سحر البيان في القرآن
د. محمود شمس
حلقة 8/6/2012م
بلاغة الكلمة في القرآن الكريم
هانحن نلتقي مع بلاغة الكلمة في القرآن الكريم. الله تبارك وتعالى عندما يستعمل كلمة في موضع فإنه يستعملها للدلالة على معنى أراده وإذا أردت أن تأتي بمرادف لتلك الكلمة لا تؤدي المعنى الذي أراده الله تبارك وتعالى. سأضرب لذلك بعض النماذج فقط:
قي قول الله تبارك وتعالى (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴿١٤﴾ سبأ) في تلك الآية يبين الله تبارك وتعالى أن الجن لا يعلمون الغيب وضرب لذلك مثلاً عملياً واقعياً. المثل العملي الواقعي أن نبي الله سليمان الله تبارك وتعالى قد سخّر له الجن (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ﴿١٣﴾ سبأ) أراد الله أن يؤكد أن الجن لا يعلمون الغيب فأنهى الله تبارك وتعالى أَجَلَ نبيه سليمان وهو واقف متكئ على عصا تلك العصا سمّاها الله (منسأته) وما علموا أنه قد مات إلا بعد أن أكلت دابة الأرض تلك المنسأة فخرّ واقعاً فعلموا جينئذ أنه قد مات، قال الله تبارك وتعالى (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ). لكن وقفتي مع كلمة (منسأة) لماذا سمى الله العصا هاهنا منسأة بينما سماها في قصة موسى (عصا) (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴿١٧﴾ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى ﴿١٨﴾ طه)؟ فلماذا سمّاها الله هاهنا منسأة؟ هل لمجرد التنوع كما قد يزعم البعض أحياناً؟ أن القضية قضية تنوّع؟! كلا. كلمة منسأة اسم للعصا بلُغة الحبشة، لماذا استعملها في هذا الموضع؟ أصل منساة من نسأ ومعنى نسأ أخّر فالمنسأة تعطي معنى التأخير. فالله تبارك وتعالى عندما أراد أن يشير إلى أن تلك المنسأة أي تلك العصا كانت سبباً في تأخير علم الجن بانتهاء أجل نبي الله سليمان، أتى بكلمة “منسأة” لأن المنسأة اسم للعصا بلُغة الحبشة وهي العصا التي يؤخَّر بها الشيء. إذا كانت العصا مما يؤخَّر بها الشيء تسمى منسأة لأن أصلها من نسأ بمعنى أخَّر. تدبر لماذا قال الله تبارك وتعالى منسأته هاهنا ولم يقل عصاه؟ بينما في قصة موسى معنى التأخير لم يكن مراداً وإنما المراد أنها عصا ستتحول إلى حية ثم كأنها جانٌّ ثم إلى ثعبان كما ذكرت في الحلقة السابقة. فلأن معنى التأخير غير مراد في قصة موسى سماها الله عصا حتى لا يختلف فيها أحد وحتى لا يقال بأنها منسأة كان فيها دلالات معينة وإنما هي عصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه. فتلك دقة في اختيار الكلمة في موضعها. لو أن القرآن الكريم من كلام البشر -وحاشا له أن يكون من كلام البشر- أما كان من الممكن أن يستعمل البشر كلمة منسأة في موضع قصة موسى وكلمة عصا في موضع قصة سليمان؟ نعم، ولذلك تلك دلالة.
عندما يرغِّب الله العبد في فعل الطاعة وفي فعل الحسنة يقول تبارك وتعالى (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) الشورى) يقترف الاقتراف أصله نزع القشرة عن الجُرْح. لو أن في يدي جرحاً ثم أتت قشرة وأردت أن أنزع تلك القشرة فإن هذا يسمى اقتراف” فيه ألم تألم لأن القشرة وأنا أنزعها تؤلمني لماذا أتحمل الألم؟ لأني أرغب في إيجاد جلدة أخرى سليمة صحيحة فمن أجل ما أنتظر من جلدة أخرى فإني أتحمل الألم الآن. ولذلك كلمة اقتراف في القرآن الكريم إذا أطلقت ولم تقيّد يعني قال الله “مقترفون” أو “يقترفوا” يكون المراد بها السيئة لأن النفس ترغب في بذل الجهد في سبيل السيئة أما في سبيل الحسنة إلا من رحم ربك هو الذي يرغب في بذل الجهد. الله تبارك وتعالى يقول (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) قيّدها بالحسنة حتى يُعلم المراد بأن المراد هاهنا من يُتعب نفسه في سبيل حسنة، من يجاهد نفسه في سبيل فعل حسنة. أتى الله بجواب شرطٍ على غير فهم البشر، فهم البشر أن جواب الشرط يكون جزاءاً لفعل الشرط بمعنى ومن يقترف حسنة ندخله الجنة، ومن يقترف حسنة نكفّر عنه سيئاته، أبداً، الله تبارك وتعالى يقول لك (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا) نزد له يها جمالاً، نجعلك من أهلها بمعنى أنك لو لم تكن من أهل صلاة الفجر وجاهدت نفسك وبذلت الجهد وصليت بفضل الله جعلك الله من أهل الفجر دائماً. إذا كنت لست من أهل العفو عمن ظلمك وجاهدت نفسك لتكون من أهل العفو جعلك الله محباً للعفو، هذا معنى قوله تعالى (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) وتلك دقة عجيبة في كتاب الله أن كل كلمة في موضعها للدلالة على المعنى الذي أراده الله تبارك وتعالى.
قي قول الله تبارك وتعالى (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴿١٤﴾ سبأ) في تلك الآية يبين الله تبارك وتعالى أن الجن لا يعلمون الغيب وضرب لذلك مثلاً عملياً واقعياً. المثل العملي الواقعي أن نبي الله سليمان الله تبارك وتعالى قد سخّر له الجن (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ﴿١٣﴾ سبأ) أراد الله أن يؤكد أن الجن لا يعلمون الغيب فأنهى الله تبارك وتعالى أَجَلَ نبيه سليمان وهو واقف متكئ على عصا تلك العصا سمّاها الله (منسأته) وما علموا أنه قد مات إلا بعد أن أكلت دابة الأرض تلك المنسأة فخرّ واقعاً فعلموا جينئذ أنه قد مات، قال الله تبارك وتعالى (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ). لكن وقفتي مع كلمة (منسأة) لماذا سمى الله العصا هاهنا منسأة بينما سماها في قصة موسى (عصا) (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴿١٧﴾ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى ﴿١٨﴾ طه)؟ فلماذا سمّاها الله هاهنا منسأة؟ هل لمجرد التنوع كما قد يزعم البعض أحياناً؟ أن القضية قضية تنوّع؟! كلا. كلمة منسأة اسم للعصا بلُغة الحبشة، لماذا استعملها في هذا الموضع؟ أصل منساة من نسأ ومعنى نسأ أخّر فالمنسأة تعطي معنى التأخير. فالله تبارك وتعالى عندما أراد أن يشير إلى أن تلك المنسأة أي تلك العصا كانت سبباً في تأخير علم الجن بانتهاء أجل نبي الله سليمان، أتى بكلمة “منسأة” لأن المنسأة اسم للعصا بلُغة الحبشة وهي العصا التي يؤخَّر بها الشيء. إذا كانت العصا مما يؤخَّر بها الشيء تسمى منسأة لأن أصلها من نسأ بمعنى أخَّر. تدبر لماذا قال الله تبارك وتعالى منسأته هاهنا ولم يقل عصاه؟ بينما في قصة موسى معنى التأخير لم يكن مراداً وإنما المراد أنها عصا ستتحول إلى حية ثم كأنها جانٌّ ثم إلى ثعبان كما ذكرت في الحلقة السابقة. فلأن معنى التأخير غير مراد في قصة موسى سماها الله عصا حتى لا يختلف فيها أحد وحتى لا يقال بأنها منسأة كان فيها دلالات معينة وإنما هي عصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه. فتلك دقة في اختيار الكلمة في موضعها. لو أن القرآن الكريم من كلام البشر -وحاشا له أن يكون من كلام البشر- أما كان من الممكن أن يستعمل البشر كلمة منسأة في موضع قصة موسى وكلمة عصا في موضع قصة سليمان؟ نعم، ولذلك تلك دلالة.
عندما يرغِّب الله العبد في فعل الطاعة وفي فعل الحسنة يقول تبارك وتعالى (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) الشورى) يقترف الاقتراف أصله نزع القشرة عن الجُرْح. لو أن في يدي جرحاً ثم أتت قشرة وأردت أن أنزع تلك القشرة فإن هذا يسمى اقتراف” فيه ألم تألم لأن القشرة وأنا أنزعها تؤلمني لماذا أتحمل الألم؟ لأني أرغب في إيجاد جلدة أخرى سليمة صحيحة فمن أجل ما أنتظر من جلدة أخرى فإني أتحمل الألم الآن. ولذلك كلمة اقتراف في القرآن الكريم إذا أطلقت ولم تقيّد يعني قال الله “مقترفون” أو “يقترفوا” يكون المراد بها السيئة لأن النفس ترغب في بذل الجهد في سبيل السيئة أما في سبيل الحسنة إلا من رحم ربك هو الذي يرغب في بذل الجهد. الله تبارك وتعالى يقول (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) قيّدها بالحسنة حتى يُعلم المراد بأن المراد هاهنا من يُتعب نفسه في سبيل حسنة، من يجاهد نفسه في سبيل فعل حسنة. أتى الله بجواب شرطٍ على غير فهم البشر، فهم البشر أن جواب الشرط يكون جزاءاً لفعل الشرط بمعنى ومن يقترف حسنة ندخله الجنة، ومن يقترف حسنة نكفّر عنه سيئاته، أبداً، الله تبارك وتعالى يقول لك (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا) نزد له يها جمالاً، نجعلك من أهلها بمعنى أنك لو لم تكن من أهل صلاة الفجر وجاهدت نفسك وبذلت الجهد وصليت بفضل الله جعلك الله من أهل الفجر دائماً. إذا كنت لست من أهل العفو عمن ظلمك وجاهدت نفسك لتكون من أهل العفو جعلك الله محباً للعفو، هذا معنى قوله تعالى (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) وتلك دقة عجيبة في كتاب الله أن كل كلمة في موضعها للدلالة على المعنى الذي أراده الله تبارك وتعالى.