في رحاب سورة

في رحاب سورة المؤمنون – 6 – د. محمد صافي المستغانمي

في رحاب سورة – د. محمد صافي المستغانمي

قناة الشارقة – 1437 هـ – تقديم الإعلامي محمد خلف

في رحاب سورة المؤمنون – 6

تفريغ الأخت نوال جزاها الله خيرا لموقع إسلاميات حصريًا

إجابة على أسئلة المشاهدين:

الدكتور حمود من موريتانيا يقول الله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} من المخاطب في هذه الآية؟

د. المستغانمي: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، طبعًا حتى يتضح المقال ومن هو المخاطَب أذكر شيئًا، أولًا آية من سورة آل عمران {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}، وأنت تعلم والمشاهد الكريم يعلم أن كثيرًا، جزءًا كثيرًا حوالي ثمانين آية من سورة آل عمران نزلت تعقيبًا على غزوة أحد من قوله تبارك وتعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، عندما انتهت معركة أحد في الميدان بدأها الله في القرآن تعقيبًا وتعليمًا، وهذا أحد دروسها، الخطاب باختصار هو للمؤمنين للمسلمين، وإن كان في السورة حديث عن غزوة بدر كذلك لكن بالدرجة الأولى هي تعقيب عن غزوة أحد وضرب مثل في غزوة بدر، حوالي ثمانين آية.لماذا؟ غزوة بدر تحدث عنها في الأنفال وتحدث عنها في مقتطفات بسيطة هنا، لكن غزوة أحد وقع المسلمون والمؤمنون فيها في شدة ومحنة، ودائمًا المحنة يستفيد منها المسلمون دروسًا. فيها دروس كثيرة، وبعضهم قيل: قتل محمد صلى الله عليه وسلم، وبعضهم نكص على عقبيه لم يستمع إلى نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في السيرة النبوية، هنا جاءت دروس متوالية قالت، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}، وجاءت تعالج. من بين النقاط التي عالجتها أن غزوة أحد فصلت بين المؤمنين الصادقين وبين المنافقين، أول الهجرة إلى المدينة كان المؤمنون موجودين في المدينة وكان ثمّة منافقون. ولكن القرآن لم يتحدث عنهم، لماذا؟ لأن المسلمين كانوا في ضعف وكانوا في بداية {آزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى} يعني عُشب الإسلام كان ينمو، لمّا يستغلظ بعد. لما جاءت غزوة بدر قويَ عود المسلمين فرِح من فرح وكتم المنافقون غيظهم، أتكلم عن النفاق العقائدي،النفاق العقائدي يعني يضمر الكفر ويظهر الإسلام وليس النفاق العملي، العملي يعني واحد ممكن وعدك أخلف، هذا لا نقول عنه منافق نقول فيه خصلة من النفاق ، أما الذي يدخل المسجد وهو كافر بالله ويكره القرآن والدين والعياذ بالله، هذا نفاق عقائدي، يُضمر الشرك ويُظهر الإسلام، فهؤلاء مردوا على النفاق. لما قوي المسلمون سكتوا، لما جاءت غزوة أحد أصاب المسلمين ما أصابهم من قرح ومن شدة، هنا أظهروا فرحهم. هنا قال: والله تستحقون هذه الهزيمة!! جاء قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، حتى يميز المؤمنين الصادقين ويذهب عنهم خَبَث المشركين المنافقين غير المؤمنين، فحتى يميز، هو تحير السائل الكريم جزاه الله خيرا الخطاب لمن؟ الخطاب للمسلمين لكن فيها نكتة رائعة أقولها: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}، لم يقل: ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه، لا، قال: {لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}، أنتم فيها الكثير فيها مؤمنون ومنافقون، قال: ما كان الله ليترك المؤمنين غير مميَزين مع فئة مشركة المنافقين، مع ما أنتم عليه بمن فيكم من المنافقين فـ{أَنْتُمْ} لا تنطبق فقط على المؤمنين، تنطبق على المجموع، هذه النقطة في المجيء بالمؤمنين وأنتم. إذًا {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} حتى يميز هؤلاء من هؤلاء، وجاءت غزوة أحد وميّزت الصادقين من غير الصادقين، والله أعلم.

سورة المؤمنون

– يفصل الله سبحانه وتعالى يقول: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}، ثم يقول: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}. تكرر هذا الاستفهام بـ(أم) كثيرًا نقف عنده.

– {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ}، أولًا: أشير إلى شيء {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} ما المقصود بالقول هنا؟ القرآن، والدليل {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} قبلها بآية. {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} هو القرآن الكريم. لكن سؤال: هنا عبّر عن القرآن بالقول، وفي سورة النساء {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}، أنا أريد أن أعطيك نكتة جيدة بإذن الله، وفي سورة محمد صلى الله عليه وسلم {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}. هنا أولًا: الملاحظ أن سورة المؤمنين لم يأتِ فيها ذكر القرآن أبدًا، ورد باسم القول وورد باسم الذكر على ما ذكرنا في سورة الأنبياء، هذا ديدن القرآن. والآيات {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي} لكن لفظ القرآن ورد في سورة الإسراء إحدى عشرة مرة. إذًا هذا شيء مقصود، هنا ذكره بلفظ القول، القول هو جزء من القرآن قد يعني القرآن كاملًا وقد يعني جزءًا، لما نقول: قلت قولًا، أما القرآن هو الشامل. لماذا قال: القول، هنا؟ القول هو جزء من القرآن، آية هي قول من القرآن. لما ذكر (القول) أتى بالفعل مجزومًا {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} أولًا أتى بالفعل مجزومًا، {أَفَلَمْ} وعلامة جزمه حذف حرف النون لأنه من الأفعال الخمسة. {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا} (لم) جازمة، (يدبروا) فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون، لما أتى بالقول الذي هو جزء من القرآن أتى بالفعل ناقصًا مجزومًا وأتى بالفعل مدغمًا {يَدَّبَّرُوا}، لما أتى بالقرآن وافيًا أتى بالفعل كاملًا. {يَدَّبَّرُوا}، لم يقل: أفلم يتدبروا، أتاه في سورة النساء بالصيغة الكاملة {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ} (لا) لا تجزم، (يتدبرون) الصيغة الكاملة والقرآن كاملًا، أنا أعطيك بعض التناسق الجميل. (يتدبرون) أتى الفعل كاملًا بالتاء والنون للقرآن كاملًا، لما أتى بجزء من القرآن وهو القول اختصر الفعل. كله مقصود، القرآن لا يوجد فيه شيء جاء هكذا. كان بإمكان الله سبحانه وتعالى – وجل جلاله – أن يقول كما قال في آيات أخرى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} لكن لا وجود للقرآن من البداية إلى النهاية في سورة المؤمنون {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُون} هنا لم يأتِ بالقرآن، هذه السورة بنيت على ذكر المؤمنين وذكر الآيات التي يؤمنون بها وعبّر عن القرآن بالقول وبالذكر وبالآيات، لم يعبّر عنه صراحة وبما أنه عبّر عن القرآن بالقول اختصر الفعل بحذف حرف النون وبإدغام التاء في الدال، وهذا من شدة التناسب بين الكلمات المستعملة في القرآن.

سؤالك الآن نعود إليه، {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} يتحدث عن من؟ عن المشركين، ألم يدبروا هذا القول الذي يسمعونه وهم فصحاء بلغاء لا ينقصهم ويعرفون جماليات اللغة العربية؟! {أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} (أم) هذه تسمى أم المنقطعة، في الحقيقة تكررت هنا: {أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ}، {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ} {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} (أم) هذه عوض عن (بل) + حرف الاستفهام همزة، أعيد القراءة: أفلم يدبروا القول بل أجاءهم ما لم يأتِ آباءهم؟ بل أم لم يعرفوا رسولهم، بل أيقولون به جنة، أم هذه المنقطعة تفيد بل الإضرابية والإبطالية + همزة الاستفهام. فهي جميلة جدًا هنا ومستعملة بطريقة كما نقول: حكيمة جدًا. وهنا القرآن يوجه لهم الحديث، هل إعراضهم عن هذا الذكر وعن هذا القول وعن الإسلام لأنهم لم يدّبروا؟ هذه رقم واحد، {أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ}، فلينظروا إلى آبائهم من آتاهم من الرسل؟ {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ} والله هم يعرفون صدقه ونسبه وقالوا: الصادق الأمين، {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ}؟! كل هذه الاستفهامات موجهة إليهم يحركهم وهي كلها ليست صحيحة، يعني الجواب معروف لديهم، يقررهم، يعني هذا استفهام تقريري، يقررهم، المفترض يقولوا: لا، جاءنا، لأنهم لم يدبروا، يعني القصة أن التكذيب جاء من قِبَلهم. ليس الغرض من الاستفهام المعرفة أو معرفة الإجابة، فالإجابة معروفة لديهم. فهو ينكر عليهم ويقررهم بأن الرسول يعرفونه وبأن هذا الرسول ليس به جنّة وبأن آباءهم جاءهم من الرسل وهم جاءهم رسول كريم.

– هنا كذلك قول الله سبحانه وتعالى: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} {لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}، {عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} هذه كلها فيها تقديم وتأخير، هنا يقول: {لَهُ مُنْكِرُونَ} أصل الكلام في غير القرآن منكرون له وكارهون للحق، معرضون عن ذكره، لكن هذا التقديم في اللغة العربية لما نقدّم له عدة أغراض: أحيانًا للتخصيص والحصر، نقول: إياك نعبد لا نعبد غيرك أبدًا، هذا نقول: للتخصيص والحصر، هنا لا نقول للحصر، هم هنا الله تبارك وتعالى قدّم هذه المتعلقات للتعجيب من أمرهم فهم للحق كارهون، للحق، المفترض لا يكرهون الحق، العاقل لا يكره الحق! بعد ذلك يقول: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} يا للعجب! عن ذكرهم عن شيء يرفع من شأنهم يعرضون! للتعجيب من أمرهم قدّم لهم هذا، ألم يقل جل جلاله في سورة الأنبياء: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ}، كان الأولى أن يتلقفوا هذا الكتاب بالترحاب، فيه ذكركم، فيه عزّكم وفيه شرفكم، هنا يقول: {فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} ألا تتعجبوا معي؟! يعني التقديم يفيد التعجيب من سلوكهم.

– يقول الله سبحانه وتعالى: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا} هم {رَسُولَهُمْ}، {أَمْ يَقُولُونَ} هم {بِهِ جِنَّةٌ} ثم يقول: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ} أنت، الحديث موجه لمحمد صلى الله عليه وسلم {أَمْ تَسْأَلُهُمْ} أنت، لماذا أعرض عن الحديث إليهم للحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟

– هو في الحقيقة في البداية ذكر أربع متمسكات، يعني إن صح التعبير هل لم يدبروا القول من جهتهم؟ يعني ذكر أربع أسباب من جهتهم، ما الذي منعكم عن أن تسلموا؟ ألأنكم لم تتدبروا القول؟ أم لأنكم جاءكم ما لم يأتِ آباءكم؟ أم أنكم لم تعرفوا رسولكم؟ كل هذا من قِبَلهم، أم تقولون به جنة؟ هذه الأسباب من قِبَلهم كلها خطأ وليس ذلك صوابًا. ثم توجه الحديث إلى محمد، أم أنك يا محمد صلى الله عليه وسلم طلبت منهم أجرًا؟ طلبت منهم جُعلًا كي يؤمنوا؟ هل تم ذلك منك؟ كأن القرآن يوجه له الحديث: هل صدر منك يا محمد –والله جل جلاله يعلم – فقط يقول، هل صدر منك ما يمنعهم عن الإسلام وعن الإيمان، وطلبت منهم جعلًا وخرجًا؟ نحن قلنا: خرجًا بمعنى جُعلًا، مقابلًا عِوَضًا جُعْلًا أجرًا، كما ورد في آيات أخرى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} وهنا قال: {خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ}، ستقول: لماذا هنا خرجًا وهنا أجرًا؟ هنا أراد القرآن أن يتم قال: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا} جُعْلًا عِوَضًا، {فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْر}، هل تسألهم أجرًا قليلًا، خرجًا واحدًا بينما الخراج {فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} ما يعوضك الله خير. اسم جنس هنا، والخرج في اللغة العربية هو المقابل، العِوَض، على هل تسألهم خرجًا عوضًا عما تريد؟ الخراج هو ما يستمر؛ الخراج على الأراضين. خراج الزروع. يقولون: خراج الأرض، حتى إن الإمام أبا يوسف صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما، له كتاب “الخراج”، الخراج يعني ما تخرج الأرض، الخراج مرة أم يستمر؟ يستمر، فكأن القرآن يقول: أم تسألهم خرجًا مرة واحدة؟ فاستمرار الخراج من ربك خير وفي الاثنين عطاء ربك أكثر، بالعكس زاده توكيدًا {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، الله أكبر على هذا الكلام!!. {فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، لم يقل له: أم تسألهم أجرًا؟ لأن لا يوجد كلمة أخرى. {فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ}، ما قال: أخير، خير هو اسم تفضيل لما نقول: فلان خير من فلان كأنه قال: أخير، ولكن العرب تختصر في خير وشر. وردت هذه اللفظة في سورة الكهف كذلك: {نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} وفي قراءة سُدًا.

{وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} هذا التذييل لتأكيد الجملة السابقة، والتذييل في اللغة العربية يؤتى به لتأكيد ما سبق، {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.

– حينما الله سبحانه وتعالى تحدث في القرآن وقال: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ}، هنا من هؤلاء الذين يتحدث عنهم الله سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين؟ {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ}، هل القومان هنا مختلفان؟

-لا، هما ليسوا مختلفين لكن المقصد من هذا السؤال يعني الآية الكريمة {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ} بالعكس هم يظنون أنك تدعوهم إلى الشر وهذا غلط، إنك تدعوهم إلى صراط مستقيم، يعني هذا ثناء بعد ما تحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم تحدث عن الرسالة الآن {إِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إلَى} اللام للتوكيد {إِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ} للتوكيد {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} يثني على الإسلام فهو صراط الله المستقيم. إنك تدعوهم تحدث عن المشركين بالضمير (هم) ثم قال: {وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} هذا عدول، عدول عن (هم)، وكان القياس اللغوي أن يقول: وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم وإنهم عن الصراط لناكبون، هم المشركون لكن عوض الإضمار أتى بالذين لا يؤمنون بالآخرة، هم أنفسهم. كأنه يقول: عدم إيمانهم بالآخرة جعلهم ينكبون عن الصراط وجعلهم يعدلون عن الصراط. {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ} الحديث عن المشركين، أتى بهم بالضمير {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، كان القياس أن يقول: وإنهم عن الصراط لناكبون، هو قال: {وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} ليبين لنا أن عدم إيمانهم بالآخرة كان سببًا في تنكّبهم عن الصراط المستقيم. هذه النكتة البلاغية رقم 1، النكتة البلاغية رقم 2: في البداية ماذا قال؟ {إِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} صراط مستقيم، لما تحدّث في المرة الثانية قال: {وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ} لم يقل: عن الصراط المستقيم {عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} الألف واللام تفسيرها لها تأويلان: {وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ} المذكور قبل قليل إذًا اللام العهدية هذه فبالتالي لا داعي لأن نصفه مرة أخرى، هذا المعنى رقم 1 {وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ} المعهود {لَنَاكِبُونَ} إذًا الألف واللام عهدية. لكن هناك تفسير أولى وهو: وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن جنس الصراط لناكبون، عن أيّ صراط فهم لا يهتدون فمن باب أولى لا يهتدون إلى الصراط المستقيم، وهذا أتم في بيان ضلالهم. المعنى الثاني: الألف واللام جنسية تفيد جنس الصراط، هم ناكبون عن أيّ طريق موصلة إلى الخير، موصلة إلى مكان آمن، من باب أولى هم ناكبون عن الصراط المستقيم.

– يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}، هنا يقول: {فَمَا اسْتَكَانُوا}، استكانوا في الماضي (لربهم) ما قال وما تضرعوا، لماذا قال {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}؟ لماذا في الماضي ثم يعدل عنه إلى المضارع؟

– هو الله سبحانه وتبارك وتعالى ابتلاهم بالعذاب، والعذاب قلت هنا دنيوي بدليل أنه قال: {فَمَا اسْتَكَانُوا} {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}، وكاد الحديث موجودًا يعني يخاطبهم فالعذاب دنيوي. بعض العلماء يقولون: يقصد به عذاب السيف في يوم بدر وبعضهم يقول: عذاب الجوع عندما دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واضح؟ {فَمَا اسْتَكَانُوا} بمعنى فما خضعوا، استكانوا استفعل من الكون، من السكون، ما خضعوا لأن من شأن الإنسان عندما يخضع أن يقطع الحركة، الإنسان عندما يخضع للذي يخاف منه أو للذي يصيبه يسكن في مكانه، يقطع الحركة ويخضع، قال: {فَمَا اسْتَكَانُوا} وما تواضعوا وما خضعوا، {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} جاء بها في المستقبل لإفادة الاستمرار يعني للأسف أنهم لا يتضرعون، كان الأولى بهم أن يستمروا في التضرع وأن يعودوا إلى ربهم ويتوبوا من كفرهم وبالتالي قد تدركهم رحمة الله سبحانه وتعالى. هنا {فَمَا اسْتَكَانُوا} في الماضي، عدول إلى المضارع لإفادة عدم تجدد تضرّعهم {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}.

– الآية التي تلي هذه الآية: {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} هذه الآية فيها صورة عجيبة جدًا، نفسرها ثم نشرح الصورة التي فيها.

– (حتى) من التقنيات اللغوية المستعملة في سورة المؤمنين، قلنا: (حتى إذا أخذناهم بالعذاب)، وهذه حتى تسمي الابتدائية، ليست للغاية هنا لابتداء الكلام {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ}، {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ}، {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ}، الأخيرة فيها معنى الغاية لكنها تقنية مستعملة والتناسق مرعي في التركيب القرآني – يعني إلى أن جاء أحدهم الموت-. هنا {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} إلى أن فتحنا عليهم بابًا، هذا المعنى وارد لكن هي تسمى حتى الابتدائية، لماذا؟ يبتدأ بها كلام جديد، {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا} لم يقل: حتى إذا عذبناهم بعذاب الجوع أو عذاب بدر أو، لا، {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ} هنا انتقلنا إلى صورة بلاغية رائعة، صورة شبّه تسليط العذاب عليهم بقوم آمنين مطمئنين في غرفة فُتح عليهم باب عذاب يعني كأنه تسونامي، زلزال في البحر فأتى على الأخضر واليابس! هكذا لك أن تتصور، لم يقل: فتحنا عليهم باب عذاب قال: {بَابًا ذَا عَذَابٍ}. لأنه لو قال: باب عذاب، صحيح المضاف والمضاف إليه يدلّ، لكن (بابًا ذا عذاب) شدة الاتصال بين الباب والعذاب ولكي يمكننا هذا التعبير من وصفه بالشدّة. لو قال: حتى إذا فتحنا عليهم باب عذاب، شديد تأتي ثقيلة، بابًا ذا عذاب شديد، لكن في سورة الفجر قال: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} أضافه، هنا لم يقل: صب عليهم ربك سوطًا ذا عذاب، لماذا؟ لأن صب تكفي؛ الصب فيها وفرة نزول العذاب، صبّ صبًا. فهنا كفت عن الشدة أو عبّرت عن الشدة. هنا قال، لكن الصورة جميلة: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عذاب شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} (إذا) الثانية تفيد المفاجئة، الأولى تفيد الظرف والشرط {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} النتيجة؟ {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}، (إذا) فجائية، مبلسون: يعني موقنون بعدم النجاة، ما معنى الإبلاس في اللغة العربية؟ أبلس أي استيأس من النجاة. تلبس بحالة معينة، أيقن بهلاكه. والإنسان الذي يوقن بالهلاك كيف يكون؟ مسرورًا؟! يكون شديد الحزن، الإبلاس هو شدة الحزن مع تيقّن عدم النجاة.

– منها إبليس؟

– لا، إبليس الله أعلم، الشيطان من شطن وإبليس من، لا أدري إذا كانت من نفس المادة، لكن الإبلاس. يراد لها بحثًا أبحث فيها، {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} عندما لا أعرف أنا أبحث وهذا يدعوني إلى البحث، لكن الإبلاس هنا شدة اليأس من النجاة يعني ما عندهم نجاة وتيقنوا.

– وكذلك إبليس يئس من النجاة

– بعد ما حكم الله عليه باللعن والطرد – لكن سأنظر فيها إن شاء الله-.

– فقط قال: ربِ، أنظرني.

– {إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} صورتهم الآية بأنهم في حزن شديد وتيقن من عدم النجاة. هذه الصورة سبحان الله يعني بقدر ما هي جميلة من الناحية البلاغية هي مخيفة كذلك في ذات الوقت لا بد أن نحذر عندما نتعلم.

– {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ } ما علاقة هذا الكلام بالآيات التي قبلها؟ أجدنا كأننا دخلنا إلى موضوع آخر أو دخلنا إلى موضوع آخر أو ربما استأنفنا موضوعًا كان قد فُتح سابقًا.

– هو هذا، الآية التي، لو أردنا أن نتدبر هذه الآية مع سابقتها يعني لا يستقيم الكلام؛ لأنه كما تفضلت {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ}، هنا يتحدث عن تعذيبهم وفتح العذاب باب العذاب، وهنا انتقل إلى الامتنان بنعمة السمع والبصر والأفئدة. امتنان {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ}، هنا عودة للموضوع الذي فتح سابقًا، هذه روعة النظم القرآني.الموضوع الذي بدأه الله تبارك وتعالى من قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ}، الامتنان في بداية السورة {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ}، امتن على خلق الإنسان وذكر المراحل ثم قال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} خلق السموات، ثم قال {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ} {فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ} ثم ذكر {إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} ولما تحدث عن {إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} وقال: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}، قال: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ}، بدأ شوطًا طويلًا في النقاش في العقيدة {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا} قصة نوح، يعني كأن ما بعد هذه الآية إلى أن نصل إلى هذه الآية هذه كلها جمل اعتراضية، كلها هذه الصفحتين ونصف، المقصد من كلامي ذكر الامتنان ثم فتح بابًا للقصص بين قوسين، ثم بعد القصص أعقبه الحديث عن الأمة المحمدية التي يشبه مشركوها مشركي الأمم السابقة ثم عاد الحديث عن الامتنان من جديد إلى الموضوع الرئيسي. {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ} عودة إلى الاستدلال بالامتنان على الناس، يعني هذه الواو ليست استئنافية وإنما عاطفة على ما سبق، وهكذا ينبغي أن نقرأ القرآن ونستطيع أن نقول هي جمل اعتراضية أخذت صفحتين أو ثلاث، هذا ديدن القرآن ولا يشبه أسلوبَه أسلوب!.

– نبين العلاقة ما بين صدر الآية ونهايتها: حينما يقول الله سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} ثم {ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} {الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} {أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، هل هناك علاقة ما بين ذكر النعمة والتذييل؟

– سواء عرفت أو لم أعرف ثمة حكمة، مليون بالمئة كل صدر آية وكل نهايتها بينهما أسرار وثمة توافق عجيب، لأن المنطق السليم – لا يستقيم إلا كما قال الله سبحانه وتعالى، {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ}، أولًا: نذكر المشاهد الكريم أن أنشأ هنا وهي أيقونة لفظية لسورة المؤمنين سيذكر كل قارئٍ لها فأنشأنا أنشأنا. {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ} بالإفراد {وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} ذلك الإفراد هنا لأن متعلقات السمع واحدة وهي الأصوات بينما الأبصار لها متعلقات كثيرة؛ في السموات في الإنسان في الزرع، الأبصار. والأفئدة طرق عقل الفؤاد يعقل ويفكر بطرق مختلفة، وقال العلماء: وحّد السمع نظرًا لوحدة المتعلّق وهو الأصوات وجمع الأبصار والأفئدة نظرًا لكثرة المتعلقات، هذه فائدة فقط. {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} خطاب للمشركين بالدرجة الأولى يمتن على المؤمنين ولكن بما أنه تحدث عن المشركين كثيرًا فقال: {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} أي تشكرون شكرًا قليلًا للأسف الشديد {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ما يشبه هذه الآية، ألم نقل: في سورة النحل {جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ}، لم يقل: أنشأ لكم السمع، قال: {جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.  لماذا قال في سورة النحل {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}؟ كان الحديث عن المؤمنين بالدرجة الأولى، {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} يمتن على المؤمنين أكثر، {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} رجاء أن تشكروا أنتم، طبعًا الترجي في حق البشر لا في حق الله تعالى، والمفسرون يقولون: (لعلّ) هنا نفيد التحقيق؛ لو أنكم استعملتم السمع والبصر والفؤاد سيقودكم ذلك إلى الشكر حقًا وصدقًا، الدليل بعد ذلك: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لما كان في سياق الإيمان قال: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، لما كثر الحديث في سورة المؤمنين عن المشركين و{فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} وبعد قليل سيأتي {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ}، قال: {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}، إذًا ثمة تناسب بين صدر الآية والتذييل، أعطاك هذا السمع والبصر والفؤاد حريٌ بك أن تشكر. بعدها {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ} ذرأكم بمعنى خلقكم وبثكم على الكرة الأرضية، ذرأ بمعنى خلق وبث ونشر، ثم ماذا قال؟ {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} ذرأكم ونشركم وسيجمعكم هذا طباق جميل جدًا، ذرأ وحشر، بثكم في الأرض هكذا؟ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} سيُرجعكم. إذًا هنا قال: {ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ} وخلقكم واستدل عليهم وامتن عليهم بنعمة الإيجاد والذرء ثم قال: لا بد أن تحشروا إليه. ثمة تناسق. بعد ذلك قال: {وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} والله هذا يدعو إلى {أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، كان حريًا بكم ما دمتم عرفتم أن الله وهبكم السمع والأبصار والأفئدة، وما دمتم أيقنتم أنه هو الذي خلقكم وذرأكم في الأرض، سيقودكم ذلك إلى الإيمان بالله الذي يحيي ويميت، في النهاية استخدموا قدرات العقل، الذين لا يؤمنون، مع كل الأدلة السابقة في الحقيقة هم إلى الجنون أقرب لأنهم لا يستخدمون عقولهم ولو استخدموا عقولهم لفاءوا وعادوا على الله سبحانه وتعالى. يعني لا ينكر هذه الآيات الواضحات إلا مجنون لم يستخدم عقله الصحيح وثمة تناسق عجيب بين التذييل دائمًا وبين صدر الآية.

– ثم يقول الله سبحانه وتعالى: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ} ماذا قالوا؟ {قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}. {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}، {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا} كأنها وردت {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا} في سورة النمل بينما هنا يقول: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا}.

– أولًا: {بَلْ قَالُوا} الحديث عن المشركين، {مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ} {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا}، هم يرددون الكلام الذي ذكره قوم سابقون {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا}، أقوام الرسل السابقين، هم قالوا: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ}، التعبير في سورة المؤمنين أتى على وجهه الصحيح؛ لأن في التعبير الصحيح يقدم الفاعل ويقدم نائب الفاعل عن المفعول، {لَقَدْ وُعِدْنَا} فعل بني للمجهول، {نَحْنُ} نائب فاعل. أو دعني أقول: {وُعِدْنَا}، {نَا} هو نائب الفاعل و{نَحْنُ} توكيد له، {لَقَدْ وُعِدْنَا} الضمير (نا( المتكلم أو المتكلمين هي في محل رفع نائب الفاعل، و{نَحْنُ} تأكيد لها، هذه تسمى نا الفاعلين، نا الفاعل، ونحن ضير منفصل يؤكد هنا توكيد مثل {يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} {اسْكُنْ أَنْتَ}، أنت توكيد للضمير. هنا {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ} هذا أتى على الكلام العربي الصحيح؛ لأن العرب تقدم الفعل ثم الفاعل أو نائب الفاعل ثم المفعول به. وعدنا هذا. ماذا في سورة النمل؟ {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} تم تقديم {هَذَا} هي بالفعل {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ} {وَآبَاؤُنَا}؛ لأن الآية في سورة النمل والسياق في إنكار البعث أكثر منه في سورة المؤمنين في إنكار البعث، تقول: لماذا؟ {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} السياق، {وُعِدْنَا} قلنا: فعل مبني للمجهول ونائب فاعله {نَا} و{نَحْنُ} توكيدًا لها، {هَذَا} اسم إشارة مبني في محل نصب مفعول، (وعد) متعدي لمفعولين لأن لو كان الفعل وعد متعدي لمفعول واحد لكان اكتفى بنائب الفاعل. هنا هذا المفعول الثاني، فأصبح المفعول الأول وعدنا نحن وآباؤنا هذا. فهذا أصل الكلام يستقيم هكذا، وعدنا نحن وآباؤنا هذا. على الترتيب العربي الفصيح وما أتى على الأصل لا يسأل عنه.

– العكس، {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا} قدم المفعول به لأن السياق يتحدث عن البعث والعرب تقدم ما هم ببيانه أعنى، السياق {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} بعدين يقول: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} البعث، الحديث عن البعث، بعد ذلك يقول: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا} يوم القيامة، {بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} عُميٌ عن الآخرة، ثم يقول: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا} نكتتان اثنتان {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا}، أولًا: السياق في البعث رقم 1، رقم 2: حتى عندما استنكروا ماذا قالوا؟ قالوا: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا} قدّموا التراب الذي هو خبر كان على الآباء المعطوفة على اسم كان. المفروض أإذا كنا وآباؤنا ترابًا، ماذا قالوا في سورة النمل أو أنطقهم القرآن؟ {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا} قدموا خبر كان على المعطوف وهو المراد لأن القضية تتحدث عن البعث، حسن أن يتناسق ما بعدها، فقالوا: {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا} الإتقان في القرآن عجيب والله! والتناسق والنظم على ما أتى به النظم الجليل شيء عجيب!.

كان محمد صلى الله عليه وسلم في مكة في غار حراء ما خرج من غار حراء ولم يتتلمذ على أستاذ ولم يدرس البلاغة العربية أنّى له أن يأتي بمثل هذا؟ في عيشة كان يعيش فيها مصاقعة البلغاء والوليد ابن المغيرة وعنتر ابن شداد، وأتاهم بكلام أعجزهم وأفحمهم وخروا له سجدًا وهذا الكلام ليس إلا لله!

– هنا يسأل الله سبحانه وتعالى يعني أسئلة كثيرة: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} طبعًا يسأل ويجيب، {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ}، أنا أفهم أنه حينما يسأل الله سبحانه وتعالى: لمن الأرض؟ أن يكون الجواب: لله، وهكذا جاءت الجملة الأولى، لكن حينما يسأل الله سبحانه وتعالى {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} في غير القرآن سأجيب: سيقولون: الله، فلماذا يقول: لله؟  {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} في غير القرآن سأجيب: سيقولون: الله، الله هو بيده ملكوت كل شيء، فلماذا هنا كرر لله ولله؟

– المفسرون جزاهم الله خير وقفوا عند كثير من هذه اللقطات واللمسات؛ أولًا: تحوّل الآن بعدما ذكر الامتنان بالسمع والبصر كما ذكرنا انتقل إلى تلقين محمد، قبل، لم يلقنه، قال: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ} {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ} الآن {قُلْ} لقنه ماذا يقول لهم، قل لهم يا محمد من، {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} وهذا أمر جميل، وهو التنويع في مخاطبة؛ لأن هذا كل الخطاب على المشركين الذين أنكروا وجحدوا وأشركوا، فهنا حدثهم ثم تحدث إليهم أو تحدث عنهم، والآن يحدث النبي صلى الله عليه وسلم ليخاطبهم واسألهم عن هذه الأسئلة ولو كانوا ذوي عقول راجحة لأجابوك وقالوا: سيقولون: لله، هو يطرح السؤال ويجيب أو الاستفهام ويجيب، الذي يستوقفنا {قُلْ} و{قُلْ} و{قُلْ} ثلاث مرات، كان يستطيع أن يذكرها مرة ثم يعطف، لكن التعداد مقام التعداد والتلقين يحتاج إلى (قل)، لما أنت تقول لابنك: اذهب إلى معلمك غدًا وقل له: هل لدينا امتحان؟ وقل له، أنت تلقن ابنك كيفية السؤال، فهو الله جل جلاله – ولله المثل الأعلى – يلقن محمدًا كيفية الأسئلة صلى الله عليه وسلم، {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا} سؤال تقريري المفترض لو كانت لديهم عقول راجحة سيقولون: لله، لكن الذي أريد أن أقفك عنده {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (إن) شرطية، {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أين الجواب؟ محذوف، جواب الشرط محذوف. {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فسوف تجيبوني بالإيجاب، {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فسوف تعودون لما أقول سوف توافقون على ما أقول لكم، واضح الكلام أستاذ محمد؟ {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فسوف تقرون بما أقول لكم، {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} هذه رقم 1. السؤال الأول أتى على الأصل، لمن؟ لله، يعني إن كنتم تعلمون فستقولون: لله. فأجيبوني لكن هو لم يأتِ بالجواب حذفه وقال: {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} جملة استئنافية تقرر ما سوف يقولون. رقم 2: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} القياس سيقولون: الله، هم قالوا: سيقولون لله. لماذا؟ هم عوض أن يقولوا له: من هو رب السموات والأرض، ويعترفوا له بالربوبية كما اعترفوا في جهة أخرى، لكن هنا أرادوا أن يبتعدوا عن الإقرار بالربوبية المطلقة لله؛ لأنهم يتخذون مع الله الملائكة أربابًا، فعوض أن يجيبوا إجابة مباشرة عن من هو الرب، أجابوا عن المُلك، قالوا: لله، يعني كأن، ملك السموات والأرض لله، يشيرون إشارة غير دقيقة غير صحيحة، لم يجيبوا بشكل مباشر أن الله هو رب السموات السبع ورب العرش العظيم، بل أجابوا: لله، كأن السموات السبع والعرش العظيم هي لله ولم يجيبوا إجابة مباشرة حتى لا يصطدم ذلك بإيمانهم ببعض الأرباب بمعتقداتهم، {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} سواء من الأصنام أو ممن يعبدون من الملائكة أو من الكواكب والنجوم، في اليمن كانوا يعبدون الشعرى، فالله قال لهم: من رب السموات والأرض؟ فيقولون: لله، هنا يعني عدلوا عن الإجابة الصحيحة حتى لا يخدشوا معتقداتهم. ولكن في النهاية سيقرون. وهنا حذف (إن كنتم تعلمون)، كان القياس حسب الأولى. {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} إن كنتم تعلمون، ما اشترط عليهم لأن الأولى أغنت عن الثانية، انتهى الموضوع. {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ}، بعدين التذييل {أَفَلَا تَتَّقُونَ}، هذا الرب الإله الذي تقرون أنه يملك الأرض ويملك السموات السبع ويملك العرش العظيم أفلا تخشونه؟ أفلا تتقونه؟ لم يقل: أفلا تذكرون، {أَفَلَا تَتَّقُونَ} هذا الإله. أفلا تجعلون بينكم وبينه وقاية ووقاءً، إذًا زاد الكلام. السؤال رقم 3: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} ما معنى الملكوت؟ التصرف في الملك. الملكوت من الملك لكن لم يقل: قل لمن بيده الملك، لا، الملكوت، هنا أقول: الملكوت هو التصرف المطلق في ملك السموات والأرض وما فيها. وهي لفظة عربية ووردت في القرآن أربع مرات فقط في هذا المقام وفي مقام سورة الأنعام {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. و{فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون}[يس] و {أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء}[الأعراف]. ملكوت على وزن (فَعَلوت) وفعلوت على رهبوت ورحموت، لكنها لم تستعمل إلا ملكوت في القرآن الكريم. – القرآن فيه أوزان عجيبة وهذه الصورة وهذا الوزن عجيب وزن يفيد الإحاطة، {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ}، ستقول: الملكوت الملك الكامل، {كُلِّ شَيْءٍ}كل لفظ يفيد الإطلاق والشمول، قضية موجبة كلية لا يشذ عنها شيء، يعني هو إن قال: من بيده الملكوت، لكفته لكن قال {ملكوت كُلِّ شَيْءٍ}. بعد ذلك انظر {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} هو الذي يمنع ولا أحد يستطيع أن يمنع منه جل جلاله، هو الذي يستطيع أن يحمي ولا أحد يحمي حماه أو يصيبك شيء والله حاميك، {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، {وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ}، لا أحد يستطيع أن يخرج من ملك الله أو أن يتصرف بغير إذن الله، {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} أنى تسحرون ولا تستعملون عقولكم، بلغتنا أنّى تخدعون، ما هو السحر؟ هو الخداع.

– كيف تخدعون على عقولكم ولا تستعملونها ما دمتم أقررتم أن الله مالك الأرض وأن الله مالك السموات السبع؟ صح؟ ومالك العرش العظيم ومالك الملكوت بيده الملكوت، فأنّى تسحرون عن عقولكم؟! انظر إلى التناسق بين البداية والنهاية، وهنا لأن {مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} ذكر {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} للتذكير لأن ملكوت كل شيء هزهم هزًا عنيفًا. أضيف لك قبل أن ننتهي إن شئت من هذه الآية، هذا أسلوب الترقي سألهم عن الأرض لأنهم يعيشون في الأرض وهم أعلم بمن في الأرض

{قُلْ مَنْ بِيَدِهِ} أو ماذا قال؟ {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا} هم يعيشون في الأرض سألهم عن الأرض، ثم ترقى بهم إلى {السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}، أقروا {أَفَلَا تَتَّقُونَ} ثم ترقى بهم إلى {مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} أسلوب الترقي يعني يلقن محمدًا صلى الله عليه وسلم كي يترقى بهم إلى أن تأتي الحجة القاطعة فتقطع قول كل خطيب.

– حتى يقول الله سبحانه وتعالى:{ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}، أول شيء هنا محذوفات كأنها في الآية؟

– مئة في المئة، نعم. لأن يعني في الكلام العربي لا يستقيم هذا الكلام إلا إذا حذف منه شيء والله سبحانه وتعالى حذف أشياء والقرآن فيه حذف كثير جدًا، حتى دعني أقول لك لماذا لم تسألني قبل قليل، قلنا: أفلا تعلقون، أفلا تعقلون ماذا؟ أيضًا مفعول به محذوف، أفلا تتقون الله، محذوف، كثير من، خصوصًا الحذف في القرآن كثير، {أَفَلَا تَتَّقُونَ} هذا الذي بيده السموات والأرض؟ محذوف، {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} عن استعمال عقولكم؟ الحذف سبحان الله عما يصفونه به.

– يعني كل شيء عُلِم للقارئ لا داعي لذكره.

– هكذا، لما نحن نقول: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}: أي سبحان الله عما يصفونه به من شرك ومن ومن، محذوف. وهنا أيضًا {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}، أول شيء أريد ما علاقة هذه الآية بما قبلها أو بمحور السورة كله؟  الشيء الثاني: لما يقول الله سبحانه وتعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} في شيء هنا {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ} ما أعرف ما الذي هنا يعني يجب أن يكون؟ {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}، كل هذا سنجيب عنه في الحلقة القادمة.

https://www.youtube.com/watch?v=pci9jAdixoA&index=26&list=PLkfWtLTtKgCNPVnTm3YD9deZOub0-yPc5