في رحاب سورة

في رحاب سورة النور – 5 – د. محمد صافي المستغانمي

في رحاب سورة – د. محمد صافي المستغانمي

قناة الشارقة – 1437 هـ – تقديم الإعلامي محمد خلف

في رحاب سورة النور – 5

تفريغ موقع إسلاميات حصريًا

المقدم: في الحلقة الماضية توقفنا في منتصف سورة النور تقريبًا والحديث لا يزال متواصلًا عن سورة النور والتي موضوعها الرئيسي الأسرة المسلمة والمحافظة على الأسرة المسلمة ونبذ كل ما يخل بتكوين هذه الأسرة الذي من خلاله يخل المجتمع الإسلامي كذلك فالأسرة هي اللبنة الأساسية في تكوين المجتمع لذلك جاءت هذه السورة التي لو شئنا أن نسميها في غير القرآن لسميناها سورة الأسرة المسلمة. وهذا كذلك لا يخالف بأن فيها بعض الموضوعات التي لها علاقة بموضوعها الرئيسي. لا زال الحديث متواصلًا عن الحديث للمؤمنين والمؤمنات فيما يتعلق بالاستئذان والنكاح والآن نأتي إلى قضية جديدة بعد أن قال الله سبحانه وتعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٣٢﴾ النور) ما المقصود بقول الله سبحانه وتعالى في هذه الآية؟ من هم الأيامى؟ ولماذا يكون التزويج للصالحين؟ وهل غير الصالحين لا يزوَجون في المجتمع الإسلامي؟

د. المستغانمي: سورة النور هي سورة الأسرة المسلمة كيف تبني الأسرة وإذا ما بنيت الأسرة المسلمة على صلاح وعلى سداد وعلى قاعدة صلبة من الإيمان والعفاف والطهر فإن ذلك ينصب في تكوين مجتمع مسلم. كما سبق أن تحدثنا عن آيات الزنا التي جاء فيها حد الزنا وجاءت بعدها الآيات تنهى عن القذف وعن الرمي رمي المحصنات ورمي الأزواج ثم جاءت الآيات التي حثت المؤمنين على غض البصر وحثت المؤمنات على غض البصر وحثت المؤمنات على عدم إبداء زينتهن إلا لمن هم من أقاربها وفصّلت والآيات التي تحدثت عن الاستئذان للبالغين لأنه ستأتي الآيات عن الاستئذان الخاصة بالأطفال. وهنا جاء موضع أمر الله جلّ جلاله لأولياء الأمور للناس أن يزوجوا الأيامى (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) أي سهّلوا تزويج الأيامى. الأيامى جمع أيّم والأيّم كل من لا زوج له من رجل أو امرأة، بعض العلماء مثل بعض اللغويين يقولون الأيّم هي المرأة التي لا زوج لها  بدليل أن الأيم لا تأخذ التاء امرأة أيّم مثل امرأة حائض وامرأة طالق وامرأة أيّم وبعض المفسرين الآخر الذي جرى عليه المفسرون يقول رجل أيّم وامرأة أيّم كلاهما لا زوج له لكن عرف وشاع أن الأيم هي المرأة التي لا زوج لها ولكن لكن لا تكون بكرًا بمعنى إما من طلاق أو من موت الرجل. الأيامى أصلها أيائم، وردت في الحديث. (أنكحوا) بمعنى زوجوا والمعنى المبطّن: سهّلوا عملية التزويج، ونحن في سورة النور التي تأمر بتسهيل عملية الزواج اتقاء وقوع الناس رجلا ونساء في جريمة الزنا فمن هذا الباب لا بد أن نفهم. بعض العلماء قالوا للوجوب وبعضهم قال إذا كان الرجل أو المرأة عفيفة تستطيع أن تتحكم في ذاتها فالأمر للندب وهذا أمر يعود للفقهاء .الذي نقوله (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) أي سهلوا عملية التزويج. وهنا الحديث عن الأيامى المرأة الحرة بدليل الآية التي بعدها (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) خصصت معنى الأيامى فقط للحرائر، الصالحين من عبادكم من المماليك الأرقّاء الذين يعملون عندكم قديما كان ملك اليمين موجودًا والجواري اللواتي عبر عنهم بالفتيات في بيوت المسلمين فقال (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى) أي زوجوا بناتكم الحرائر وأيّ امرأة قلّ مهرها كثرت بركتها فالإسلام يسهّل عملية التزويج. بعد ذلك قال (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ) من الأرقاء ومن الجواري الصالحين منهم. كلمة الصلاح توقف عندها العلماء قالوا

  • الصالحين بمعنى الأعفّاء والعفائف بمعنى الطاهرين الملتزمين بالدين.
  • الرأي الثاني: والصالحين للزواج عندهم قدرة وقابلية للزواج على طريقة “من استطاع منكم الباءة فليتزوج”

إذن كلمة الصالحين لها معنيان، السؤال الذي قد ينشأ وأنكحوا الصالحين من عبادكم الذين فيهم الصلاح، هل غير الصالحين لا يُسهّل لهم عملية النكاح والزواج؟ لا، في الحقيقة  كثير من الناس ربما يتباطأ من أولياء الأمور الذي عنده عبد مملوك يقول عبد صالح نقي يقرأ القرآن هذا أولى أن تسهل له الزواج حتى لا يقع في العنت والذي يكون غير صالحًا هذا من باب أولى هذا مفهوم الفحوى، من باب أولى إذا كان عندك عبد أو جارية إن كانوا صالحين فمن باب أولى غيرهم، هذا المعنى الذي يحل الإشكال. بعض المفسرين وقع في الإشكال وبعضهم حلّ الإشكال. إذن (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ) حاولوا المساهمة في تسهيل الزواج، إذن فحوى الآية غير المنطوق: أن غير الصالحين أولى بالتزويج.

المقدم: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) لماذا تحدث عن الفقر في عملية الزواج؟

د. المستغانمي: لأن كثيرا من أولياء الأمور الرجل الذي في بيته مماليك يتخوّف من المصاريف، قال الله سبحانه وتعالى للأسر، للرجال والنساء يخشون إن أتت المملوكة بأولاد أن تزداد المصاريف والله سبحانه وتعالى يقول إن يكونوا فقراء فسوف يغنيهم، رزقهم سوف يأتي معهم ومع أولادهم فلا تحمل عنت الفقر على طريقة قوله تعالى (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) أو (من إملاق) إن يكونوا فقراء وعد من الله جلّ جلاله سيسهل لكم ولهم عملية الرزق فالرزق من عند الله سبحانه وتعالى.

المقدم: لا تنطبق هذه المسألة حتى على الأيامى لأن كل من يفكر في الزواج يفكر في قضية المصاريف

د. المستغانمي: قال العلماء تنطبق.

المقدم: فمعناها لا تفكروا في قضية المصاريف والفقر كما في قوله تعالى (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق)

د. المستغانمي: وفي الحديث: ثلاثة على الله أن يعينهم ومنهم الناكح المتعفف الله عز وجلّ يعينه، والغازي في سبيل الله كما ورد في الحديث.

المقدم: الكلمات التي تدل على الزواج كثيرة منها الزواج والنكاح والإحصان كلها وردت في القرآن فلماذا استعمل النكاح هنا؟

د. المستغانمي: دائمًا في القرآن كلمة النكاح يعني التزويج، بمعنى عقد الزواج (وأنكحوا الأيامى) (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) أي فتزوجوا، والإحصان أيضًا مقصود به من كان محصنًا أو محصنة.

المقدم: ما دلالة ختم الآية بالسعة حين قال (وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)؟

د, المسغانمي: الله الواسع جلّ جلاله هذا اسم من أسماء الله الحسنى. الله الواسع مطلق في العلم، واسع العطاء، واسع الرحمة ويعطي حسب حكمته وعلمه (وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) واحد يقول زوّجت ابنتي ولكن ما جاءهم مال لا، الله واسع العطاء واسع الفضل والنعم عليم يضع ما يشاء ويعطي ما يشاء وفق علمه وحكمته  هذا التذييل ليرينا أن القضاء والقدر بيده يرزق من يشاء “إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لفسد حاله وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لفسد حاله” الله العليم فأنت أسنِد الأمر لصاحب الأمر.

المقدم: الربط ما بين النكاح والسعة في المال يأتي في الآيات التي بعدها قال تعالى (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ما المقصود بـ(يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)؟

د. المستغانمي: (وليستعفف) الذي وجد وانطلق الله جلّ جلاله سيساعده والذي لم يجد مؤونة هذا الزواج من الأحرار والحرائر فليستعفف بمعنى فليطلب العافا وهذه مبالغة في طلب العفة عن طريق الصوم، عن طريق تلاوة القرآن، فليلتزم بقوانين الشرع وآداب أخلاق الإسلام فإن الله سبحانه وتعالى سوف يغنيه جلّ جلاله. ثلاثة على الله أن يعينهم الناكح المتعفف أي المتزوج الذي يريد العفاف. على هذه الشاكلة الآية تعد كل من له نية حسنة في الصلاح لكي يتزوج فإن الله سوف يغنيه وسوف يفتح له أبواب الرزق.

المقدم: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ) ما العلاقة بين هذه المسألة وما بين الآية التي قبلها؟

د.المستغانمي: قبل قليل قال (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) عبّر عن الأرقّاء الذكور (عبادكم) وعن الجواري (وإمائكم) ممكن أحد يقول هؤلاء فقراء، وعد الله أنه سوف يغنيهم، العبد لا يخرج عن طاعة سيده وما نده مال وهو تحت مظلة البيت فقال (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ) العبد حتى في الجاهلية قبل الإسلام يقول لسيده أنا أريد أن أكاتبك بمعنى يطلب منه عقد مكاتبة أن تعطيني حريتي مقابل عوض كذا ويكون العوض منجّما أعمل وأرد لك هذا العوض فرضًا حريتي مقابل عشرة آلآف درهم وأعطيك ألفًا بعد كل شهرين ويتكاتبان يكتب بينهما كاتب، هذه تسمى عملية المكاتبة تدخل في تسهيل عملية الزواج أًيضًا (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) إن علمتم أن مقصودهم صحيح ونيّتهم صحيحة سيوفون بهذا الأمر وأنهم يريدون الصلاح فعلًا وليس إن علمتم أنهم يريدون الإباق ومجرد الهروب، إن علمتم الصلاح وإرادتهم الخير. فالمكاتبة هي عقد بين المالك والعبد مقابل عِوَض معين ويكون منجمًا وهذا معروف في الفقه الإسلامي وهذه وسيلة من وسائل تجفيف الرقّ، محاربة الرقّ. كثير من الناس يقولون الإسلام فيه (وما ملكت أيمانكم) نقول كانت موجودة لكن لا الإسلام ولا غير الإسلام يحرر العبيد بلحظة، بآية، لو حرر العبيد بآية وخرج عشرات الآلآف من العبيد ومن الجواري لا أسرة لا بيت لا مال ستنشأ مشكلة أخرى أكبر مما كانت فالقرآن جفف المنابع وهذه وسيلة من وسائل تجفيف المنابع (فَكَاتِبُوهُمْ) وقعت في قتل خطأ: تحرير رقبة، ظاهرت من زوجتك: تحرير رقبة الذي يظاهر من زوجته ويقول أنت عليّ كظهر أمي يحرر رقبة، هذه وسائل إلى أن جفّت منابع العبيد واختفت وهذه حكمة إلهية في علم الاجتماع.

المقدم: اختفت شيئا فشيئا بدون أن تسبب أي مشكلة اجتماعية في المجتمع. قال الله سبحانه وتعالى (وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ) أي ساعدوهم، فيه حثّ كذلك على مساعدتهم.

د. المستغانمي: وهذا شيء عظيم من المالك أن يتفضل بمساعدة العبد المملوك ويصنع له مستقبلا.

المقدم: ما العلاقة بين هذا الأمر وبين ما يلي (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) هل كانوا بالفعل يُكرهون الفتيات على البغاء؟ والفتيات هنا مقصود بها الجواري

د. المستغانمي: في الجاهلية كانو يفعلون. الله تعالى يرفع الأسلوب فقال (فَتَيَاتِكُمْ) والرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا تقولوا عبدي وأمتي وقل فتاي وفتاتي” وهذا من احترام الإنسانية وكلمة فتاة تطلق على أي فتى، ابنك فتى. وكأن هذه بمثابة ابنتك. بعض الجاهليين كانوا يُكرهون الجواري على البغاء والبغاء هي عملية زنا بمقابل، الزنا قد يكون طواعية بين اثنين ولكن البغاء بمقابل أموال وهذه كانت موجودة في الجاهلية. إذن يقال في مجتمع المدينة المنورة كانت بعض الجواري لعبد الله بن أبي بن سلول سيد المنافقين الذي تولى كبره تكلم في حديث الإفك، كانت لديه جواري معاذة، ستٌ من الجواري جئن واشتكينه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول الآية التي تحرم الزنا فجاء القرآن عامًا ليس له فقط وإنما للجميع (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) نزلت على الغالب لأنها حالة وقعت وجئن لكن لو لم تريد تحصنًا هي لا تسأل عن الحكم. (إن) شرطية لكن نزلت على الغالب الواقع في المجتمع الفقهاء الأصوليون يقولون ليس لها مفهوم مخالفة بمعنى إن لم يردن تحصنًا فأكرهوهن، لا، هذا غير مطلوب لكن الآية وصفت حالة واقعة فقال (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) الله أعلم بنواياهنّ لكن لو لم يكنّ يردن التحصن ما جئن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتكين. قال بعدها (لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) لتبتغوا مالًا، كان الرجل منهم يقدّم الجواري

المقدم: ما قال مالًا وإنما عرض الحياة الدنيا

د. المستغانمي: لأنه عارض وسوف يذهب، كل مال الدنيا عرضٌ زائل

المقدم: كأنه يذكرنا نا بزوال هذا المال

د. المستغانمي: فيه إشارة للزوال وهذا من الإرداف عوض أن يقول: لتبتغوا مالًا عارضا فعبّر بالمرادف وهو إرداف ليفيد معاني جديدة

المقدم: وقبلها بقليل قال (وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ)

د. المستغانمي: لو جاء هنا بلفظ آخر قد يقول ما المطلوب مني؟ أعطاه الشيء الواضح: آتوهم من مال الله الذي آتاكم فكما تفضل عليكم تفضلوا عليهم.

المقدم: نأتي بعدها لمسألة قد يحار البعض فيها (وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) غفور رحيم لمن؟ ربما يقول البعض في غير القرآن كان يمكن أن يقول شديد العقاب لمن يكرهوهن.

د. المستغانمي: ومن يكرهنّ فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم، غفور لمن؟ لدينا في هذه العملية جانبان: جانب المُكرِهين وجانب المُكرَهات النساء، الله غفور للمكرهات وليس للمكرهين. لو قال: ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور للمكرهين، تناقض الكلام قال (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ) فكيف ينهى عن شيء ويقول إن الله غفور رحيم؟! إذن المغفرة والرحمة للفتيات المكرَهات ما عندها قوة، حتى إن عبد الله بن مسعود كان يقرأ هكذا وإن كانت قرآءته تعتبر شاذة لم يقرأ بها القرّاء العشرة، كان يقرأ: فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم لهنّ (يضيف كلمة لهنّ) هذه قرآءة بالتفسير، يستأنس بها في الشرح.

المقدم: لا يقرأ بها في الصلاة. بعد ذلك يقول الله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ) هي مبيِنات أو مبيَنات؟

د. المستغانمي: القرآءتان صحيحتان، في قرآءتنا في حفص عن عاصم مبيِنات بكسر الياء ومبيَّنات بفتح الياء، اسم فاعل واسم مفعول وكلاهما قرآءة سبعية صحيحة، فهي توضح غيرها وهي في ذاتها مبيَّنة واضحة.

المقدم: هنا (وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) ما المقصود بـ(وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا)؟

د. المستغانمي: هنا الآيات المبيِّنات والمبيَّنات الواضحات وصفها الله تعالى بثلاث صفات: بأنها مبيِّنة ومبيَّنة وبأنها تنبئنا عن مثل الذين من قبلنا وبأنها موعظة. الآيات السابقات التي تحدثت عن حادثة الإفك، من التي رميت بالإفك؟ عائشة المطهرة سيدة عظيمة زوجة رسول عظيم، من مثلها عندما رمي يوسف عليه السلام في التاريخ الإسلامي اتهمته امرأة العزيز حتى برأه الله وشهد شاهد من أهلها على برآءته، ومريم عليها السلام اتهمت (لقد جئت شيئا فريّا) ورموها بالبهتان العظيم وبرّأها الله، فما مثل عائشة التي اتهمت بهذه الفرية العظيمة الشنيعة التي لا أصل لها مثلها مثل من سبقها من الأنبياء ومن النساء اللواتي كُرّمن مثل مريم. وموعظة للمتقين، القرآن كله وعظ، والموعظة وهي أن تتخول المخاطب بكلام رقيق يستجيشه ويستميله إلى أن تصل به إلى ما تريد فأنت تعظه، هذا غير النهي. الوعظ هو أن تحرك مكامن الوجدان حتى يتأثر والقرآن كله مواعظ.

المقدم: لماذا قال (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) أليس الأولى أن يكون موعظة لغير المتقين؟

د. المستغانمي: في القرآن هدى للناس، هدى للمتقين، هذا بيان للناس. القرآن وضحه الله سبحانه وتعالى للناس للعالمين ولكن الخطاب هنا للمجتمع المسلم فأراد الله تعالى أن يرقى بالمجتمع المسلم إلى درجة التقوى ونحن في كل الآيات تأمر بالتقوى، كأنه يمدحهم ويثني عليهم ويأمرهم أن يسموا إلى درجة التقوى.

المقدم: نأتي إلى الآية العظيمة (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿٣٥﴾) ما موقع هذه الآية في السورة؟ ما علاقتها بمحور السورة؟ محور السورة الأسرة المسلمة وهنا لا يوجد حديث عن الأسرة المسلمة حديث عن ذات الله سبحانه وتعالى وهناك صورة جميلة مجازية؟

د. المستغانمي: هي المحور بمعنى الله أساس كل الأنوار وهو أصل الهدايات حتى إن الإمام الطبري يقول (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي هادي السموات والأرض، الإمام الطبري وابن كثير هم من علماء أهل السنة. يقولون الله نور ويثبتون ذاته العلية ما أثبت لنفسه. (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ) نقول ما قال به علماؤنا الكبار ولا نتجاوز في التحليل إلى أن نشِطّ أو ننزلق، نحن نقول بما قال به أهل السنة والجماعة ونحن من أهل السنة، ثمّة معتزلة، ثمّة شيعة، لهم آراؤهم. نحن نقول الرأي السديد ولا ننزلق وهو نثبت لله ما أثبت لذاته في الأسماء والصفات فالله نور، ما هذا النور؟ ما شكله؟ لا نمثّل ولا نجسّم الكيف مجهول والسؤال عنه بدعة حتى إن ابن تيمية قال: الله نور في ذاته، الله نور في آياته، الله نور في صفاته، هذا كلام شيخ الإسلام في دقائق التفسير وتبعه تلميذه ابن القيم الله نور نثبت ما أثبت لذاته. نأتي للشق الثاني (مَثَلُ نُورِهِ) ليس المقصود نور الله بمعنى ذاته، قال الطبري: مثل الهداية التي يقذفها في القلوب، مثل القرآن الذي جعله ينير الطريق أمام الناس، مثل الوحي، المعرفة.

المقدم: لماذا قلنا في النور الأول بأنه نور ذات الله جل في علاه وفي النور الثاني هو نور الهداية؟

د. المستغانمي: لأن الأول مسند إلى الذات العلية (الله نور) مبتدأ وخبر. فأثبت لنفسه أنه نور، ما نوع النور؟ لا يستطيع أحد من الخلق أن يحدده أن يشبهه أن يمثّله، نقف عند الآية ونثبت له صفة النور وهو اسم من أسمائه الحسنى. أما الثاني فهو وضحه جلّ جلاله لأنه قال (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) نور القرآن وورد في القرآن (قد أنزلنا إليكم نورا مبينا) النور هو القرآن ينير الطريق (قد جاءكم من الله نور) النور محمد صلى الله عليه وسلم فكلمة النور لها عدة معاني.

المقدم: القرآن يفسر بالقرآن

د. المستغانمي: نور الهداية نور التقوى نور معرفة الوحي التي جاءت تنير طريق المسلمين المؤمنين بدليل أن الكافرين يعيشون في ظلمات (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ) الكافر يعيش في ظلام الجهل، ظلام الشرك، فالنور المقصود نور الهداية نور المعرفة، نور القرآن.

المقدم: نحن نبطل كل من قال مثل نور الله المتمثل في هذه المشكاة فيها مصباح

د. المستغانمي: هذه ليست تمثيلا لكلمة النور (الخبر) إنما نثبت أن الله نور أما الثانية تشبيه تمثيلي لنور الهداية. ما موقع الآية من السورة؟ السورة كلها هداية، كلها بيان (كذلك يبين) (آيات مبينات)، فنور الهداية اكتسبه المؤمنون من نور الوحي من نور القرآن إذن هي أصل بيان كل أحكام الأسرة. هل نجد هذا الميثاق وهذا الدستور الخاص بآداب المرأة المسلمة والأسرة المسلمة في أيّ قانون من قوانين البشر؟ يأمر غض البصر ويأمر المرأة بغض الطرف ويأمر بالعفاف ويسهل عملية التزويج ويأمر المرأة بإبداء زينتها لطوائف معينة، فيه قوانين دقيقة هذه لا توجد في جهة أخرى كل شيء مباح وبالتالي يقعون في حمأة الفواحش التي ما أنزل الله بها من سلطان!

المقدم: (الله نور) قلت هذا نور الله سبحانه وتعالى والثانية (مثل نوره) قلتم تشبيه تمثيلي، ما المقصود بالتشبيه التمثيلي؟ وهناك تشبيه مجازي وتشبيه بليغ وضمني

د. المستغانمي: التشبيه التمثيلي هو نوع من أنواع التشبيه والبلاغيون يقولون هو أرقى أنواع التشبيه. مثلا في اللغة العربية عندما نشبّه نقول أحمد كالأسد في الشجاعة، لو قلنا أحمد أسدٌ هذا تشبيه بليغ، إذا حذفنا وجه الشبه وأداة التشبيه يكون تشبيهًأ بليغًا. لو قلنا أحمد كالأسد في الشجاعة، هذا تشبيه تام الأركان. أبو فراس الحمداني يتكلم عن نفسه يقول:

سيذكرني قومي إذا جدّ جِدّهم  وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

هذا تشبيه ضمني هو ما قال أنا بدر وإنما قال “وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر” شبّه نفسه بالبدر وسيذكره قومه يومًأ ما عندما تدلهمّ الخطوب. التشبيه التمثيلي أرقى لأنه تشبيه هيئة بهيئة، تشبيه حالة بحالة ويكون وجه الشبه ليس في كلمة وإنما يكون منتزعا من متعدد، أحد الشعراء الكبار يقول:

وأصبحتُ من ليلى الغداةَ (ليل كانت تعده بالوصل فيقول أصبحت من وعدها التي دائما تسوّف ولا ينال منه شيئا هذه حالة واقعية)

وأصبحتُ من ليلى الغداة     كقابض على الماء خانته فروج الأصابع

حالة جميلة، هو شبّه وعود ليلى وعدم تطبيقها لوعدها وعدم مبالاتها والحالة النفسية التي عاشها كإنسان قابض على الماء لو قال قابض على الماء وسكت لما اكتمل التشبيه ولكنه قال كقابض على الماء خانته فروج الأصابع، هذا تشبيه تمثيلي. القرآن مليء بالتشبيه التمثيلي، عندما وصف القرآن اليهود (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) [الجمعة: 5] لو قال كمثل حمار وسكت لا يتضح التشبيه ولو قال كمثل الحمار يحمل لا يكتمل التشبيه يحمل أحجارا لا يكتمل، ولكنه قال (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) إذن مثل اليهود الذي حملوا التوراة ثم لم يعملوا بمقتضاها ولم يتدبروها ولم يطبّقوها كمثل الحمار يصفهم بالبلادة والحمار يحمل كتبا وأسفارًا – لا أثقالًا – ولا ينتفع به، فكل هذه التقنيات تساعد على الإيضاح, وهنا مثل نور الهداية والعرفان ومثل نور القرآن الذي يعطيه الله للمؤمنين كمثل مشكاة المشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري هنا لدينا متعدد مثّل الله به نور الهداية ونور العرفان.

———-فاصل————-

المقدم: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿٣٥﴾) لنقف عند مفردات هذه الآية: ما المشكاة؟ ما المصباح؟ كيف تمثيل هذه الآية؟

د. المستغانمي: هو كلام دقيق ولا بد أن نقف وقفة حذر في وصف هذا التشبيه التمثيلي. أولًا التشبيه التمثيلي لنور الهداية في قلوب المؤمنين. مثل نور الهداية في قلوب المسلمين نور القرآن الذي ينور قلوبنا جميعًا إن شاء الله كمشكاة والمشكاة هي كوّة في حائط غير نافذة إذا كانت نافذة تسمى النافذة في حائط التي تُرى من الجهتين أما الكوة فهي نصف دائرية في حائط ويقولون مشكاة كلمة حبشية استخدمها العرب وعرّبها العرب. (فِيهَا مِصْبَاحٌ) المصباح معروف مصباح الإنارة كان من زجاج أو غيره، أيّ شيء ينير المصباح مهما كان شكله هو أداة الإنارة والإصباح لأن صيغة مِفعال في اللغة اسم آلة مثل مفتاح وسيلة الفتح، مصباح وسيلة الإصباح والإنارة، منشار وسيلة النشر. (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ) أيهما أهم المشكاة أم المصباح؟ المصباح لا شك. لو كان التشبيه بسيطًا لقال مثل نور الهداية كمصباح لأن المصباح هو الذي ينير، لكن الله تعالى لا يريد هذا التشبيه البسيط وإنما يعطينا الصورة الكلية حتى تتخيل كوة منحصرة فيها مصباح أشعته لا تتشت وتنشتر، في كوّة هذه الكوة تعكس شدة الإنارة. (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) مصباح نكرة هنا، (الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ) قد تسأل لماذا قال (فيها مصباح المصباح) وكان يمكن في غير القرآن أن يقال كمشكاة فيها مصباح في زجاجة؟ كرر المصباح لأن هذا في البلاغة تشابه الأطراف: يشوقك: كمشكاة فيها مصباح، العربي اللغوي يسأل: أي نوع من المصباح؟ المصباح المذكور في زجاجة، أي نوع هذه الزجاجة؟ الزجاجة كأنها كوكب دريّ يُترك السامع يتفاعل. إذن عندما تأتي بكلمة نكرة ثم تأتي بها معرفة هذه تشابه الأطراف، هذه بلاغة، قمة البلاغة!. إذن كمشكاة فيها مصباح معيّن، أداة إصباح، المصباح في زجاجة، زجاجة نكرة، العرب عرفوا الزجاج والإغريق عرفوا الزجاج قديمًا ونحن نعرفه الآن. الزجاجة كأنها كوكب دريّ الكواكب عندما ينعكس عليها ضياء الشمس تنير، هذا تشبيه عادي ضمن التشبيه الكلي. الزجاجة كأنها كوكب دري هذا تشبيه عادي دخل ضمن التشبيه التمثيلي المركّب وسأعطيك فائدته: الزجاجة كأنها كوكب دريّ من الدُر المشعّ وبعض القُراء قرأها (دِرّيء) فِعّيل من درأ يدرأ الظلام بمعنى يلاشي الظلام يدفع الظلام ويبعده، قرآءة صحيحة ولكن القرآءة المشهورة عندنا حفص (دُريّ) من الدر الذي يلمع ويسطع. وهذه الصيغة دري ولُجيّ هذه الصيغ قليلة في الاستعمال ووردت في سورة النور وهي من أيقونات السورة. (كوكب دريّ) هذا الكوكب الدري يأتي بمادة الإيقاد الزيت، المصباح يحتاج لمادة إيقاد والعرب كانوا يوقدون المصابيح بالزيت لكن أيّ نوع من الزيت؟ من شجرة مباركة قال العلماء هي شجرة الزيتون هي مباركة قال صلى الله عليه وسلم: كلوا منه وادّهنوا. وفيه فوائد عجيبة وزيته المعتصر منه يفيد الجسم فوائد غذائية وطبية وصحية وفي الوقود النار أصفى ما تكون عندما تكون من الزيت الجيد. هنا قال (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ) ما زلنا في نفس السياق لو شاء لقال يوقد من زيتونة، لكن القرآن سماها من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية. أبهم في البداية ثم فصّل، الإبهام ثم التفصيل تقنية تجذب الناس (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ) المصباح يوقد من شجرة أنت تتساءل أية شجرة؟ مباركة لشيئين: لما فيها من فوائد البركة ولأنها من شجرات البلاد المباركة الشام وأول ما جاء الزيتون وأنبته الله في بلاد الشام وفي سيناء كما ذكرنا في سورة المؤمنين، في سيناء كلم الله موسى وهي شجرة مباركة وبلاد الشام قال الله فيها (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 71]. مباركة زيتونة هذا نوعها، لا شرقية ولا غريبة. أصل الشجرة من نوع أشجار الزيتون، لا شرقية ولا غريبة هنا خاض فيها العلماء ليست موجودة في الشرق مباشرة للشمس وليست غربية تحتجب عنها الشمس إذن هي شجرة في مكان وسط، هي شجرة في الوسط تتعرض للشمس صباح ومساء وهذا أصفى لزيتها وأجود له. في اللغة عندما نجد بين كلمتين متعاكستين (لا ولا) فإننا نقصد الوسط (لا شرقية ولا غربية) (لا فارض ولا بكر) وسط بين ذلك (لا إله هؤلاء ولا إلى هؤلاء) لما تجد كلمتين متضادتين في المعنى يقصد الوسط حتى إن صاحبة حديث أم زرع لما وصفت زوجها أبا زرع قالت: زوجي كليل تهامة لا حرّ ولا قرّ بمعنى مزاجه وسط. وهنا لا شرقية ولا غربية يعني هي وسط وذلك أجود لنوعية الزيتون وأصفى لزيتها. تخيل هذا التصوير لهذا المصباح: جمع لهذا المصباح كل وسائل الإنارة والإشعاع والإصباح: (مشكاة) تحصر الضوء، لو قال في غرفة الشمس مضيئة لكن ضوؤها ينتشر في الكون هو أراد جلّ جلاله أن يعبّر عن شدة الإضاءة في مكان منحصر، يكون في قلب المؤمن. المشكاة تضم هذا المصباح في زجاجة هذه الزجاجة شفافة هذه الزجاجة كأنها كوكب، هذا المصباح يوقد من شجرة مباركة زيتها أصيل من بلاد الشام أو تكون معرضة لأشعة الشمس صباحًا ومساءً وذلك أصفى لزيتها، والعرب كانوا يعرفون ذلك.

(يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) الزيت مضيء. كأنه يقول: يكاد زيتها يضيء سواء مسته النار أو لم تمسسه النار (ولو لم تمسسه نار) دلت على الجملة المحذوفة، بلاغة! هذا حذف في القرآن، يكاد زيتها يضيء سواء مسته النار أو لم تمسسه نار. ثم قال (نُورٌ عَلَى نُورٍ) نور مضاعف نور المشكاة نور المصباح نور الزجاجة نور صفاء الزيت كيف يكون هذا النور؟ الله تعالى عبر عنه قائلًا (نُورٌ عَلَى نُورٍ) نور مضاعف

المقدم: (نُورٌ عَلَى نُورٍ) ما المقصود بالنور الأول والنور الثاني؟

د. المستغانمي: نور مضاعف، انتقلنا إلى نور القرآن نور على نور، لما تأتيك سورة البقرة هي نور سورة آل عمران نور في قلوب المؤمنين، يشبّه نور القرآن في قلوب المؤمنين.

المقدم: ألا يحتمل أن يكون المقصود بـ(نُورٌ عَلَى نُورٍ) نور الله الذي بدأ فيه في الخبر الأول (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ثم (عَلَى نُورٍ) نور الهداية؟

د. الستغانمي: كله وارد وهذه الآية محتمِلة ولذلك تكلم فيها العلماء في مئات الصفحات. مثّل الله نور الهداية في القلوب نور معرفة الوحي شجرة الوحي التي أنزلها الله سبحانه وتعالى عن طريق جبريل عليه السلام أمين السماء إلى أمين الأرض محمد صلى الله عليه وسلم هي تنير القلوب وتهديها بدليل (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) هذا مثل لنور الإسلام، نور القرآن الذي يقرأ القرآن يعيش في النور والدليل ما سوف يأتينا من أن الكفار يعيشون في الظلام ظلام الشرك ظلام الإلحاد ما عنده وازع، حتى عندما ينام لا يعرف، أسلمت لمن؟ أنت تذهب للنوم تصلي العشاء وتقول ربي أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك، أما إنسان لا دين له إلى من يلجأ؟! هذا إنسان يعيش في ظلام الشرك، والإلحاد لذلك الآية تمثّل نور الهداية والله أعلم.

المقدم: التشبيه التمثيلي لا يقف تتوالى صور كثيرة في الآيات التي تلي فيقول في الآية التي بعدها (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ ﴿٣٦﴾ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴿٣٧﴾) لماذا قال (فِي بُيُوتٍ)؟ بدأ بشبه جملة جار ومجرور، عادة يبدأ بالاسم مبتدأ أو خبر قبل المبتدأ أو جملة فعلية لكن هنا شبه جملة جار ومجرور فهل في ذلك دلالة؟

د. المستغانمي: في كل ذلك دلالة سواء عرفنا أم لم نعرف، في كل القرآن الكريم، هنا الآية بدأت (فِي بُيُوتٍ) وسورة قريش السورة بدأت بجار ومجرور (لإيلاف قريش) ولا توجد سورة غيرها بدأت بجار ومجرور. هنا يشير ويعلمنا جميعًا السورة التي قبل سورة قريش هي سورة الفيل، لماذا فعل ربك ما فعل وأهلك أصحاب الفيل؟ لإيلاف قريش. لكي تألف قريش رحلتي الشتاء والصيف فعل الله ما فعل بأبرهة ومن معه إذن  بدأت سورة قريش بالجار والمجرور لتبين شدة ارتباط سورة قريش بسورة الفيل حتى إن بعض العلماء عدّوها تتمة لها. وهنا (فِي بُيُوتٍ) تتعلق بماذا؟ الراجح عند العلماء (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا) يسبح لله فيها رجال، (فِي بُيُوتٍ) البيوت هنا يقصد بها المساجد (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) الله جلّ جلاله أمر أن يذكر اسمه في كل مكان لكن (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) أنها المساجد وهذا قول المفسرين، بيوت الله فالجار والمجرور متعلقة بالفعل المتأخر (يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ ﴿٣٦﴾ رِجَالٌ) كأنه يقول: يسبح رجال في بيوت فيها (فيها) الثانية مؤكدة للأولى، هذا المعنى الأول. لماذا بدأها (فِي بُيُوتٍ) كان من الممكن أن يقال: يسبح لله في بيوت، أتت على هذا النسق لأنها تحتمل أشياء والقرآن فيه إشعاع بالإعجاز. (فِي بُيُوتٍ) وأنا أميل إلى هذا الرأي تتعلق بالتشبيه التمثيلي كمشكاة فيها مصباح المصباح أين يوقد؟ في بيوت، أين يوجد نور الهداية؟ أين يشع نور القرآن؟ في بيوت أذن الله أن ترفع، في بيوت متعلقة بالتشبيه التمثيلي. الكوة تقع في بيت من بيوت الله، تكون في منزل جميلة ولكن في بيت من بيوت الله تكون أجمل وأكثر إشعاعًا لذلك القرآن كلام للأذكياء وللحكماء وللمتدبرين كمشكاة تقع في حائط هذا الحائط يقع في بيت من بيوت الله فيه مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دريّ يوقد في بيوت أذن الله أن ترفع، هذا قمة تشبيه النور الذي يصدر من القرآن من المساجد.

المقدم: نعود في الحلقة القادمة للحديث عن هذه الآية (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ ﴿٣٦﴾ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴿٣٧﴾)

https://www.youtube.com/watch?v=LJKuQob0Kdg&list=PLkfWtLTtKgCNPVnTm3YD9deZOub0-yPc5&index=1