقبة أو
الشيخ عبد الرحمن الشهري: صيام ثلاثة أيام
الشيخ مساعد الطيار: الصيام إذا لم يجد، فأنت لو بحثت بحثا عقلياً مجرداً ما تجد أن العقل يستطيع أن يدرك العلاقة بين الكفارات وعلة كونها تكفير لليمين وهذا الذي أريد أن ننبه إليه أن قضية البحث في علل التشريع لا يلزم دائماً أن العقل يدركها بهذا يكفي فيها أمر الشارع فهو أشبه ما يقال بالأمر التعبدي.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وهذا هو الأصل.
الشيخ مساعد الطيار: إي نعم، طبعاً لا شك هذا هو الأصل لكن أحياناً العقل البشري يريد أن يصل أن يعرف هو نفسه.
الشيخ محمد الخضيري: مع إيمانه بأن لها حكمة.
الشيخ مساعد الطيار: لا شك
الشيخ محمد الخضيري: يعني لازم يستيقن بأن لها حكمة ولكن هو لم يطلع عليها.
الشيخ مساعد الطيار: أنا أتكلم عن إدراك الحكمة ومعرفتها.
—— فاصل ——
الشيخ مساعد الطيار: القضية الثانية وهي مرتبطة بهذه وهي مسألة ناقشها الفلاسفة كثيراً وهي إمكانية الوصول إلى الخالق وعلاقتها بالتشريع وهذا مما ضلّت به الفلاسفة
الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني إمكانية الوصول إليه بالعقل
الشيخ مساعد الطيار: بالعقل
الشيخ عبد الرحمن الشهري: دون الحاجة إلى الشرع وإلى الوحي
الشيخ مساعد الطيار: دون الحاجة إلى الوحي وهذه وقعت عندهم في جانب أنهم ظنوا أن وصول العقل إلى إثبات البارئ سبحانه وتعالى كافٍ في الأمر وأن الفيلسوف يمكن أن يكون مثل النبي في هذا ويستطيع بالترقي بالتخلق أن يكون مثل النبي هكذا زعموا! ولا شك أن هذا نوع من الضلال لماذا؟ لأن هذا فيه عدم فهم للنبوات أصلاً لأن هناك قضايا لا يمكن إدراكها بالعقل، نحن نقول إن العقل إذا جُرِّد من كل ما يصرفه من الصوارف فإنه يصل إلى وجود هذا الخالق وأنه مستحق للعبادة فقط، لكن كيف يعبده؟ هذه مسألة لا يمكن إدراكها إلا بالشرائع ولهذا الله سبحانه وتعالى قال (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ) فإذاً البيان في تفاصيل الشرائع إنما يكون من الله سبحانه وتعالى فلا يمكن للعقل أن يأتي بهذه التفاصيل وما نراه اليوم من محاولة إيجاد دساتير وغيرها مهما بلغت العقول البشرية في ضبط هذه الأمور التشريعية فإنها تبقى قاصرة وناقصة نقصاً كبيراً جداً.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: انظر الآن حتى المنهج التأويلي الآن الذي يسلكه أهل السنة والجماعة في أننا نثبت لله ما أثبته لنفسه من غير تكييف من غير كيف، ومن غير تشبيه، ومن غير تمثيل، ومن غير تعطيل، هذا منهج تأويلي سلكه أهل السنة والجماعة في التعامل مع أسماء الله وصفاته، هذا هو المنهج الذي يقتضيه العقل، لأن العقل عندما تدخله في هذه التفاصيل لا يدركها، ولذلك من أدخله في هذه التفاصيل ضلّ. فمثلاً على سبيل المثال الله سبحانه وتعالى عندما قال (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [سورة الإسراء:85] كل الذين حاولوا وأدخلوا عقولهم الآن في الوصول إلى حقيقة الروح
الشيخ محمد الخضيري: ما أفلحوا.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: يخرج بكتاب في ثمانمائة صفحة كان دخل وهو يجهل وخرج وهو أجهل منه عند المدخل، مع أنهم يأتون بأفكار ويأتون بمقترحات ويأتون باحتمالات يدخلون نظرية الاحتمالات الرياضية كلها تخرج في النهاية بحقيقة (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي). ولذلك منهج أهل السنة والجماعة منهج متين جداً جداً في التعامل مع هذه الأمور، العقل له حدود، الآن عندما ينزل الوحي نوع من العقل في فهم الوحي. هناك قضايا غيبية استأثر الله بها، لا التعامل معها وإدخال العقل فيها إدخال للعقل فيما ليس من وظيفته، ما يستطيع.
الشيخ محمد الخضيري: لذلك قال شيخ الإسلام قال إن الشرائع تأتي بما تحار منه العقول لا بما تحيله العقول، يعني العقل يحار في فهمه أو في معرفة
الشيخ عبد الرحمن الشهري: إدراك سر التشريع
الشيخ محمد الخضيري: لكن لا تحيله العقول، يعني لا يقول العقل إن هذا لا يمكن
الشيخ مساعد الطيار: أيضاً أبو عبد الله فائدة أخيرة من الآثار التي وردت عن السلف في التخيير في الكفارة ورد عن ابن مسعود وابن عمر، ابن مسعود سأله معقل بن مقرن عن كفارة يمين حصل منه يمين وأراد أن يكفر فابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال له كفّر عن يمينك وأرشده إلى أن يعتق رقبة وعلّل قال: فإنك موسر، وهذه لها علاقة بقضية الفتوى والمفتي كيف يتعامل مع السائل، فابن مسعود الآن ليس على سبيل الإلزام أن يعتق لأننا قلنا أنها حسب التخيير
الشيخ عبد الرحمن الشهري: ثلاث خيارات
الشيخ مساعد الطيار: لكن ابن مسعود قال له: أنت رجل موسر فابتغِ الكمال في الأمر فاعتق رقبة.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: هذا ابن مسعود رضي الله عنه وهو أعلم الصحابة بالتفسير.
الشيخ محمد الخضيري: في قوله (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)) دلالة على أن من أعظم ما يشكر عليه الرب سبحانه وتعالى هو بيان هذه الأحكام ودلالتنا على كيف نتعامل مع هذه الأمور ونتصرف عندما تضيق علينا، أنت حلفت وما استطعت أن تنفذ ما حلفت عليه ما هو المخرج؟ ترى هذا في ظاهر الأمر قد نقول نحن هذه شرائع، لكن لو نظرت وقلبت بصرك فيمن حولك من أهل الأديان الأخرى ليس عندهم أي شيء يهتدون به في حياتهم ويعملونه في مجريات أمورهم. أنا أقول لبعض الإخوة عندما نأتي بعض الآيات أقول هل لو قرأتم في كتب الأنظمة والقوانين وتراتيب الحياة تجدون مثل هذه الأنظمة الدقيقة التي تدخل حتى إلى خبايا النفوس فتحللها وتفسرها وتبين ما هي المخارج الشرعية لها، ما يجدون ذلك، أقرأ عليهم مثلاً آيات الاستئذان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) لاحظ (هُوَ أَزْكَى لَكُمْ) [سورة النور] قلت أتحداكم لو تمرون على كتب القوانين كلها والأنظمة وغيرها أن تجدوا مثل هذا التنظيم، لا وتنظيم يسبر حتى أغوار النفوس يقول (هُوَ أَزْكَى لَكُمْ) من أين (أَزْكَى لَكُمْ)؟ أزكى لنا هذا عند الله سبحانه وتعالى، فالله عز وجل في هذا التشريع الدقيق المحكم ينزله لنا عبر هذا الكتاب ويقول لنا (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)) إذا بانت لكم هذه الأحكام وعرفتم هذه المسائل، ومما يوضح هذا إنك ترى الآن العامي من المسلمين عنده عادات أخذها من الشريعة يعمل بها لا يهتدي لها العالم الكبير من غير المسلمين. يعني انظر عادات النجاسة والطهارة أكرمكم الله تجد الآن العالم الغربي والعياذ بالله في حالة من السوء في التعامل مع النجاسة التي تخرج منه لا يعلم بها إلا الله يتقزز منها كل أحد، بينما تجد الأعرابي الذي لا يكاد يرى الماء إلا قليلاً تجده يتعامل مع هذه الأمور تعاملًا راقيًا جداً ويعرف إن هذه نجاسات ويجب التنزه منها ويجب التصرف معها واحد اثنين ثلاثة أربعة كأنه بالفطرة يعلمها ولذلك تجده نظيف، بعيد عن هذه القاذورات
الشيخ عبد الرحمن الشهري: وهذا تراه ينعكس على المجتمع كله
الشيخ محمد الخضيري: كله نعم، حدثني أحد المشايخ على سبيل الطرفة، حدثني أحد المشايخ يقول كنا في روسيا فلما ركبنا الطيارة واستتم بنا الأمر انطفأت ولا زلنا في المطار ويحصل هذا أحياناً عندما يصلحون أو كذا تنطفئ الكهرباء يقول فلما أخذنا قرابة ربع ساعة ونحن توقفت التهوية وكل شيء وفتحنا النوافذ حتى الإنارة تدخل يقول فاحت رائحة شديدة جداً داخل الطائرة فسألت بعض الإخوة الروس قالوا هذا شيء طبيعي كل هؤلاء الذين تراهم لا يتنزهون من النجاسة فالآن لما سكنت البرودة فاحت روائحهم، قال وجرى لي مثل ذلك في مطار الرياض ركبنا مرة الطائرة وسبحان الله بعد ما استتمينا يقول انطفأت وجلسنا قريب من تلك المدة يقول ما تغير شيء من الجو الذي في الطائرة السبب أن الناس تتطهر وتتنزه، أما هناك لا، مع أنك تجد أحياناً قد يكون عالم فلك وإلا ذرة وإلا جولوجيا وإلا ما أدري ماذا!
الشيخ عبد الرحمن الشهري: الدين هذّب أخلاق المسلمين وهذّب عاداتهم ولا شك أن الذي يدخل في هذا التفصيل يجد عجائب وغرائب في هذا وهذا من فضل الله على المسلمين، ولذلك أنا ألاحظ هذا حتى في الأدوات الصحية، انظر الأدوات الصحية الآن التي نستخدمها الآن في بيوتنا في دورات المياه وكذا انظر في صناعات غربية في إيطاليا وفرنسا وانظر فيه صناعات إسلامية مثلاً في تركيا تلاحظ أثر الثقافة الإسلامية في هذه الصناعات، تلاحظ الغربيين لا يحرصون على هذه القضايا التي تتكلم عنها النظافة والتنزه في حين أن الصناعات المتأثرة بالتاريخ الإسلامي والفقه الإسلامي تراعي هذه التفاصيل وطبعاً الحديث فيها حديث ذو شجون.
في قوله سبحانه وتعالى (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)) هنا إشارة إلى تعليل كما ذكر الدكتور مساعد قضية بيان علة التشريع أن الله سبحانه وتعالى ذكر لنا هذه الكفارة كفارة اليمين وذكر أن من عللها شكر الناس على هذه النعمة، أن الله سبحانه وتعالى بيّن لنا هذه المخارج قال (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)) يعني الله سبحانه وتعالى يحب الشكر ويحب الشاكرين ويريد منا أن نشكر ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها» فالله يحب أنه يشكر، أنه يحمد، أن يثنى عليه، ولذلك ينبغي على الإنسان أن يكون كثير الشكر وكثير الثناء على الله سبحانه وتعالى في سره وفي جهره وفي عبادته.
الشيخ محمد الخضيري: طبعاً الشكر أبا عبد الله له أركان ثلاثة: شكر بالقلب بالإقرار بأن هذا من عند الله عز وجل وأنه من فضله وكرمه وهذا لا بد أن تمتلئ به النفوس ولا يعذر أحد بالإقرار بهذا والاعتراف به، والثاني الشكر اللساني وهو أن يكثر الإنسان من حمد الله وشكره كما أسلفت على هذه النعمة التي منّ الله بها علينا نحمد الله عليها في ليلنا ونهارنا وعندما نجلس مع الناس، بل أنا أقول من الشكر خصوصاً في هذا العصر أن الإنسان يفخر بهذه الشريعة عندما يكون عند المترددين والناكصين والمنافقين والعلمانيين والليبراليين والغربيين يقول الحمد لله أنا مسلم، الحمد لله أنعم الله علي بالإسلام، يبدئ فرحه وابتهاجه بهذا الدين، ما يتوارى ويحاول أنه يتمسكن بأنه احنا عاداتنا، تقاليدنا، ثقافتنا العربية، ما أدري ماذا، لا، يقول هذا فضل الله علينا وهذا دينه وهذه رحمته ونحن ما كنا شيء لولا أن الله أنزل علينا هذا وكل ما ترى من معالم الهداية في الكون كله هي من الله يقول هذا بعزة وفخر. الثالث شكر الله بالجوارح وهو أن يستعمل هذه النعم في طاعة الله وأن يستعمل هذه الجوارح في طاعة الله وأن يسخّر كل ما آتاه الله في طاعته ولا يستعمل شيئا منها ولو كان قليلاً أو دقيقاً في شيء يغضب الله سبحانه وتعالى ويسخطه.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: لعلنا أيها الإخوة لا نريد في بقية الحلقة أننا ندخل في الآية التي بعدها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) بقي معنا ثلاث دقائق فقط في هذا المجلس فهل من تعليق؟
الشيخ مساعد الطيار: هناك إضافة، كنت أفكر وأنتم تتكلمون عن قول الله (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)) التشريع أو آية من آيات الأحكام لو رجعنا لكتب أحكام القرآن نجد هذه الآية من الآيات التي يذكرونها، والفكرة التي في ذهني وأنتم تتكلمون عن الموضوع هذا أن التشريع مبدؤه كأفعال من الإنسان ومنتهاه إلى الإنسان بمعنى أنه لو نحن نظرنا إلى موضوع الآية الآن إنسان أقسم على شيء ثم حنث فيه فاحتاج أن يكفر فكفر ما هي النتيجة أو الثمرة التي يجنيها؟ يعني سبحان لله لاحظ مع أنه قد يكون ارتكب إثماً إلا أنه ينقلب هذا إلى ماذا؟
الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعمة
الشيخ مساعد الطيار: إلى نعمة ولهذا الله سبحانه وتعالى قال (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)) فهذه الأوامر أو ما يسميها الفقهاء التكاليف وإن كان بعض العلماء يرى لفظة التكليف فيها إشكال لكن هذه التكاليف التي كلف الله سبحانه وتعالى بها العباد هي في النهاية مآلها له
الشيخ عبد الرحمن الشهري: له لمصلحته
الشيخ مساعد الطيار: لمصلحته ومنها هذا الأمر بمعنى كنت أريد أن أقول إنه الآن ونحن نفكر في قضية العلل في التشريع وغيرها أن الإنسان سبحان الله المسلم الذي قال له الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) هذا الإنسان مستسلم، أنا أذنبت أخطأت هل أغلق الباب؟!
الشيخ عبد الرحمن الشهري: لا.
الشيخ مساعد الطيار: الجواب لا، الله سبحانه وتعالى وضع لك ماذا؟ كثيرًا من الأبواب التي تردك إلى الأمر الأول وزيادة على ذلك تجد أن الله سبحانه وتعالى أحياناً يجعل ما بعد الذنب قد يكون أعلى مما قبل الذنب.
الشيخ عبد الرحمن الشهري: قد تكون عاقبة وقوع الإنسان في المعصية خيراً له إذا تاب واستغفر وكفّر عن ذلك، لعلنا نكتفي بهذا في هذا المجلس، أيها الإخوة المشاهدون الكرام شكر الله لكم حسن متابعتكم، نراكم إن شاء الله في المجلس القادم من مجالس برنامجكم “بينات” إن شاء الله، في أمان الله.
رابط الحلقة فيديو