الحروف في القرآن الكريم, حرف الدال

حرف الدال – منظومة العلم والتعلم (درس)

اسلاميات
حرف الدال

منظومة  العلم والتعلّم

قرأ – تلا  – درس   عرف – علِم

هذه الكلمة المقدسة التي هي أرقى ما في هذا الكون ومن علامات الرفعة. وترتبط هذه الحلقة بالحلقة السابقة ومنظومة الوجاهة ولهذا نلخص ما جاء فيها لنربط بين الحلقتين:

الوجاهة أن تكون مقبولاً عند الملك أو عند الناس مسموع الكلمة كما قال تعالى عن عيسى u (وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ) وعن موسى u (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) الاحزاب) ونلاحظ أنه تعالى عندما ذكر عيسى u قال أنه وجيه في الدنيا والآخرة وعندما تحدث عن موسى قال وجيهاً فقط وذلك لأن عيسى u أجمع عليه كل الناس وكل البشرية تعتقد أنه مرسل من عند الله تعالى سواء كان مسلماً أو مسيحياً بينما موسى u قال فيه تعالى (وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)) من حيث من آذاه من بني اسرائيل وهو ليس محل اتفاق عند الناس جميعاً. والوجاهة توصلك للدرجة والدرجة هي ان تتقدم خطوة خطوة لتصبح صاحب منزلة (فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا) فإذا وصلت لآخر درجة تترقى اليها بالدرجات يسمى المنزلة كما جاء في حديث النبي r : ” إن العبد لتسبق له المنزلة عند الله فلا يبلغها بعمل فيسلّط الله عليه الهمّ والحزن فيبلغها بذلك” والمنزلة أعظم مكان يصله الانسان في الدنيا والآخرة والمكانة أي صاحب قوة الذراع الضارب للملوك ينفذ أوامر الملك بقوة ودقة كما قال تعالى في جبريل u (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) التكوير) مكين أي صاحب مُكنة يفعل ما يفعله بسهولة ويسر يأمره الله تعالى فيرفع قوم لوط ويقلب بهم الأرض وكل معجزة في الأرض يرسل تعالى جبريل u لينفذها (في بدر، قوم لوط، وغيرها) كما في الدنيا رئس المخابرات أو الجيش هم ذراع الملك الضارب. وعندنا الزلفى أي أن تقترب من الملك كثيراً وهذا عندما يقرّبك الملك لصفة من الصفات (نسبك، كرمك، شمائلك) كما قال تعالى في ابراهيم u (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ) لشدة سخائه u. وعندنا المقام (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) الرحمن) (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) الاسراء) والمقام هو الذي يلوذ به الناس عند الشدائد وأسبابه الدراية والجَلَد وحب الناس. والوسيلة هو الذي ينوب عن الملك في كل صلاحياته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) وكل واحدة من هذه الكلمات في منظومة الوجاهة لها اسباب: تكون وجيهاً بشمائلك ، درجات لتقدمك في العمل، المنزلة اكتمال جهودك كلها، المكانة بالقوة والتفوذ، الزلفى حب الملك لا الناس، المقام كفاءة في خدمة الناس والوسيلة ثقة الملك العاليه بنائبه وكل هذه المجموعة تحصل لواحد من الناس بعمل إذا كان من اشتقاقات كلمة علِم الكلمة المقدسة في كل الأديان وفي كل المفاهيم (علم، عالم، عليم، اعلام، يتعلم) هذه الكلمة تدير العالم الحضاري والمدني فلا حضارة ولا مدنية إلا بهذه الكلمة فإذا كنت واحداً منها نلت الوجاهة والمنزلة والدرجة والزلفى والمقام والوسيلة ولذلك سماك الله تعالى (الربّاني) في قوله تعالى (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) آل عمران) هذه المنظومة أقدس ما يتقرب له العبد فأن تتعلم مسألة أفضل عند الله من أن تصلي ألف ركعة وأنت تجتمع مع اثنين أو ثلاثة تتدارس مع أحد مسألة أقوى عند الله من أي عمل والكلام في العلم كثير يقول r أن العملية التعليمية زمرة عظيمة وكل من يعمل معهم سواء من برى لهم قلماً أو سقاهم ماء أو صنع لهم طعاماً هؤلاء يأتون زمرة واحدة لقدسية المنظومة. هم ربانيون وما نسب تعالى أحداً اليه إلا أهل العلم.

قرأ: هو جمع الحروف والقُرء هو الجمع. لا يقال قرأ الباء وإنما يقال نطق الباء فالقراءة هي جمع الحروف لتصبح كلمة لها معنى فتنطلق منها الى بقية المراحل التعليمية (اقرأ كتابك) القراءة أي عندك قدرة على تجميع الحروف فتعرف ان هذه الكلمة تعني كذا. والفرق بينك وبين غيرك أنك تقرأ وتكتب وغيرك أميّ لا يعرف الحروف ولا يضنع بها كلمة وأُخِذت كلمة الأمي أي كما ولدته أمّه. والقراءة هي مرحلة أولية للعملية التعليمية وأول ما أُمِر به النبي r (إقرأ) أي أن يجمع حروف الكون ليفهم معانيه. مجرد نطق الكلمة هو القراءة وهذا ما يفعله الأجانب عندما يقرأون القرآن.

تلى – التلاوة: إذا كان يعرف المعنى ويتحقق منه ويحسن استنباط المعاني المقصودة من الكلمة الي قرأها تسمى تلاوة وحتى لو لم يعرف المعنى فالتلاوة قراءة مع فهم واستباط للمعنى وكلما تقدم استنباطك للمعنى تزداد تلاوتك حتى تصبح حق التلاوة ومن اعجاز القرآن قوله تعالى (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) البقرة) القرآن فيه أيات محكمة وآيات متشابهات فالمحكم من الآيات ما تعلق بالعبادات والمتشابه منها التي تتكلم عن العلوم وغيرها. ويقول تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) آل عمران) يقال ان اليهود والنصارى إذا آمنوا فهم يتلون الكتاب حق تلاوته ويفهون من آيات الكتاب ما لم يفهمه المسلمون الى عصرنا هذا وذلك لما لهم من خلفية بالكتب السابقة التي نزلت قبل الاسلام ويقول رب العالمين بأن من أهل الكتاب من يستنبط من هذا الكتاب لأنهم يتلونه حق تلاوته ويستنبطون معاني أرادها الله تعالى. وهناك بعض المستشرقين والمنصفين الموضوعيين من تكلم عن القرآن كلاماً لم يصل اليه المسلمون ومنهم غارودي ولويس بوكاي واكتشفوا من علوم القرآن ما لم يكتشفه المسلمون. كل تلاوة قراءة وليست كل قراءة تلاوة فالتلاوة هي قراءة بتدبر وعمق وهي أخصّ من القراءة.

درس: الدراسة تأتي بعد القراءة والتلاوة وهي أن تستوعب كل ما تتلوه فأنت تقرأ الكتاب أولاً ثم تتلوه بحيث تفهم معانيه ثم تدرسه بحيث لم يعد في هذا الكتوب أمامك شيء لا تعرفه وكل ما هو مكتوب أصبح في دماغك كما تدرس الآثار (آثار انمحت كقصر أصبح خراباً ثم آثاراً ثم درست فلم يبق منها شيء). اعتبر الكتوب أمامك بناء لم يعد فيه شيء إلا نقلته الى دماغك ف:انه درس. قال تعالى (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) وفي حديث النبي r كلام في غاية الاعجاز : ” ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم الاحفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت علهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده” يتولنه تلاوة متدبر عالم ثم ينقلون المعلومات من المكتوب الى عقولهم ف:انهم درسوه أي انمحى ما فيه لأنه نُقِل الى عقولهم وهذا الفرق بين درس وقرأ وتلا بعدها ننتقل الى عرف وعلم.

عرف: هو التعلم التدريجي والمعرفة متدرجة (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) النمل) وكل علوم الأرض التي اصبحت حقائق ثابته بدأت معرفة ثم تطورت جيلاً بعد جيل الى ان اصبحت علماً يقينياً وما من علم إلا بدأ بالمعرفة ثم انتهى الى العلم اليقيني قال تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) محمد) لا يختلف بها الا مكابر (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) النمل).

علم: بعد القراءة تلاوة ثم دراسة ثم معرفة ثم علم لذلك يقال فلان عارف بالله ولا يقال عالم بالله وليس في وسع العقل البشري بقوانين الدنيا أن يصل للتعرف الى الله تعالى معرفة يقينية أي معرفة ذاته وصفاته سبحانه لأنه كما قال تعالى (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) الانعام) العبد يقال له عارف بالله (متدرج) ولا يقال عالم بالله أما الله سبحانه وتعالى فمن اسمائه العليم وليس العارف والله تعالى هو العالم لأن علمه قطعي وليس تدريجياً.

هكذا هي المنظومة المقدسة كما هي وأول علاقة بين العبد وربه هي العلم (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) البقرة) مع آدم ومع داوود u (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) الانبياء) ومع الرجل الصالح في سورة الكهف (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)) ومع موسى u (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) الكهف) ومع عيسى u (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) المائدة) ومع محمد r (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) النساء) فالتعليم هو العلاقة المقدسة بين الله تعالى وعباده وأنبيائه ولذا قال موسى (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) طه) وما من شيء أقدس ممن أن تكون عالماً أو متعلماً.

وفي الحديث الشريف عن الرسول r : ” الناس عالم ومتعلم ولا خير فيمن سواهما” وقال u :” الناس عالم ومتعلم وما سواهما رعاع وهمج” إا كنت من العلماء أو المتعليمن فقد فزت بكل المراحل في الوجاهة فتكون وجيهاً ذا مكانة وزلفى لأنك صرت ربّانياً (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) حينئذ هذه المنزلة العظيمة جعلها الله تعالى مع الأنبياء تماماً وجعل العلماء كذلك (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران) أولو العلم أي كل ذي علم ويقول r :” من جاءه أجله وهو يطلب علماً لقي الله يوم يلقاه وليس بينه وبين الأنبياء إلا درجة النبوة”

ما من منزلة من منازل الوجاهة إلا وتنطبق بمجملها على العلماء والمتعلمين وطلاب العلم الذين تفرض الملائكة لهم أجنحتها رضى بما يفعلون. هذه المنظومة هي المتجلية يوم القيامة وما من أحد يسبق العلماء يوم القيامة لأنهم يُبعثون مع الأنبياء ولو تتبعنا القرآن لوجدنا أن كلمة العلم والتعلم مع الأنبياء والصالحين أعجوبة العجائب.

هناك علوم خاصة بالدنيا وفيها نقص كما ه الآن فهناك علوم بلغت مرحلة متقدمة مما كشف الله تعالى به للغربيين فجعلوا الحياة الدنيا في منتهى الراحة وملكوا الدنيا بالمواصلات وغيرها من الاكتشافات والاختراعات لكن هؤلاء لم يقترن عملهم في مجالات الدنيا بجان الآخرة ولذا فهو ناقص (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) الروم) فهذه الأجيال اهتمت بالخدمات الدنيوية التي تسهل الحياة ونسيت الآخرة كما فعل الغربيون وهناك من اهتم بعلم الكهنوت والآخرة وحارب من يعمل بالعلم الدنيوي واعتبروه من الشياطين وهذا خطأ لأن كلاً منهما ينقصه الجانب الآخر والله تعالى يقول (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) القصص) ولكي يكتمل العلم يجب أن نجمع بين العليمن وليس الرجل رجل الدنيا وليس الرجل رجل الآخرة وإنما الرجل رجلهما. ولا بد أن يذهب لعلم الدنا والآخرة والحديث عن رسول الله r لما رأى r شخصاً صائماً وأصحابه يظلونه فسأل r ماذا يفعل؟ قالوا صائم وأصحابه يظلونه فقال r من أين يعيش؟ قالوا يكفونه فقال r كلهم خير منه. والاسلام دين وسطي متوازن “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً”  وهذا هو التوازن المنطقي الصحيح علوم الدنيا والآخرة مع بعض وعندما تعمل للدنيا لرفاهية الناس فهذا في غاية العمل المطلوب يوم القيامة ويكفي أن تعلم أن عبداً أدخله الله تعالى الجنة في أرقى مستوياتها لأنه رفع شوكة عن الطريق فما بالك بمن عبّد الطريق والذي صنع الطائرات؟! لكن العلم الدنيوي لا يُحتسب إلا إذا كلن صاحبه يؤمن بالله تعالى وإلا فيأخذ مكاسبه من الدنيا ولا تجتمع مكاسب الدنيا والآخرة إلالمن يؤمن بالله رباً واحداً وإلهاً واحداً والتوحيد هو اساس قبول العمل في الدنيا والآخرة وكل ما تفعله في الدنيا من اختراعات واكتشافات إذا كنت تؤمن بالله رباً واحداً يحسب لك عملك في الدنيا والآخرة: داوود u علّمه الله تعالى صنعة لبوس لكم (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) الأنبياء) اي صناعة الدروع وألآن له الحديد فصنع الدروع (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) الحديد). وهناك بعض العلوم أفضل من بعض لكن هناك ايضاً علوماً اجرامية في الدنيا والآخرة كالأسلحة الفتاكة التي ابتلينا بها في هذا العصر مثل القنبلة الذرية التي قتلت في لحظات مئات الآلآف من الناس (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) البقرة) إذا قويت شوكته يسعى في الأرض ليهلك البشر والزرع من أجل مطمح كاذب. هذه العلوم الاجرامية يبين الله تعالى أنه لا بد أن تنقلب على اصحابها (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) الجن) و (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) النحل) بصناعاتهم التي أرادوها قوة وجبروتاً تنقلب عليهم كما حصل مع الروس الذين طغوا واستبدوا حصل تسريب بسيط في المفاعل النووي تشيرنوبل أدى الى مقتل 120 ألف شخص في ليلة واحدة وما زالت روسيا ومن حولها يعانون الى هذه اللحظة من السحابة النووية وتأثيرها على الناس والزرع. وهكذا كل قوة ظالمة باغية مهما كان وراءها من اساليب العلم إذا استعمل في الظلم والطغيان يتدخل الله تعالى فتنقلب الأمور عليهم. هناك فرق بين الظلم والطغيان فالظلم هو بين الناس يتظالمون وكل واحد يدفع الظلم عن نفسه وهناك محاكم يدفع الظلم أما الطغيان فلا يمكن أن تدفعه كالاعصار ماذا يمكنك أن تفعل مقابل الاعصار كما حصل مع اعصار تسونامي؟! هذا قدر الله تعالى في ملكه من حيث أنه أعطى كل الأحياء وسيلة للدفاع عن نفسها الى حد معلوم إذا قابلتها قوة طاغية لا يمكن دفعها عنها يتدخل الله تعالى بشكل مباشر فيهلكها من عنده (جيش النمرود الذي عجز عنه الكون مات بالذبابة التي كانت تدخل في أذن الجندي فيضرب رأسه بالجدار الى ان يموت)وما يحدث الآن من تطور العلوم الانسانية شهادة من الله تعالى فتح على هذه الأجيال فتوحاً عظيمة ولكن صاحَبَ ذلك ابداع عقلي في مجال الشرّ أهلك الناس والتقرير الأخير أن 30% من أطفال العراق مسرطنين وبعد 60 عاماً سيكون كل أهل العراق مسرطنين ولا يعود العراق صالحاً أن يعاش فيه. الظلم من مسؤولياتنا وكل واحد لديه قدرة على أن يدفع الظلم عن نفسه وهناك محاكم تحكم أما الطغيان الذي لا يمكن دفعه يتدخل الله تعالى بدفعه (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) المؤمنون) الفرح في كتاب الله تعالى هو فرح الظالم والطغيان (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) القصص) بالطغيان والظلم. هذه سنة من سنن الكون. العلوم السابقة تكتسب وهناك علم يوهب للعبد وهباً وهو العلم اللدُنّي (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف) (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) النمل) ما هذا العلم الذي نقل عرش بلقيس من سبأ الى بيت المقدس في أقل من رمشة عين وفي الحديث:” من العلم كهيئة المكنون لا يعرفه الا أهل الثقة بالله عز وجل” هذه أمور لا يقاس عليها لأنه توهب من عند الله تعالى ولا تُكتسب فعيسى مثلاً كان بيرء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى أي علم هذا؟! هذه موهوبات (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) الجن) قال r: ” يا أبا ذر لأن تغدو الى بيت من بيوت الله فتتعلم آية خير لك من أن تصلي مئة ركعة ولأن تغدو الى بيت من بيوت الله فتتعلم باباً من أبواب العلم خير لك من أن تصلي ألف ركعة” وقال r : ” فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد” ويقول r على أن العلم مشاع بين البشرية ولا يجوز أحد أن يحجبه :” من تعلّم علماً فكتمه ألجمه الله بلجام من النار يوم القيامة” فكتم العلم عملية لا أخلاقية تماماً وللأسف فإن معظم الأنظمة الاسلامية من مئة عام الى الآن وهي تقمع كل عالم ذو ابداع فالمبدعون في عالمنا متهمون بكل التهم على عكس الغرب وهذه الأنظمة تحتكر العلوم وتمنعها عن الناس. والتنافس العلمي يعتبر من أسباب العداوة والبغضاء والاقتتال هذه الأيام عند الغرب أما في الاسلام فاحتكار العلم غير جائز وغير مقبول.

وفي مداخلة لاحدى المشاهدات سألت فيها عن كلمة رتّل إذا كانت تدخل في المنظومة فأجابها الدكتور أنه قد تدخل والرتل هو أن تضع الأشياء المتناظرة على نسق واحد وتنظر فيها مجتمعة.

وفي سؤال آخر لأحد المشاهدين سأل عن معنى الفهم فأجاب الدكتور الكبيسي أن الفهم مرحلة من مراحل متعددة هي:

التدبر: تدبرت المسألة أي بقيت وراءها حتى أدركت نهايتها (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ)

ثم التفكّر: وهو تفكيك الأشياء (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران) وهو تجزيء الأشياء الى جزئيات هذا يسمى تفكراً.

التعقل: إذا جمعت الأجزاء ونظرت فيها جميعاً يقال تعقلون (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) البقرة)

الفقه: هو أن تقيس غائباً على حاضر وهو القياس (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) الانعام) (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) النساء) عندك نصّ تطبق عليه ملايين الحالات.

الفهم: شيء كان مغلقاً عليك ففتحه الله تعالى عليك (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) الانبياء)

الدراية: هناك شيء أدركته لكن فيه خلل (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) الشورى) و(وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)) (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) يونس) أنتم يا مشركون فهمتم القرآن فهماً فيه خلل.

الوعي: هو حُسن الاستماع (لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) الحاقة) الوعي هو سماعك للمسألة أو الدعوة ومن حسن استماعك لها تنتقل الى دماغك بكل وضوح (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) الزمر) ولهذا جعل تعالى الأذن مفتوحة على مدار الـ 24 ساعة لأنها أساس المعرفة يقال أنت واعي إذا كنت تحسن استماع الشيء.

التذكّر: شيء قديم تقيسه على شيء حادث (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) القصص)

هذه من وسائل المنظومة فأنت تدرس وتقرأ وتتلو وتعرف وتتعلم بهذه الأدوات وهي أنشطة دماغية (تتدبر، تتفكر، تعقل، تفقه، تدري، تعي، تتذكر) كل كلمة تعني أداة مخالفة لباقي الأدوات في حسن قراءتك وتلاوتك ودراستك ومعرفتك وتعلمك.

فضل العلم في الكتاب والسنة: قال r :” إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال مجالس العلم” فإذا كان هناك مجلس علم فالكل فيه مغفور له حتى ينصرفوا حتى لو أن أحداً مرّ بهم وليس منهم لكنه جلس معهم يغفر الله تعالى له ذنوبه من أجلهم مهما كان نوع الدرس ما دام ينفع الناس. إذا خطب الامام ودخلت المسجد لا ترفع صوتك إلا إذا كنت تُدرّس العلم فيمكنك عندها ان ترفع صوتك. طلب العلم ونتائجه وأدواته واسبابه هي العملية التعليمية في الدنيا والآخرة ولهذا نسبهم الله تعالى اليه (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ).

بثت الحلقة بتاريخ 25/11/2005م