في رحاب سورة
د. محمد صافي المستغانمي
قناة الشارقة – 1436 هـ
الحلقة – في رحاب سورة طه – 4
تقديم الإعلامي محمد خلف
تفريغ موقع إسلاميات حصريًا
(وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)) لماذا قال الله تعالى مخاطبًا نبيه (ولا تعجل بالقرآن) ولماذا اختار لفظة القرآن بدل الكتاب كما في سورة الكهف (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1))؟
هذا من باب رد العجز على الصدر أول آية في السورة (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2)) تعود السورة بعد قصة موسى تعود السورة للهدف الذي صيغت له السورة وهنا امتن على الأمة العربية (وكذلك عربيا) بها نعمة اللغة العربية التي هي وعاء القرآن ومن خلالها يفهم القرآن، مدح وثناء للقرآن الذي نسجته العناية الإلهية باللغة االعربية ثانيا تعريض بالمشركين وتحميق لهم، إذا كنتم تتفاعلون مع الشعر وتستنصرون وتأخذكم الحمية بالشعر فما بالكم وهذا القرآن أفصح نص بياني لغوي، هذا تجهيل لهم، كأنه يقول لهم أنتم لا تعرفون مصلحتكم، كيف تحركم قصيدة ولا يحرككم هذا الكلام؟! عمرو بن كلثوم من أصحاب المعلقات كان قومه يحفظ معلقته ألهتهم عن كل المكارم فما بالكم أيها العرب الذين تحسنون اللغة وبلاغتها كيف تقفون موقفًا معاديًا للقرآن الذي أنزل بأعظم كلام بأعظم لسان؟! فهي منّة على الذين أنزل إليهم وذكرنا أن السورة فيها منّة على الرسل ورعاية للرسل والمرسل إليهم وهنا ذكر منّته سبحانه وتعالى على العرب (كذلك أنزلناه قرآنا عربيا)
(ولا تعجل بالقرآن) الرسول صلى الله عليه وسلم بشر كان لفرط حبه بالقرآن ولشغفع بالكلام المنزّل كان يخشى أن يفوته شيء منه أو يفوته لفظ فكان يردد القرآن عقب جبريل مباشرة حتى لا ينسى (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) الأعلى) حتى جاءته الطمأنة وجاءته طمأنة أخرى في سورة القيامة (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) القيامه) في صدرك وقرآته حتى تحسن قرآءته لغيرك (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) القيامه) اي فاتبع قرآءته، القرآن هنا مصدر بمعنى القرآءة. النبي صلى الله عليه وسلم عنده أعظم مهمة في الحياة، خاتم الرسالات كان يخشى أن ينسى فقال (ولا تعجل وحيه) من قبل أن يتم جبريل من الوحي إليك وعندما ينتهي من القرآءة ستجده مكتوبا في صدرك.
(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)) لما نهاه الله سبحانه وتعالى عن الاستعجال عن العجلة فتح له باب الدعاء، علمه كيف يدعو، سياق العلم (وقل رب زدني علما) كل الأدعية التي علمها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم هي مفيدة وكل دعاء يتناسب مع سياق السورة وهنا سياق السورة العلم وفي سورة الإسراء في سياق الوالدين قال (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا 23 الإسراء) علمه كيف يكرم والديه فيقول (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)الإسراء)، في نهاية سورة الإسراء لما أحاطت به قريش وأرادوا أن يسجنوه وأن يقتلوه (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76)الإسراء) لما استفزوه علّمه أن يقول (وقل رب أدخلني مدخل نصيرا) كل دعاء علّمه الله جلّ جلاله لرسوله صلى الله عليه وسلم فهو يتفق وينسجم مع السور والسياق والحدث، في سورة البقرة لما أمر إبراهيم واسماعيل برفع القواعد من البيت (ربنا تقبل منا ) علّمه (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) البقرة) هذا خير الدعاء. في سورة الكهف قال أهل الكهف (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)) فعلّمه أن يقول (وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)) استفد من أهل الكهف وادعُ دعاءهم لعل الله ينفعك لذلك يفترض أن يقرأ الإنسان أدعية القرآن بتبصّر فإذا ما رأينا دعاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أن فيه سرًا عظيمًا.
تنتقل السورة إلى قصة خلق آدم وقد تكررت كثيرا في القرآن وأمر الله سبحانه وتعالى للملائكة أن يسجد لآدم، قصة آدم يبدأها دائما (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ) ولكن هنا (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)) ما الذي عهده الله تعالى إلى آدم؟ هل الآية مرتبطة بما قبلها (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114))؟
الواو هنا استئنافية. لم تتكرر هذه الآية في القرآن كاملًا في قصة آدم، ذكرنا سابقا أن قصة آدم تكررت في القرآن في سبعة مواقف أكثرها (وإذ قلنا) وهنا (ولقد عهدنا إلى آدم) العهد هو الميثاق الذي بلغه الله كُل من كل الجنة إلا من هذه الشجرة، نهى آدم ونهى حواء زوجه. المناسبة هنا مراعاة النظير والاتساق في النص القرآني، هنا (ولقد عهدنا إلى آدم) فنسي وأكل من الشجرة موقعها هي شبيهة تماما بقصة موسى مع بني إسرائيل: موسى قال لهم (اعبدوا الله ) وعلمهم العقيدة وبمجرد أن ذهب للقاء ربه نسوا وذهب العهد فلما رجع قال لبني إسرائيل (أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86)) وهنا (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) هم نسوا وآدم نسي أيضًأ، كيف نسوا؟ بنو إسرائيل نسوا لما صنع السامري لهم العجل قال (فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)) نسي بنو إسرائيل ونسي السامري، الكل نسي. وآدم أصابه النسيان (فنسي)، ثمة تناظر: آدم وسوس إليه الشيطان والسامري قال (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)) تسويل النفس هو من الشيطان، ثمة تناظر بين قصة آدم وكيف وسوس له الشيطان وبين السامري مع بني إسرائيل لذلك جاءت الآية رابطة للقصة من نظيرتها، ثم جاءت قصة آدم على المعهود (وإذ قلنا للملائكة)
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)) أيّ جنة؟
جنة عند الله سبحانه وتعالى، هل هي الجنة التي سيجزي بها عباده أم هي جنة خاصة؟ للعلماء أقوال، والأرجح أنها عند الله بدلالة الفعل اهبطوا الذي يدل على أنه من علو. قال المفسرون إما أن تكون الجنة التي سيجازي الله بها عباده لأن فيها كل شيء وأعطاهم تجربة أن يأكلا من هذه الشجرة
هل يعقل أن يكون في الجنة التي سيجزينا الله تعالى بها بإذن الله ويكون فيها ما ينهانا عن أكله؟ هذه كانت تجربة خاصة، والأرجح أنها جنة لدى الله سبحانه وتعالى جنة تجريب وتدريب وليست جنة الآخرة، إبليس كان أعبد من الملائكة لذلك نقول أن الأرجح أنها ليست جنة الجزاء هي جنة عند الله كان فيها الابتلاء والامتحان وأنزله الله منها إلى الأرض (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)) يأتينكم مني هدى من السماء إلى الأرض.
أين نزل آدم؟ بعضهم يقول في عرفات حيث تعرف على حواء، نزل في الأرض وهذه التفاصيل، القصص القرآن لم يذكر الله سبحانه وتعالى كثيرا من التفاصيل لأنها لا تهم، مواقع وأشخاص، وأسماء ولون أصحاب الكهف، المهم العبرة (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (111)يوسف). أنزل الله تعالى آدم وحواء وإبليس إلى الأرض قال (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)طه) والامتحان (إما يأتينكم مني هدى) عن طريق إنزال الوحي فمن اتبع هداي ومن تبع هداي فلا خوف ولا هم يحزنون، ولا يضل ولا يشقى، ثم توالت الشرائع تترى ويوم القيامة تبدل الأرض غير الأرض والسموات. لكن القصة فيها كثير من العبر.
قال الله سبحانه وتعالى (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) طه) وفي موضع آخر (أَبَى وَاسْتَكْبَرَ34 البقرة) وفي موضع (أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ 32 الحجر)
هنا قال (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا فسجدواإلا ابليس أبى) رفض وامتنع وأتى بها مطلقة، أولا سياق السورة يناسب وأبى تتفق مع الإيقاع الصوتي لكل آيات السورة المنتهية بالألف المقصورة، (أبى أن يكون مع الساجدين) وردت في سورة الحجر قال الله (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32)الحجر) حديث عن السجود وفي ختامها قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم (وكن من الساجدين) تناسق في اختيار الألفاظ. في سورة البقرة (إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) والسورة فيها تفصيلات عن الكافرين وبينت أهل الكفر وإبليس استكبر وكان ضمن الكافرين. في سورة الكهف (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ 50 الكهف) فسق عن أمر ربه، بيّن خروج إبليس عن أمر الله لأن السورة مبنية على أمر الله (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)الكهف) (وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي 73 الكهف) (يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ 21) كلها مبنية على الأمر على الشأن فإبليس فسق عن أمر الله فجاءت كل آية بحسب السياق لكل سورة تتحدث عنه. إبليس أبى وامتنع ولكن البيان القرآني يصوغها في كل سورة بمقتضى حال السورة لكل مقام مقال وهذه قمة البلاغة وهي مطابقة الكلام لمقتضى الحلال لكل مقتضى أسلوب معين.
(فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)) لم يقل فتشقيا لأن السورة قال (إن هذا عدو لك ولزوجك) لم يرد في كل القرآن في غير هذا الموضع مع أن القصة وردت في القرآن في سبع مواضع تناسب تماما كما قال عن موسى وفرعون (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ 39) يخرج القرآن هذا من مشكاة إلهية! مراعاة لما ورد في السورة.
(فلا يخرجنكما) خطاب للاثنين (فتشقى) مفرد أصلها فتشقيا ولكن شقاء الزوج هو شقاء للمرأة فهي تابعة لزوجها (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ 34 النساء) فإذا شقي هو شقيت هي تبعًا. هناك تلازم بين الشقاءين وإشفاقا على المرأة قال فتشقى وفيها تناسق إيقاعي مع إيقاع السورة من بدايتها لخاتمتها (تذكيرا لمن يخشى، طغى، الأولى،…) وإن كان ليس هذا هو الهدف الأول وإنما شقاء الرجل يدل على شقاء المرأة لأنهما بيت واحد ثم المراعاة الصوتية.
(إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118)عدم الأكل وعدم وجود اللباس () وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119))) ما دلالة تضحى؟
الضحو يضحى عندما يبرز للشمس، عندما يكون الإنسان بارزًا واضحًا أمام الشمس نقول يضحى. كيف نجمع بين الجوع والعري؟ لم يقل مثلا أن لا تجوع ولا تظمأ لأن القرآن له اعتبارات أخرى: الجوع خلو البطن من الطعام يؤدي إلى ألم باطني شديد وخلو الظاهر من اللباس يؤدي إلى الألم، ألم الشمس وألم البرد فجمع بين ألم الباطن وألم الظاهر، قال العلماء إن لك أن لا تجوع وتتألم داخلياً خلو داخلي وألم وخلو خارجي وألم فجمع بين النظيرين بزاوية مختلفة. (وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) فيها قرآءتين (وأنك لا تظمأ) (وإنك لا تظمأ) الظمأ هو العطش الشديد ألم داخلي شديد من شدة الظمأ والظمأ هو حرارة الداخل وتضحى حرارة الخارج فجمع بين حرارة داخله بالظمأ وحرارة خارجه الجلد فقال (ولا تضحى) وإلا في غير القرآن كان يمكن أن يقول لا تجوع ولا تظمأ لكن للقرآن اعتبارات أخرى وأضف إلى ذلك الإيقاع الصوتي (تعرى، تضحى) القرآن جاء معجزة أدبية لغوية فنية أعجز العرب من حيث المعنى وأعجزهم من حيث الصوت.
(فوسوس وهدى)
هذه القصة وردت في القرآن بأساليب مختلفة، إلى أن قال تعالى (بعضكم لبعض عدو) بني آدم مع إبليس وذريته. (فإما يأتينكم مني هدى ولا يشقى) يضل من الضلالة في الدنيا والشقاء في الآخرة، (يضل هدى) طباق وهو من المحسنات اللفظية، ملمح أساسي في سورة طه (الهدى) لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة والآية التي بعدها توضحها (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)) الآيتان تفسران مع بعضهما في نفس السياق.
نفس الآية وردت في سورة البقرة قال (فمن تبع هداي) لأنها هي أصل الكلام والفرع في سورة طه، في طه (فمن اتبع هداي) ما الذي سوّغ لا خوف عليهم ولا هم يحزنون في سورة البقرة وفي سورة طه (لا يضل ولا يشقى). في سورة البقرة (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) تكررت في السورة 6 مرات (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)) (الذين ينفقون أموالهم ) (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)) (إن الذين آمنوا من آمن بالله واليوم ) لما جاءت آية آدم قال (فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) تناسب سياق سورة البقرة. في سورة طه قال (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) (ولا يخرجنكما من الجنة فتشقى) فتأتي (فلا يضل ولا يشقى) مراعاة للسياق ولكل سورة ثوب خاص بها.
في نهاية سورة طه يقول الله تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)) ما الذي ينهى الله تعالى نبيه عنه؟
هذه الآية (ولا تمدن في الدنيا) أزواجا يعني أصنافًا من متع الحياة الدنيا والرسول صلى الله عليه وسلم مخاطب بالآية وخوطبت الأمة بشخص نبيها نحن مطالبون بعدم مد العين تتبع هذه الدنيا وتطيل النظر فيها وتطلق لها العين والله تعالى قد يعطي الكافرين (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)الإسراء) الله إذا وسع على إنسان ليس بالضرورة أنه يحبه وإنما قد يكون قد ابتلاه وإذا وسع على مسلم قد يكون يحبه وابتلاه. هنا قال (زهرة الحياة لنفتنهم فيه) هذه فتنة، والذكي الكيّس من فطم نفسه ولم يتبعها هواها (لنفتنهم فيه) لنبلوهم واختار لنفتنهم لأن سياق سورة طه في الفتنة (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) وبنو اسرائيل قال (إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ) الثوب اللفظي لسورة طه الفتنة والافتتان فهنا قال (ورزق ربك خير وأبقى) ما عند الله خير وأون وابقى لك يا محمد ولكل المسلمين. لكن انظر إلى السلوب رزق ربك الذي يحبك الذي رباك ورزقك خير وأبقى ما قال أعظم وأدوم، هذا يذكرنا بفرعون لما هدد الذين كانوا سحرة ثم انقلبوا مؤمنين (قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)) ردوا عليه (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)) ما عند الله خير وعذاب الله أشد والجنة عند الله أبقى وفي ختام السورة (خير وأبقى) ليتناسب مع الكلام. خاطب الله عز وجلّ النبي صلى الله عليه وسلم ويخاطب الأمة أن لا تمدن عينيها إلى الدنيا وفي سورة الرعد قال (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ (96)النحل) تناسب ما ورد فيها (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)الرعد).
سورة طه ورد فيها كثير من القصص لكن بين الفينة والأخرى يذكرنا الله أن هذه السورة محورها العام خطاب للنبي ليتذكر كيف رعى الله رسله فهي رعاية يقول له (هل أتاك) (لا تمدن) (رزق ربك) (وأمر أهلك ) يذكرنا أن هذه السورة جاءت خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم وأن القصص التي فيها هي تسرية له.
السورة مسوقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بدايتها تسلية له وتطمينًا له (طه لتشقى) بل لتسعد وكل ما في السورة يبين الله تعالى كيف اعتنى بأنبيائه وكيف رعاهم وكذلك الشأن بالنسبة لك يا محمد وكاف الخطاب أيقونات تخيط جسم السورة إلى أن قال (هو رزق ربك) يا محمد (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)) اسماعيل عليه السلام في سورة مريم قال (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)) والنبي صلى الله عليه وسلم أمره (واصطبر عليها) زيادة في المبنى زيادة في المعنى الله تعالى قالها لمحمد فما بالنا لا نقولها لأبنفسنا مع ابنائنا؟! نحتاج إلى اصطبار. في سورة الكهف قال (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ 28 الكهف) لأنه يصبر على نفسه فقط
محصلة سورة طه وربطها بما بعدها سورة الأنبياء:
للسورة سياق عام ومحور عام وأن السورة من القرآن ترتبط بما قبلها وبما بعدها فهل هناك ارتباط بين طه والأنبياء؟
سورة طه سورة الرعاية المطلقة العناية الهية الربانية بمحمد صلى الله عليه وسلم وبموسى والعناية بالمرسل إليهم حتى بفرعون اعتني به لما قيل لموسى وهارون (وقلا لينا) وعناية ببني إسرائيل () وكل السور التي وردت فيها تخدم هذا المحور على اختلاف بين القصص.
في نهاية السورة آية تربط هذه السورة بسورة الأنبياء بعدها (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)) اللزام العذاب، لولا كلمة من الله في أزله، الله في عليائه قضت حكمة الله أن لا يعذب أمة محمد رغبة أن يخرج من بطونهم من يعبده، ولولا ذلك لكان العذاب نازل على الكافرين لا محالة، حتى الكافرين أراد الله أن يخرج من اصلابهم من يؤمنون. قبلها أمره بالصبر لأنها قضية تحتاج للصبر، لو شاء الله جلّ جلاله لأهلك الكافرين عندما قالوا لولا يأتينا بآية، وإنما قال (ولولا كلمة سبقت لزاما) لكان العذاب لزامًا (وأجل مسمى) وأصل الكلام لولا كلمة سبقت وأجل مسمى لكان العذاب (تقديم وتأخير) لذلك الله تعالى لم يعذب الأمة الإسلامية لأنه أراد أن يخرج منهم من يوحد الله ه
في أول الأنبياء (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)) تخويف، خوفهم في آخر طه وهو يريد أن يجذبهم للقرآن والإسلام. سورة الأنبياء سورة عجيبة، افتتح الأنبياء بمزيد من التخويف (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)) حديث مباشر مع الذين كفروا، انتهت سورة طه يتخويفهم وتحذيرهم ثم جاءت سورة الأنبياء تخوفهم بمطلعها ثم تأتي بقصص من قصص الأنبياء بما يخدم سورة طه والأنبياء.
كأن السورة في محورها العام تتحدث عن رعاية الله للمرسلين ولمن أُرسل إليهم المرسلون لأنها في نهايتها ذهبت بالحديث لتخويف من كفر بالمرسلين وكانوا سببا في التنغيض على المؤمنين فكانت النتيجة محسومة ومع ذلك أمرهم ربهم بالتربص وبالانتظار (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)طه) وستعلمون من ضل سواء الصراط النقي المنظم وستعلمون من ضل سواء الصراط فهي تمهد للسورة التي بعدها تمد للسورة التي بعدها.
حديث في سورة طه حديث للنبي في ختامها يحدّث الذين ضايقوه .