الحروف في القرآن الكريم

حرف الخاء – منظومة الإنحدار من أعلى إلى أسفل (خرّ)

اسلاميات

منظومة  الانحدار من أعلى إلى أسفل (خرّ)

 

خرّ– سقط  – حطّ- نزل– هوى – هبط –  انهار –

هذه منظومة الانحدار من الأعلى إلى الأسفل والخرّ هو أسلوب من أساليب هذا الانحدار وهذه المنظومة عجيبة دقيقة تفاصيلها كما هي دقيقة في الفرق الدقيق بين كلمة وكلمة بحيث لا يمكن أن تأتي بكتاب بهذه العة في النظم الدقيق من صنع البشر وهذا الاستعمال الدقيق للكلمات كل في مكانها لا يفعله إلا رب العالمين وهذا من الاعجاز اللغوي في القرآن الكريم وما أكثر أوجه الإعجاز فيه.

خرّ وهوى: (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) الحج) كلاهما انحدار شديد وسريع عشوائي مفاجئ وقلق وغير منتظم. أما خرّ فهي تعني الانحدار من السماء العليا أي من أعلى الفضاء إلى الأرض أما هوى فهي الانحدار من الأرض إلى أعماق الأرض إلى الهاوية السحيقة. هذا المشرك المعتدي على الآخرين والذي له قوة وطاقة وقدرة تعجز الآخرين فلا يمكنهم أن يدفعوها حينئذ يتدخل رب العالمين مباشرة وبدون أسباب وحينئذ هما نوعان نوع لم يفلح أن يُفسد في الأرض مثل النازية لم تفلح هذه النزعة الشيطانية التي مسحت قوتها معظم الكرة الأرضية هؤلاء خرّوا من فوق إلى الأرض مثل الذي خرّ من السماء فتخطفته الطير ولا يمكن الحصول على شيء تخطفته الطير لأنه أصبح في حواصلها ولم يعد له وجود. (أو تهوي به الريح في مكان سحيق) هذا عندما يستقر في الأرض بعد أن أفلحت كالشيوعية مثلاً واستولت على الشعوب ونفوذها قام في الأرض وقتلت الشعوب ولم يسمحوا لشعوبهم بممارسة شعائر دينهم وهم لا يعترفون أصلاً بوجود الله تعالى أصلاً لكنهم أفلحوا واستقروا على الأرض وحكموا سبعين عاماً ثم هوت بهم الريح وذهبوا واندثروا بعد قوتهم الهائلة التي قهرت عشرات الدول وسيطرت عليها وتحكمت في نصف الكرة الأرضية وكانوا أول من وصل إلى القمر ولكن على حين غرّة هوت بهم الريح في مكان سحيق فلا يمكن لهم أن يعودوا مرة ثانية. أما هتلر وجماعته فتخطفتهم الطير فلا يمكن أن يعودوا وكذلك فرعون أخذته الموجة وانتهى الأمر.

لاحظ الفرق: خرّ من الرأس أي من الأعلى والخرّ هو أن ينحني الأعلى بحيث لم يعد للأسفل وجود (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) أي أصبحوا بينهما أنقاضاً. تسقط الدولة أو الملك أو الرئيس فينتهي النظام. فرعون وحاشيته وأعوانه غرقوا فإذا بالدولة كلها تسقط خرّوا ففشل قومهم وكذلك التتار وعاد وثمود وفرعون والمغول الذين اجتاحوا الأرض وهو آثمون معتدون ملحدون غيروا دولاً وثقافات وعقائد ولكنهم تبخروا كأنما خروا من السماء فتخطفهم الطير. إذن الخرّ من الأعلى إلى الأرض أما الهوي فهو من الأرض إلى أعماقها أي إلى مكان سحيق لا يمكن انتشالهم منه مطلقاً.

حطّ وهبط: الحطّ هو الانحدار من الأعلى ولكن بشكل منظم وقانون مرتّب كما يحط الطير وكالطائرة تُقلع من مطار ثم تحلق ثم تحطّ في مطار آخر بشكل منظّم ومن الخطأ القول إن الطائرة هبطت إلا عندما يحصل بها خلل فتنحدر بشكل عشوائي فيقال لها هبطت. فالحطّ هو الانحدار من الأعلى بشكل منظّم أما الهبوط فهو الانحدار من الأعلى بشكل عشوائي وبشكل فيه خلل فيقال مثلاً هبطت الأسهم وهبطت الأسعار. الطير يحطّ بقوانين ومنها أخذ البشر قوانين الطائرة ولكن عندما تطلق عليه النار فتصيبه ينزل نزولاً عشوائياً فيقال له هبط. وقد استعملت كلمة هبط في القرآن الكريم في مواطن عدة بمعنى الذمّ (قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ) تدل على طردهم لرذالتهم (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) الأعراف) (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا) (هبوط آدم وحواء هو هبوط منزلة). حتى في العبادة (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) البقرة) والعباد الصالحون عندما يتفكرون بالله تعالى ينكمشون ويتضاءلون وتأخذهم الخشية حتى يكونون كالحِلس البالي فهذا هو الهبوط.

قال تعالى (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) البقرة) أي حطّ عنا خطايانا موسى u قال لبني اسرائيل أنه عندما يدخلوا الأرض المقسة أن يقولوا حطة. لم يقل سبحانه احذف ولا اهبط باعتبار أن الحطّ يكون بشكل منظّم الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها زالكفارة الفعل بالفعل.

سقط ونزل: تقال للشيء المتروك. كالبيت الآيل للسقوط لا نقول للهبوط لأنه هو أصلاً خرِب ويقال للتلميذ الكسول أنه سقط لأنه أصلاً لم يدرس ويقال للحكومة سقطت لأنها كانت تالفة أصلاً. فالسقوط يقال للشيء التافه (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44) الطور) ما يسقط من السماء أشياء تافه كنجمة تالفة أو كوكب تالف أو نحوها. (فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) الشعراء) (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) التوبة) الذي يسقط في الفتنة هو الانسان التافه التالف.

أما نزل فتقال للشيء القيّم والشيء الخطير سلباً أو إيجاباً. يقال نزل وتنزّل . كلمة نزل وتنزّل من الأشياء المهمة الخطيرة التي تُحدث تغييراً كالقرآن والكتب والمطر والعذاب. ويقال أنزل إذا كان من الأعلى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ) ولما وصل إلينا صار تنزيلاً (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) الانسان) وكل تنزيل في القرآن جميل قال تعالى: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا) (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) (وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ) (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً)

انهار: الانهيار ذاتي بدون فعل فاعل هو تالف أصلاً فأصبح ضعيفاً فانهار يقال انهار البناء إذا وقع من تلقاء نفسه وهو غير الهدم الذي يكون بفعل خارجي. واحد عنده مصيبة صمد كثيراً ثم انهار كما يحصل في السجون يصمد السجين تحت العذاب والسجن ثم ينهار (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) التوبة) .

خرّ: جاءت بمعاني عظيمة عجيبة غريبة في القرآن الكريم (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا) لم يقل سبحانه سقط أو هبط أو نزل لأن موسى u سقط بدون أي نظام وكذلك داوود u (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ {س}(24) ص).

والخرّ نأخذه في هذه الحلقة من جانبين:

جانب العبادة وعلاقة العبد الذي اصطفاه الله تعالى واجتباه وقرّبه إليه حتى صار نبيّاً أوليّاً كيف يخرّ إذا ذُكِر الله عز وجل؟. والجانب الآخر يتكلم عن آيتين تتحدث عن كل قوة غاشمة تجتاح الأرض وتمتلك قوة هائلة بحيث لا يردّها أحد ثم تقوم بإذلال الناس وظلمهم ومحق عقائدهم بالأكاذيب الواهية والارجافات هؤلاء تكلم عنهم الله تعالى في آيتين بحيث أن من قوانين الكون أنه ما من قوة ظالمة تصل إلى هذا الحد بحيث لا يمكن للمظلوم أن يدفعها إلا ويتدخل الله تعالى بشكل مباشر بدون أسباب.

نبدأ بالخرّ من جانب العبادة: قال تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا {س}(58) مريم) هذه طبقة هائلة ما إن تقرأ عليهم آية أو يقرأون هم آية حتى تتناغم كل أعضاء جسدهم وكل جسدهم كه هذه الآية فيفقد السيطرة على نفسه فينفعل انفعالاً لا شعورياً قسرياً فيتكوّم في الأرض. ولغة الجسد هذه لغة عظيمة ةكل خلية وكل مسام في الجسد لها لغة كما في الكون كله (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (الاسراء)) هذا الجسد له احساس وإدراك لا ندركه نحن بحيث يشهد علينا يوم القيامة وقلة من البشر يصطفيهم الله تعالى (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ). الخرّ انفعال لا إرادي فإذا سمعت دويّاً قوياً مثلاً يأخذك بالكامل فتنفعل لا إرادياً فتخرّ على الأرض ويتساوى قدمك ورأسك وهذا الخرّ أسبابه عديدة منها الاندهاش والخوف والرعب والمصيبة والصوت المفاجيء والفيضان كما حصل في تسونامي بحيث صُرع الكثيرون من الهلع قبل أن تصلهم الموجة العالية. وهناك من عباد الله تعالى من لا تخيفهم الأفاعي أو الأسود ولا تخشى شيئاً لأنهم يخشون الله تعالى ولا يخشون شيئاً في الدنيا. وفي الروايات الكثير من القصص عن أمثال هؤلاء ومما يُذكر أن أحد الصالحين كان يدرّس طلابه العلم في مكان سقفه من جذوع النخل التي تعيش فيها الأفاعي وبينما هو في درسه سقطت حية من السقف ففزع الطلاب وانصرفوا أما هو فلم يتحرك من مكانه وأمسك بها ورماها وقال ما أنت إلا دودة. هذا الإنسان بهذا التجلّد عندما يسمع آية معينة من كتاب الله يقع مغشيّاً عليه والأمثلة من الصحابة كثيرة كان أحدهم إذا سمع آية يخرّ أسبوعاً ومنهم من الذين فتحوا الدنيا تبكيه آية فتُمرضه ومنهم من إذا سمع آيات النار خرّ مريضاً وأحد الصحابة وهو فتى من الأنصار في الثلاثين من عمره سمع آية عن النار فخرّ إلى الأرض فحمله أهله إلى داره فجاءه الرسول r يزوره فدخل عليه فعانقه الفتى فمات بين يديه r فقال r: جهّزوا أخاكم فقد فَلَذّ الفّرَق كبِده (أي خوفه من الله تعالى فلق كبده فلقاً). هؤلاء أولياء اله تعالى ولهذا قال (من عادى لي وليّاً..). وهذا باب واسع من أبواب هذه الأمة وهؤلاء مصابيح الخير لهذه الأمة بهم يُنصر الناس كما جاء في الحديث الشريف “إنما تُنصرون بضعفائكم” “رُبّ أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبرّه” . وقال تعالى (ثم قست قلوبكم) حتى الحجارة تهبط بشكل غير منظّم وفي غاية الخشوع يتضاءل الحجر من خشية الله تعالى ويشعر بالضعف والمهانة والذِلّة أمام الله تعالى فهذا الحجر العظيم يتفتت من خشية الله تعالى خضوعاً وذُلاًّ لله تعالى.

في كل الديانات هناك من يعبد الله تعالى عبادة موحّدة يعرف قدر الله تعالى ويتعلق قلبه بالله تعالى تعقلاً لا يدركه عقل.

قال تعالى (قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) الاسراء ) عادة السجود يكون على الجبهة أولاً ثم الأنف ثم الأذقان لكنهم خروا مباشرة على الأذقان والأعظم من هؤلاء داوود u (خرّ راكعاً) لم يقل ساجداً فالانسان عادة يركع أولاً ثم يسجد ولكن داوود u تساوى ركوعه وسجوده من خشية الله تعالى.

الحب لا يقبل الشريك  ومن أحبّ دنياه أضرّ بآخرته ومن أحبّ آخرته أضرّ بدنياه. والصالحون وصلوا لمرحلة التخصص في خشية الله تعالى أما نحن فمن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولسنا من الصالحين، قال تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) الزمر).

الخرّ من الجانب الثاني: وهو خرّ الظلم الذي يستشري في العالم. الظلم من قوانين الأرض وعلى امتداد التاريخ هناك أشخاص وجماعات وفرق وفئات وأحزاب ودول وقبائل ظلموا الناس منذ عهد آدم حيث ظلم قابيل أخاه هابيل فقتله. قال تعالى (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) النحل) السقف هو من فوق أصلاً لمّا يتدخل رب العالمين (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) أتى: من بعيد مما لا تتخيله عقولهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون حينئذ يقول الله تعالى أنه لم يعد لديهم سقف فوق وليس له بديل خرّ السقف وانكشفوا لنكشافاً تاماً فلم يعد لهم فوق أبداً.

(ثم مكر الذين من قبلهم) دول سابقة وحضارات سادت وعذبت الناس واسترقّوهم واستولوا على بلادهم وأموالهم ونسائهم محقاً محقاً وأتاهم الله تعالى بأمر من حيث لا يشعرون (هناك فرق بين المجيء من قرب والاتيان من بعد ) فلو قال تعالى جاءهم لكان أمراً متوقعاً لكن أتاهم تعني أمراً غير متوقع فهتلر مثلاً رغم عظمة جيوشه انتحر وفرعون الذي اشتهر بالسباحة وكان قصره على الماء قضى غرقاً فمن كان يخطر بباله أن ينتهوا هذه النهاية ؟ هذا من قوله تعالى (أتاهم) أي لا يخطر ببالهم وبعيد عن إدراكهم أصلاً.

وقول تعالى (بنيانهم) البناء في القرآن بناء الله تعالى أما البنيان فهو بناء البشر. هذا البنيان قد يكون دولاً او استخبارات أو أجهزة أو أمن أو شرطة أو جيش ومع هذا يتفلّش النظام بعمل بسيط كما حدث مع الاتحاد السوفياتي الجبار الذي كا يقتسم العالم مع أميركا كما كان الروم والفرس يقتسمان العالم سابقاً ثم هلكوا في وقت واحد فالروس سبقوا الأميركيين إلى القمر هؤلاء الروس كان يمكن أن يقضى عليهم بحرب عالمية فينهزمون أو بصواعق لكن الله تعالى أتام برجل اسمه غورباتشوف اشتهر بالغباء وطمس الله تعالى على بصيرته فتكلم بكلمات تفلسف بها هي الترويكا فتناثر هذا الحلف الرهيب حتى بدأ يستجدي الغذاء المعلّب في أميركا الذي أعدوه للكلاب وأصبح أضعف دول العالم هذا من قواعد الكون وقوانينه (فخر عليهم السقف من فوقهم). كذلك التتار وهتلر الذين اجتاحوا الأرض والمغول الذي فعلوا بالعراق ما فعلوه وبلغ الرعب بالعراقيين أن يأتي المغولي بدون سلاح يواجه خمسين من المسلحين العراقيين فيرعبون ويرمون بسلاحهم ثم يأمر المغولي الأعزل أحد العراقيين أن يأخذ سرحه ويقتل به أصحابه فيفعل لشدة رعبهم من المغول.التتري بهذه القوة اجتاح الأرض من تتاريا إلى مصر وبنى جبالاً من الجماجم أي إبادة كاملة هؤلاء الضعفاء المهزومون لا ينتصرون على التتري فقط وإنما يُلجئونه إلى أن يعتنق دينهم. ومقتل الضعفاء أن ينهزموا من داخلهم فالله تعالى له قوانين يتدخل بدون أسباب لنصرة المهزومين بعد أن تطغى قوة على الآخرين وهذا من قوانينه تعالى لكن بشرط أن لا ييأس هؤلاء الضعفاء. فعليك أن تعد نفسك للنصر بأحد أمرين: إنا بالقوة فإذا عجزت لأن الأمر أفظع مما تقدر على رده فانتظر نصر الله تعالى القادم بشرط أن تكون أهلاً له لأن الله تعالى لا ينصر الوظلوم إذا كان سيئاً سوءاً عظيماً فعناك فرق بين أن تكون قد اعتُدي عليك وأنت إنسان سيء أو إنسان خيّر. وعلى الأمة المقهورة أن تستحضر نصر الله تعالى بأن تصمد صموداً عظيماً كالشيشان منذ 400 عام وهم يُفتك بهم وعددهم لم يتجاوز لغاية الآن 900 ألف بينهم بعض الآلآف من المقاتلين وقد هجّروا على مر التاريخ إلى سيبيريا وبقوا مسلمين ومتماسكين لكي لا ينفرط عقدهم وبقوا عل دينهم وأخلاقهم إلى اليوم وما زال جميع العالم ضدهم وهم ما زالوا باقين على دينهم. هتلر احتل فرنسا وانهارت ومه هذا بقيت فرنسا وذهب هتلر. كل المحتلين في العالم ظلماً وغدراً وحقداً على أديانهم وعراقتهم إذا كان لديهم قوة استعملوها لرد الظلم عنهم وإلا فلن يترك الله تعالى قوة ضعيفة لقوي غادر (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) المائدة) وعسى في القرآن تعني التوكيد و(الفتح) هو القوة تستعملها إذا كان لديك قدرة (او بأمر من عنده) عندما لا يكون لديك حول ولا قوة يأتي الله تعالى بأمر من عنده كالطوفان والجراد والقمل والضفادع والزلازل وغيرها. وإذا به يخر السقف من فوقهم ويأتي الله تعالى بنيانهم من القواعد وهذا من فضل الله تعالى وينبغي على كل مهزوم إن كان على حق فاعلم أنه بمجرد هذا فإن نصر الله تعالى قادم لا محالة.

خرّ تستعمل في غاية الدقة ولذلك الذي يأتي الله تعالى بنيانه لن يعود، بعض الدول ضعفت وعادت لأن ظلمها للعالم لم يكن شرّاً فقد تظلم قوة شعبها فقط وقد تظلم العالم كله. هناك طغاة اعتدوا على شعوبهم لكنهم لم يتوسعوا على بقية العالم ظلماً وعدواناً نهباً وسرقة وحقداً تاريخياً أما الذين طغوا على شعوبهم والعالم كله فلن يتركهم الله تعالى طالما لم ييأس المقهورين (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) النور ) المسلمون في أُحُد لم ينهزموا من أعماقهم الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) آل عمران). الكلام هنا في البطش العالمي الذي هو من قوانين الكون. كل قرن أو قرنين تأتي قوة ظالمة مجرمة مستحوذة طامعة تحت دعاوي وأكاذيب كثيرة دمروا كل شيء واجتاحوا العالم فلا ينبغي لمقهور أن ييأس.

قال تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) ابراهيم) فلا تيأس (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) الرعد) الحق والباطل أي الظلم وعدمه والخرافة والحقيقة. ونتكلم عن بعض أساليب الصمود:

يجب أن نصمد كل أمة في التاريخ ظلمت أو سرقت وعلينا أن يكون لدينا الهمة العالية وعدم الهزيمة من الأعماق حتى لو انهزمت الجيوش والصمود في الأعماق هو القوة الهائلة وهو أهم من الهزيمة. في غزوة حنين جيش انهزم بكامله ولشدة الزحام لم يتمكنوا من الرجوع وبقي الرسول r ومعه ثلاثة هم العباس وغلي بن أبي طالب وأبو سفيان الحارث بن عبد المطلب وجميعهم من آل البيت فكسبوا المعركة بالكامل ولم ينهزموا (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) التوبة) إذا كنت صامداً من داخلك واثقاً بالله تعالى لا تنهزم أبداً كأطفال الحجارة في فلسطين ليس معه إلا حجارة لكنه صامد في أعماقه غير منهزم. هي مسألة كونية المنتصر مهزوم لا محالة (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فصلت)

وسبب سقوط الدولة الأموية والعباسية أنه رغم حسناتهم الكثيرة فقد كانت سيئاتهم قاتلة ومن ضمنها قتل آل بيت النبي r وقد أخبر r بما سيجري بآل بيته بالضبط ولهذا زالت دولة السفيانيين بقتل الحسين والمروانيين بقتل علي بن الحسين وهذا جرم يكفي لتسقط الدنيا “لعن الله من قتله نبي أو قتل نبياً”. العباسيون عندما أقاموا دولتهم لبعطوها للعلويين ثم قالوا هي لنا والحياة في الدولة العباسية الثانية لم يكن فيها شيء من الاسلام. فالدولتان الأموية والعباسية كانتا جديرتان بالسقوط لما فعلوه بآل بيت النبي r.

لكن مهما انهزم الناس بيقى الدين منتصراً وإذا كان الناس خطأ فهذا لا يعني أن الدين خطأ فالدين لا يرتبط بدولة والدولة التي تدعي الاسلام يعذبها الله تعالى أكثر من الدولة التي تعلن الشرك وهي عادلة (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) هود) أميركا تحقق العدل لشعبها لا تعذب كما يعذب المسلمون بعضهم بعضاً. فالمسلمون يؤدبون دائماً ويخرج منهم الجيل الجديد الواعد الذي سيحل المعادلة بإذن الله تعالى. ومع أن المسلمين ينهزمون إلا أن الدين ينتشر بشكل كبير.

ومن أسليب الصمود اليقين بقضاء الله تعالى وتعليم أولادك ثقافة البلاد وعلينا أن لا نيأس والأمة ناهضة بفضل الصالحين من أبنائها.

بُثّت الحلقة بتاريخ 20/5/2005م