الحلقة التاسعة عشر
الحمد لله رب العالمين
وقفنا عند قول الله سبحانه و تعالى (الحمد لله رب العالمين) . كلمة الحمد من أسرار تجعلها مميزة على الكلمات الأخرى التي هي من حقلها الدلالي (المدح، الشكر، الثناء) وكيف أنها هنا أفضل. وبيّنا أن الألف واللام لاستغراق الجنس في كلمة الحمد. و (لله) هي للملك وقلنا هذا نوع من التخصص أو التخصيص كما قالت العرب: السرج للفرس والطاقية للرأس. الحمد لله يعني هو خاص بالله تعالى ولكن الله عز وجل في الدنيا أذِن للناس أن يحمد بعضهم بعضاً في هذا الأمر. وكلمة رب العالمين جاءت متعلقة هنا (الحمد لله رب العالمين) وقلنا أنه سوف نعود إلى كلمة رب العالمين ولماذا جاءت بهذا الإتصال ولكن قبل أن نصل إلى كلمة (رب العالمين).
كلمة الحمد لله رب العالمين وردت في بداية أربع سور (في البداية والنهاية تكلمنا عليها حتى لا يختلط الكلام علينا). لفظة الحمد مجرّدة من غير ذكر رب العالمين بُدئ بها في أربع سور (الحمد لله رب العالمين بُدئ بها في سورة الفاتحة وختمت بها سور أخرى ذكرناها) لكن الحمد لله وحدها بُدئ بها في أربع سور ثم نجدها تتكرر في داخل عدد من السور في سبع عشرة مرة نحاول أن نقف عندها بصورة موجزة وسريعة: في بداية الأنعام، الكهف، سبأ وفاطر: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) الأنعام) لاحظ كأنما هذه البدايات تحاول أن تبيّن نماذجاً من الحمد. قلنا الحمد لله في الفاتحة هو جنس الحمد وهنا نماذج يُحمَد الله عز وجل لآلآئه هنا الآلآء كذا ، هنا من رحمته وهنا من فضله وهنا من علمه وهنا من إعطائه العلم للآخرين وهنا من رحمته بهم وهنا من خلقه السموات والأرض. السور الأربع كأن بدياتها متكاملة:
الأولى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) الأنعام) الكلام على الخلق ومعناه التقدير والتصوير فيه بمعنى البدء لكن غالباً فيه معنى التقدير والتصوير لأنهم يقولون هذا الصانع خلق القماش يعني قدّره قبل أن يقصه. والخلق غير التكوين والإنشاء والتصوير يصور الشيء. الكلام خاص عن خلق السموات والأرض ومن رحمة الله سبحانه تعالى جعل الظلمات والنورمعناه نظّم السموات والأرض بما فيها من ظلمات ونور مبنية على الحركة وعلى وجود الإشعاع من داخل بعضها وبعضها خال من الإشعاع.
ثم (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر) هذه المنشيء لاحظ التخليق والإنشاء. ثم (جاعل الملائكة رسلاً) تكلم على جعل الملائكة ثم (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) سبأ) هذا الذي في السموات والأرض ملك لله سبحانه وتعالى، ثم (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) الكهف) الملائكة والرسل وإنزال الكتاب فنماذج من آلآء الله سبحانه وتعالى ونعمه التي يُحمد عليها. فالحمد لله في سورة الفاتحة نظام كليٌّ وهذه جزئيات في بدايات أربع سور بينها نوع من التلازم والتشابك.
لماا ننتقل إلى عموم سور القرآن الكريم نجد في كل موضع كلمة (الحمد لله) لها معناها ولها مدلولها لكن يجمعها جميعاً حتى في هذا الموضع أن ليس فيها معنى الحصر وقصر الحمد على الله سبحانه وتعالى وليس فيها دعوة إلى أن لا يحمد سواه لكن سنجد في آيات أخرى هناك قصر (له الحمد) وهو ما سنقف عنده بتفصيل لماذا قال هنا (له الحمد)؟ في الأماكن الأخرى قال الحمد لله بحيث يفسح المجال لأن يحمد الإنسان غير الله سبحانه وتعالى لأمر يقوم به يمكن أن يحمد على خلقه، على علمه، على كرمه للبشر لكن في هذه الأماكن حصر الحمد بالله سبحانه وتعالى (لله الحمد) أو (له الحمد). سنمر مروراً سريعاً على الأماكن التي قيل فيها (الحمد لله) وسنجد أنه ليس فيها مجال لحصر الحمد لله سبحانه وتعالى وإنما هي صور ونماذج من تفضّل الله سبحانه وتعالى على عباده. أحياناً ينقل لنا كلام عباده يعلّمنا أحياناً يقول (قل، قالوا، قال) تكرار كلمة القول مع الحمد في عشرة مواضع (قل، قالوا، قال) في موضعين مع ضرب الأمثال، وفي موقع دعاء وهناك أربع مواضع في بداية السور.
نأتي الآن في سورة إبراهيم (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)) هذا دعاء إبراهيم يحمد الله عز وجل به فيذكره الله تعالى لنا حتى نتعلم أن نقول الحمد لله الذي أعطانا هذا الحمد لله على الهبة وهذا جزء من الحمد الكلي. هنا عندنا (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) النحل) رب العالمين يعلمنا بالأمثال يضرب لنا مثلاً حتى نتعلم فعندما نقول الحمد لله معناه الحمد لله الذي علّمنا بضرب المثل الذي يعلّمنا، (وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا) نحن نقول الحمد لله الذي علّمنا بل أكثر هؤلاء الذين هم لا يؤمنون لا يعلمون بما علّمنا الله عز وجل من ضربه للمثل وهنا وقفة قصيرة: عبّر عن عبد مملوك ومن رزقناه نا رزقاً حسناً عبد ومرزوق وقال (لا يستوون) (من) لفظها لفظ مفرد ومعناها معنى جمع فكأن الآية تريد أن تقول هذا العبد المملوك الذي لا يقدر على شيء هل يستوي مع هذا الذين ينفق وهذا الذي ينفق وهذا الذي ينفق وهؤلاء الجمع من المنفقين؟ هل يستوي هذا معهم؟ فاستفادت الآية من كلمة (من) فمرة عبّرت بالمفرد ثم رجعت مرة أخرى لتعبّر بالجمع.
الآية الأخرى أيضاً تعليم بالمثل (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) الزمر) تعليم بالمَثَل. ما قال (من) هنا قال رجل ورجل لا بد أن يستعمل التثنية. الحمد لله الذي علّمنا بضرب المثل وأكثرهم لا يعلمون. فحمد الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات لا يستدعي أن لا يحمد سواه. ممكن أن غير الله إذا علّمنا شيئاً أو أكرمنا بشيء أن نقول نحمد فلان يعني لم يدعنا إلى أن نقصر الحمد عليه لكن هذه نماذج من الحمد الذي هو الحمد لله رب العالمين الذي هو حمد الجنس وهذه كأنها تفريعات.
الآية في سورة الأعراف من هنا بدأنا نسمع القول: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)) يعلمنا أن هؤلاء الذين وُجهوا إلى الجنة صاروا يقولون الحمد لله فهو نوع من تفضله سبحانه وتعالى عليهم وعلينا عندما يعلمنا أن نقول كما قالوا. هذا في سورة الأعراف الآية 43.
عندنا في الإسراء الآية 111 (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)) هذا تلقين وتعليم أن نحمد الله عز وجل الذي علمنا التوحيد وعلمنا بعض صفاته سبحانه وتعالى ونقول الحمد لله.
مع نوح (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) المؤمنون) أيضاً تعليم بالأمر (قُل) نوع من التعليم.
في الحكاية عن قولهم (وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) النمل) إذا وجد الإنسان في نفسه شيئاً قد أكرمه الله تعالى به يقول الحمد لله وهي أيضاً جزئية من كلّية جنس الحمد المخصص لله سبحانه وتعالى.
(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) النمل) تعليم. أيضاً تعليم أن نقول الحمد لله أنه سبحانه وتعالى اصطفى عباداً وجعلهم مؤمنين وألقى عليهم السكينة والإستقرار. (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) النمل) إحمد الله عندما تظهر هذه الآيات أو عندما يعلمك كيف تحاور وكيف تناقش فتقول الحمد لله.
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لقمان) لو سألت الكفار من أنزل الماء من السماء يقولون الله لأنهم كانوا يعرفون الله لكن كانوا يعبدون الأصنام يقولون تقربنا إلى الله زلفى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) العنكبوت) لو استعملوا عقولهم ما عبدوا هذه الأصنام (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لقمان) ما عندهم علم في هذه الأمور، في هذا الشرع، في هذا الدين يعني لم يستعملوا عقولهم ولم يستعملوا علماً عندهم.
(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) فاطر) تعليم وتدريب بقول غيرهم أن هؤلاء الذين دخلوا الجنة قالوا هذا الكلام فتعلموا وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى.
(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر) تعليم وتدريب لنا أن نقول كما قالوا في دخولهم الجنة (هذا في المستقبل ولكنه ماض في عين الله سبحانه وتعالى) إذن كل هذ المواضع ليس فيها موضع يريد الله تعالى أن يقصر الحمد عليه جلّت قدرته لكن لما ننتقل إلى مواضع أخرى نجد أن سياق الآيات يريد أن يبين لنا أن الحمد في هذا الجو قاصر على الله سبحانه وتعالى لا يستقيم أن تحمد غير الله عز وجل مع أن الله سبحانه وتعالى رخّص لك أن تحمد سواه لنفع يقدمه لك، لفضل فيه يمكن أن يكون هذا.
ننظر في سياق الآيات: (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) القصص) نلاحظ السياق هنا سياق حصر والكلام على الآخرة وسنجد أنه حينما يكون الشيء منحصراً يعني سياق الآية فيه قصر أشياء على ذات الله سبحانه وتعالى لا يصلح لغيره تأتي له الحمد بتقدم الجار والمجرور يقول له الحمد لا يقول الحمد لله الحمد يرفض لغيره لكن في هذه المواضع في مثل هذا السياق لما قال (وهو الله لا إله إلا هو) حصر بالنفي وبـ (إلاّ) الموضع موضع حصر لذلك قال له الحمد ما قال الحمد لله لأنه لا يستقيم مع الحصر.ثم فيه ذكر الآخرة وفي الآخرة لا يُحمد سوى الله تعالى. من تحمده في الآخرة في يوم القيامة؟ ما يوجد مخلوق يُحمد يوم القيامة ولا يحمد إلا الله تعالى. إذا ذُكِرت الآخرة إنحصر الحمد بالله سبحانه وتعالى. له الحمد وله الحكم أيضاً حصر (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) القصص) الجو العام في الآية هو حصر لذا لا يصح هنا أن يقال في غير القرآن: (لا إله إلا هو الحمد له وله الحكم) لا يستقيم. التقديم فيه معنى الحصر له الحمد وليس لغيره لأنه عندما يقدم الضمير أو المفعول لا تستطيع أن تعطف لكن حينما يقدم غير الضمير يعني الجار والمجرور إذا قدّم عند ذلك ما كان مرتبطاً بالله تعالى يصح أن يعطف وما عداه لا يجوز أن يعطف. نلاحظ في قوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا (10) فاطر) حصرها وفي موضع آخر أجاز العطف عليها لارتباطها به سبحانه (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) المنافقون) لرسوله: عطف مع وجود الضمير العائد على الله تعالى يعني أخذ اعزة من عزة الله تعالى ثم قال وللمؤمنين ما ذكر الضمير يعني وللمؤمنين بالله ورسوله فما أراد أن يجمع. لو قال في غير القرآن (للمؤمنين بهما) يضعف الكلام ثم يكون جمع الرسول r مع الله تعالى وهذا لا يكون بالضميرين. عندما يقول (له الحكم، إليه ترجعون، لا إله إلا هو) لا يستقيم إلا (له الحمد).
الآية بعدها في سورة الروم (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)) كلمة سبحان الله سُئل عنها الإمام علي كرم الله وجهه فقال: كلمة رضيها الله عز وجل لنفسه فنحن نقولها. لا يمكن أن نقول سبحان فلان. التسبيح والتنزيه والتقديس لا يكون إلا لله عز وجل فهذه كلمة حاصرة حصرت (سبحان الله) التسبيح منحصر ثم الزمن منحصر والمكان منحصر. ذكر الزمان والمكان بحصر (حين تمسون) المساء والصباح والعشي والظهر وجعلت (وله الحمد في السموات والأرض) للمكان فكأنه صار هناك نوع من الإختلاط والإتصال بين التسبيح والحمد في هذه الأوقات والتسبيح والحمد لله سبحانه وتعالى في السموات والأرض ففيها إطلاق وفيها حصر وفيها حصر للزمان وحصر للمكان فإذن لا يناسبه إلا حصر الحمد بالله سبحانه وتعالى. هذا في هذه السورة.
سؤال من المقدم: (الحمد لله )التي يتلفظ بها المسلم في بداية يومه (الحمد لله الذي أحيانا) ما الفرق الكبير الواضح الذي ينبغي أن نعرفه بين الحمد لله ولله الحمد؟
عندما يقول الحمد لله يوجّه الحمد لذات الله سبحانه وتعالى وحينما يقولها مجردة (الحمد لله) معناها أنه يحمد الله سبحانه وتعالى بمطلق الحمد لكن إذا قال لله الحمد معناه أنه يحصرالحمد لله سبحانه وتعالى، يقول لله الحمد حصراً. الذي عُلّمنا إياه أن نقول: (الحمد لله) . إذا قال الإنسان لله الحمد فهو كلام صحيح ليس فيه شيء لكن نقول كلمة الحمد لله في القرآن الكريم إنما جاءت في هذه المواضع التي أوردناها ونحن نحرص أن نتأسى بأسلوب القرآن الكريم في كلامنا.
هذه الآية الأخرى في سورة سبأ التي بدأت بالحمد لله . إنظر ما قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)) ذكر الآخرة. عندنا في كلمة (له ما في السموات والأرض) تقديم وتأخير لأني في غير القرآن الذي ما في السموات والأرض له لأن (ما) مبتدأ و(له) خبر فلما قدّم لغرض حصر الملكية أنه له ما في السموات والأرض لا يشاركه أحد في ملكه فيحسن العطف (وله الحمد) لأنه سبق بهذا التقديم مع ذكر الآخرة.
في سورة الجاثية (ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)): (فاليوم) يوم القيامة، (فلله الحمد) ما دام الكلام في الآخرة (فلله الحمد رب السموات) نلاحظ هنا كيف كرر ورب الأرض. ما قال رب السموات والأرض لغرض التأكيد ثم قال (رب العالمين) الذين في السموات والأرض جمع رب السموات ورب الأرض جمعهما بحرف عطف ثم قال رب العالمين من غير عاطف حتى يشمل كل من فيهما.
في سورة التغابن (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)) هنا عندنا التسبيح أيضاً الذي هو حصر لله تعالى (له الملك) قدّم الجار والمجرور ففيه حصر وعطف ولذلك (وله الحمد) ولا يصلح هنا له الملك والحمد له لا تصلح. لغوياً يكون هناك ضعف لأنك تعطف غير محصور على محصور.
هذه الفائدة عموماً تأخر لفظ الحمد المبتدأ في خمس آيات والمعنى في جميعها للحصر.
(رب العالمين):
الآن ننتقل إلى قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين) كلمة (رب) لاحظ لما بدأنا بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) في ذكر إسم الجلالة سبحانه وتعالى الحاوي لكل ما تحته من صفات وأسماء. (الحمد لله) وبدانا بعد البسملة بمطلق الحمد وجنس الحمد ناسب ذلك أن يقال( رب العالمين) لأن من أسباب حمده من جزئيات حمده أنه رب للعالمين. والعالمون يقول العلماء طالما أنه ما دام جمع مذكر سالم يكون للعقلاء فصار رب العقلاء الذين هم عالم الإنس ، عالم الجن، عالم الملائكة. بعض العلماء يقولون لا: جمع المذكر السالم جمع العاقلين يطلق إذا كان هناك إختلاط بين العقلاء وغيرهم. فرب العالمين معناه رب العوالم هم يقولون إذا قال العوالم معناه جمع عالم للعاقل وغير العاقل. فالبعض يقول سواء هذا أو هذا هو سبحانه وتعالى رب كل شيء.لكن نأخذ كلمة رب لما نأتي إلى تصريفها نجد أنها من ربّ يَرُبُّ فهو ربٌ فهو مصدر لكن مصدر جُعِل إسم فاعل بمعنى إسم الفاعل كما قالوا هو عدلٌ: العدل مصدر لكن قيل هو عدل بمعنى عادل لكن فرق بين هو عادل وهو عدلٌ: هو عادل يعني منه صفة العدل لكن هو عدل كأنه العدل كله تمثل في شخصه فهناك فرق. فمن هنا كانت كلمة رب. الرب تأتي بمعنى التنمية (أن ينمي الإنسان الشيء فيرُبُّه) يرُبّ يعني ينميه، يُتِم، ينتهي وهذا المربي منه أُخِذ كلمة الرب المالك الذي يملك لأنه هو يتعهد الشيء بالتربية والنماء شيئاً فشيئاً ومنه الحديث الذي يرويه الإمام مسلم وهذا ينفعنا في حياتنا العملية في العلاقات. الآن الناس ضعفت علاقاتها على خلاف ما يحبه دين الله سبحانه وتعالى. ديننا يريد منا أن تكون بيننا علاقات لوجه الله تعالى وليس لمصلحة. هذا الرجل الذي كان يذهب لزيارة أخ له فأرسل الله تعالى على مدرجته ملكاً قال: أين تريد؟ قال: أريد القرية الفلانية فيها أخ لي أحبه في الله. قال: ألك نعمة عليه ترُبُّها؟ (أي ألك إحسان عليه تريد أن تنميه بزيارة) قال: لا ولكني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك أن الله سبحانه وتعالى أحبك كما أحببته فيه. الآن عندما يتصل بك أحد ليزورك لمدة 10 جقائق ويأتي يجلس قليلاً تتساءل ما الذي جاء به؟ لكنه يحبك في الله وجاء ليزورك ولكن نقول لهؤلاء المتحابين في الله أن لا يطيلوا الزيارة قدروا ظروف الناس (زُر غّباً تزدد حباً).
فهذه كلمة رب وهذه كلمة العالمين وكلمة (الحمد لله رب العالمين).
الرحمن الرحيم:
الرحمن الرحيم وقفنا عندها من قبل وبيّنا أن كلمة الرحمن عامة والرحيم خاصة فضلاً عن أن الرحمن صفة متجددة والرحيم صفة ثابتة فجمع بين التجدد والثبات.
سؤال للمقدم: هناك من يقول أن رب العالمين تحتوي معنى الخلق والملك والمدبر؟
قلنا كلمة الله تعني كل هذه الأمور: الخالق المالد المدبر. أما رب العالمين أصل اللفظة هي للتربية وللملك فهو مربيهم ومالكهم هو يربي المؤمن والكافر وهذا من تفضّله سبحانه وتعالى ويربي كل شيء يخلقه وينميه ويربيه ولذلك نقول العالمين هنا معناها مطلق خلق الله لإختلاط العاقل بغير العاقل فتستعمل جمع المذكر السالم.
مالك يوم الدين:
فيها وقفة. فيها قراءتان مشهورتان وهناك من قرأ مَلَك وملاّك لكن المشهور في السبعة بعضهم قرأ مالك يوم الدين وبعضهم قرأ ملك يوم الدين ولي في هذا كلام قد يطول نرجئه للحلقة القادمة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 4/2/2006م
سؤال: ما الفرق بين قوله تعالى في امرأة لوط (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) الحجر) (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) النمل) (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) الأعراف)؟
في قوله تعالى في سورة الحجر الكلام كان على لسان الملائكة (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51)) ضيف إبراهيم الملائكة (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)) الجو العام جو وجل وخوف من إبراهيم وتشكك هو ليس شاكاً في الله سبحانه وتعالى ولكن الجو الذي جاء فيه الملائكة كان في وجل ورهبة، قالوا (قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53)) قال (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)) إذن عنده نوع من التشكك. إذن مسألة وجل وتشكك. (قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55)) لا تيأس من رحمة الله (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)) (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)) لاحظ التأكيدات هو يحتاج لمؤكدات لأنه وجل وشاك من الملائكة. (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)) تأكيد بإنّ وباللام. كلام الملائكة لاحظ كلمة(قدرنا) هم لا يقدرون ولكن لأنهم وسيلة تنفيذ قدر الله سبحانه وتعالى رخصوا لأنفسهم أن يقولوا قدرنا ولكن ما قالوا قدرناها لم يربطوا الضمير بالتقدير، بأنفسهم لذلك أبعدوها مع وجود إنّ المؤكدة. فإذن كلام الملائكة يحتاج إلى تأكيد وإبتعد ضمير المفعول به في الأصل. الأصل هي قدرنا لكن أدخلوا إنّ فأبعدوها عن التقدير.
الآية الثانية هي من كلام الله سبحانه وتعالى المباشر في سورة النمل (فما كان جواب قومه فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) النمل) (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ) خبر، (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ) ما قال قدرنا إنها ، ما أبعدها وما احتاج إلى تأكيدات لأن الله سبحانه وتعالى يخبرنا بأمر: بأن قوم لوط أجابوا بهذه الإجابة فالله سبحانه وتعالى أنجاه وأهله إلا امرأته قدرها رب العزة من الغابرين. وأُنظر كيف ربط الضمير بالفعل مباشرة ما أبعده (قدرناها) لأن هذا قدره سبحانه وتعالى فما إحتاج إلى إبعاده. الغابرين قالوا بمعنى الباقين الهالكين الذين بقوا في الهلاك. نهاية الآية تفسر لنا كلمة كانت. لما قال (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) )انتهى الكلام على ذكر الأمم، كان آخر شيء في ذكر الأمم يعني لم تكن هناك حكاية ورواية لأمور وإنما رواية لهذه المسألة. النهاية كانت (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)) لم يذكر أمة أخرى وراءها. هو لا يتحدث حديثاً تاريخياً متواصلاً وإنما إنقطع الكلام هنا.
لما ننظر في الآية الثالثة أيضاً (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) الأعراف). الله سبحانه وتعالى يحكي لنا ما حدث (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)) هناك قدرناها من الغابرين وانتهى الكلام على الأمم. لكن هنا الكلام كأنه كلام تاريخي والكلام التاريخي يصلح معه (كان) لأن ذكر أشياء رواية فقال (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) ) استعمل (كان) ثم قال (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا) الآيات مستمرة في الحديث عن جانب تاريخي وعندما يكون الكلام عن جانب تاريخي يستعمل (كان) لما يكون حديث تاريخي وإنما قدر الله عز وجل يستعمل كلمة قدرنا والله سبحانه وتعالى أعلم.
سؤال: ما هو البرهان الذي أوقف يوسف u في قوله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)؟
هذه الآية فيها كلام تكلم فيها العلماء. الكلام الأول ليس عن البرهان وإنما عن الهمّ، هل حصل منه همّ أم لم يحدث؟ وما معنى الهمّ هنا؟ الذي نختاره في هذا من كلامهم رحمهم الله تعالى ولا نريد أن نناقش الآراء جميعها.أن هنا من حيث اللغة هناك تقديم وتأخير. أنت تقول: لقد سافرت إلى العين لولا أن أبي جاءنا أمس. تعني لم أسافر لأن أبي جاء، وصول أبي منعني من الذهاب. ففي قوله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) حدث منها هذا الميل النفسي الإرادة النفسية نحوه. (وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) لم يحدث منه همّ وفق اللغة. بناء اللغة يقول أنه إبتداء لم يحدث منه همّ. هم يقولون همّ بها ولكنه لم يفعل إشارة إلى بشريته وهذا ليس هكذا: هو إبتداء كان مترفعاً وهناك بشر عاديون يحصل معهم هذا فيترفعون عنه. برهان ربه هو الشريعة، هو الإحتكام إلى شرع الله سبحانه وتعالى. برهان ربه الذي رآه، هذا اللطف الذي أحاط به يوسف u من أول أيامه من أُلقي به في الجب وأوحى إليه تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)) هو في الجبّ مطمئن هذا هو برهان من ربه، جعله في بيت كريم يكرمه، عرف شرع الله تعالى من أبيه فبرهان ربه هو معرفته بشرع الله سبحانه وهذا نبيّ كيف تتخيل أنه بدأت الوساوس تدخل في نفسه؟! بعضهم يقولون جاءه يعقوب فدفعه في صدره! ما هذا الكلام!؟ لغة العرب تقول ما حدث منه همّ أصلاً وهذا من رفعة شأنه u وهو نبي من أنبياء الله عز وجل.
سؤال: ما هو المكر في قوله تعالى (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ) ولماذا سمى الله تعالى كلامهن المكر؟
لأن المكر في اللغة معناه التدبير، أن يدبر الشيء يرتبه.(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) آل عمران) هم دبروا والله عز وجل يدبّر وهو خير المدبرين. فهذا الكلام الذي قالته هؤلاء النسوة هو كان تدبيراً منهن للإساءة إليها فهو مكر إذن. ولو قال ( لما سمعت بكلامهن) لا يعطي هذه الصورة من صور الحقد واللؤم والتخطيط للإساءة إليها والنيل منها. لكن لما قال (بمكرههن) هي أيضاً دبرت تدبيراً آخر: مكر يقابل مكراً.
سؤال: ما هي الحاجة التي في نفس يعقوب (مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا)؟
عندنا مبدأ عام في تعاملنا مع كتاب الله سبحانه وتعالى: أيما قضية لم يفصّل فيها القرآن ولم يرد فيها خبر صحيح عن رسول الله r الخوض فيها من التكلّف الذي لا يصل إلى نتيجة. فلما قال لنا القرآن الكريم (إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا) أنت ماذا تتخيل الحاجة تخيّلها. البحث فيها تهويمات ليست قاطعة: أنه خاف عليهم من الحسد، خاف عليهم أن الملك يخشى من جمعهم فيدبر لهم شيئاً أحد عشر أخ هعصبة هؤلاء، أنهم إذا إجتمعوا يدبرون شيئاً، لا يهم. هذا كلام ليس عليه دليل ولذلك نقول لا ندري ما هي الحاجة. تتخيل ما شئت من هذا الأمر لكن كن واثقاً أن الله عز وجل ما أخبرك عن هذه الحاجة ما هي فتكتفي بهذا القدر. وهذا في أمور كثيرة وعندما يحدثنا علماؤنا عن الصفات كان السلف يمرونها كانوا يمرونها هكذا لا يتحدثون عنها بالتفصيل.
سؤال: ما الفرق بين قول يوسف u (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)) وقول يعقوب u (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98))؟
بعض اللجان التي تشرف على طبع المصحف تجتهد في أماكن الوقف في قوله تعالى (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ/ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)) كان بودّنا أن يكون هنا وقف (اليوم) ولكن الإشارة الموجودة جواز الوقف والوصل والوصل أولى لكن وصل الآية كاملة ((قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92))) تقرأ جميعاً لكن كما قلت بودّنا أن يكون الوقف على اليوم يعني (لا بأس عليكم اليوم) ثم قال يغفر الله لكم يغفر الله لكم ليس خبراً عن المغفرة وإنما دعاء بأن يغفر الله تعالى لهم. يغفر الله بالفعل المضارع ليس وعداً بالمغفرة وإنما هو دعاء تعني أنا رحمتكم بأن تنازلت عن حقي ولكن الله عز وجل أرحم الراحمين فأسأله أن يغفر لكم. كما إذا توفي فلان يقال رحمه الله وهي دعاء وليس خبراً. يعقوب بعد ذلك لما جاءوا معه (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)) قال (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)) يعقوب وعدهم بالإستغفار أما يوسف فدعا لهم إبتداء أن الله يغفر لهم.
سؤال: ما هي الحكمة من عدم إنزال العقاب بإخوة يوسف بعدما فعلوا به ما فعلوه؟
الله تعالى أرحم الراحيمن. أولاً هم لم يرتكبوا جرماً يقتضي عقوبة لما رموه في الجب لم يكن قتلاً وإنما شروع في القتل عقوبته تعزير ليس الحدّ وهو رحم إخوته وهذا درس لنا أن نكون رحيمين بأرحامنا وبمن نعرف من إخواننا من المسلمين وحتى من جيراننا من غير المسلمين.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 4/2/2006م:
ما الفرق بين كلمة أفواههم في قوله تعالى في سورة آل عمران (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)) وألسنتهم في سورة الفتح (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11))؟
لماذا الإختلاف في مناداة الله تعالى لعيسى (يا عيسى) في سورة آل عمران (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)) و(يا عيسى إبن مريم) في سورة المائدة (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116))؟
في سورة البقرة تكررت لفظة (فولّ وجهك) في الآيات 149-150 وتكرار (من كان منكم مريضاً) في الآيات 184-185؟
ما دلالة الإختلاف في رد العبد الصالح على موسى في سورة الكهف (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)) و(قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) )؟
ما تفسير ملك اليمين (وما ملكت أيمانهم)؟
ما المقصود بـ (كتب الله لكم) في قوله تعالى في سورة المائدة (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21))؟
ما دلالة الإختلاف بين اليهود وبني إسرائيل في القرآن؟
2009-01-30 19:09:42