سحر القرآن

سحر القرآن 7

اسلاميات

الحلقة 7:

 الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله و صحبه أجمعين

هذا البرنامج الذي يتحدث ليس على السحر الذي يعرفه الناس وبالغوا فيه بل يتحدث عن البيان في القرآن ومن هنا جاء اسم البرنامج.

 

لقد تحدثنا عن تأثر العرب بالقرآن الكريم و كنت أنوي أن أتحدث عن الغربيين الذين أسلموا مثل كاتز ستيفنز المغن المشهور الذي أسلم و غير اسمه إلى يوسف إسلام تأثراً بالقرآن وهناك الكثيرين من الذين دخلوا في الإسلام ولكني أحببت في هذه الحلقة أن أقف وأبين لكم فصاحة القرآن و دقته وإعجاز اللغة فيه.

 

إعجاز البيان في القرآن في ظني أعظم إعجاز فهو الذي تحدى به الله تعالى العرب ولم يكن التحدي بالإعجاز العلمي بل اللغة وكان التحدي أن يأتوا بسورة من مثله أو عشر آيات من مثله بل آية واحدة فقط وتخيلوا معي لو أن من أمثال عنترة بن شداد ومن معه من شعراء المعلقات العظيمة لو استطاع واحد منهم أن يأتي بواحدة من آيات القرآن فما كان هناك داعي لكل المعارك التي خاضها المسلمين من بدر وأحد لو استطاعوا ذلك لما حدثت كل هذه المعارك.أريد أن أحدثكم بقصة حدثت في زمن بعد الإسلام :

 

 كان هناك عالم لغة اسمه الأصمعي وكان الأصمعي في مجلس الخليفة الذي يجلس حوله العلماء و الأدباء يتحدثون فيه عن اللغة العربية فإذا اختلف العلماء على اللغة يقول الخليفة “قل يا أصمعي” فقد كان عالماً في اللغة ولم يكن يفسر القرآن خوفاً من أن يخطئ بل كان يستشهد بالقرآن .وفي أحد مجالسه استشهد بالآية الكريمة: “والسارقُ والسارقة فاقطعوا أيديَهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم”، هنا قال أحد الأعراب يا أصمعي كلام من هذا؟ قال الأصمعي هذا كلام الله .فقال الأعرابي الله لا يقول هذا الكلام.فأراد الناس أن يضربوه فقال الأصمعي له هل تحفظ القرآن ؟فقال الأعرابي كلا فقال الأصمعي فهذه آية من القرآن .فقال الأعرابي حاشا لله أن يقول هذا الكلام .قال الأصمعي جيئوني بالمصحف.فقرأ : “السارقُ و السارقةُ فاقطعوا أيديَهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم” فإذا بالأصمعي قد أخطأ فتعجب الناس و قالوا للأعرابي كيف عرفت أن هناك خطأ وأنت لم تحفظ القرآن فقال لهم هذا موقف عزة و حكمة وليس موقف رحمة فمن غير الممكن أن يقول الله تعالى غفور رحيم بل عزيز حكيم. فقال الأصمعي والله نحن لا نعرف لغة العرب هذا الأعرابي له معرفة أكثر منا في اللغة العربية ونحن عندما نقرأ لم ننتبه ما علاقة ختام الآيات بما جاء قبلها. فكل ختام له علاقة بالمقدمات وليس هناك كلمة أو حرف أو ختام إلا وهي في مكانها الدقيق المحكم وهذا جزء من إعجاز البيان في القران.

 

العرب كانوا قمة في الفصاحة ونحن جئنا في جيل استعمار فذهبت فصاحة اللغة من عندنا ولو عدنا إلى فصاحة العرب لعرفنا مدى فصاحة اللغة العربية وإعجازها.

 

فصاحة القرآن وإعجاز القرآن في البيان اتفق عليه الناس، فيما بعض الناس من النصارى ممن يتهجمون على القرآن وتهجمهم فيه جهل بقواعد اللغة العربية. وقد قال احدهم إذا كان محمد هو أفصح العرب فلماذا لم يكن القرآن من نظمه وانتم تشهدون بأنه أفصح العرب. قال أبو بكر رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم في أحد الأيام:

 “لم أسمع من هو أفصح منك”فقال الرسول صلى الله عليه وسلم “كيف لا وأنا من قريش ونشأت في بني سعد ” فمن يعيش في المدن يتأثرون بالأجانب ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم تربى في البادية (بني سعد) فتلقى اللغة الصافية منهم و انه من قريش وهم فصحاء. فهم يستشهدون بهذا ويقولون مادام هو بهذه الفصاحة فلمَ لم يكن القرآن من نظمه.

الفرق بين كلام الله وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم واضح فرغم كل ما اوتي الرسول من فصاحة فهناك فرق شاسع بين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وخطبه ونظم القرآن فمن يعرف اللغة العربية يعرف هذا الفرق. صحيح أن لغة الرسول صلى الله عليه وسلم معجزة بفصاحتها ولكنها اقل بكثير من فصاحة القرآن فلم يأت التحدي بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم بل بالقرآن وكان العرب يعرفون الفرق بين كلام الرسول وكلام الله عز وجل فلما سال جرير من اشعر الناس قال “أنا لولا الخنساء” وهي عاشت جزء من حياتها في الإسلام وكان الشعراء يخرجون الأخطاء بعضهم لبعض. ففي مرة أنشد حسان بن ثابت شعراً من أربعة أبيات مفتخراً بقومه في سوق عكاظ فقال:

 لنا الجفنات الغُرّ يلمعن في الضحى     وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

ولدنا بني العنقاء وابني محرق          فأكرِم بنا خالاً وأكرِم بنا

 

فأخرجت له الخنساء ثماني أخطاء بلاغية وكانت هي كافرة وحسان كان كافراً فقالت: ضعّفت افتخارك في ثماني مواضع: قال وكيف؟ قالت: قلت لنا الجفنات (أقل من عشرة) ولو قلت لنا الجفان لكان أكثر، وقلت الغُرّ (البياض في الجبهة) ولو قلت البيض لكان أكثر إتساعاً، وقلت يلمعن ولو قلت أشرقن لكان أفضل لأن الإشراق أدوم من اللمعان، وقلت بالضحى ولو قلت بالغسق لكان أبلغ بالمديح لأن الضيوف يأتون بليل وقلت أسيافنا والأسياف دون السيوف ولو قلت السيوف لكان أبلغ وقلت يقطرن ولو قلت يجرين لكان أكثر لنصباب الدم ولو قلت الدماء لكان أكثر من الدم وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك. حسان والخنساء كانا كافران وكان عندهم دقة في اللغة فهؤلاء لو كان هناك خطاء في القران أكان يخفى عليهم ؟ فقد كان العرب يخشون أن ينتقدوا القران لإعجازه حتى لا يخطئوا  فيه.كل واحد منهم حتى وان كان  كافرا يعرف إن القرآن معجز فلم يأتي على لسان أي أحد مسام كان أم كافر من انتقاد للقران وهذا يكفي من إعجاز في القران الكريم. وأين دقة العرب وبلاغة العرب من خلال نقد الخنساء لحسان؟ .

 

والآن ارجعوا وانظروا لكل ما كتب في اللغة العربية هل هناك نقد في القران؟ بل أكثر من هذا صار العرب يستدلون بفصاحتهم بالقران وأريد أن أتحدث عن معنى للرسول صلى الله عليه وسلم فكلنا نعرف أن الرسول لم يتحدث بالقران إلا بعد أن بلغ الأربعين هاتوا لي في التاريخ شخصاً لم يعرف بالبلاغة والفصاحة وفجأة يصبح من أفصح العرب فيأتي بكتاب ليس فيه أي خطأ إملائي أو أي خطأ آخر . الذين دققوا قالوا الإسلاميون ابلغ من الجاهليين لان القران جعل البلاغة عندهم أبلغ من الجاهلية ويقول ابن خلدون في احد الفصول:

 

يتحدث فيه عن حدوث الملكة وهي إن ملكة نتيجة استخدامه لشيء معين فمثلاً عالم الرياضيات يصبح له ملكة في الرياضيات ويذكر سراً آخراً هو أن كلام الإسلاميين أعلى طبقة بالبلاغة وأذوقها من كلام الجاهلية تجد هذا كلامهم ومنظومهم فتجد كلام حسان بن ثابت والذين جاءوا في زمن الآسلام أبلغ من بقية العرب وأبن كلثوم وعلقمة وكلام الجاهلية المنثور كذلك كان بليغاً جداً لكن كلام العرب في عصر الإسلام كان أبلغ والسبب في ذلك أنهم سمعوا أنقى ما في اللغة العربية وهو القرآن.فالرسول صلى الله عليه وسلم وكل البشر يعجز أن يأتي بمثل ما أتى فيه القرآن.ولكن العرب تأثروا بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم و ببلاغة القرآن فارتقت لغتهم وأصبحت أكثر ديباجة ورونقاً مما استفادوه من الكلام البليغ في القرآن.

 

أنا أذكر قصة حدثت معي ففي مرة حدثت خلافات مع جهة أعمل معها فكتبت إلى المدير مجموعة إقتراحات ومن ضمن الكلام كتبت هذه العبارة: “وأن أردت الإصلاح فما استطعت و ما توفيقي إلا بالله” فقال لي مديري يا أخ طارق هذه الجملة رائعة فقلت له ألم تعلم أن هذه الجملة من القرآن؟. فقد برزت من بين الكلام كله وهذا يدل أن للقرآن صفة خاصة.يقول سيد قطب في إحدى الرحلات التي كنا نسافر فيها أنا وأصحابي في السفينة كنا نتحدث فيما بيننا وكانت أمريكية تسمع حديثنا و كنا نستشهد بآيات قرآنية بين أحاديثنا فقالت لنا إن كلامكم جميل وإن هناك مقاطع في الحديث لها وقع خاص يقول سيد قطب فعلمت انه القرآن.

 

فانظر إلى هذا الإعجاز البياني العظيم في القرآن وسأتحدث معكم في الحلقات القادمة عن أمور أكثر في الأعجاز البياني في القرآن.

 (طبعت هذه الحلقة الأخت أم ميس جزاها الله خيراً)