الحروف في القرآن الكريم, حرف الدال

حرف الدال – منظومة البعدية (دُبُر)

اسلاميات
حرف الدال

منظومة   البعدية (دُبُر)

 

دُبُر  – خلف – وراء – بعد – عقب – ردِف –

هذه منظومة البعدية، إذا فعلت شيئاً بعد شيء تسنعمل هذه الكلمات حصراً يقال أفطرت دُبُر غروب الشمس، خلف الغروب، وراء الغروب، بعد الغروب، غقب الغروب) وقد استعمل القرآن الكريم هذه الكلمات استعمالاً دقيقاً وكل كلمة ترسم زاوية وبعدية مخصوصة لا تغني عنها الكلمة الأخرى.

دُبُر: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) ق) تأتي عندما يكون الشيء وراء الشيء مباشرة مرة واحدة ومنقطع عما بعده. يقال صلّيت دُبُر الأذان أي مباشرة بعد الأذنان ما ان انتهى الأذان قمت فصليت وانتهت الصلاة ولم يعد لها وجود ممتد على الزمن الأتي فقط الزمن الدقيق الوارد الواقع بعد الزمن الأول ومتصل به. تقول مثلاً: جئت دُبُر الأذنان أي مباشرة بعد الأذان دخلت وانتهى الأمر دخولك لم يستمر ولو قلت خلف الأذان لكانت تعني بعد ساعة أو ساعتين أو أكثر. وقوله تعالى (ومن الليل فسبحه) يتكلم عن ركعتي سنة المغرب ما إن تنتهي من فريضة المغرب تصلي مباشرة بعدها السنة فتصلي ركعتي السنة بعد ثلاث ركعات فرض صلاة المغرب مباشرة بدون انقطاع وبدون فاصلة زمنية أو فجوة زمنية ثم ينتهي الأمر عند هذا الحدّ.

خلف: خلفك زمن ممتد قد يكون بعد ساعة أو ساعتين أو أكثر يقال جئت خلفك أو خلف مجيئك أي ان الزمن ممتد لساعات أو أكثر أما لو قلت جئت دُبُر مجيئك أي مباشرة بعد مجيئك وانتهى المجيء مرة واحدة. قال تعالى (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) يونس) خلفك تعني زمن ممتد ، عندما جعل الله تعالى فرعون آية في الأزمنة التالية الى يوم القيامة فكل الأجيال ترى في بقاء جثة فرعون آية عرضة للنظر والتفتيش. فالخلف ممتد والدُبُر مقطوع محدود والدُبُر متصل والخلف قد يكون هناك فسحة. واشتق التخلف من خلف ولا يقال للتخلف تخلفاً إلا عندما يمتد فلا نقول لطالب رسب مرة واحدة أنه متخلف أما إذا رسب أعوام عديدة فيقال له متخلف.

وهناك فرق بين خَلَف أي من يأتي بعدك وخلْف بتسكين اللام وهي تعني الجهة.

وراء: نستعملها استعمالاً خاطئاً فوراء هي البعد المحيط بك احاطة كاملة والشيء الذي وراءك مسيطر جداً ومحيط وله امتداد هائل. قال تعالى (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) هود) لم يقل من بعد اسحق لأنه لا مقارنة بين يعقوب واسحق فاسحق رجل مغمور أما يعقوب فملأ الدنيا هو واولاده وهم حديث الدنيا منذ وُلِد يعقوب قبل الاسلام بألفي عام الى يوم القيامة وحديث بني اسرائيل يشغل الدنيا كلها فأهمية يعقوب بعد اسحق عظيمة. وكل كلمة وراء في القرآن يأتي وراءها شيء عظيم هائل (إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) الانسان) ذلك الفزع الأكبر أيّ هول مسيطر عليك يمشي وراءك كأجلِك ويقول r “إن الرزق ليجري وراء أحدكم كما يجري وراءه أجله” فكل كلمة وراء معناها كبير (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102) النساء) عندما يصلي المسلمون في ساحة المعركة يحرسهم فريق منهم فتخيّل أي شدّة تحرس المسلمين في ساحة المعركة! (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) الانشقاق) أي هول هذا! وهكذا كل كلمة وراء تعني شيئاً أو شخصاً أو حدثاً عظيماً. قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) الحجرات) حجرات النبي r شيء هائل عظيم فكيف نقلل الأدب في حجراته r وقد أمرنا القرآن بالأدب معه من ناحية خفض الصوت وغض الطرف وهذا لأن الله تعالى جعل لحجرات النبي r وأهله قدسية عظيمة (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) الاحزاب) هذا الوراء مقدّس وله آداب. فلا تأتي وراء وبعدها شيء تافه يقال شربت اللبن عقب الطعام أو بعد الطعام ولكن لا يقال وراء الطعام لأن شرب اللبن ليس بالأمر العظيم. إنما تقول مثلاً صلّيت طوال الليل وراء العشاء لأهمية قيام الليل وقال تعالى (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) الكهف).

بعد: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) آل عمران) لا تقال بعد للأشخاص وإنما تستعمل في أنها تأتي بحدث بعد حدث يقال نجحت بعد أن درست أو شبعت بعد أن أكلت هذه البعدية لا تأتي إلا لحدث بعد حدث ففي الآية الزيغ حدث والهداية حدث.

كل هذه المنظومة إذا جاءت قبلها (من) تعطي معنى مختلفاً. يقال نسيت بعد أن تعلّمت تعني نسيت بعد التعلّم بعشرين سنة مثلاً أو بعدما كبر لكن إذا قلنا نسيت من بعد أن تعلمت فهي تعني نسيت من أول يوم. قال تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) النحل) تعني كل ما تعلّمته نسيته، وقال تعالى (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا (5) الحج) كل ما تتعلمه الآن لا تفهمه من البداية فقد تكون طعنت في السنّ وخرّفت ولم يعد لك قدرة على تعلّم شيء جديد لكن ما تعلمته سابقاً يبقى فتذكره. وقال تعالى (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) البقرة) إذا اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك الوحي مباشرة تكون من الظالمين. وقوله تعالى (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) البقرة) بقيت مستمر للنهاية إلى أن مِتّ وأنت على هذا ما لم من الله من ولي ولا نصير. ومن هذا يتنبين لنا أنه ليس في القرآن حرف زائد أو حركة زادة كما يقول بعض المفسرين فكل حرف وكل حركة فيها دلالة على تغيير الصورة والمعنى.

عقب: نتيجة لزومية أنت ترتوي عقب شربك وتشبع عقب أكلك وتنام عقب تعبك. الشيء لزوم الشيء فالعقب شيء يأتي بعد شيء وهو من لوازمه (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) الزخرف) الانسان يتزوج ويأتيه أولاد هؤلاء الأولاد بعده لكنهم من لوازمه. يقال أنا نجحت بعد دراسة سنتين وقد لا أنجح. العقب لا بد أن يأتي مادمت تزوجت وحملت زوجتك فالعقب لا بد أن يأتي. قال تعالى (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) الرعد) بما أنك في هذه الدار فمن لوازمها أن هناك دار آخرة ستأتي دار آخرة عقب هذه الدار لأنها من لزومياتها ولا احتمال في عدم وصولك اليها لهذا لم يستعمل (وراء أو بعد أو خلف) فكما ان ابنك عقبك لزوماً فالدار الآخرة عقب الدنيا لزوماً. وكلمة عقب أعجوبة العجائب وعندنا عَقِب وعُقْب وعُقُب وكل منها تعني شيئاً مختلفاً:

يقال صمت عَقِب شعبان بكسر القاف تعني أنك صمت آخر يومين من شعبان 29 و30 بمعنى الشيء النهائي،

ويقال صمت عُقْب شعبان بتسكين القاف تعني أنك صمت أول يوم من رمضان مباشرة بعد شعبان

ويقال صمت عُقُب شعبان بضمّ القاف هذا الصوم ممتد ويمكن أن تصوم بعد شعبان بأربعة أشهر مثلاً.

قال تعالى (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44) الكهف) أي مباشرة بعد أن تموت من ساعة أن تغرغر يتصرّف الله تعالى معك لأنه خير ثواباً وخير عقبا.

هذه منظومة البعدية في القرآن الكريم وكل كلمة ترسم زاوية من الصورة لا ترسمها أي كلمة أخرى فقال تعالى (قرآناً عربياً).

ورد في القرآن العقبى والعاقبة والفرق بينهما أن العاقبة هي النهاية والعقبى فهي نهاية النهاية وآخر مرحلة فيها.

نتحدث عن كلمة عقبى كما وردت في قوله تعالى (سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ {24}) في سورة الرعد ونتكلم عن أولي الألباب الذين هم شريحة عظيمة من شارئح الصالحين والصالحين كُثُر ومنهم قوم اسمهم أولو الألباب والعقل كما نعلم يبدأ مميزاً ثم وازعاً ثم متدبراً ثم مفكراً ثم رشيداً (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) هود) ثم يصير لُبّاً الرشد هو أعلى مرتبة العقول فإذا صار العقل رشيداً يُسمى لُبّاً. وقد ذكر أولو الألباب في القرآن كثيراً (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) البقرة) وجزاؤهم في الآخرة علّيون وهي أعلى مراتب الجنة. أولو الألباب هم قمة الصالحين وأصحاب العقول الرفيعة الذين ورثوا الحكمة والمودة والصفاء والصلاح وعرفوا الله تعالى وحقيقة الحياة ولهم طبيعة هائلة من حيث عقلهم. ولهم ميزة هائلة يوم القيامة فلكي يكتمل سرورهم يجمع الله تعالى جميع أهلهم مهما قلّ عملهم ولم يبلغوا مبلغ أولو الألباب من العلم والعمل شرط أن يكونوا موحّدين كما قال تعالى (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ {23}) هذا كله إكراماً لأولي الألباب يدخل من صلح من أهله في نفس مقامه. وأصحاب اللُب يوم القيامة هم كالسفراء في الدنيا يأخذ أهلهم امتيازات عديدة تكريماً لهم وليس لأنهم أهل لهذا التكريم سوى أنهم أقارب السفير وأهله. وكل انسان مرشّح أن يكون من هذه الطبقة العظيمة أولو الألباب.

من هم أولو الألباب؟ ذكر الله تعالى تسعة شروط في كتباه العزيز في سورة الرعد (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ {19} الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ {20} وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ {21} وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ {22} جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ {23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ {24} سورة الرعد

ولكي نلتحق بأولي الألباب علينا أن نحقق شروط الإلتحاق وهي:

1. الوفاء بالعهد وهو التوحيد قولاً وعملاً. الله تعالى أخذ على كل خلقه العهد عندما كانوا في ظهر ابيهم آدم في عالم الذرّ والكل شهد بأنه تعالى هو ربنا كم في قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الاعراف) كلنا قلنا بلى والذي بقي محافظاً على هذا العهد أي التوحيد هو من أولي الألباب.

2. كتابة العهد وعمدم نقض الميثاق: عندما أخذ الله تعالى علينا العهد كتب الميثاق والميثاق هو كل كلمة كُتب وكتب في القرآن منها (كتب عليكم الصيام) هذا ميثاق فإذا وحّدت الله تعالى فقد وفيت بالعهد وإذا قمت بالتكاليف فقد وفّيت الميثاق فإذا لم تصلي فقد نقضت الميثاق فالقيام بالتكاليف هي الميثاق. الذين لا عهد لهم وينقضون عهد الله تعالى أي الكافرون والمشركون هؤلاء ليس عليهم تكليف. الوفاء بالعهد يتبعه عدم نقض الميثاق بحيث لا بد لأن تقوم بكل التكاليف.

3. الذين يصلون ما أمر الله به أن يوُصل ألا وهي: الرحم والأمانة والنعمة. ثلاثة متعلقات بالعرش الرحم تقول اللهم إني بك فلا أُقطع والأملنة اللهم اني بك فلا أُجحد والنعمة اللهم إني بك فلا اُكفر. فمن وصل رحمه وأدى الأمانة وشكر النعمة فقد وصل ما أمر الله تعالى به أن يوصل.

4. خشية الله ومخافته: يخشون ربهم ويخافونه، والخشية  للجلال والهيبة لله تعالى وهي أن تطيع وثمرتها تحسين أداء الطاعات (إنما يخشى الله من عباده العلماء) من شدة هيبتهم لله تعالى وخشيتهم له سبحانه يعبدونه عبادة متميزة وعلمك محسوب عليك بقدر ما يوفّر لك من خشية الله تعالى فإذا كانت طاعاتك مكتملة تامة فاعلم أن عملك مقبول منك. والصلاة بالخشوع في أدائها والدوام عليها والصوم بلا غيبة والحج بلا رفث ولا فسوق ولا جدال. فالذي يخشى ربه يؤدي عباداته كلها بشكل حسن متقن. والخشية تدفع بك الى الطاعة.

5. الخوف مصدر من مصادر التصرّف (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) البقرة) وأن تخاف ربك شيء وأن تخاف من العبد شيء آخر فإذا خفت الله تعالى لا تعصيه وإن خفت الناس فالله تعالى يعذرك خاصة إن كان خوفك منهم لا لمعصية وإنما لظروف قهرية كما يحصل اليوم أننا نجد من يمنع المصلين من الصلاة في المسجد فيعتقلونهم ويسجنونهم وهذا خوف يعذر الله تعالى فيه (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) النحل). يخافون سوء الحساب بالإبتعاد عن صغائر الذنوب وكبائرها لأنه على يقين أن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور. الخوف يدفع بك الى عدم المعصية. وهناك فرق بين الخشية التي هي تمام الطاعة للمهابة والجلال والخوف من سوء الحساب فعليك أن تكون من أولي الألباب حتى لا تحاسب يوم القيامة لأنه من نوقش الحساب هلك ومن نوقش الحساب عُذّب فمجرد مناقشة الحساب عذاب شديد أما أولو الألباب فيدخلون الجنة بغير حساب وهذا فضلهم.

6. الصبر ابتغاء وجه الله والصبر أنواع : صبر على الطاعات (صلاة، صوم، حج، جهاد، إنفاق، حج) وصبر على المعاصي وهو صبر شديد كصبر يوسف u على اغواء امرأة العزيز وصبر على الشهوات وصبر على البلاء والسقم والجوع والفقر والتعذيب (وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ ) وصبر على النعمة بشكرها وعدم الإغترار بها أو التكبر وعدم إستخدامها في غير طاعة الله وهي أصعب من الصبر على البلاء. إذا كنت صابراً على الطاعات والمعاصي (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران) تنفق في السراء والضراء وتكظم غيظك حتى لو اعتدي عليك وتسامح أي صبر هذا؟ يقول تعالى في الحديث القدسي: من كظم غيظه من أجلي وهو قادر على انفاذه كان حقاً علي أن أملأ جوفه رضى يوم القيامة. والعافين عن الناس يعفون ويعطون المذنب لذا قال تعالى (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) البقرة) هؤلاء ينظر اليه أهل المحشر جميعاً كأنه ملك يُزفّ.

7. إقامة الصلاة التي تجعل العبد من أولي الألباب فلا يحاسب وأهله معه والصلاة صلاة الليل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) البقرة) الصبر هو الصوم في اليوم الحارّ والصلاة صلاة الليل هذا مما يجعل أصحابه من الوجهاء يوم القيامة.

8. الإنفاق في السرّ والعلانية، ونفقة العلانية هي الزكاة التي تُعلن ليكون المزكّي قدوة لغيره من المسلمين، ونفقة السرّ هي كل الصدقات غير الزكاة وهذه الصدقات هي دليل العمل ابتغاء وجه الله وليس رياء ولا سُمعة أو للمنة أو التكبر أو أن يقول الناس عن المتصدّق أنه منفق.

9. يدرؤن بالحسنة السيئة: فكلما أذنبوا ذنباً أتبعوه بالإستغفار والتوبة والإنابة إلى الله تعالى حتى لا يُحاسبه الله عليه. وهنا مكمن النجاة فلو كلما أذنبت ذنباً استغفرت أو فعلت حسنة بعد ذنبك مبشارة تدرأ السيئة ودرء السيئات هو قوة وشدة الدفع (الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) آل عمران) (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) النور) (أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) القصص) تدفع السيئة بالحسنة بالصلاة والصيام والاستغفار والتوبة والبكاء والندم والتوبة وتذكر أن ابليس يبكي عندما يتوب المذنب من ذنبه فيقول يا ليتنا ما وسوسنا له هذا الذنب لأن الذنب أورث المذنب توبة غفرت ذنوبه وقد قيل: رُب معصية أورثت ندماً واستغفاراً خير من طاعة أورثت عًجبا. فإذا كنت كلما أذنبت ذنباً كانت توبتك عظيمة وأنّبت نفسك فهذا من الدرء الذي يجعلك من اولي الألباب. ويعلمنا الرسول r “أتبِع السيئة الحسنة تمحها” وقال تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات) وهناك درجات لاذهاب السيئات استغفار ودفع ودرء.

الذين تتوفر فيهم هذه الشروط والصفات فأولئك لهم عقبى الدار (جنات عدن يدخلونها) التي تأتي مباشرة بعد هذه الدار ويدخل معهم من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم مهما قلّ عملهم ومن رحمة الله تعالى أن بعضهم يرفع بعضاً (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) الزمر). فعلى كل عائلة أن تزرع لها واحداً من اولي الألباب حتى يُدخل الله تعالى من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم معهم. لمّا خلق الله تعالى الجنة وخلق قصبتها عدَن قال لها تحدثي فقالت يا رب هنيئاً لعبادك المؤمنين قال وعزّتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل ولا قاطع رحم. وهذان شرطان من شروط الالتحاق بأولي الألباب. والله أعلم أن من عباد الله يخرج شاب أو شابة يُراعى منذ الصغر تُنقى روحه ويحفظ القرآن والأحاديث ويربّى قلبه على السلامة وعلى كل عائلة أن تجتهد ليكون من بينها واحداً من أولي الألباب. هذا الرب الكريم عمل لنا طرقاً وأساليب ولم يبق شيء إلا ويسره الله تعالى انكون من ملوك الجنة “إن لله نفحات فتعرضوا لنفحاته”. العهد لا إله إلا الله والميثاق التكليف بأدائها بأي صورة شرط أن لا تكون باطلة فالطريق مفتوحة لتكون ملكاً من ملوك الجنة .

القرآن مثاني فنجد في القرآن الكريم توصيف عكس أولي الألباب وهم (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) الرعد) هؤلاء رغم أن كل الناس قالوا بلى عندما أخذ الله تعالى عليهم العهد ولكنهم أشركوا ونقضوا العهد وقطعوا ما أمر الله تعالى به أن يوصل الرحم والأمانة والنعمة وأفسدوا في الأرض وهذا الفساد في الأرض لم يعد له حلٌ إلا أن يتدخل الله تعالى بشكل مباشر وجزاء هؤلاء (أولئك لهم اللعنة) واللعنة في الدنيا هي أمراض ومصائب وزلازل ونكبات وأعاصير وكوارث ولهم أيضاً سوء الدار في الآخرة وهذا مقابل عقبى الدار لأولي الألباب.

وفي مداخلة لأحد المشاهدين سأل عن كلمة ردِف إذا كانت من ضمن المنظومة فوافق الدكتور الكبيسي عليه (عسى أن يكون ردف لكم)

بثت الحلقة بتاريخ 16/9/2005 م