في رحاب سورة

في رحاب سورة المؤمنون – 4 – د. محمد صافي المستغانمي

في رحاب سورة – د. محمد صافي المستغانمي

قناة الشارقة – 1437 هـ – تقديم الإعلامي محمد خلف

في رحاب سورة المؤمنون – 4

تفريغ سمر الأرناؤوط لمموقع إسلاميات حصريًا

إجابة على أسئلة المشاهدين:

سؤال من الأخت سمر الأرناؤوط: سؤالي في سورة الكهف التي تحدث عنها الدكتور جزاه الله خيرًا سابقًا لفت نظري أن السورة تعدد ذكر المال بألفاظ متعددة هي: (المال، الوَرِق، أجر، كنز، وخَرْج) وحذّرت من أن المال زينة الحياة الدنيا (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا). وقد عُبّر عن المال في قصة فتية الكهف (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) وفي قصة صاحب الجنتين (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) وفي قصة بناء الجدار (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) وسمّاه كنزا (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا) وفي قصة بناء السد (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) فهل من الممكن توضيح الاختلاف بين هذه الألفاظ وتناسب كل لفظ منها مع سياق الآيات التي ورد فيها؟

د. المستغانمي: من بين أيقونات السورة اللفظية المال وأنواع المال بدليل (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) والمفتاح موجود في أول آية عندما قال (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴿٧﴾) هذا هو المفتاح، معناه أنه في السورة سنجد كثيرًا من الحديث عن هذا، ووجدنا ذلك مع صاحب الجنتين الذي افتخر بجنتيه وماله. جاء ذكر المال وجاء ذكر الوَرِق بكسر الراء وهو الفضة وجاء ذكر الأجر (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) وهو العوض، الأجر الذي يأخذه الإنسان بدل ما قدمه من عمل والخرج (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) هو أيضًا مقابل يحدده صاحب العمل لمن يقدّم له شيئًا.

المقدم: والغريب أنه في لهجتنا المحلية إلى اليوم نقول: خرجية

د. المستغانمي: ربما منها وكثير من الكلمات العامية فصيحة، ولما نصل إن شاء الله في سورة المؤمنون نجد (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴿٧٢﴾ المؤمنون) الخرج هو ما يُعدّ مقابل عمل معين. الخرج غير الخراج: الخراج هوزيادة، في سورة المؤمنون قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: هل أنت تطلب منهم مالًا قليلا، صغّر الكلمة (خرجا) مال، فخراج ربك خير (خَراج: الزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى) (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، ما يعطيك الله أكثر بكثير مما يعطيك هؤلاء إن صح أنه سألهم ولكن محمدًا صلى الله عليه وسلم ما سألهم. الخرج هو المقابل، الكنز هو المال المدفون أو المال المدّخر المكنوز (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ)[التوبة:34] وفي سورة الكهف (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا) إذن ثمّة أنواع المال ذُكرت ولكن شرح كل واحدة مع سياقها سيأخذ وقتًا.

سؤال من الأخ بن علي: كنت أريد أن أسأل عن الروايات مثلًأ لما نقرأ في الجزائر برواية ورش (قد افلح المومنون) بالتسهيل أو (قد أفلح المؤمنون) برواية حفص، في سورة الفاتحة مالك وملك، هل هناك اختلاف في هذا الأمر؟

د. المستغانمي: كأنه يريد أن يقول ما جدوى هذه الاختلافات وهل ثمة خلافات كبيرة؟ نقول لا، أولًا القرآءات القرآنية هي سنة متبعة وهكذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ منه المسلمون القرآءة ورواها العلماء كابرًا عن كابر وتلقفوها بالرواية والقرآءات هي وجوه قرأ بها كبار القرّاء الذين أخذوا عن التابعين الذين أخذوا عن الصحابة رضوان الله عليهم الذين أخذوا عن النبي صلى الله عليه وسلم فهي توقيفية هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ، كلها العشر الصحيحة، نقول: سبع متواترة وعشر صحيحة، المتواترة التي رواها جمعٌ عن جمع والثلاثة بعد المتواترة هي صحيحة وثمة قرآءات شاذة يستأنس بها في التفسير ولا يقرأ بها في الصلاة وفي العبادة، فهي وجوه، مثل الإدغام، فكّ الإدغام، إطالة المدود، تحقيق الهمز (قد أفلح المؤمنون) في رواية ورش عن نافع (قد افلح المومنون)، بعضهم يقرأ بالتقليل وبعضهم يقرأ بالإمالة فهذه كلها وجوه للفظ العربي وبالعكس هذا دليل الإعجاز، دليل ثراء اللفظ القرآني يُقرأ بطرق مختلفة: ملك يوم الدين هو الملك ومالك يوم الدين هو الذي يملك، إذن الله هو ملك ومالك والقرآءتان يقوي بعضهما بعضًا فجميع القرآن كتب ابن فارس الحجّة في القرآءات (أربع مجلدات) وثمة علماء ناقشوا توجيه القرآءات والفوائد التي تنجم وتنبثق عنها، شيء جميل جدًا، لكن الفقهاء يفضّلون أن القارئ إذا كان في الصلاة لا ينتقل من قرآءة لقرءآة بغير ما سبب إنما يقرأ برواية واحدة حفص عن عاصم أو ورش عن نافع أو السوسي عن الدوري ولا يخلط بين القرآءات.

المقدم: وإذا كان إمامًا عليه أن يقرأ بقرآءة أهل البلد حتى لا ينكروا عليه قرآءته إن كانوا لا يعرفونها.

سورة المؤمنون

المقدم: في الحلقة الماضية ذكرنا وبالأمثلة كيف أن كل ما ورد في قصص الأنبياء من حديث الله تعالى على لسان الأنبياء ورد كذلك حديث للنبي صلى الله عليه وسلم بطريقة غير مباشرة ودلّلنا على ذلك أدلة كثيرة منها (فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴿٣٢﴾) يوضح هنا أن الرسول جاء فيهم ومنهم فبالتالي حينما جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴿٦٩﴾) هذا الذي يتضح واضحًا جليًا فيما يتعلق بالقصص الذي ورد في سورة المؤمنون وهذه من ملامح هذه السورة القَصصية.

د. المستغانمي: ليس ذلك فقط لكن أيضًا القصص القرآني، القصص في سورة الشعراء يتناغم وينسجم مع موضوع سورة الشعراء، القصص في سورة هود ينسجم مع موضوعها. نفس الآية لما ذكرنا (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴿٢٣﴾) توافق هذا المطلع مع الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالعبادة في سورة المؤمنون وأمر بعبادة الله وحده ودلّل (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴿٧٨﴾) (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٨٨﴾) ما جاء موجزًا على لسان نوح وعلى لسان الرسل الآخرين جاء مفصلًا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم

المقدم: حتى في سورة نوح يقول الله سبحانه وتعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١﴾ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴿٢﴾ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ﴿٣﴾ نوح) ذات المعنى

د. المستغانمي: هي كلها متشابهة، لماذا يقولون المتشابه اللفظي في القرآن؟ لما تقرأ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴿٢٣﴾) أين وردت هذه؟ في سورة المؤمنون ونفس الآية وردت في سورة هود (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴿٢٥﴾) قال (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) هذا ينتناغم مع سورة هود لأن فيها نفس المقاطع (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴿٢٥﴾ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ) وفي بدايتها (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴿٢﴾) من البداية من أول آية في سورة هود وأيضًا في قصة عاد (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ﴿٥٠﴾) يستقيم مع ما ورد في حق محمد صلى الله عليه وسلم في سورة هود. هود عليه السلام قال لقومه في سورة هود (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) ومحمد صلى الله عليه وسلم قال (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْه يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى)[هود:3]. سيدنا هود قال (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴿٥٢﴾) وعلى لسان محمد (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْه يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى) ثمة تشابه بين المضامين لذلك ما أورده الله في سورة هود من قصص هود ونوح وصالح ولوط ثمة ما يربطه بقصة محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته مع قريش ومع المسلمين. مثلًا لما قال قوم نوح لنوح (وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ) [هود:27] ردّ عليهم القرآن (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)[هود:3] هو الذي يفضّل ويعلم أين يجعل رسالاته، في حق محمد صلى الله عليه وسلم, عندما قال نوح (وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٣٤﴾ هود) وفي قصة محمد قال (إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٤﴾ هود) في كل مشهد من المشاهد القصصية جاءت لتخدم حياة محمد. تعجبت كثيرًا وأنا اقرأ على لسان سيدنا هود (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿٥٦﴾) هذا الكلام ورد تمامًا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴿٦﴾ هود) في بداية السورة، هذا الحديث على لسان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لقومه، ثمة تشابه عجيب لذلك ما ورد في سورة المؤمنون ينسجم مع ما ورد فيها من أحكام ومن مضامين محمدية إسلامية.

المقدم: (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) وفي سورة هود قال الله سبحانه وتعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [هود:40] فما الفرق بينهما؟

د. المستغانمي: أولًا: سلك غير حمل، اسلك يعني أدخل (اسلك يدك في جيبك) في سورة طه يعني أدخِل. (فسلكه ينابيع في الأرض) سيّره أو جعله يمشي في ينابيع وأنهار جوفية، سلكه ينابيع متعددة. اسلك في السفينة أو في الفلك بمعنى أدخلهم واطمئن عليهم كأن فيها شيء من الطمأنينة لأن العذاب لم يحلّ بعد، هو هنا في قصة نوح لم يذكر العذاب فقط ذكر (فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ). ثانيًا: سبق كلمة الحمل، قلنا المرة الماضية لما قال (وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴿٢٢﴾ المؤمنون) لما قال (وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) مهّد للحمل فقال (فاحمل فيها) وهنا أتى بفعل من عائلة الحمل ولكن فيه العناية (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ) فهو يخبره قبل وقوع الحادث (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿٢٨﴾). في سورة هود لما وقع الأمر ما قال (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ) وإنما قال بسرعة (احمل فيها) قام نوح ينادي (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) في سورة هود ركز البيان القرآني على الطوفان وهو يجري بدليل (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴿٤٢﴾) وهو كاد يغرق. إذن أثناء حدوث الطوفان قال (احمل) بسرعة وقبل ذلك عندما أخبره قال (اسلك) فيها نوع من التأنق في التعبير- إن صح التعبير- وعلّمه كيف يدعو قبل ذلك (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿٢٨﴾ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴿٢٩﴾) استنبط منها أحد العلماء المفسرين ثلاثة أشياء جميلة: من أراد أن يدعو الله عليه أن يحمده ويدعوه ويثني عليه، هذا من آداب الدعاء. قال: علّمه كيف يحمد (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا) ثم ادعُ الله (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا) ثم أثنى على الله بما يستحق (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) فإذا أردت أن يستجيب الله دعاءك فاحمده وادعُ ثم أثنِ عليه. كل الأدعية في القرآن فيها أسرار.

نكتة: ثمة أدعية في القرآن بالإفراد وثمّة أدعية بالجمع (اهدنا الصراط المستقيم) جمع، فلا ينبغي لك عندما تدعو الله أن تقول اهدني بل اطلب الهداية للجميع لأن البشرية جميعًا بحاجة للهداية في كل وقت وحين. قل (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا) كل البشرية محتاجة للمغفرة، (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴿١١٨﴾ المؤمنون) هذا عام، هذا تعليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الدعاء في القرآن ورد جمعًا وورد إفرادًا. الإفراد عندما قال (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا) الحديث موجه لنوح عليه السلام، إذن أنت لما تكون في طائرة مثلًا ليس كل الناس مسافرين معك، لو قلت أنزلنا منزلا مباركا، جميل، لكن تبرّكًا بالقرآن ادعُ بالإفراد (أدخلني مدخل صدق، أخرجني مخرج صدق، أنزلني منزلا مباركا) أنت تتبرك بالأسلوب القرآني. في المرض لما تكلمنا في سورة الأنبياء (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿٨٣﴾) بالإفراد، ليس كل الناس يكونون مرضى في نفس الوقت لم يعلمنا الله أن ندعوه: ربنا إننا مسنا الضر جميعا لأن المرض يصيب أفرادًا والأصل أن يكون الناس أصحاء. لما يأتي الدعاء جمعًا اتركه جمعًا لا تصيّره إفرادًا تقول (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) تدعو بهذا الدعاء وأنت تطوف بالكعبة تدعو لك ولبقية الناس ولما علّم الله رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سكرات الموت (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ﴿٩٧﴾ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴿٩٨﴾ المؤمنون) علّمه بالإفراد وسكرات الموت تأتي بالإفراد.

المقدم: (ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ ﴿٣١﴾) من هم القرن الآخرين؟

د. المستغانمي: بعضهم يقول هود عليه السلام وقومه عاد لكن أنا أرجّح سيدنا صالحًا وثمود والدليل (قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ﴿٤٠﴾ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿٤١﴾) ذكر أن ذلك وقع في وقت الإصباح وذكر أن الصيحة هي التي أصابتهم وليست الرجفة أو أي شيء آخر، بينما قوم عاد أصابتهم الريح (أرسلنا عليهم ريحا صرصرا)، في سورة الحجر قال (فأخذتهم الصيحة مصبحين) هذا الدليل يرجّ؛ أنهم قوم صالح عليه السلام لكن العبرة ليست بالتحديد وإنما بالعذاب الذي وقع لهم وبما قالوا لرسولهم.

المقدم: سؤال لغوي: (فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ) أرسل يتعدّى بـ(إلى) أرسلنا إلى، وورد في القرآن لكن هنا يقول (أرسلنا (في))

د. المستغانمي: أرسل يتعدّى بـ(إلى) وباللام، نقول أرسلت إليه وأرسلت له، يجوز لكن (إلى) هي الأفصح عندما يكون الإرسال إلى قوم، أرسلت إليه بريدًا، في القرآن كلها (إلى) (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه) لكن ثمّة أحيان يقول (في) التي تفيد الظرفية. نحن لا نقول أرسل يتعدّى بـ(في)، لا، هنا القرآن استعمل (في) لإفادة الظرفية أرسله فيهم، منهم، يعني أتى بمعنى الظرفية للقوم، في آية أخرى يقول (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍمِّن نَّذِير)[سبأ:34] هنا لا يأتي السؤال لأن (في) ظرفية، كأن البيان القرآني أتى بظرفية القرى وأتى بظرفية المدن ووضع الأقوام ظرفًا لذلك الرسول (أرسلنا فيهم)، حتى موجود (إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ)[آل عمران_164] يقال (بعثنا إلى) لكن بعثنا فيهم كأنه يقول بعثنا فيكم يعني فيكم ومنكم وصيّر القوم كأنهم ظرف لذلك الرسول.

المقدم: وارد في القرآن كثير (ولئن أطعتم بشرا) (ولئن أذقنا الإنسان) (ولئن مسهم الضر) ما هي هذه اللام؟

د. المستغانمي: هذه اللام تسمى الموطئة للقسم، (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ﴿٣٤﴾ المؤمنون) هذه موطئة ممهِّدة لقسم محذوف كأن القوم يقول بعضهم لبعض: والله لئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون، توطيء، تمهد للقسم، (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة) ثمّة قسم محذوف: والله لئن، تالله لئن. هذه اللام حريٌ بنا أن نفهمها حيثما وردت في القرآن الكريم. (إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ) جواب القسم وهنا التقى شيئان: التقى شرط وقَسَم، أصل الكلام: والله (إن) شرطية، القسم يتطلب جوابًا والشرط يتطلب جوابًا. بدون قسم لو قال: إن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذن لخاسرون، لكن لما سبقه القسم نقول (إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ) جواب القسم أغنى جوابه عن جواب الشرط بمعنى جواب واحد جاء للإثنين. لكن النحويون يقولون: جواب القسم المحذوف أغنى عن جواب الشرط، أدمجهما معًا.

المقدم: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ﴿٣٥﴾ المؤمنون) أحيانًأ يقولون ترابًا وأحيانًا يقولون ترابًأ وعظامًا كأنهم في حيص بيص؟

د. المستغانمي: لا نستطيع أن نقول هم في حيص بيص ولكنهم ينوّعون في الأساليب لأن العرب ينوعون، العرب أولو بلاغة وفصاحة كانوا مصاقعة خطباء، العربية كانوا يتذوقونها والقرآن جاء على لسان العرب وذكر ما ذكروا في مواضع مختلفة أحيانًا يقول (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴿٣﴾ ق) في سورة ق، لم يقولوا عظامًا، هنا يأتي البيان القرآني ودوره العجيب يأتي من الكلام ما يتناسب مع شخصية السورة التي نحن بصددها (قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴿٨٢﴾) ذكر الموت في سورة المؤمنون (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ﴿١٥﴾) (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿٩٩﴾) وذكرت العظام (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا) إذن ثمة ما يقتضيه التجاذب اللفظي فقال (ترابا وعظاما). لو ذهبنا إلى سورة الرعد (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)[الرعد:5] لم يذكر عظامًا لأن السورة ليس فيها ذكر العظام، فالقضية تخضع لجو السورة إذا كان يناقش أمر العظام، يناقش خلق الإنسان يأتي بهما. في سورة الإسراء قال (وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ﴿٤٩﴾) لم يقولوا ترابًا لأنهم كانوا يعتدون والرفاة هو الحطام، بقايا عظام الجسد عندما تصبح رميمًا (من يحيي العظام وهي رميم) المرميم هي الرفاة العظام التي تتكسر. وكأنهم قالوا: يا محمد هذا العظم يتفتت ويصبح حطامًا –وبالمناسبة صيغة (فُعال) في اللغة العربية تدل على كل ما يتحطم: حُطام، جُذاذ، رفاة، فُتات – قالوا أئذا كنا عظامًا ولم يكتفوا (ورفاتا) ردّ الله عليهم (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ﴿٥٠﴾ أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) حجارة أو حديدًا في الصلابة، الله عز وجلّ سيرزق هذه المادة الحياة (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ﴿٥٠﴾ أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) إذا كان ثمة ما هو أقسى من الحجارة والحديد وهذا للتعجيز، لو كنتم كذلك سيبعثكم الله فما بالكم بالعظام والرفاة؟! وفي نهاية السورة قال أيضًا (وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا)[الإسراء:98] التجانس، التناسق، التناغم في القرآن، أنا أقرأ في التفاسير وأحب كلمة الإمام الفخر الرازي يقول: القرآن كلمة واحدة. نحن نقول القرآن متكون من جمل وآيات وكلمات وحروف هو رآه كلمة واحدة في الانتظام والدقة لا اختلاف فيها ومتناسقة جدًا.

المقدم: قال الله سبحانه وتعالى (ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ ﴿٣١﴾) وهنا يقول (ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آَخَرِينَ ﴿٤٢﴾) ويتكرر كثيرًا فعل (أنشأنا) في السورة ويتحدث في خلق الإنسان (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).

د. المستغانمي: وسوف تأتي آية أخرى (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴿٧٨﴾) في سورة المؤمنون بينما في سورة النحل (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78] هذا كله يصب في برنامجنا، كل سورة لها ألفاظ، كل سورة لها أسلوب، لها اختيارات حتى أسلوب النفي: ثمّة نفي بـ(ما) والنفي بـ(لن) والنفي بـ(لا) والنفي بـ(إن هو إلا) الله سبحانه وتعالى يختار من أساليب النفي ما يتفق لذلك ليس القرآن كله معجز فقط، بل كل سورة معجزة، (أنشأنا) أيقونة لفظية مستعملة بإحكام دقيق وذلك شيء ربّاني.

المقدم: الله سبحانه وتعالى يقول هنا (ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آَخَرِينَ) وقبلها قال (قرنا آخرين) وقلنا أن المقصود بها والله أعلم صالح عليه السلام ودلّلنا على ذلك بأدلة، لكن هنا (ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آَخَرِينَ) فمن المقصود بـ(قرونا) هل يقصد بهم أناسًا معينين؟

د. المستغانمي: يقصد بها أناسًا معينين لكن لم يذكرهم، لم يحدد أحد من المفسرين بل ترك الجملة نكرة (ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آَخَرِينَ) العبرة بما سيأتي (كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ) كأن الحديث على رأي المثل العرب: إياك أعني واسمعي يا جارة. هؤلاء القرون ماذا أصابهم؟ ما الذي فعلوه؟ (كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ) ماذا فعل الله بهم؟ (فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا) بمعنى توالوا (وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ) جعلناهم أُحدوثة يتحدث الناس عن إهلاكهم، جعلناهم في خبر كان، (وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ) أي عذّبناهم، عوض أن يقول دمرناهم وأهلكناهم قال (وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ) جعلنا الناس يتحدثون عن شؤونهم، فإياكم يا أيها المخاطَبون أن تكذبوا رسولكم الذي بين أيديكم فتصبحوا أحاديث للآخرين. العبرة بالقصة لا بمن هم القوم، إذا ذكر الأقوام فثمة معاني أخرى ودلالات يريدها الله سبحانه وتعالى.

المقدم: يقول الله سبحانه وتعالى (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴿٣٧﴾) هذا في سورة المؤمنون ويقول في سورة أخرى (مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا) ما الفرق بين التعبيرين؟

د. المستغانمي: أساليب النفي كثيرة، الله جلّ جلاله يستعمل ما يتناسب، أساليب الإستثناء كثيرة، أساليب التوكيد، البيان القرآني يختار لما نقول (ما هذا إلا نذير) (إن هذا إلا نذير) كلاهما نفي لكن لا تستوي العبارتان! هنا (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴿٣٧﴾) (إن هو إلا رجل) هنا النفي جاء بـ(إن النافية) والنحاة يقولون (إن) أقوى وآكد في النفي من (ما) على الرغم من أن العبارة ذاتها تكررت في سورة الجاثية (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴿٢٤﴾) لكن التوكيد في سورة المؤمنين كثير حيث إنه ذكر كثيرًا من تكذيبهم وذكر كثيرًا من كلام المشركين (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ﴿٣٥﴾ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ﴿٣٦﴾) انظر إلى البسط، فصّلت الآيات في كفرهم وفصّلت في كلماتهم الكفرية، قالوا (هيهات) وهيهات بمعنى بعُدَ ما توعدون، هم يقولون بما معناه: أبدًا لن يحدث ما يقول الرسول! (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴿٣٧﴾) ينكرون على الرسول (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ﴿٣٨﴾) نرى أن المشركين هنا كانوا أشد بطشًا وأشد تكذيبًا وأكثر جحودًا جاءت (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا) بينما لو ذهبنا إلى مقطع سورة الجاثية التكذيب حاء بآية واحدة (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ) ثم أكمل الحديث، فالنفي بـ(ما) أقل في التوكيد من (إن). لما نقول (إن هذا إلا أساطير الأولين) وهناك آية (ما هذا إلا أساطير الأولين)، اذهب إلى السياق تجد (ما هذا إلا أساطير الأولين) فيه تكذيب لكن التكذيب (إن هذا إلا أساطير الأولين) التكذيب كثير وشديد. قول الله تبارك وتعالى في سورة الأحقاف (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴿١٧﴾) هذه آية واحدة يقول المفسرون أنها وردت في ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما رفض الإيمان. لو جئنا إلى آية أخرى في سورة الأنعام ورد أسلوب مشابه (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) منهم، من عدد من المشركين (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أغلفة جمع كِنان (أَنْ يَفْقَهُوهُ) يفقهوا القرآن (وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا) هذا كفر شديد (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴿٢٥﴾) لو قالوا (ما هذا) لا تتسق! هنا أنكروا إنكارًا شديدًا بأشد العبارات وردت في السياق فصوّر السياق كفرهم بأشد التصوير. فـ(إن) أقوى في النفي من (ما) فالقارئ الكريم عليه أن يستحضر ذلك.

مثال آخر: في القرآن ورد  (وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) وفي آيات (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (إن أنا) أشد توكيدًا في النفي، (إن أنا إلا نذير) أي ما أنا إلا نذير ولكن قالها الرسول بشدّة لأن السياق يتطلب. (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ) في سورة الأحقاف وأسلوبها خفيف، تلطّف البيان القرآني حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاء على لسانه (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴿٩﴾ الأحقاف) (وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أخفّ. نوح عليه السلام في سورة الشعراء (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ﴿١١١﴾ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿١١٢﴾ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ﴿١١٣﴾ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١١٤﴾ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴿١١٥﴾) سياق سورة الشعراء في التكذيب أشد، فوصف تكذيبهم وهنا الرسول صلى الله عليه وسلم نفى نفيًا قاطعًا، أتى الأسلوب التقريري عن طريق النفي والاستثناء، هذا يسمى أسلوب حصر وقصر فقال (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) بينما محمد صلى الله عليه وسلم في الأحقاف قال (وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) استثناء زائد نفي يسمى حصر وقصر.

المقدم: الله سبحانه وتعالى يقول (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا) ما معنى تترا؟ وكيف تكتب في اللغة العربية وكيف كتبت في القرآن؟

د. المستغانمي: في القرآن كتبت بالألف الممدودة ولكن أصلها بالألف المقصورة. الكتابة المصحفية توقيفية كما ذكرنا في أول حلقة ولا أستطيع لا أنا ولا غيري الإجابة.

المقدم: لكن أليس لها سببًا معينًا؟

د. المستغانمي: ممكن، لكن شخصيًا لم أقف على شيء. (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا) يعني أرسلنا رسلنا متواترين متعاقبين كلمة (تترا) أصلها اللغوي (وترا) هكذا يقول الزمخشري ويقول القرطبي وعدد من التفاسير. (تترا) من وَتَر معناها تتابع. فرق بين الوِتر والوَتر: الوِتر بكسر الواو هو الإفراد أو الوَتر بمعنى التتابع. أصلها وَترا بمعنى تترا متتابعين. هذه الآية تريد أن تفيدنا أن كثيرًا من الرسل عليهم السلام تعاقبوا على كثير من الأقوام ولكن الأقوام لجحودهم، لإنكارهم كذّبوا وبالتالي جاءهم الهلاك فإياكم أيها المخاطبون أن يصيبكم ما أصابهم. من الناحية الإعرابية (ثم أرسلنا رسلنا (تترا)) تكون حالًا، حال كونهم متعاقبين وبعضهم أعربها نائب عن المفعول المطلق: ثم أرسلنا رسلنا إرسالًا متواترًا، حذف المفعول المطلق فنابت عنه. ثمّة إعرابان في اللغة العربية.

المقدم: (فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[المؤمنون:41] وبعدها (فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)[المؤمنون:44]

د. المستغانمي: ذكرناها بطريقة غير مباشرة، (ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ ﴿٣١﴾) وعرّفهم عن طريق كلمة (يصبحنّ) وعن طريق الصيحة، فهم معروفون تقريبًا للقارئ الكريم الذي له عهد بالقرآن فقال (فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) عرّف القوم ووصفهم بالظلم والظلم هنا بمعنى الشرك وبمعنى الظلم  بينما القرون أتى بها نكرة (ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آَخَرِينَ ﴿٤٢﴾) وتوالت القرون هنا جاءت نكرة فحافظ على نفس البناء فقال (فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) لم يقل للقوم وإنما لقوم، التذييل يتناسب مع صدر الآية دائمًا في القرآن الكريم.

المقدم: من القصص التي ذكرت كثيرًا في القرآن قصة موسى عليه السلام وذكر موسى مفردًا وذكر مع أخيه هارون وهنا وهنا ذُكر مع هارون، (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴿٤٥﴾) هناك تفصيل كثير في القصة لكن السؤال ما علاقة قصة موسى وأخيه هارون بمحور السورة؟

د. المستغانمي: أولًا موسى عليه السلام قصته أشبه بقصة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا ذكرناه في سورة طه، فهو أكثر الأنبياء شبهًا بمحمد صلى الله عليه وسلم وقصة موسى هي أكثر القصص دورانًا في القرآن الكريم. هنا قال (ثم أرسلنا) ما قال أنشأنا لأن أنشأنا قالها في البدايات لكن لما جاء إلى عهد موسى وعيسى عليه السلام قال (أرسلنا) وموسى يعتبر متأخرا مقارنة بالأنبياء السابقين، نوح وغيره. مع الأمم المتقدمة قال (أنشأنا) ثم قال (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا) المعجزات (وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ) البرهان المبين سواء كان في التوراة، أو العصا أو اليد أو غيرها (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ ﴿٤٦﴾) التركيز على من هنا؟ ذكر موسى لكن كيف كان قومه؟ (قَوْمًا عَالِينَ) ماذا أصابهم؟ (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ﴿٤٧﴾) المشهد هنا ركّز على بشرية موسى وبشرية هارون عليهما السلام إذن أتى الله بالقصص الذي يخدم محور السورة والرسول بشر يأكل ويشرب (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا) وكانوا قوما عالين عندهم جلفة وغلظة وفيهم استكبار فالنتيجة التي أحاقت بهم (فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ ﴿٤٨﴾) لم يقل فأهلكناهم، لم يقل فكذبوهما فأهلناكم وإنما قال (مِنَ الْمُهْلَكِينَ) من المهلكين جعل قوم موسى المكذبين من المهلكين فأنتم أيها المخاطبون احذروا أن تكونوا من المهلكين، لو قال فأهلكناهم فالقارئ يقرأها ويقول: أهلكهم بسبب فعلهم وانتهى لكن لما قال (فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ) معناه أن ثمة مهلكون كثيرون فاحذروا أن تكونوا منهم. ثانيًا: تكبّروا كثيرا واستكبروا، ما كان من قوم محمد صلى الله عليه وسلم؟ (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ﴿٦٤﴾ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ ﴿٦٥﴾ المؤمنون) إذن سيقع لكم ما وقع لقوم موسى. إذن أتى لهم بقصص فرعون وقومه ما يخدم قصة محمد صلى الله عليه وسلم وقومه.

المقدم: ثم يأتي الحديث عن الرسل بشكل عام (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴿٥١﴾) ثم تحدث مرة ثانية عن الأكل

د. المستغانمي: هذا خلاصة الأكل الذي ذُكر، ذكر الأكل من الفواكه، ذكر الأكل من الأنعام، ذكر شجرة الزيتون صبغ للآكلين ثم قال لهم (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) الأمر للإباحة، الأكل أمرٌ جبليّ لا يُلزمك بالأكل لكن الله قال (كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) انظر إلى هذا التقديم كأني بالآية يقول: الأكل الطيب يؤدي إلى العمل الصالح، ألم يقل صلى الله عليه وسلم: أطِب مطعمك تكن مستجاب الدعوة. كلوا من الطيبات المقصود من الحلال، الحلال جاء في المدينة المنورة، هنا من الطيبات بشكل عام. (وَاعْمَلُوا صَالِحًا) الفخر الرازي يقول: الأكل من الطيبات يقود إلى العمل الصالح والأكل من الحرام والعياذ بالله يؤدي إلى غير ذلك. الرسل خاطبهم الله (كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) وخاطب المؤمنين

المقدم: كما أن العكس كذلك يستقيم أن العمل الصالح يؤدي إلى الطيبات

د. المستغانمي: لكن المسلم حتى يعمل صالحًا وحتى يعبد الله تعالى لا بد أن يتزود بشيء من الأكل “اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك” عندما تأكل الطعام تقول: يا رب بهذا الطعام أعني على ذكرك، شيء جميل وذكرك والتزامك بقواعد الشرع وأكلك من الحلال يقود بك إلى اختيار الطيبات والحلال.

المقدم: الله سبحانه وتعالى يقول هنا (إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)

د. المستغانمي: هذا تهديد مبطن

المقدم: يرد كثيرًا (بما تعملون عليم) و (عليم بما تعملون) لا شك هو نفس المعنى لكن لا يقدمه ولا يؤخره الله سبحانه وتعالى إلا لسبب.

د. المستغانمي: الرسل عليهم السلام خاطبهم الله (كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) علم الله، فيه إشارة تلميحية أنه يجب أن يأكلوا من الطيبات ويجب أن يعملوا صالحًا، عندما تقول لأحد إني بما تعمل عليم فاحذر!- احذر بطريقة مبطنة لأن الله تعالى لا يقول للرسل احذروا!- وخاطب المؤمنين بما خاطب المرسلين في سورة البقرة قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴿١٧٢﴾)

هنا قضية تستوقف الكثيرين: مرة ترد: بما تعلمون عليم، عليم بما تعملون، بما تعملون خبير، خبير بما تعملون.

القاعدة: في جميع القرآن إذا قدّم (بما تعملون عليم) فالسياق في العمل، هذا هو السبب وهذا ذكره العلماء، قبلها قال (واعملوا صالحا) في سياق العمل (إني بما تعملون عليم). مثال (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ) عمل (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[البقرة:265] الحديث عن العمل. في سورة هود (وَإِنَّ كُلًّا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ) لما قال أعمالهم قال (إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) في كل القرآن لما يكون الحديث عن العمل يقدم (بما تعملون) عن صفة الله تعالى.

لما قال سبحانه وتعالى (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِيالسَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)سبأ) ان اعمل – بما تعملون بصير.

لو جئنا إلى العمل، بصير عليم خبير هي أسماء من أسماء الله يتم تقديمها، ينطبق على العمل والخبرة مثال: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) البقرة) تقديم العمل على الخبرة.

إذا جئنا إلى العلم (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴿٢٨٣﴾ البقرة) الحديث عن العمل. دائمًا في سياق العمل تقديم (بما تعملون)

في سياق الله والحديث عن أسمائه والحديث عن صفاته جلّ جلاله يقدّم الصفة (بصير بما يعملون) (عليم بما تعملون) مثال: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّاظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) يونس) لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الظنّ.

(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) النمل) حديث عن الله (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) فهذه قاعدة مطّردة في القرآن حيثما قرأنا في سياق العمل الله يقدم شبه الجملة (بما تعملون) ولما يكون في سياق الحديث عن ذاته العلية يقدّم (خبير بما تعملون) (بصير بما تعملون) (عليكم بما تعملون)

https://www.youtube.com/watch?v=cie0VpzEDeM&index=24&list=PLkfWtLTtKgCNPVnTm3YD9deZOub0-yPc5