في رحاب سورة

في رحاب سورة الشعراء – 1 – د. محمد صافي المستغانمي

في رحاب سورة – د. محمد صافي المستغانمي

قناة الشارقة – 1437 هـ – تقديم الإعلامي محمد خلف

في رحاب سورة الشعراء – 1

تفريغ سمر الأرناؤوط – موقع إسلاميات حصريًا

إجابة عن بعض أسئلة المشاهدين

سؤال من الأخ علي المرزوقي: هل هناك علاقة بين السامري الذي ورد في سورة طه وما بين المسيح الدجال؟

د. المستغانمي: هذه قضية تحتاج إلى تأكيد تاريخي وقد رجعت إلى مصادر في التفسير ولا يوجد علاقة بين السامري وبين المسيح الدجال، يذكرون في الشبكة العنكبوتية كثير من الأشياء غير مسندة وغير دقيقة والرأي الذي ارتحت إليه بعد بحث أنه لا يوجد علاقة بينهما وكما قال علماؤنا لا طائل من وراء هذا السؤال الذي لا نستفيد منه علمًا. ذكرنا في سورة طه قصة السامري، ثمة أحاديث صحيحة ولذلك ندبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصح الأمة بأن تقرأ سورة الكهف العشر الأوائل منها والعشر الأواخر منها. ورد المسيح الدجال في السُنة وورد في القرآن ذكر يأجوج ومأجوح وخروج الدابة ذكرت في القرآن وجاءت السنّة لتفسرها أيضًا.

المقدم: نؤكد على موضوع وهو أخذ العلم من العلماء المشهود لهم بالعلم لأن هناك اجتهادات كثيرة التي تجتهد وخاصة في مسائل آخر الزمان فعلى سبيل المثال هناك من يتحدث عن آخر الزمان على الشبكة العنكبوتية ولكننا يجب أن لا نقتنع بكل ما يقال خاصة إذا صدر من أناس لا يشهد لهم بالعلم في كتاب الله أو العلم الشرعي ومن ضمن ما قيل أن يأجوج ومأجوج ليست كائنات بشرية وإنما عبارة عن جراثيم وبكتيريا تظهر في آخر الزمان!!

د. المستغانمي: هذه تأويلات أصحاب المنهج العقلي وبالتالي ليس كل إنسان يؤخذ منه العلم الشرعي وننصح المشاهدين أن يأخذوا من المصادر العلمية الموثوقة مثلا لو قلت أني وجدت هذه المعلومة في كتاب الإمام الزركشي في البرهان لعلوم القرآن يكون له رصيد لأن هؤلاء علماء بحثوا وأتقنوا المادة العلمية التي قدموها في كتبهم وفي التفاسير الكبرى التي أسند أصحابها والتي حقق العلماء المتأخرون حققوا الأحاديث لذلك ليس كل واحد يؤخذ منه خصوصًا في الأشياء الغيبية.

سؤال من الأخت خولة العمري:  في سورة النمل الآية 40 (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) أما في سورة لقمان فيقول (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) ما دلالة الاختلاف ما بين الآيتين؟

د. المستغانمي: سؤال وجيه في المتشابه اللفظي. في سورة النمل قوله تعالى (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) هذا من قول سليمان عندما طلب أن يُحضر له عرش بلقيس، الآية (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴿٤٠﴾) سليمان كان شكورًا لم يعتد بقوته أو بعلمه فقال (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) شكره يعود له (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ) عن شكر الشاكرين (كَرِيمٌ) يفتح المجال للتوبة والعودة والإنابة لله سبحانه وتعالى. بينما آية سورة لقمان فهي جاءت في وصية لقمان لابنه (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿١٢﴾) لعل السؤال لماذا أتى فعل الشكر بالمضارع وأتى فعل الكفر بالماضي؟ علماء التفسير تطرقوا لمثل هذا السؤال لأن الشكر يتجدد ويتكرر أنت لا تشكر مرة وتسكت بل الشكر يتكرر في كل لحظة فيناسبه الفعل المضارع الذي يفيد الديمومة، ومن يشكر فإنما يشكر مكررا لنفسه، كل يوم الله تعالى ينعم علينا بالنعم إذا ما قمت من فراشك قلت: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا عليك أن تشكر والصلاة شكر والقرآن شكر والحمد لله الذي بلّغنا رمضان وعيد الفطر هذا شكر فالشكر متكرر والفعل المضارع أنسب (ومن كفر) أما الكفر فأتى بالفعل الماضي لأنه يكفر مرة واحدة لن يكفر يوما بعد يوم فأتى بالفعل الماضي لإفادة تصوير كفره. مع ذلك اختلف التذييلان: (فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) غني عن شكره ليس بحاجة إلى عبادته حميد هو محمود في ذاته جلّ جلاله سواء حمده ذلك الإنسان أم لم يحمده، شكره أم لم يشكره، هذا في سورة لقمان وهذا يتناسب مع آية كريمة في سورة لقمان (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿٢٦﴾) في ذات السورة من باب التجاذب، ورد الغني الحميد، الإسمان الكريمان وردا متتالين في سورة لقمان. بينما في سورة النمل كان التذييل (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) لم يقل (فإن الله) وإنما قال (فإن ربي) لأن سليمان قبلها قال (ه هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) في النهاية قال (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) لم يقل فإن الله للتناسق في التعبير. ثم قال (غني كريم) غني عن شكرك ولكن كريم يعطيك الفرصة، ولا يمنع أيضًا التجاذب اللفظي عندما ألقي إلى بلقيس كتاب سليمان قالت (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴿٢٩﴾) دائمًا القرآن يراعي المعنى ويراعي اللفظ في ذات السورة.

سؤال من الأخت أمل هيرات: في سورة العنكبوت ما سبب ورود الآية (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٨﴾) بين آيتين (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٧﴾) و (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ﴿٩﴾) هل الجواب أن الإنسان قد تنقلب عليه طاعة والديه إلى فتنة يقع فيها عندما يشركهم بالله وبذلك تكون هذه الآية كالآيات الأولى التي تتحدث عن ابتلاء الإنسان بالفتن أم أن سبب ورودها تمهيدا لضرب مثل بيت العنكبوت الواهن الضعيف؟ أم لا هذا ولا ذاك؟

د. المستغانمي: هذه وجهة نظر منها لكن الآية (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) هذه الآية كما يقول علماء التفسير نزلت عندما ابتلي سعد بن أبي وقاص بأمه التي كانت مشركة ولما سمعت به أنه أسلم قالت له صبأت وكان بارا بها فأوقعته في فتنة معينة، إنسان أسلم وهو شاب وأمه رفضت أن تستظل ثلاثة أيام ولم تطعم ولم تشرب حتى يرجع عن دينه فجاء واشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوصاه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يداريها وأن يحسن معاملتها ولكن الشرع واضح لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق خصوصا في مسألة التوحيد هي أمرته أن يكفر ويعود ولا مجال أن يكفر فعليه أن يحسن البر بها فنزل قول الله تعالى (وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) لا طاعة لمخلوق في معصية الله أما في أشياء أخرى فتداريه وتحسن معاملته. السائلة سألت عن ورود الآية بين آيتين تتحدثان عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات بين قوله تعالى (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٧﴾) ثم (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٨﴾) ثم (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ﴿٩﴾) السائلة أتت برأي أراه بعيدًا والرأي الصواب الذي ذكره علماء التفسير أن الآية جاءت بين آيتين تتحدثنا عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وجزائهم فهي وعد من الله كل من آمن وعمل صالحًا أن الله سيجزيه أحسن الجزاء ولما جاءت (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) قد يشعر أحدهم عندما يكون بينه وبين أحد والديه جفوة لأنه رفض أن يدخل في الإسلام قال له ما عليك من أمر أمك أو أبيك إذا أمراك بالكفر بالعكس أحسن معامتلهما ملاطفتهما لكن لا تعد إلى الكفر ثم قال (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ﴿٩﴾) أنت إن عدمت أن تكون مع عائلتك فسوف تكون في رحاب الصالحين. فالآية جاءت بين الآيتين للبشرى وتثبيت للمؤمنين.

سؤال من الأخت أمل هيرات: لغويا ونحويا الآية 40 من سورة العنكبوت لماذا ورد فيها صيغة الجمع والإفراد (ف فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿٤٠﴾) لماذا  لما يقل: منهم من أرسلنا عليهم، أخذتهم الصيحة لأن العقوبة نزلت عليهم جماعات.

د. المستغانمي: وجهة النظر التي طرحتها نحويا صحيحة (من) اسم موصول هو مبهم يقع على العاقل، من الناحية اللفظية يتبعه الإفراد ومن ناحية المعنى ينطبق على الجمع أيضًا والقرآن ورد بهذا وذاك. (منهم) بالجمع (أخذته) بالإفراد وهذا ديدن القرآن (من) تأتي بالإفراد وبالجمع، في القرآن (ومنهم من يستمع إليك) وفي آية أخرى (ومنهم من يستمعون إليك) (من) ينطبق معها الجمع إذا ذهبنا للمعنى وينطبق معها الإفراد، اسم موصول بعدها يمكن أن يكون بالإفراد ويمكن أن يكون بالجمع لما روعي المعنى جاءت(يستمعون) ولما روعي اللفظ جاء بعدها الإفراد (يستمع). بل الأغلب في القرآن: (منهم من يقول) وليس من يقولون، (منهم من كلّم الله)، لغويا هذا صحيح (ومنهم من يلمزك في الصدقات) ولو في غير القرآن يمكن أن تكون منهم من يلمزونك (من) تنطبق على الإفراد والجمع ويستعملها القرآن حسب السياق وحسب المعنى. إذا قدّم الفعل على الفاعل يأتي الفعل مفردًا وإذا قدّم الفاعل أو المبتدأ يأتي مطابقا له. (من يستمع إليك)، (من يستمعون إليك) كلاهما صحيح (ومنهم من ينظر إليك) (ومنهم من عاهد الله) في غير القرآن ومنهم من عاهدوا الله صحيحة لأن (من) تحتمل الإفراد والجمع. (وأسروا النجوى الذين ظلموا) هذه لغة: أكلوني البراغيث.

سؤال من الأخ سالم أحمد: شرح الدكتور آية وسبب نزولها وكان حول عدم سماح زيارة الآخرين ثلاث مرات في اليوم، السؤال: أليس القرآن مكتوبا في اللوح المحفوظ؟ أليس القرآن عربي مبين في لوح محفوظ؟ كيف إذن يستقيم الأمر نزول آيات لأسباب تحصل في الحياة اليومية للعرب؟!

د. المستغانمي: أوجّه الأخ الكريم هو ربما التبس عليه وقد يلتبس على بعض الناس كيف أن القرآن في اللوح المحفوظ كما هو عند الله وأنزله الله سبحانه وتعالى إلى بيت العزة جملة واحدة ثم في الوقت ذاته ثمّة أحداث وقعت في السيرة النبوية وجاءت آيات إجابات عنها. القرآن الكريم أنزله الله سبحانه وتعالى من اللوح المحفوظ عن طريق أمين الوحي جبريل إلى بيت العزة في السماء الدنيا وهذا كلام يقول أهل السنة والجماعة وذكره الإمام الطبري وذكره الإمام الزركشي في البرهان في علوم القرآن، القرآن عند الله حتى قبل أن تقع الأحداث، فلماذا اختار السائل الكريم آية (ثلاث عورات لكم)؟ العناية الإلهية خصصت هذا الكلام العظيم لآخر أمة، آخر كلمة التقت فيها السماء بالأرض هو القرآن. لماذا لم يرد السؤال عند وقوع حادثة الإفك والرسول صلى الله عليه وسلم انتظر شهرا كاملا، القرآن موجود لكنه يتنزل بالتنجيم حسب الأحداث يعالج الوقائع. في سورة الفرقان لما قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴿٣٢﴾) هذا تفسير قوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) (إنا أنزلناه في ليلة القدر) أُنزل إلى السماء الدنيا ثم نجّمه الله عن طريق أمين الوحي بحسب الأحداث.

المقدم: الله سبحانه وتعالى كتب الأعمال لبني آدم كلها وهي محفوظة ولكن هناك أسباب ومسببات شخص عمل حادثا، مكتوب أنه سوف يعمل حادث الله يعلم ذلك لكن ما أوقعه في هذا الأمر ربما خطأ أو سرعة زائدة وهذا لا يعني بأنه غير مقدّر له، رفعت اقلام وجفّت الصحف لكن لا يرد القضاء إلا الدعاء كما قال صلى الله عليه وسلم.

————-فاصل———–

سورة الشعراء

المقدم: حديثنا عن سورة الشعراء لنكتشف شيئا من أسرارها كما اكتشفنا شيئا من أسرار السور التي قبلها. بداية نبدأ الحديث عن علاقة السورة بما قبلها سورة الفرقان وبما بعدها سورة النمل ونتحدث عن المحور العام لهذه السورة وعن الخصائص اللفظية لهذه السورة ومقدمة عن هذه السورة.

د. المستغانمي: سورة الشعراء سورة عظيمة كبقية القرآن الكريم وهي تقع في 216 آية في العد المكي والمدني آياتها قصيرة عبارة عن حزب كامل، سورة الشعرا ءمن حيث تعداد النزول هي 47 نزلت تعالج قضايا معينة تسلية وتثبيتًا لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم طابعها هو طابع القرآن المكي وقالبه وهي سورة تقع بين الفرقان وبين النمل. في نهاية سورة الفرقان (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ﴿٧٧﴾) ما هو الذي سوف يكون لزامًا؟ العذاب، (فقد كذبتم) والخطاب للمشركين فسوف يلزمكم العذاب سوف يكون العذاب لزاما فجاءت سورة الشعراء (طسم ﴿١﴾ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴿٣﴾ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴿٤﴾) هذا تهديد شديد اللهجة (إن نشأ) الله جلّ جلاله يقول إن نشأ بنون العظمة (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴿٤﴾) يعني لو شاء لأكرههم ولألجأهم ولقصرهم إلى الإيمان والإسلام. وقبل ذلك خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا لا تهلك نفس إن لم يستجيبوا للدعوة ما عليك إلا البلاغ. (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) ثمة تناسق بين نهاية الفرقان وبداية الشعراء.

ثانيا (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ﴿٧٧﴾) وفي سورة الشعراء بعدها قال (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴿٤﴾ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ﴿٥﴾ فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٦﴾) هناك يقول (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) بالخطاب وهنا (فَقَدْ كَذَّبُوا) بالغيبة، في نهاية الفرقان قال (فَسَوْفَ) حرف تسويف للبعيد وفي الشعراء (فَسَيَأْتِيهِمْ) السين حرف تسويف للقريب وبالتالي ذكر لهم من الأقوام الذين كفروا وكذبوا أنبياء الله وحاق بهم العذاب فسيصيبهم ويحيق بهم ما حلّ بالسابقين. هذا ما يخص علاقتها بسورة الفرقان.

في نهاية سورة الشعراء ثمة حديث عن القرآن الكريم (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٩٢﴾) (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ﴿٢١٠﴾) بداية سورة النمل أيضًا عن القرآن الكريم (طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ ﴿١﴾)

بدايات السورتين تتحدث عن الكتاب المبين، سورة الشعراء (طسم ﴿١﴾ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾) تتحدث عن القرآن الكريم (تلك) اسم إشارة لبعد المنزلة عند الله لا لبعد المسافة، لبعد المنزل والسمو عند الله تعالى، في النمل (طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ ﴿١﴾) وسورة القصص (طسم ﴿١﴾ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾) كلها تبدأ بالقرآن وتنتهي بالقرآن الكريم، نهاية سورة الشعراء (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٩٢﴾ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴿١٩٤﴾ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴿١٩٥﴾) وفي نهاية سورة النمل (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴿٩٢﴾) وسورة القصص تبدأ (طسم ﴿١﴾ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾) وفي آخر آية في سورة القصص (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿٨٥﴾) من أواخر الآيات. فالسور أسرة واحدة بينها علاقات تتناول ذات المواضيع وسنفصل فيها إن شاء الله.

المقدم: سورة الشعراء علاقتها واضحة بالقرآن في سورة الفرقان وبالقرآن في سورة النمل. هل تربطها مواضيع أخرى بسورة الفرقان؟

د. المستغانمي: فيها إنذار شديد اللهجة سورة الفرقان بنيت على الإنذار وذكرت الفرقان أن الله أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم نذيرا (نذيرا) ذكرت أربع مرات وسورة الشعراء فيها الإنذار في أجلى معانيه وصوره حيث تحدث الله عز وجلّ عن الأقوام الذين كذبوا المرسلين، خمس أنبياء ورسل كبار بدأ الحديث عن أقوامهم بقوله (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ﴿١٠٥﴾) (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ﴿١٢٣﴾) القصة تبدأ بالتكذيب مباشرة، العدسة البيانية التقطت لحظة التكذيب وما سيؤول بعدها (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ﴿١٢٣﴾) (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ ﴿١٤١﴾) هم كذبوا رسولا واحدا ولكن من كذّب رسولا فكأنما كذبوا الرسل جميعًا، (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ﴿١٧٦﴾) ذكرت الأقوام الذين كذبوا الرسل وما حلق بهم من العذاب وقصّ الله تعالى علينا هذه القصص (لقد كان في قصصهم عبرة  ) لكم أيها المؤمنون، لكم يا أولو الألباب يا من كذّب من قريش. فسورة الشعراء إن أردنا أن نعطيها حبلًا عظيما ثم مواضيع تلتف فجاءت تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبيتا لقلبه. أذكر ملاحظة أحد السائلين أرسل يقول يا حبذا لو استبدلتم كلمتين تستخدمونها في البرنامج وهي تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم لأنها لا تليق بجنابه والأخرى (نكتة) تقولون نكتة بلاغية فيبدو أن الأخ ذهب ذهنه للطرفة. أقول كلمة تسلية وتسرية وتثبيت هذه كلمات استعملها كبار المفسرين الإمام القرطبي والرازي راجعت كتب التفسير كبار المفسرين ذكروا كلمة: نزل القرآن مواساة للنبي صلى الله عليه وسلم وتسلية لقلبه فكلمة تسلية ليست بالمعنى الدارج اليوم وإنما التسلية تؤسيه وتؤنسه وتمسح دموع الشقاء التي كان يعانيها وكلمة نكتة أي جمع نكتة وهي لطائف بيانية ولا نقصد بها النكتة المضحكة إنما هي لطائف وفوائد بيانية. فسورة الشعراء أنزلها الله تعالى تثبيتا لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول له: لست وحدك يا محمد على طريق الدعوة إن كذبك قومك فقد كذبت أقوام، إن أساؤوا إليك فقد أسيء إلى أنبياء، إن اتهموك بالشعر وبالسحر والكهنوت فقد اتهم قبلك أنبياء وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على إيمانهم (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴿٣﴾) هذه الآية وردت مرتين هنا وفي سورة الكهف (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴿٦﴾) باخع يعني مهلك نفسك لكن معناها الدقيق لعلك قاتل نفسك، البخع هو الذبح حتى يصل الذابح إلى عمق الفقار، قال الإمام الزمخشري  أي هو ذاك العرق المستبطن داخل الفِقار معناها أن الذابح يعمّق الذبح (لعلك باخع نفسك) مهلك نفسك مع العذاب وشدة الألم فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ولا تُذهب نفسك عليهم حسرات ما عليك إلا أن تبلّغ ولست عليهم بمسيطر.

المقدم: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴿٦﴾ الكهف) لعلك باخع نفسك أسفا عليهم (أسفا) مفعول لأجله.

د. المستغانمي: هنا قال (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴿٣﴾) لئلا يكونوا مؤمنين، ثمّة أداة جر محذوفة اللام (لئلا يكونوا مؤمنين) ليس الأمر كذلك يا محمد وعليك أن تدعوهم إلى الإسلام وما عليك إلا البلاغ والله يتولى هداية القلوب.

المقدم: سميت هذه السورة بسورة الشعراء فهل لها أسماء أخرى؟

د. المستغانمي: ورد عند بعض المفسرين أنها السورة الجامعة وهو ليس اسمًا توقيفيا وإنما اسم وصفي ألقاه عليها بعض المفسرين لأنها جمعت أكبر عدد من الأنبياء، تحدثت عن موسى وعن إبراهيم وعن نوح وعن صالح وعن هود وعن لوط وعن شعيب وعن محمد صلى الله عليه وسلم، لم تتحدث عن أسماء فقط وإنما أتت بقصة متكاملة. قصة موسى وردت فيها ووردت أكثر تفصيلا في سورة طه والأعراف وفي القصص وقصة موسى هي أكثر القصص دورانا. سورة الشعراء هو الاسم التوقيفي، لماذا سميت بالشعراء؟

المقدم: كنت أعتقد عندما أسألك لماذا سميت بالشعراء أنك ستقول لي لورود آخر السورة قوله تعالى (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴿٢٢٤﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴿٢٢٥﴾ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴿٢٢٦﴾ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴿٢٢٧﴾)

د. المستغانمي: هذا جزء من الرؤية، الحقيقة الشعراء (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴿٢٢٤﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴿٢٢٥﴾ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴿٢٢٦﴾ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴿٢٢٧﴾) الشعراء يقولون والأقوام الذين بسطت قصصهم يقولون (قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ﴿١١٦﴾) كما أن الشعراء كلامهم لا يطبق وكثير هو من الخيال وكذلك الأقوام السابقة المشبه بهم الذين كذبوا أنبياء الله قالوا كثيرا من الوعود وكلها لم تتحقق حتى فرعون قال (إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ﴿٥٤﴾) ولم يفعل شيئا بإذن الله وقال لموسى (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴿٢٩﴾)  ولم يستطع أن يفعل شيئا مع قدرة الله. بعض العلماء وجدوا صلة بين الشعراء العامة وبين أكثر الناس (وما أكثرهم بمؤمنين) (وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) الدليل على أن الأكثرية من الشعراء في عهد الجاهلية لم يكونوا مؤمنين (إلا الذين آمنوا)، الاستثناء دائما أقل من الكثرة هذا نحويًا. ابن فارس في كتابه الصاحبي يقول: المستثنى أقل من المستثنى منهم. فعدد الشعراء الجاهليين الذين كانوا مشركين كثير (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) عددهم قليل، الأقوام جاءت كل القصص وكانت اللازمة القرآن بعد كل قصة (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) ربك يا محمد الذي يطمئنك ويثبتك ولن يتخلى عنك. يأتي بقصة هود (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) من هنا ربط بعض المفسرين بين الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون وثمة أسرار أخرى سوف نفصله إن شاء الله في الحلقة القادمة.

المقدم: هل اتهام كفار قريش للنبي صلى الله عليه وسلم حين قالوا عنه بأنه شاعر له علاقة بتسمية السورة بالشعراء؟