منظومة خشوع الأصوات (خفت)
الخفت– المناجاة – الغضّ- الهمس– الوحي – الحسيس – الرِكز –
هذه منظومة خشوع الأصوات (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) طه) والخشوع هو شدة الانتباه حينئذ كل من يشتد انتباهه لشيء ما يكون قد خشع له. وهذه المنظومة تتطلب من صاحبها أن يكون منتبهاً جداً إلى حد لا يمكن أن يشذ ذهنه أو يغيب عقله لأنها مقصودة قصداً و لا يمكن لكلمة أن تعطي معنى الكلمة الأخرى.
خفت: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110) الاسراء) (يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) طه) الخفت يعني الصوت الضعيف الذي يسبق السكون التام أو الموت. هذا الضعف الشديد يسمى خفوتاً وخفتاً قبل الموت والخفت يكون لعدة أسباب منها منها الضعف أو المرض أو الخوف (يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) طه) المجرمون هم المشركون يرون أن مصيرهم النار لا محالة فتخيل أيّ رعب يتملكهم ولا يملكون من الخوف إلا أن يتكلم كل واحد منهم بضعف شديد (تخافت). كان الرسول r وبعض الصحابة يتخافتون في صلاة الليل حتى لا يوقظوا أهل البيت ولو تخلينا أن المدينة في ذلك الحين كانت كلها بمساحة المسجد النبوي الآن وفيها مئات البيوت المتجاورة وأي حديث بين اثنين يسمعه الجار فكان من المسلمين من يتخافت في صلاته حتى لا يسمعه أهل بيته فنزلت الآية (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا) وقد يأتي التخافت عن تآمر كمجموعة ما تعد خطة تآمرية فيتكلمون مع بعضهم بصوت خفيف بحيث يسمعون بعضهم بشكل صعب كما في قصة أصحاب الجنة (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) القلم). التخافت إذن هو شدة ضعف الصوت.
المناجاة: التخافت بشرط واحد هو أنك لا تفعل ذلك بين الآخرين على عكس التخافت فهو أمام الناس (يتخافتون بينهم) أما المناجاة فتختلف عن التخافت في أنك بمعزل عن الآخرين. التخافت صار مناجاة لأن المتكلمان في مكان لا يسمعه أحد كأن تناجي الله تعالى وليس معك أحد (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) التوبة) والنجوى هي من سوء الأدب إلا ع الامام أو رئيس الدولة أو وزير كأن يكون هناك أمر خطير يهم الأمة فتناجي الامام وتهمش في أذنه فهذه مناجاة ولا تكون إلا في مصالح الناس (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) المجادلة) وفيما عدا هذا لا ينبغي أن يتناجى اثنلن دون الآخرين كما في الحديث الشريف :” إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجا اثنان دون الثالث” . إذن الخفت أمام الناس والمناجاة بينك وبين من تتناجى معه. (فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) يوسف) هذا في غاية الأدب. وقوله تعالى (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) المجادلة) لأنها تثير الريبة.
الغضّ: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) لقمان) (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) الحجرات) الغضّ هو صوت خفي بكلام رقيق حنون ليّن ودود وهو دليل التواضع والذُلّة والود وهذا معنى الآية (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت) من يسيطر على مشاعره ونفسه وغرائزه العدوانية. والغضّ ليس خفض الصوت فقط ولكن اظهار الصوت بمنتهى الحنان واللطف واللين كما في الحديث الشريف “لين الكلام صدقة” وعندما وصف الرسول r قصور الجنة سأله الصحابة لمن هي يا رسول الله؟ فأجاب لمن ألان الكلام وأفشى السلام وصلّى يالليل والناس نيام
الهمس: (َوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) طه) تحدّث نفسك كل خائف أو مهموم بقضية يحدّث نفسه هذا يسمى الهمس. الخفت يكون أمام الناس والمناجاة بعيداً عن الناس والغض في منتهى التذلل والرحمة والهمس كلام لا يفهمه السامع (فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا) من خشوع الناس يوم القيامة أام رب العالمين يحدث كل واحد نفسه بكلام ليس مفهوماً ولا مسموعاً من غيره. والهمس لغة هو مضغ الطعام والفم مغلق.
الوحي: أن تحدث الآخر خفاء كالخفت والمناجاة والغض والهمس وبفرق واحد أنك لا تراه تسمعه كن لا تعرف من المتحدّث يسمى وحياً (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) الشورى) والوحي من الكلمات المشتركة في القرآن الكريم ولها معاني عديدة. والوحي يصدر من قوة خفية لا تراها وقد يكون من الشيكان أو الاشاعات التي تنتشر بين الناس لا يعرف أحد من أطلقها. ويمتاز الوحي بأنك لا تعرف من أوحى به ولا من صاحبه.
الحسيس: (لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) الانبياء) أصله صوت نقل الأقدام على الرمل حينئذ لا تعرف صاحب هذه الخطوات على عكس وقع الخطى على مكان صلب فقد تميز بين خطى امرأة أو رجل أو ضعيف أو طفل أو عجوز. والحسيس حركة وطئ الاقدام على الرمل وكل صوت لحركة يسمى حسيساً كأفعى تمشي. والحسيس هو صوت من الابهام بمكان لأنه فقط حركة شيء والحسيس جماع حركة الأشياء ( مثلاً يقال وجيف لللهثان وحفيف لأوراق الشجر) كل كلمات حركة الأشياء تجمعها كلمة الحسيس.
الرِكز: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98) مريم) كل ما مضى من أنواع الكلام الخافت الغضّ الموحى به ينطبق على هذه الكلمة إلا أن الركز لا بد أن ينطلق من داخل الأرض من عمق كأن يقع الانسان في بئر أو في قبر فقد يستيقظ بعد دفنه (كما في بعض الحالات التي لا يتأكد فيها من وفاة الشخص) فيصرخ بصوت خافت هامس ولأنه من تحت الأرض يسمى رِكزا. والركاز في اللغة هو المدفون في الأرض. ولو استطعنا سماع الذين هلكوا في قبورهم لكان ركزاً ولما كان كلاما.
الخفت والوحي: كل منهما ملازم للآخر وكل خفت وراءه وحي لأن الخفت أساس التآمر والتآمر ينتج عنه الشائعات. ويجب أن يكون العدو منصفاً لعدوه ومن حق العدو أن يفعل ما يشاء طالما هو عدوك ولا يجب ان تلومه على ما يفعل لأنه يأخذ بأسباب نصرته لكن عليك أنت أن تفعل بالمثل لكي يتحقق نصرك. المهزوم وحده هو الذي يصب جام غضبه على عدوه وعليك أن تأخذ حذرك. أصل الايجابيات العظيمة في الدنيا الخوف من سلبياتها أنت تأكل وتتغذى خوفاً من أن تهلك وقال r في الحديث “بئس الضجيع الجوع” ولولا شعورك بالجوع لما أكلت ولولا شعورك بالألم الذي هو عدوك لما ذهبت للعلاج. فالجوع من جنود الشبع والصحة والعافية ، والمرض من جنود العافية والشفاء وأخطر الأمراض القاتلة هي التي لا ألم فيها كالسرطان والسكري وضغط الدم لا يكتشفوه الا بعد فوات الأوان وهذا خطر. عندما يكون هناك عدو يتآمر عليك ويتخافت عليك فهذا من مصلحتك حتى تأخذ حذرك (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) الانفال) التخافت يقابله أن تنتبه لما يلي: شدة التغطية والحذر والأجهزة التي تحلل الشائعات وتفرزها (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) النساء) المحللون الذي يحللون الخبر وما يلقى إليها من كلام لتبين المقولات الوافدة هكذا تفعل الأمم الناهضة المحصنة ضد التخافت الرهيب زالايحاء العديب التي لا نعرف من صنعها وقد تكون كلها أكاذيب وأساطير والمطلوب من أي أمة لها حضارة ودين وتاريخ أن تحافظ على نفسها من الهجمات والشائعات التي تصل من مرحلة التخافت الى مرحلة الايحاء في النهاية.
الوحي في القرآن الكريم كلمة عجيبة لها عدة معاني:
التخافت والتآمر يؤدي الى الوحي (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) الانعام) فالمقولات التي تبين كذبها ولا يعرف صاحبها فهي وحي.
-
توجيه الغريزة للمخلوقات غير الواعية كالوحي الى النحل (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) النحل)
-
الاشارة الخفية (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) مريم)
-
تحدي الطاقة الوظيفية لكل المخلوقات كالحيوانات والنبات (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فصلت) حدّد وظيفتها خفية بدون أن تعرف كيف استطاعت المخلوقات أن تفعل ما تفعله.
-
الإلهام الخفي: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) المائدة)
-
الرؤيا الصالحة (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) طه) (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) القصص)
-
التآمر الخفي الذي لا تعرف صاحبه وقائله (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) الانعام) (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) الانعام)
ما من شخص أو جماعة أو دولة أو أمة يكون لها عدو إلا وتنشط فوجود عدو لك هو من اسباب نشاطك ومنعتك (وأعدوا لهم ما استطعتم) الأمن والمخابرات والتعليم فعلي أن تقوي نفسك أمام عدوك ولو لم يكن لك عدو لترهّلت. الدين عندما يمر بأزمة فهو ينشط نشاطاً عظيماً وعندما تصبح الأمة الاسلامية في أوجها يكثر فيها الترف السفيه الذي لا يليق بأمة تعلم أن لله تعالى يوماً آخر. والله تعالى جعل للأنبياء أعداء حتى ينشطوا. (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) وقوله تعالى جعلنا تدل على أنه لم يكن فكان والجعل غير الصيرورة. ما من نبي إلا وابتلاه الله تعالى بأعداء ولولا العداء للمؤمنين لترهّلوا. والعداء نوع من أنواع القول المزخرف وكل من يرتكب نقيصة ويريد من صاحبه أن يفعلها يزخرف له القول وقِس على ذلك كل الدعاوى المقاتلة فيوقل تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) كل فعل بأمر الله تعالى والأمر هو القوانين (قانون مختار في انسان وقانون مسيّر في الملائكة) قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {س}(18) الحج) لم يقل كل الناس كما قال في باقي المخلوقات فالذي كُرّم هو الانسان (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11) لقمان) خلق الله تعالى فينا القدرة على الاختيار بين الخير والشر لكن أنت الذي تختار ولو لم يكن لديك اختيار لما حاسبك الله تعالى يوم القيامة. وما يجري في العالم اليوم قوانين تجري الضعف والقوة والهزيمة والنصر وعليما أن نتماشى مع القوانين لكن إياك واللعن وعليك أن تقوم بواجبك فالرسول r وصحابته الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه قال تعالى فيهم (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) آل عمران) ورُب صغير ينتصر على كبير بفلتة ذكاء أو بموقف وغزوة بدر مثال على القلة الضعيفة التي انتصرت على القوة الكبيرة. انشغل عن عدوك بنفسك فلا تسب العدو وإنما ابني نفسك ولولا انهزامك في داخلك لما انهزمت على حدودك وعلى الأمة أن تعيد فهم كتابها العزيز وأن تصحح مفهومها للقضاء والقدر فالقدر هو الذي لا رأي لك فيه أنت رجل ولست امراة هذا قدر والقضاء يتغير بتغيرك وكل ما فيه خيار أنت مسؤول عنه فعلينا أن نكون مسلمين حقيقيين.
بُثّت الحلقة بتاريخ 24/6/2005م