في رحاب سورة
د. محمد صافي المستغانمي
قناة الشارقة – 1436 هـ
الحلقة – في رحاب سورة طه – 3
تقديم الإعلامي محمد خلف
تفريغ موقع إسلاميات حصريًا
(سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53)) ما قال (فأخرج) (وأنزل يستقيم معها فأخرج) أو (وأنزلنا – فأخرجنا)؟
هذا كثير في القرآن الكريم، يسمى في اللغة العدول أو الانزياح والبلاغيون يسمونه الالتفات (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ 22 يونس) دائما الحضور والغياب لنكت معينة، ففي الفاتحة نقرأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)) ينقلب اضمير من الغائب إلى المخاطب، الإلتفات يراد به الاستحضار. وفي آية سورة طه (فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53)طه) موسى يحاجج فرعون: من الذي خلق السماء؟ من الذي خلق الأرض؟ من الذي أنزل المطر من السماء؟ الله جل ثناؤه، هناك ترقي، وهذه قاعدة متكررة مطردة في القرآن (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)الزخرف) في سورة الزخرف، وفي سورة النمل(أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)النمل) كأن الأسلوب القرآني يقول أنا أحاججك، آتي بك إلى أرضية معينة: من خلق السماء؟ الله، من الذي أنزل؟ الله، يترقى الأسلوب، ما دمت آمنت أن الله هو الذي خلق وهو الذي أخرج قال (فأخرجنا) نون العظمة تفيد الطاعة المطلقة، التفات يدل على الطاعة المطلقة، المتحدث يترقى مع مخاطبه وهذه قضية مطردة في القرآن الكريم، في سورة الأنعام (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)).
(إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)طه) ما دلالة (أكاد أخفيها)؟ هي الساعة مخفاة أصلًا
الساعة لها أجل محدد عند الله سبحانه وتعالى (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)الرعد) (مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43)المؤمنون) أخفاها حتى يبتلينا (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)الملك) الشيء المخفى نحن لا نعلمه. (أكاد أخفيها) أكاد أجعلها خافية تمامًا، كثير من الآيات في القرآن تذكر بيوم القيامة وتُهر يوم القيامة حتى يعود المجرم ويرعوي المفسد. أكاد أخفيها إخفاءها الحقيقي. أبو علي الفارسي لغوي كبير قال: أكاد أزيل خفاءها (عكس المعنى الذي يذكره المفسرون)، أكاد أجلّيها لكم لأن الهمزة تفي الإزالة، فلان أعجم الكتاب أي أزال عجمته، أكاد أخفيها يعني أكاد أزيل خفاءها، الهمزة عندما تدخل قد تفيد التعدية وقد تفيد الإعجام، الضد والإزالة، وهنا لها المعنيان وهذا من التوسع الدلالي، يجوز لنا أن نفهمها: أكاد أخفيها إخفاء حقيقيا وأكاد أخفيها أكاد أظهرها وهذا من عظمة القرآن.
قال (إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)طه) وفي مواضع أخرى قال (إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59)غافر) اللام المزحلقة المؤكدة وردت في سورة الحجر (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)الحجر) عندما يكون الخطاب مع المشركين الكافرين الذين لا يصدقون يحتاجون لتأكيد فقال (لآتية) أما موسى مؤمن صادق لا يحتاج لتوكيد. الساعة هنا يوم تقوم الساعة يُقصد بها القيامة .
في قصة موسى مع السحرة (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)طه) ما دلالة تقديم هارون على موسى؟
وردت في القرآن موسى وهارون (رب موسى وهارون) في سورة الشعراء وفي الأعراف، الأصل موسى نبي بني إسرائيل وهو كليم الله وهارون وزيره، لكن في سورة طه نجد حضورا لهارون مكثّف. في السورة صورة التثنية وأعطى الله تعالى لهارون دورا أساسيا في الآيات (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)طه) موسى نقل شعور أخيه (إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا) وفي قصة السامري أيضًا حضور هارون (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)طه) حضور هارون في سورة طه واضح مكثف فكان من تكريمه تقديم هارون على موسى ونطق السحرة الذين انقلبوا إلى مسلمين مؤمنين نطقوا باسمه أولا من وحي اللقاء ولا ينبغي أن نحكم أن هارون أفضل من موسى، بعض المفسرين قالوا لأنه أكبر من موسى هذا كلام جميل لكن ليس بدليل لأن في السور الأخرى تم تقديم موسى على هارون. ومن بركات هذا الأسلوب (آمنا برب هارون وموسى) يتناسب مع الإيقاع الصوتي لسورة طه (يخشى، أرى، هدى، ينسى…) لكن لا نقول تم تقديم هارون فقط لأجل الإيقاع الصوتي والفاصلة القرآنية، وإنما لأجل حضور هارون البارز، لأجل تكريمه شاء الله تعالى أن يقدّمه، وقد يكون السحرة مرة قالوا هارون وموسى ومرة قالوا موسى وهارون ويمكن أن بعض السحرة قالوا هذا وبعضهم الآخر قال القول الآخر، والبيان القرآني ينقل لنا الصورة ببيان عجيب.
في سورة الأعراف ذكر رب العالمين (قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)الأعراف) في سوة طه لم يرد (رب العالمين) لأنه لم يرد في السورة بهذه الكثافة التي في سورة الشعراء، في الشعراء تكرر فيها من البداية (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)الشعراء) (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)الشعراء) لما آمن السحرة قالوا (آمنا برب العالمين) الذي ورد في السياق حتى إبراهيم الخليل ورد في حديثه (رب العالمين) (إِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)الشعراء) (رب العالمين) لها حضور في سورة الشعراء فنطق بها السحرة في سورة الشعراء. قال الإمام الرازي القرآن كله كأنه كلمة واحدة دليل على الاتساق والانسجام في استعمال الكلمات.
السحرة قالوا (آمنا برب هارون وموسى) لم يعب عليهم أي شخص هذا الإيمان صحيح، فرعون قال (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)يونس) فلم يقبل منه، لماذا؟
لأنه آمن بعد فوات الأوان، عندما أدركه الغرق قالها (حتى إذا أدركه الغرق قال )
الرسول صلى الله عليه وسلم حينما جاء اليهودي وهو في الاحتضار يحثه على الشهادة (لعلي أنقذ هذه النفس) فكيف نفهمها مقابل قصة فرعون؟
لم يقل فرعون آمنت بالله رب العالمين كما يقال إيمان تحت السيف، في اللحظات الأخيرة وفرعون ما فعل وقتل من قتل وكان جزاؤه أن الله أخذه نكال الآخرة والأولى. فرعون حتى في ساعة موته متجبر متكبر ومن تكبره ما قال آمنت برب موسى وإنما قال (آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل) وفي سورة طه لما خاطبه موسى وهارون قال (فمن ربكما يا موسى) لم يقل فمن ربي يا موسى؟ موسى قال له (قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ 47 طه) كان المفترض والقياس أن يقول: فمن ربي يا موسى؟ ولكنه استنكف واستكبر ولم يقل ربي لأنه لا يريد أن يعترف بمربوبيته إله رب وخشي أن بني إسرائيل من حوله يظن أحدهم أنه اعترف أن الله ربه وهو كان يدّعي الربوبية (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)النازعات).
بعد أن آمن السحرة برب هارون وموسى توعدهم فرعون بأصناف العذاب (قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)طه) لماذا قال (في جذوع النخل) ولم يقل على جذوع النخل؟
في اللغة العربية نقول: التصليب يكون على، صُلّب على لكن فرعون الغاضب الطاغية الحاقد يريد أن ينتقم، ملك جبار طاغية كل السحرة الكابر انقلبوا مؤمنين وهو يريد أن ينتقم منهم شر انتقام فتوعدهم توعدا كبيرا فنقل التعبير القرآني تلك الشحناء وذلك الحقد الدفين العظيم الذي كان يكنه فرعون في صدره للمؤمنين الذين آمنوا فلم يكتفي بقوله (لأصلبنكم على) وإنما قال (في جذوع)، وهي نفيد الظرفية يريد أن يصلبهم في داخل الجذوع وكأن أجسادهم والجذوع داخلة في بعضها وهذه تعكس الكراهية الشديدة التي كان يكنها فرعون للمؤمنين الذين انقلبوا مؤمنين، كأنه بدل على استعارة، كأننا استعرنا في الظرفية على (على) التي تفيد الاستعلاء لأن (على) لم تقم بدورها المناسب في هذا السياق بينما (في) أدت دورها (لأصلبنكم في) وكثيرا ما تتعاور حروف الجر في اللغة العربية، يؤتى بحرف جرّ بدل الثاني (وارزقوهم فيها) بدل (منها) ارزقزهم فيها أي تاجروا في أرباحها، حروف الجر تتعاور وتتعاقب.
يرد السحرة على فرعون (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)طه) ما دلالة الواو في (والذي)؟ هل هي واو قسم
قد تكون واو القسم، أو واو العطف. قد تكون لن نؤثرك أي نفضلك على ما جاءنا من البينات والأدلة ولن نفضلك على خالقنا، فتكون الواو عاطفة. والمعنى الثاني: لن نؤثرك والله الذي فطرنا، فهي واو القسم. وأُخّرت لتفيد هذا المعنى لأنه لو تم التقديم يصبح المعنى واحدًا فقط، لو قال لن نؤثرك على الذي فطرنا وعلى ما جاءنا تصبح واو عطف فقط، لكن لما أخّرها احتملت الواو معنيين والقرآن حمّال وجوه والتوسع الدلالي حتى في حرف الواو وهذا القسم الوحيد بهذا الشكل في القرآن (والذي فطرنا).
(إنما تقضي الدنيا) الآن أقسم السحرة بالله سبحانه وتعالى الفاطر فكأن الإيمان تجلى في قلوبهم وهم لمّا يعرفون تفاصيل الشريعة؟
الإيمان مغروز في الفطرة الإنسانية أيقظه الله تعالى في قلوبهم، الإيمان كامن أيقظه ذلك الحدث، علموا علم اليقين أن ما جاؤوا به هو السحر وعلموا أن ما جاء به موسى هو المعجزة الإلهية التي تتلقف ما يأفكون، فالسحرة كانوا يبطلون عمل الله، يبطلون المعجزة الإلهية! لا، هؤلاء تابوا توبة نصحة وما يخوفهم به فرعون لا شيء، استهانوا بفرعون.
بعد ذلك أوحى الله تعالى إلى موسى (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)طه) أضل فرعون قومه واضحة، فلماذا فصّل وقال (وما هدى)؟
فرعون أضل قومه فعلًا ولم يهدهم سواء الصراط إنما أخذهم للهاوية. (وما هدى) هذا في اللغة يسمى تأكيد عن طريق الترادف (أضل – وما هدى) تساويها في المعنى فهو توكيد عن طريق الترادف وهذا كثير في اللغة العربية وفي القرآن، يؤتى بكلمات تتقارب وهذه تقوي الثانية وهي للتأكيد وتنسجم مع الإيقاع الصوتي، في القرآن عندما يقول الله تعالى عن الأصنام (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ (21)النحل) نفس المعنى الأموات غير أحياء هذا يسمونه توكيد عن طريق الترادف، يعطي معنى سلبي وآخر إيجابي. هنا أضلهم وما هداهم. الإمام العلامة الزمخشري قال (وما هدى) تهكم بفرعون، سخرية، في سورة المؤمن قال (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)غافر) رد الله عليه (وما هدى) أنت تهدي لأي شيء؟! تهديهم إلى الضلال (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)هود) ردّ الله تعالى عليه (وما هدى) ما هداهم إلى صراط الله المستقيم.
ختام قصة موسى مع فرعون وتأتي قصة جديدة حينما ذهب موسى إلى ربه وابتدع السامري بدعة جديدة وقوم موسى سألوه قبل أن يذهب كما في سورة الأعراف (قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)) بيّن لهم موسى ونهاهم ولما ذهب موسى للقاء ربه اغتنم السامري هذه الفرصة وهارون كان موجودا ولم يفعل شيئا، نلخص قصة السامري بشكل عام والفوائد منها.
بعدما اجتاز موسى وبين إسرائيل البحر الأحمر من ظلم فرعون خرجوا من مصر إلى سيناء قالوا (يا موسى اجعل لنا إلها) رأوا أناسا يعبدون شجرة لها أنواط وهم كانوا أناسا ماديين يريدون شيا محسوسا وموسى خاطبهم بشيء عقلي ذهني فطلبوا من موسى أن يعجل لهم إلها (قال إنكم قوم تجهلون) بعض المفسرين قال: لم تنشف أرجلهم بعد من ماء البحر الذي اجتازوا بعد معجزة عجيبة مادية! فأنبهم موسى (قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)) متبر هلاكك ما هم فيه من التبار أي الهلاك. فذهب موسى إلى ميقات ربه ليكلمه الله في الموعد المحدد. السامري يقال أنه لم يكن من من بني إسرائيل وإنما كان من قبيلة أخرى، السامري نسبة إلى سامرة هل هي التي كانت عند الفينيقيين أو من بقايا أهل مدين، فهذا نسبته سامري. اغتنم الفرصة وكان رجلا ذكيا وماكرا فقال هؤلاء عندهم ذهب أصنع لكم عجلا تعبدونه فصنع العجل وكان ماهرا وبحيلة معينة أنتج للعجل خوارا(فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)طه) وقال (هذا إلهكم وإله موسى) سولت له نفسه وأعاد بهم إلى الجاهلية الأولى، هارون نصحهم (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90)طه) فلم يسمعوا نصحه ولا كلامه، هارون كان مترددا أن ينهاهم نهيًا قاطعًأ فيتفرق شمل بني إسرائيل فيفترقوا وموسى أوصاه (وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي 142 الأعراف) أو أنه كان يحافظ على جماعة بني إسرائيل بالحكمة إلى أن يرجع موسى فيتصرف معهم فاختار أخف الضررين وأهون الشرّين وإن اختلفوا في العقيدة. إلى أن جاء موسى وعاتبه (يا بانؤم أمري) إلى أن خاطب السامري: ما الذي دعاك يا سامري؟ (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)) تسويل من الشيطان. العبرة من القصة أن بني إسرائيل كانوا قومًا ماديين ولما خرجوا من عند الأقباط وهربوا مع موسى أتوا بالحلي من الذهب وقذفها السامري وأخذ قبضة من أثر جبريل كما يقولون، القصة مفادها أن الله لا يُجسّم، الله جل ثناؤه هو إلهنا نؤمن به بالغيب ونثني عليه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، موسى كان يدفع لهذا الاعتقاد الصحيح ولكنهم أرادوا عجلا فلما جاء موسى بيّن لهم بالطريقة الملموسة: هذا إلهكم؟ قالوا نعم،( قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)) (لنحرقنه ثم لننسفه في اليم نسفا) حرٌّه وذراه في البحر، لم يستفد منه وبيّن لهم بيانًا ماديًا مصيره، لم يستفد من بقايا الذهب، أرادهم أن يتعلموا (انظر إلى إلهك نسفا) قال لنحرّقنه فيها تشديد ثم (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98))أرجعهم للعقيدة الصحيحة، ماذا يعلم هذا العجل؟ هل يتحدث معكم؟ (أفلا يرجعون أن لا يؤجع ليهم قولا ) قصة ترد الناس إلى العقيدة الصحيحة وبنو إسرائيل انحرفوا عن العقيدة الصحيحة فجاء موسى وأرجعهم.
(إنما إلهكم) حصر وقصر مثل قوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ(10)الحجرات). (إنما إلهكم إله واحد ) أتى بالتوحيد والعلم، الله سبحانه وتعالى له صفات كثيرة وهنا ذكر العلم والتوحيد. إنما مؤكدة تفيد الحصر والقصر كأننا أتينا بما النافية وإن، وهي تبطل ما قبلها.
بعض المفردات وردت في صيغة معينة في سورة طه مثل كلمة (رجع) هنا قال (فَرَجَعَ مُوسَى 86 طه) كلمة رجع ايقونة لفظية في سورة طه (فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ 40 طه) (أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)) بينما في سورة الأعراف قال (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)الاعراف) لأن التكليم في سورة الأعراف أكثر (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي 144) (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ 143) فناسب (أنه لا يكلمهم) أما في سورة طه فالسياق فيه كلمة رجع (فرجعناك إلى أمك) (ألا يرجع لهم قولا) (فرجع موسى) (حتى يرجع إلينا موسى).
لما رجع موسى قال (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)) هل يريد لأخيه أن يتبعه أم يريده ألا يتبعه؟ لماذا عبّر بصيغة النفي هنا؟
توقف الغويون كثيرا في هذه المسألة (يا هارون ألا تتبعن) المقصود ما منعك أن تتبعني وهذا يسمى في البلاغة الاحتباك أن يذكر المتكلم كلمة في الجملة الأولى ويعني معنى آخر في الجملة الثانية مثال: ما منعك أصلها ما منعك أن تتبعني وما اضطرك أن لا تتبعني، هي للتوكيد لم يكتفي بقوله ما منعك أن تتبعني وما اضطرك أن لا تتبعني؟ كلمة ما منعك دلت على (أن تتبعني) وكلمة (ألا تتبعني) دلّـ على المحذوف (اضطرك) وهذا هو الاحتباك.
مثال آخر (قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ 13 آل عمران) الأخرى كافرة فكيف كانت الأولى؟ تقاتل في سبيل الله معناها الأولى مؤمنة يفهم من السياق، كلمة كافرة تدل على مؤمنة وأصل الكلام: قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الشيطان، لكن لا داعي أن يقول في الأولى مؤمنة ولا في الثانية في سبيل الشيطان.
وهنا قال (ما منعك إذ رأيتهم أن لا تتبعني) أصل الكلام: ما منعك أن تتبعني وما حملك على أن لا تتبعني؟ موسى مغتاظ حتى أنه أخذ برأس أخيه ولحيته، في سورة الأعراف قال الله تعالى في قصة آدم وإبليس (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ 12 الأعراف) أصلها في سورة ص (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ 75 ص) التحليل ما منعك أن تسجد وما حملك أن لا تسجد والسياق في الأعراف أشد، هذا الاحتباك.
هارون يقول (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)) أيّ قول؟
لما جاءه موسى ولامه وعاتبه عتابا شديدا، هارون كان حليما وموسى كان لديه حدّة فقال دعني أشرح لك (لا تأخذ برأسي إني خشيت) لم يقل خفت وإنما خشيت لأن الخشية أشد من الخوف. الخشية شدة الخوف. أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولا ترقب قولي الذي قاله موسى له في سورة الأعراف (وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)) لا بد أن نقرأ القرآن متكاملا، سورة الأعراف تجيب عن القول الذي ذكره هارون في آية سورة طه.
قال (يا بانؤم) هو أخوه وهنا عدول عن ذكر الأخ، كان المقتضى أن يقول يا أخي فعدل عنها إلى (يابنؤم) ولم يقل يا ابن أبي لأن الأم تذكر بالبطن الواحد واللبن الواحد، سأله سؤالًا عاطفيا يستجيشه ويستثيره كأنه يقول ارحمني يا ابنؤم يا من جمعني بك بطن واحد ولبن واحد، عندما تناشد أخاك بأمه فأنت تشد آصرة الأمومة وهذا كلام جميل أما لو قال له يا أخي، لكن ناشده بما يجمعهم من أمور.
تنتهي قصة موسى مع السامري ونأتي إلى بعض الآيات في نهايات سورة طه. يقول الله سبحانه وتعالى (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108))
(يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ) يوم القيامة حين يحين الوقوف بين يدي الله يدعو الداعي (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ 7 القمر) الكل يأتي من الأجداث إلى أرض المحشر يوم تبدل الأرض.
(يتبعون الداعي لا عوج له) يذهبون بطريق مستقيم إلى أرض المحشر وخشعت الأصوات هنا مجاز عقلي أُسند الخشوع للأصوات وفي الحقيقة هم اصحاب الأصوات خشعوا، لا تسمع إلا همسا صوتا خفيا (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)) تصوير عجيب للموقف الشديد العصيب الذي لا يجرؤ فيه أحد أن ينبس بكلمة ولو همسا، حتى الذين يريدون أن يشفعوا والله وافق وأذن لهم أن يشفعوا لا يتكلمون (يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)) لا يستطيع أحد أن يتحدث أمام جلال الألوهية إلا إذا أذن الله له أن يتحدث.
(يومئذ لا عوج له) يذهبون مسرعون إلى الهدف يبادرون ويسمعون الكلام وقبلها قال تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)) أرض مستوية غير الأرض التي نحن عليها، أرض جديدة نظيفة ليس عليها قطرة دم فبما أن الأرض لا عوج فيها ولا أمتا أتى بالتعبير الثاني من باب التناظر (لا عوج له) بطريق مستقيم كان يمكن أن يقو مستقيم لكنه ذكر (لا عوج له) مراعاة للتناظر في الأسلوب.
من الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجبال؟ في سورة الإسراء وردت (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ (85)الإسراء) وكانت قريش سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن فتية الكهف وعن الرجل الصالح وعن الروح.
هذه الآية توقف فيها الكثير من العلماء للفاء الموجودة في الجواب (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا) الفاء في الجواب تدل على سرعة التعقيب كأن الله سبحانه وتعالى يقول: إن يسألوك عن الجبال فقل ينسفها ربي، هي واقعة في الجواب أما كل الأسئلة التي وردت في القرآن لا يوجد فيها الفاء (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ 220 البقرة) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ 85 الإسراء) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ 222 البقرة) إلا هنا (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا) المفسرون لهم تخريج جميل قالوا كأن الآية نزلت قبل السؤال، فإن يسألوك يا محمد، قال تعالى قبلها (لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) أين الجبال؟ أين جبال مكة؟ وأين جبال أراضي الحجار؟ (يجعلها ربي دكاء) إن يسألوك (فقل ينسفها ربي نسفا) ويستبدل الأرض التي عليها، فهي تحتمل هذا الجواب والفاء هنا التصقت بجواب شرط مقدّر. وقد بحثت عن المسألة عند المفسرين لأنه لا أحد يستطيع أن يقول في القرآن برأي ولكن نستنير بأقوال المفسرين الكبار.
(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)) هنا (وقد خاب من حمل ظلما) وفي قصة فرعون (وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)) وقال (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا) الظلم هو الهضم.
(تكرر افترى في السورة: وقد خاب من افترى، ويلكم لا تفتروا على الله كذبا، )
الظلم هو الانتقص، الهضم، هنا نجد (ظلما ولا هضما) وفي سورة الجن قال (فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)) في سورة طه تتميز بثوب خاص: الكثير من الكلمات المتقاربة تأتي في سورة طه (لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)) تخاف – تخشى، وهنا (ظلما ولا هضما) ظلما – هضما، كلمات متقاربة تشبع المعنى وتعطيه زيادة (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا (150)) الغضب من شيء يجعله في غضب وأسفا فيه شيء من الحزن، هو غضب مع حزن. سورة طه جمعت كثيرا من الكلمات المتقاربة لتقوية المعنى.
(وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا (113)طه) لم يقل كتابا وفصّلا وقال (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114))