الحروف في القرآن الكريم, حرف الخاء

حرف الخاء – منظومة الأذى الجسدي (خبط)

اسلاميات
حرف الخاء

منظومة الأذى الجسدي

 

خبط– ضرب  – جَلَد- قمع– وكز – صكّ –

هذه منظومة هي منظومة الأذى الجسدي والتأثير بالجِلد البشري بأي أسلوب من الأساليب فيما دون القتل أو إسالة دم وإنما ترك الأثر بلإيقاع الجِلد على الجلد.

جَلَد: هو الضرب بالجلد على الجلد (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) النور) الذي يقذف امرأة في عرضها جزاؤه أن يُعرّى جسده أولاً ويُضرب بالجلد (السوط) على جلده العاري والعقوبة الثانية أن لا تقبل له شهادة ويفقد أهليته في أي عقد (عقد بيع أو زواج أو غيره لا تقبل له شهادة) وهذا من حِرص الاسلام على المرأة وعرضها. وكلمة جَلَد تستعمل مجازياً لأي ضرب بالجلد على الجلد.

ضرب: المقصود به أن تؤذي مكاناً محدداً في الجسم كالوجه مثلاً أو الظهر أو البطن أو الصدر أو غيره (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) البقرة) (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) النساء) (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص) (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) الشعراء).

خَبَط: هو الضرب على غير استواء قال تعالى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) البقرة) إذا كان الضرب غير محدد وعلى غير استواء يسمى الخبط من حيث أن المخبوط يتحرك حركات غير متوازنة فإذا كان واقفاً وخُبِط على بطنه انحنى للأمام وإذا ضُرب على ظهره انحنى للخلف وهكذا يصبح مضحكاً من شدة ما يتحرك من الأذى ومن شدة الخبط لا يدري من أي جهة ستأتيه الضربة. وهذا العذاب الذي يستخدمه البعض في السحون بحيث يضعون المسجون في مكان مظلم ثم يضربونه فيخبط لأنه لا يدري من أين تأتيه الضربة وهذا مما حذّر منه رسول الله r في الحديث الشريف: صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا . انتهى . والحديث رواه مسلم (2128)

قمع: القمع هو أن تضرب شخصاً بمقمع حتى توقف حركته والمقمع هي العصا الغليظة التي لها رأس مدبب. القمع ليس أن تقتل الشخص وإنما تجعله غير قادر على الحركة مثل القمع السياسي لا يستطيع المواطن أن يتحرك أو يقول كلمة وهو جالس في مكانه لا وطن له ول كان في وطنه لكنه لا يشعر بمواطنيته لشدة القمع ويطيع طاعة عمياء ويمكن أن يلقى عليه القبض في أية لحظة. قال تعالى في عذاب الكافرين (وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) الحج) يصف تعالى العذاب للمشركين نحن نعلم أن ليس كل كافر كافر وليس كل مشرك مشرك وكل شخص يعذّب على حسب عمله وهناك فرق بين مشرك لم ير النبي r وهو مخلص في عمله وبين أبي لهب الذي عذّب المسلمين. ويطلق القمع على الذي يصب به السائل من سمن أو عسل ولهذا قال r : ” ويل لأقماع القوم” أي الذين يجعلون آذانهم كالقمع يتجسسون على مجالس الناس ثم ينشرون ما سمعوه بين الناس.

وكز: هو الضرب بكفة اليد والوكز غير الوخز . الوخز هو الشك بشيء في غاية الحدة ورفيع كوخز الابرة ينفذ بسرعة أما الوكز فهو بيد قوية تضرب الشخص فتطرحه أرضاً مثل المصارعة. قال تعالى (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) القصص) موسى u كان قوياً وأراد أن يكفّ عن صاحبه فوكز الآخر لكنه لم يقصد أن يقتله.

صك: الوكز يكون بيد واحدة أما الصك فبكلتا اليدين ويقال صكّ الشيء أي قفله. في قصة ابراهيم u عندما جاءته الملائكة تبشره بغلام قال تعالى (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) الذاريات) السيدة سارة زوجة ابراهيم u لما بشرتها الملائكة بالغلام من دهشتها وحيائها صكت وجهها أي ضربت بكلتي يديها على وجهها. والصك يكون من الاندهاش أو الخوف أو الحياء أو العجب.

باختصار الجلد بالجلد والخبط في غير مكان محدد والضرب في مكان محدد والقمع لا يتحرك والوكز بيد واحدة والصك باليدين. هذه هي كلمات هذه المنظومة والترادف هو من الاعجاز القرآني فكل كلمة لا تغني عن الثانية وكل كلمة في مكانها تعطي المعنى المراد لا نقص ولا زيادة وهذا من إعجاز القرآن الكريم وليس في وسع البشر أن يستعمل الكلمات العربية بهذا الشكل المعجز التي في القرآن.

بعد أن عرفنا الفرق بين هذا الكلمات نتكلم عنها واحدة واحدة بحسب ما يسمح الوقت:

ضرب: جاءت في القرآن الكريم باستعمالات كثيرة قال تعالى (وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (المزمل)) السفر يجب أن يكون جاداً وقوياً ولا يكون لأغراض غير شرعية أو غير مفيدة. ضربتم في الأرض يعني أن قوة السير كأنهم يضربون الأرض بأقدامهم. وقلنا أن الضرب هو الذي يترك أثراً خفيفاً على الجلد يحبث لا يؤدي إلى ألم فإذا كان الضرب قوياً فهو الجلد.

ومن هنا قوله تعالى (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)) للأسف أن الناس فهوا هذه الآية على غير معناها وذلك لعدم دقتهم في معرفة الفرق بين الكلمات وعدم اعترافهم بالترادف في القرآن. الضرب هو المسّ الرقيق أو إيقاع شيء رقيق على الجلد بحيث يترك أثراً خفيفاً غير مؤلم لذا تتدرج الآية في العقاب فأول المراحل هي العظة: النشوز هو تمرّد المرأة على زوجها بشرطين أن ترفض العودة إليه والانصياع له والثاني أن لا يكون لها عذر فإن كان لها عذر كأن يكون زوجها بخيلاً أو سيء الخلق أو أنه هجرها زمناً طويلاً أبيح لها أن تنشز على زوجها. إذا أُطلق النشوز فهو تمرد الزوجة على زوجها بدون عذر وهي لا تدّعي أن في زوجها عيباً. والنشوز هو سوء خلق في المرأة ساقها إلى التمرد على الزوج وهجر منزله ورفض العودة إليه بلا سبب مشروع، هذه المرأة الناشز تتدرج العقوبة لها بالوعظ أولاً (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) فإذا أخلص الحكمان وفقهما الله تعالى للصلح (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)). فإذا أرادت المرأة ترك زوجها دون عيب فيه فلها أن تخلعه. فإذا رأينا أن خُلُق المرأة أسوأ مما يُظنّ يبدأ الزوج بهجرها ولا يحق له أن يهجرها أكثر من أربع ليال أصلاً (على ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا اعتبر أنه إن كان للرجل أربع زوجات فلها ليلة كل أربع ليال) لأن للمرأة حق على زوجها في المعاشرة الجنسية كما له حق عليها. ولكن إذا لم تنفع معها الموعظة بالعودة لزوجها يباح له أن يهجرها مدة من الزمن فإذا كان خلقها أسوأ من ذلك يضربها ضرباً غير مبرح ويتقي الوجه وعلى أن لا يزيد ما يضرب به على نحو السواك. إذن هو ضرب تأديب لا ضرب تعذيب كما يفعل الكثيرون اليوم وهذا فقط لاشعارها بإهانة صغيرة وهذا يدل على رعاية الاسلام للمرأة وتكريمها. والرسول r منع الضرب منعاً كاملاً فسأله الصحابة أنه من النساء من لا ينفع معهن إلا الضرب فقال r “اضربوا ولن يضرب خياركم” مهما كانت المرأة سيئة . وسوء استعمال الضرب من المسلمين لا يشوه الاسلام.

خبط: قال تعالى في الربا (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) البقرة) تصف الآية حال المرابي في الآخرة. يوم القيامة يأتي كل صاحب ذنب بسِمة أعظم ذنب ارتكبه بدليل قوله تعالى (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) الرحمن) المرابي يتخبط يأذن الله تعالى لكل الناس بالوقوف للكلام إلا المرابين يتخبطون ويقعون يميناً وشمالاً فيعرفون أنهم مرابين. والذي كذب على الرسول r يأتي يوم القيامة وجهه أسود والمتكبرون الجبابرة يمشون على وجوههم والمشركون يقمحون أي أيديهم مغلولة إلى رقابهم وأرجلهم إلى الخلف وهذا من عدل الله تعالى, وكذلك المؤمنون يعرفون بسيماهم يوم القيامة فيأتي أهل الليل وجوههم جميلة والذي على رأسه تاج يكون هو أو ابنه حافظاً للقرآن والذي يطلع منه دم كأنه المسك فهذا شهيد في سبيل الله تعالى.

قال تعالى (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) الأعراف) علينا أن نؤمن بوجود الشيطان وإن كان غيباً عنا والمطلوب أن نرسم للشيطان في خيالنا أبشع صورة ممكنة ولهذا ضرب الله تعالى لنا مثلاً في القرآن (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات) المفروض أن يضرب المثل بشيء معروف لكن القصد من الآية أن تتخيل الشيطان بأقبح وأبشع صورة ونحن نتفاوت في ذلك كل حسب قدرة خياله الواسع.

وفي مداخلة للدكتور نجيب عبد الوهاب مقدم الحلقة قال أنه نشرت ثلاث مجلات علمية حديثاً أنها اتخذت الضرب الشرعي وسيلة للعقاب بعد أن اتهموا الاسلام بالارهاب بسبب الضرب كما يدّعون.

وتخللت هذه الحلقة مداخلات من المشاهدين حول حلقة الاسبوع الماضي بمناسبة المولد النبوي الشريف وبعض القصائد سوف تتم إضافتها لحلقة الاسبوع الماضي إن شاء الله.

بُثّت الحلقة بتاريخ 29/4/2005م