في رحاب سورة
د. محمد صافي المستغانمي
قناة الشارقة – 1436 هـ
في رحاب سورة الحج – 4
تقديم الإعلامي محمد خلف
تفريغ موقع إسلاميات حصريًا
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴿٥﴾ الحج)
لماذا قال الله سبحانه وتعالى (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) وقال في آية أخرى (لكي لا يعلم بعد علم) ولماذا قال هنا (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) وفي سورة أخرى قال (ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا)؟
الآية هذه فيها كثير من الوقفات، في هذه الآية بعد أن ذكر المراحل قال (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) والأشد هو المرجوّ هو غاية بني آدم، الله سبحانه وتعالى يريدنا أن ننعم بالفتوة ثم نصل إلى مرحلة الأشد بعد البلوغ، إلى الأربعين وإلى ما بعد الأربعين، في هذه المرحلة الإنسان يعمّر الكون، يعمّر الأرض (هو الذي استعمركم فيها) بعد ذلك قال (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) هناك من يتوفاه الله قبل الأربعين أو قبل الأشدّ (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أي أن الله تعالى طيل عمره إلى ما بعد الأشدّ، إلى الهَرَم إلى أن يصيبه الفَنَد والخَرَف، الإنسان كلما كبر نقص من حجمه ونُكِّس في خلقه وهزُل في عظمه وشكله وقد يدخل إلى مرحلة الخَرَف، هنا عبّر الله عنها (أرذل العمر) ومعنى أرذل العمر يعني أخسّ العمر، إلى أضعف مرحلة من مراحل العمر. الإنسان يولد وليدًا فرضيعًا ففطيمًا ففتىً يافعًا شابًا كهلًا إلى أن يصل إلى شيخ إلى هرِم عجوز.
هنا قال (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) إلى أنكسه، إلى أخسّه، إلى أضعفه بينما في سورة غافر سورة المؤمن يقول (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) غافر) اللفظ مختلف تمامًا، هنا العلماء يذكرون أن آية سورة الحج التي نحن بصددها هي خطاب للمشركين بالدرجة الأولى وإن كانت خطابًا للناس لكن بالدرجة الأولى خصص المشركين لأنه كان يتحدث عنهم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) ولأن المؤمن الحقيقي لا يرتاب بالبعث أبدًا فقوله (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) هذه الآية هي أحق بالمشركين منها بالمؤمنين فبما أن الخطاب موجه للمشركين تمامًا قال: ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر وأخسّه، هذا هو السياق بينما في سورة غافر قال (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا) كلمة شيوخًا أي لتبلغوا مبلغًا كبيرًا والشيخ الكبير هو الرجل الذي بلغ من السن مبلغا كبيرا لكن الكلمة تحمل وقارًا أيضًا، تقول للولد أتريد أن تكون شيخًا كبيرًا؟ فيها نوع من التبجيل، في القرآن كلمة شيوخًا بمعنى الرجل الكبير والمرأة الكبيرة تسمى عجوزًا (قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا)[هود:72] لغة القرآن أرفع. كلمة شيوخ فيها كبر السن وفيها تبجيل ووقار هذا في القرآن استعملها الله في حق الأنبياء (قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا) [يوسف: 78] وصف الله تعالى بها يعقوب عليه السلام وأيضًا وصفت بها زوجة إبراهيم (أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا) وهو إبراهيم عليه السلام. ووردت في حق شعيب في قصة موسى (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)[القصص:23] ثم وردت بصيغة جمع تكسير (شيوخا). في سورة غافر يمتنّ الله على الإنسان (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا) والإنسان عندما يكبر يريد أن يتملّى بهذه المرحلة العظيمة فلم يسند إليه الخَرَف ولم يسند له الفَنَد فأعطاه هذه الصفة “الشيخوخة” فيها وقار. بينما في سياق سورة الحج قال (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) الذي لا يعلم من بعد علم شيئا ينسى كل شيء، هذه مرحلة أرذل العمر، ووردت في سورة النحل (لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) لم يقل هنا (من بعد علم) وأيضًا وصفه هنا بأرذل العمر (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) النحل)، وردت في الحج وفي النحل لأنه ربطها بقوله (لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) قال (أرذل العمر) هذا الذي لا يتمناه المسلم “اللهم إني أعوذ بك من أردّ إلى أرذل العمر” تكبر لتبلغ المائة أو التسعين ويصبح الإنسان ينسى ويخرّف بينما الشيخوخة عندما يكون صاحبها في الثمانين والتسعين والسبعين ويكون صاحبها راشدًا وكم من العلماء بلغوا هذه المكانة في كِبَر ووقار!.
وردت في سورة النحل منفصلة (لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) أما في الحج وردت متصلة (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) هذا في الرسم.
(لكيلا يعلم من بعد علم) لكيلا متصلة وردت في سورة الحج والجملة نفسها وردت في سورة النحل منفصلة (لكي لا يعلم). السياق يفسّرها، في سورة الحج قال (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) (من) هذه ابتدائية، ابتداء الغاية من جهة إلى جهة، تقول: أنا أتيت من البيت إلى المدرسة، ابتداء سيري من البيت إلى المدرسة، ابتداء الغاية فقال العلماء البلاغيون والنحويون (من) تفيد ابتداء الغاية هنا (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) ملتصقة، هنا لابتداء الغاية مباشرة، بينما في سورة النحل (لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) أي بعد فترة، لما قال (بعد) بدون (من) قد تفيد الاتصال وقد تفيد الانفصال بينما (من بعد علم) تفيد الاتصال مباشرة. لذلك قال العلماء من بين التأويلات والتوجيهات: وصل الله (كي) بـ(لا) لشدة الاتصال بين (من بعد) وهذه قضية مطّردة في القرآن نقول (من تحتها الأنهار) و(تحتها الأنهار)، (من فوقهم) (فوقهم) (من فوقهم) تدل على الملاصقة بدليل (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ)[الزمر: 16] أي أن الله يعذب الكافرين من فوقهم ومن تحتهم لكن الحميم ينزل مباشرة من فوقهم ملتصقًا برأسهم، حتى في سورة الحج (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ) لما يقول (فوق) يعني هناك مسافة، في القرآن (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ) [ق:6] هناك فاصل، (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُم صَافَّاتٍ) [الملك: 19] ما قال (من فوقهم) ولو قالها معناه أن الطير فوق رأسهم مباشرة أما فوقهم يعني هناك مسافة. الشاهد في الكلام أنه لما تضاف (من) فلشدة الالتصاق. اقرأ كل الآيات (من فوق) و(فوق) هي مطردة في القرآن، مطردة يعني متكررة ومتناسقة. لما يقول (جنات تجري من تحتها الأنهار) وفي آية (جنات تجري تحتها الأنهار) وهذه لفتة جميلة جدا ذكرها د. فاضل السامرائي حفظه الله (من تحتها الأنهار) وردت في حق المؤمنين ويدخل ضمنهم الرسل والأنبياء ولهم شرف ومكانة عظيمة لما يقول القرآن (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) يدخل معهم الرسل والأنبياء (تجري من تحتها)، ووردت مرة واحدة في سورة التوبة (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١٠٠﴾ التوبة) (من المهاجرين والأنصار) من الصحابة فقط ليس فيهم الأنبياء قال (جنات تجري تحتها الأنهار) هذه لفتة جميلة: (من تحتها) الرسل والأنبياء وجميع المؤمنين، (تحتها) الصحابة لا يلحقون بشأوِ الرسل والأنبياء وهم لهم درجة عظيمة. فالقضية مطّردة لما قال (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) ضمّ (لكيلا) في الكتابة والخط العثماني توقيفي، مرة (لكيلا) موصولة ومرة منفصلة، التاء مرة تأتي مفتوحة وتأتي مربوطة هكذا أُنزلت وهكذا أمر محمد صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يكتبوها فكتبوها ولم يكن قارئا ولا كاتبًا (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) العنكبوت) لو كان الأمر كذلك لارتاب المبطلون، (إذًا) هذه يسمونها تنوين العِوَض (إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) كأني به يقول: إذن لو كنت قارئا وكاتبًا لارتاب المبطلون. هذا كله توقيف، وعندما تقرأ (رأى) الهمزة على الألف و(رءى) الهمزة على السطر، تأويلات كثيرة والقرآن حمّال ذو وجوه وهذا يدعونا إلى مزيد من التدبر.
يقول الله سبحانه وتعالى (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً) وفي آية أخرى قال (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً)
هذه قاعدة دقيقة: إذا ما رأيت لفظين متشابهين متقاربين مهما كان نقول عنهما مترادفين أو متشابهين فثمّة حكمة، علمناها جميل، لم نعلمها نسند الأمر لصاحب الأمر.
في سورة فصلت يقول (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً) وفي آية سورة الحج قال (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) سنقف عند كلمتين أو ثلاث:
(ترى) الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم ولكل من يتأتى خطابه، أنت أيها الرائي، أيها المشاهد، أيها القارئ ترى الأرض هامدة، هامدة بمعنى ميتة جامدة لا نبت فيها، الهمود هو الانطفاء هو الخمود نقول جثة هامدة يعني ميتة، مات وانطفأ وخمد، هذا في اللغة كلام ابن فارس صاحب معجم مقاييس اللغة، الهمود هو الانطفاء والخمود. لما قال (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً) الخشوع لا يدل على الموت، يخشع قلب الإنسان تخشع عينه، ربما الخشوع يدل على الحياة، والخشوع فيه سكينة، فيه خضوع لله سبحانه وتعالى كما أن الإنسان يخشع لله (قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون) الأرض خاشعة هامدة خاضعة يأمرها فتطيع، يُنزل عليها الماء فتلبّي (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴿٦٣﴾ الحج).
لماذا قال هنا هامدة وهنا خاشعة؟ ندرس سياق سورة الحج، سياق سورة الحج من البداية إلى النهاية تكلمنا عن البعث والنشور (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) (وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى) موت وحياة. نسال سؤالًا عقليًا: في سياق يذكر الموت والحياة والبعث والساعة أيهما أنسب الهمود أم الخشوع؟ الهمود أنسب لسياق البعث والموت. نذهب إلى آية سورة فصلت قبلها بقليل قال (وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴿٣٧﴾) (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً)، السياق هنا: اسجدوا، لا تسجدوا، سياق السجود والعبادة أنسب به الخضوع والخشوع (خاشعة) دقة إلهية حكيمة في اختيار الألفاظ.
أضيف شيئًا: في سورة فصلت قال (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً) قال (من آياته) وفي آية سورة الحج قال (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً) ما ذكر (من آياته)، (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً) تتناسق مع (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى)، هذا التناسق مقصود بينما آية فصلت تتناسب مع ما قبلها (وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً) إذن نقرر أن كل متشابه لفظي اِعلم أنه يتناسق مع السورة مع السياق مع الموضوع مع فترة النزول حتى، حتى فترة النزول هذه تتناسب وما أعظم التناسب في القرآن!.
(اهتزّت وَرَبَتْ) أي أنبتت وارتفعت من الربوّ ومن الربا، من الزيادة، كل ربا يربو بمعنى ازداد، (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) والربوة الأرض المرتفعة.
(وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) هنا قال (بهيج) وفي آية أخرى قال (زوج كريم). (زوج) من كل صنف بهيج، في سورة لقمان قال (كريم) (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) [لقمان: 10] هنا في آية الحج قال (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) لو قال: وأنبتت من كل زوج لكفى هذا من اهتزاز الأرض. (بهيج) قال العلماء: اِدماج، أدمج بهجتها وحسن منظرها لأن الفعل بدأ بـ(رأى) يتناسب مع البهجة، ما الذي يبهجك؟ عندما تراه فالسياق هنا اختيار (زوج بهيج) ليس الأمر كذلك في سورة لقمان عندما قال (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴿١٠﴾). في سورة ق (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا) شدّة (وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴿٦﴾ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴿٧﴾ ق) لما جاء في سياق النظر والزينة والتزيين قال (بهيج)، في سياق آخر قال (كريم) ولا بد من أن نستذكر السياق حتى نشرح الآية.
أحيانًا يقول (من كلٍّ زوجين اثنين) وهنا قال (زوج) الزوج هو من كل صنف، من كلٍ زوجين اثنين وردت في سورة هود، (مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [هود: 40] من كلٍّ الذكر والأنثى، أي من كل جنس وهذا يسمى تنوين عِوَض. الذكر والأنثى يسمى زوجًأ ويسمى زوجين.
من الألفاظ التي وردت كثيرًا في سورة الحج (الناس) (يا أيها الناس) (ومن الناس) ولكن (ومن الناس) وردت أكثر من مرة (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ﴿٣﴾) قلنا أنها نزلت في النضر بن الحارث ومن شاكله ممن يجادل في الله بغير علم إلى أن يأتي قول الله سبحانه وتعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴿٨﴾ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴿٩﴾) ما المقصود بـ(ثَانِيَ عِطْفِهِ)؟ هذا الصنف الثاني بعض العلماء يقولون إما المراد به الصنف الأول ذاته (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ) وفعلًا هذا الذي يجادل بغير علم يتبع شيطانًا، لا يتّبع الوحي، الصنف الثاني (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ) ليس له لا علم عقلي ولا علم، والمقصود بهذه الآية بعض المفسرين الذين يفسرون بالأثر أمثال الإمام ابن كثير والإمام القرطبي يقولون هو ذاته وتنطبق على غيره فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا وحي ولا كتاب منير (ثَانِيَ عِطْفِهِ) كناية عن التكبّر، ثاني عطفه، أي يدير منكبه، يدير عِطفه والعِطف هو المِنْكَب، يُشيح بوجهه كاشحًا وجهه، مصعّرًا خدّه عن الحق وعن الهدى، ثانيَ عطفه، ماذا يريد؟ ليضل عن سبيل الله، هذا جزاؤه: له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيانة عذاب الحريق. من استشهد بأن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث ومن شاكله قال له في الدنيا خزي أذاقه الله من القتل وأيضًا أبو جهل لما قُتل في غزوة بدر وأخزاه الله خزيًا عظيمًا حتى إن ابني عفراء امتطياه وجاء عبد الله بن مسعود وحزّ رأسه نظرًا لكرهه للإسلام ونظرًا لما جنى ضدّ المسلمين. هنا (ثَانِيَ عِطْفِهِ) أي متكبرًا، وكما قلت ذات مرة لغة الجسم في القرآن واردة بكثافة، هنا (ثَانِيَ عِطْفِهِ) أي مديرًا جانبه كاشحًا بوجهه مصعّرًا خدّه (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) ثم أعطاه مصيره (لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ) هذا يستحق عذاب الحريق العذاب الذي يحيط به لأن الحريق هو نار تحيط وتشتعل وتنتشر والعياذ بالله!.
كذلك يقول الله سبحانه وتعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴿١١﴾) فما المقصود بهذه الآية؟
هذه الآية عظيمة جدًا ونسأل الله أن يعافينا ويعافي المسلمين جميعًا. حرف الشيء هو طرفه، الحافة (عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ) [التوبة:109] من يعبد الله على حرف أي من يعبده على طرف إن أصابه خير اطمأن وقال هذا دين عظيم وإن أصابه فتنة أو ابتلاء من الله أو امتحان لم يصبر وقال: ما رأيت خيرًا قط! قال علماء التفسير مثل الإمام ابن جرير الطبري والإمام القرطبي قال: كان أحدهم من الأعراب يأتون إلى المدينة ويدخلون في الإسلام فإذا نتجت خيله أو بقرته يقول: هذا دين مبارك، وإذا أصابه بلاء أو نزلت به مصيبة يقول: أصابتني آلهتي السابقة لأنني مَرَقْتُ فيعوذ والعياذ بالله يرتمي في حمأة الشرك من جديد! حتى إن الذين خاطبوا شعيبًا عليه السلام قالوا: (إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ) [هود:54] كما في سورة هود، فهذا الصنف من الناس ميؤوس منه ونسأل الله أن يعيذنا وأن يعيذ المسلم الحقيقي منه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ) لغة الجسم، انقلب على وجهه بمعنى ارتدّ فعِوَض أن يقول البيان القرآني ارتد عن دينه قال (انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ) خسر، للأسف الشديد النتيجة خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.
هل هناك فرق بين خَسِر وخسران؟
فرق بين خَسِر والخُسران وهناك خُسْر (وَالْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾) وورد (تخسير). كل زيادة في المبنى زيادة في المعنى هذه قاعدة مطردة وتفهم حسب السياق. لما قال الله تبارك وتعالى (وَالْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾) (خُسر) المصدر الحقيقي لخسر خسرًا، مثل ضرب ضربا، خُسر المصدر الحقيقي وإذا زاد الخسران يسميه القرآن “خَسار” (وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا) [فاطر:39] لما يقول يزيد يقول خسارا، فكل زيادة في المبنى زيادة في المعنى مثل تبارا، وارتبطت في القرآن (وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا) لما يذكر يزيد يزيد الألف في سورة نوح (قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا ﴿٢١﴾ نوح). بينما أيضًا كلمة (تخسير) فيها زيادة التاء والياء (فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَتَخْسِيرٍ)[هود:63] في سورة هود لما قال تزيدونني قال تخسير وليس خُسر. وفي سورة الحج ذكر الخسران (الخسران المبين) هذه أشد، زيادة الألف والنون شيء عظيم.
قال (هو) (ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) ولم يقل ذلك الخسران المبين. (هو) ضمير الفصل يؤكد المعنى تأكيدًا، هل ثمة أكثر خسارة وخسرانًا من إنسان يخسر الدنيا والآخرة؟!. لما تقرأ في القرآن وفي اللغة العربية يؤتى بضمير الفصل للتأكيد وللدلالة على أن الجملة الإسمية هي الخبر (ذلك هو الخسران: هو مبتدأ، الخسران خبر والجملة الإسمية خبر لـ(ذلك) و(ذلك) اسم إشارة في محل رفع مبتدأ) ضمير الفصل يؤكد (ذلك هو الفوز المبين) إذا كان السياق يقتضي مزيدا من التأكيد يقول هو الخسران وإذا لم يقتضي السياق يقول (ذلك الفوز المبين) ضمير الفصل يؤكد.
(قل هو الله أحد) هذا ضمير الشأن وهو أيضًا يؤكد، لو قال قل الله أحد جملة صحيحة ولكن قال هو الله أحد هذا ضمير الشأن وهو أيضًا يؤكّد.
(ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ) تكررت (ذلك هو)
(يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴿١٢﴾ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ﴿١٣﴾) لماذا هنا قدم الضرّ على النفع وهل يقال ضَرّ أو ضُر؟
في اللغة وفي القرآن الضَرّ بالفتح هو مُجمل الضرر، الضَرّ والضَرر بالفتح هو الضُر العام هو الضُر العام في المال وفي الأهل أما الضُر بالضم فهو في الجسد في الاستعمال القرآني لما دعا سيدنا أيوب في سورة الأنبياء قال (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿٨٣﴾) الضُر في الجسم هزالا كان أم ضعفا أم مرضا أما الضَر بالفتح فهي عامة (ولا ضرر ولا ضرار) في كل شيء ومن بينها الجسد.
يدعو هذا الكافر المشرك الذي ارتد من جديد عوض أن يتذوق حلاوة الإيمان والتوحيد انتكس ورجع الى حمأة الشرك يدعو من دون الله ما لا يضره ولا ينفعه لأن الإله يُعبد، لو كانت لديهم مسكة أو أثارة من علم وعقل ومنطق سديد الإله يُعبَد لأنه ترجو النفع منه وتخشى الإضرار منه ولكن دفع الضرر مقدّم: إن لم تنفعني فلا تضرني والقاعدة الفقهية درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، هو يدعو إلها لا يستطيع أن يضره فمن باب أولى لا ينفعه، هو لا يضر ولا ينفع. ثم قال (لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) قبل قليل نفى نفعه وضره وفعلا عبادة الأصنام تضر ويدخل صاحبها جهنم، علق الله تعالى عليهم بطريقة حكيمة ليس هناك أكثر من هذا ضرر!. عندما يعبد الصنم في الحقيقة يضر الشخص بنفسه. يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد للتأكيد، يدعو لمن ضره أقرب من نفعه، كيف يضره؟ لما يقف هذا الشخص عابد الصنم أمام الصنم يدعوه أعطني الولد ولا يعطيه وفي النهاية يدخله جهنم هذا أضر به، ضرره أكثر من نفعه الصفة التي تنطبق عليه (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) بئس ما يدعون من مولى وبئس العشير الذي يعاشرونه.
في سورة الحج قال عن معبوديهم (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) وفي آخر آية من سورة الحج يقول في حق الله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) وهناك (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) مقابلة رائعة تجعلك تقرأ لوحة فنية مقصودة لكي يحذف وينزع هذا الشرك وعبادة الأصنام الخاطئة المضلة التي تورد أصحابها جهنم والعياذ بالله ثم عوّضنا بدين التوحيد (فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ).
(يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) اللام في (لمن) مؤكدة، اللام لما تدخل تؤكد أكثر، (إن لنا للهدى) هنا لام مزحلقة تزحلق من مكان إنّ وهنا (لَمَنْ ضَرُّهُ) لام الابتدائية تؤكد الكلام فهي للتوكيد كأن البيان القرآني يقول ضرره مؤكد فعِوض أن يزيد كلمة مؤكد جاء باللام. (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) أما مع الله تعالى ما احتاج اللام (فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)
كل القرآن عجيب ونحن نحتاج إلى أداة فهم القرآن وهي اللغة نحن في مدارسنا وجامعاتنا بحاجة أن نركز للطلاب علوم النحو علوم البلاغة علوم الصرف هي الأدوات الجسر ليست صعبة وإنما نحتاج إلى طرائق توصيل صحيحة نحن نريد أولادنا أن يقرأوا وأن يفقهوا.
(إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (إن الله يفعل ما يشاء) ما الفرق بين المشيئة والإرادة؟
المشيئة والإرادة هذا بحث عقائدي كبير، من حيث التقارب الجملتان متقاربتان لكن الإرادة قال العلماء: الإرادة نوعان: إرادة مُلزِمة وإرادة غير مُلزِمة لما نقرأ (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴿٨٢﴾ يس) هذه إرادة ملزِمة، عيسى كن فيكون، هذه إرادة ملزمة. نقرأ قوله تعالى الله يريدنا أن نعبده، ثمة كفار لا يعبدونه، هذه إرادة غير ملزِمة (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) النساء) (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ)[النساء:28] وبعضهم للأسف الشديد يشددون، يبسط أمامك المنهاج وأنت تختار، يريد الله أن يهديكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما. إذا كانت الإرادة ملزمة لا مجال للتفكير ولا للمجادلة إن الله يفعل ما يريد، لكن (إن الله يفعل ما يشاء) المشيئة ملزِمة لا ينفك من المشيئة أحد، أما فعل الإرادة إذا كانت الإرادة ملزمة كما ذكرنا يريد الله لعباده أن يكونوا مؤمنين كلهم ولكن بعضهم اختار الكفر والنفاق هذه إرادة غير ملزمة لذلك علّق مرة (إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) و(إن الله يفعل ما يشاء) وما يشاؤه يكون جلّ جلاله
إذا لم ترضى بقضائي فاخرج من تحت سمائي واتخذ ربا سوائي كما ورد في الحديث القدسي.
المشيئة ملزمة والإرادة منها ملزمة وإما غير ملزمة، ومن أراد التفصيل فليذهب إلى كتب العقائد ففيها تفصيل.
(مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴿١٥﴾) هذه صورة لوحة فنية قرآنية رائعة بالألفاظ! تصور لنا أن هذا الإنسان الحاقد على دين التوحيد وعلى دين الإسلام وعلى القرآن المنزل على خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم يغتاظون من رؤية محمد (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ)[آل عمران: 119] من يهود ومشركين وغيرهم، من كان يظن أن لن ينصره الله أي محمد صلى الله عليه وسلم من كان يظن وما زال مستمرًا في ظنه (فعل مضارع يفيد التجدد والاستمرار) من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا وأن لن ينصر دينه ولن يوفقه في هذه الدعوة. (أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ) استعمال هذه الصيغة نفى النصرة، في القرآن ثمة مراعاة للألفاظ المستعملة الله تعالى جلّ جلاله في حق نبيه ولا لفظ نزل في القرآن يخدش قلب محمد صلى الله عليه وسلم لو قال من كان يظن أن سيخذله الله لا تستقيم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل فعل الخذلان مع الضمير الذي يعود على رسول الله لا يتناسب مع النبي صلى الله عليه وسلم (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴿٣﴾ الضحى) حتى لا يرتبط كاف النبوة مع فعل القلى وهو الجفاء، لفظ النبوة مع فعل الجفاء يسميه البعض احتراز أو احتراس (عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) التوبة) لو نزل القرآن مباشرة (لمَ أذنت لهم) يفهم منها عتاب شديد لكن الله عز قبل العتاب ليّنّ العتاب (عفا الله عنك) في حق الرسول وحتى بعض الباحثين جمع مثل هذه الآيات.
هنا (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ) الهاء تعود على محمد صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يسبق ذكره لكنه معلوم من السياق لأن الحديث عن القرآن والرسالة والرسول، وكل ما عُلم لا يذكره القرآن (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴿١﴾ القدر) وفي سورة الحج (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴿٧٥﴾ الحج) أصلها ومن الناس رسلًا، عُلِم فحُذِف.