لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 2

اسلاميات

الحلقة الثانية: (تابع)

يقف الانسان عند المناوبة بين الفردية والجماعية في آيات سورة النحل التي ذكرناها في الحلقة الماضية : الفردية(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) ثم الجماعية (ولنجزينهم) ثم انتقل الى الفردية (فإذا قرأت القرآن) ثم الجماعية (الذين آمنوا وعملوا الصالحات وعلى ربهم يتوكلون) الفردية في الحياة الطيبة للإنسان والجماعية أن دخوله الجنة والجزاء لن يكون فرداً وإنما يكون في جماعة وفي زمرة ثم اللجوء الى الله تعالى والاستعاذة والاتكال عليه تخلصاً من كيد الشيطان فردية لأنه ينبغي على المسلم أن يلجأ بمفرده الى ربه وحتى لا يشعر الانسان ان هذا الشيطان متمكن جاء تعالى بلفظ (الرجيم) وأكّد على ضعف الشيطان بقوله تعالى في الآية بعدها (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا).

ومن اللطائف أن القرآن الذي تحدث في هذه الآيات وفي غيرها (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى) التي تظهر مكانة المرأة في الاسلام ذكر الدكتور مصطفى السباعي في كتابه المرأة بين الفقه والقانون أنه في الغرب عقدت مؤتمرات في الوقت الذي تحدث القرآن عن مكانة المرأة تبحث في مسألة إذا كانت المرأة انسان أو غير انسان ثم توصلوا إلى أنها انسان لكنها خُلِقت لخدمة الرجل وفي بلد آخر صدر قانون في العام 1830م يمنع الرجل من بيع زوجته فلننظر من كرّم المرأة؟ القرآن أم الغرب الذين يتحدثون عن حقوق المرأة وينتقدون الاسلام؟! المرأة في الاسلام مكرّمة.

(فلنحيينه حياة طيبة) الخطاب بالفردية هنا وبالتذكير لأن لغة العرب كما ذكرنا في الحلقة السابقة أن تغلّب المذكر على جماعة النساء حتى لو كان هناك رجل واحد بين مائة امرأة اذا دخلت عليهم قل السلام عليكم ولا تقل السلام عليكن وهذه لغة العرب ولو نظرنا في جمع المؤنث السالم نصبه وجرّه بالكسر يقابله في جمع المذكر السالم الياء (والتي هي كسرة طويلة) فكأنما أعطى العرب الشيء الطويل للرجل (الياء) والأقصر (الكسرة) للمرأة. والنون في جمع المذكر السالم (معلّمون) يقابلها تنوين في جمع المؤنث السالم ولا يلفظ (معلمات) وهذا يدل على قوله تعالى (وللرجال عليهن درجة).

(فإذا قرأت القرآن فاستعذ): (إذا) للتحقيق والفاء ربط لما قبلها (بأحسن ما كانوا يعملون) والفاء في (فاستعذ) جواب الشرط وقلنا سابقاً أن العربي إذا استعمل (إذا) فإنه يريد التحقيق وقوله تعالى (فإذا قرأت القرآن) تعني أنه لا بد أن تقرأ القرآن وهذا شيء محقق ولو قال (فإن قرأت القرآن) فكأنما يرخّص بعدم قراءة القرآن.

ثم أمره بالاستعاذة والأمر عندما يكون للرسول r فهو من باب أولى للمسلمين كما علّمنا رسول الله r في احاديث الاستغفار كان r يستغفر الله تعالى في اليوم أكثر من سبعين مرة لم يكن يستغفره لذنب ولكن لكي يعلّم أمته الاكثار من الاستغفار. على المسلم أن يستعيذ بالله  صيغة فعل الأمر (استعذ) على وزن (استفعل) فيها معنى الطلب والجهد وتعني أنك تبذل جهداً في تفريغ قلبك باللجوء الى الله تعالى تخلصاً من الشيطان الرجيم. وجاء الأمر بالاستعاذة بصيغة (فاستعذ) ولم تأتي بصيغة (قل أعوذ بالله) لأن هذا القول ليس فيه جهد ولكنه تلقين كما جاء في قوله تعالى (قل هو الله أحد، قل أعوذ برب الفلق) هذا تلقين أما في آية الاستعاذة فأراد الله تعالى للمسلم عندما يقرأ القرآن أن يستحضر في نفسه الجهد والذل حتى يلجأ الى الله تعالى. واستعمل اسم الجلالة المجرّد (الله) لأن اسم الجلالة يحوي كل الصفات. وبعض العلماء قال أن لفظ الجلالة الله مشتق من ألِه يأله الإله ثم حذفت الهمزة للتخفيف ثم فُخّمت فصارت الله وعندما نقول الرحمن مثلاً نستحضر صفة الرحمة وهكذا في كل اسم من أسماء الله تعالى وصفاته وفي كل اسم تستحضر الصفة المرافقة له أما كلمة الله فتستحضر معها كل الصفات وكالعظمة بكلّيتها كأن الآية تريد من المسلم أن يلجأ الى هذا الحصن الحصين من الشيطان. لم؟ لأن الشيطان حذرنا الله تعالى منه ونبهنا منه بدءاً من آدم u لكنه نسي ولم نجد له عزما (فأزلهما الشيطان) (وقاسمهما ) هذا الشيطان كاذب لا يجب تصديقه وقد أخذ على نفسه العهد أن يضل بني آدم (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلَصين) ينبغي أن نحذر الشيطان (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) هذا تحد وعزيمة على إضلال ابناء آدم.

يقال في الأثر إذا مات ابن آدم على طاعة يصرخ الشيطان صرخة يجتمع لها ابناؤه فيقول أين كنتم عن هذا؟ فيقولوا كان مستعصماً بالله ومن هذا نرى كم يبذل الشيطان من جهد في اضلالنا. وأحياناً يدخل الشيطان للانسان من باب الايمان فإذا كان المسلم خاشعاً في صلاته يدخل عليه الشيطان فيقول له عجّل بصلاتك حتى لا يُقال عنك مرائي لكن على المسلم أن يسأل نفسه هل يبقى على خشوعه أن يسمع كلام الشيطان. ثم يتخذ القرار المناسب وهو أن يبقى على خشوعه.

لماذا استخدم فعل (استعذ) ولم يقل الجأ أو اجأر أو احتمي؟

الاستعاذة فيها جانب مادي ومعنوي ومع الله تعالى نأخذ الجانب المادي وعندما تعوذ بشيء مثلاً إذا رُمي الانسان بسهم يعوذ بشجرة وهذا أمر مادي ونحن نستحضر قوة الله تعالى ولفظ تستعيذ يختلف عن معنى أية كلمة أخرى والعربي يعرف معنى كلمة الاستعاذة ولهذا عندما سمع (فاستعذ) قال: أعوذ بالله ولم يقل استعيذ التي فيها معنى الطلب والجهد وبذل الجهد في أن أعوذ بالله وليس هذا هو المطلوب وإنما المطلوب أن تكون في عملية عوذ (أعوذ) يدل على الحال والاستقبال والله تعالى يريد لك أن تكون تعوذ فعندما يقول تعالى فاستعذ بالله قالوا أعوذ بالله أو نعوذ بالله اي نحن الآن في حالة عوذ وهذا اختيار بلاغي دلالي.

لماذا قال الرجيم؟ التخويف من الشيطان يجعل قلب المسلم في هيبة كبيرة من هذا المخلوق فأنت لجأت الى الله وعُذت به لكن لا تتصور أن الشيطان بهذا الجبروت تُرِك على جبروته فهو ذليل مرجوم. وبالعودة الى اوصاف الشيطان في القرآن كلها لا تنسجم مع معنى آية الاستعاذة لأن المراد هنا الذّلة حتى لا تكون للشيطان منزلة مخيفة. وإذا نظرنا لأوصاف الشيطان في سورة الاسراء مثلاً نجد أنه ورد فيها صفة الكفور (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)) ولو استعمل هذه الصفة في آية الاستعاذة لا تدل على المعنى المطلوب لأن الكفور قد يكون متجبراً وكافراً لكن ليس فيه اذلال وجاءت صفة أنه عدو مبين وللرحمن عصياً (صفة العاصي) وللانسان خذولا (مارك متمرد ومريد) وكل هذه الصفات لا تعطي صورة الإذلال والضرب بالحجارة من السماء أي الرجم (وجعلناها رجوماً للشياطين) فاختيار كلمة الرجيم لتقليل شأن الشيطان وإذلاله وأكذّ على ذلك قوله تعالى في الآية التي تلت (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)) .

لماذا استخدام لفظ الشيطان بدل ابليس مثلاً؟

يقولون ابليس من البَلَس الذي هو نوع من الخنس والاختباء وهذا المعنى لا ينسجم مع المعنى في الآية أما كلمة الشيطان فهي من الشطن والامتداد فكأنه يمتد اليكم وليس خائفاً خانعاً مبلساً ولهذا نقول دائماً كل كلمة في كتاب الله تعالى مرادة مقصودة لذاتها.

 

تتمة الحلقة الثانية (موضوع تعدد الصفات لموضوف واحد)

تعدد الصفات لموصوف واحد في القرآن الكريم

تغيّر الأوصاف في القرآن لموصوف واحد مثل (أجر عظيم، أجر كبير، أجر كريم، أجر حسن) لماذا تتغير الأوصاف مع أن الموصوف واحد؟

قال بعض العلماء أن هذا يتعلق بالفاصلة القرآنية لكن هذا الكلام في الحقيقة غير صحيح والصحيح أن الفاصلة القرآنية تابعة للمعنى ولمّا يكون المعنى محتاج للفظة عظيم يأتي بها سواء وافقت ما قبلها وما بعدها أو لم توافق وهي في الغالب توافق. ومثال ذلك في سورة الأحزاب التي تقطع أن مسألة الفاصلة مقصودة لذاتها فإذا استعرضنا الآيات نجد أن الفواصلة القرآنية فيها جاءت على هذا النحو في الآيات 73 (حكيما، خبيرا، وكيلا، رحيما، مسطورا، أليما، الظنونا، غرورا،فرارا، قليلا، نصيرا، كثيراً، تسليما، تبديلا، عزيزا، فريقاً، قديرا، جميلاً، كريماً، عظيما، معروفا، تطهيرا، خبيرا، مبينا، مفعولا، مقدورا، حسيباً، عليما، اصيلا، نذيرا، منيرا، حليما، رقيبا، عليماً، شهيدا، تسليما، مهينا، تقتيلا، سعيرا، الرسول rا، وجيها، سديدا، جهولا، غليظا، بصيرا، شديدا، مسؤولا، يسيرا، ثم السبيلا) الا في الآية الرابعة من السورة (وهو يهدي السبيل) كان يمكن أن يقول في هذه الآية السبيلا لكنه قال السبيل فالمسألة ليست مسألة فاصلة لكن المعنى هو المقصود فلماذا جاءت السبيل على خلاف الفاصلة؟

السبيلَ فيها امتداد لكن كأن القرآن يريد أن يقول أن سبيل الله مستقر ثابت حتى في اللفظ والصوت (وهو يهدي السبيل) إذا وقفنا على نهاية الآية نلفظها (السبيل) ساكنة وإذا وصلناها بما بعدها فلن نمدّها بالفتح لأن ما بعدها اي الدال ساكن فسترجع للسكون بدون مدّ (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ). عندنا أماكن في القرآن إذا وقفت عليها تُمدّ وإذا وصلت لا تمدّ لكن الأمر ليس على هذا النحو في الآية الرابعة من سورة الأحزاب لأن كلمة السبيل أريد لها أن تكون مستقرة (وهو يهدي السبيل) . اما الآية الأخرى (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)) السبيلا تتناسب مع صراخهم لأنهم كانوا يصطرخون (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)) كأنهم يصرخون (ربنا إنا اطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) كأنه فيها صراخ فناسب أن تكون كلمة السبيلا ممدودة أما كلمة السبيل في الآية الرابعة فهي تناسب المعنى من أن سبيل الله تعالى مستقر ثابت ولهذا ضحّى بالفاصلة هنا وكان يمكن أن يأتي بها مناسبة مع الفاصلة.

سؤال من المقدم: في سورة الضحى قال تعالى (ما ودّعك ربك وما قلى) لماذا لم تأتي وما قلاك؟ هذه مختلفة (ما ودعك ربك وما قلى) بعد التوديع الذي هو أمر سهل ربطه بالكاف للمخاطب (ودعك) لكن القلى والبغضاء لا تتناسب مع كاف المخاطب للرسول r وإن كان القلى منفياً وهذا لإعلاء مكانة الرسول r فلم يقل (وما قلاك).

لما نأتي الى كلمة الأجر في القرآن نجد أن الأجر العظيم وردت في القرآن بحسب الاحصاء في كتاب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم للاستاذ محمد فؤاد عبد الباقي (ونحن نوصي طلبتنا بأن يقتنوه) وردت كلمة أجر عظيم وعظيما  في 18 موضعاً وكلمة أجر كبير وكبيرا 5 مرات وأجر كريم و كريما 4 مرات وأجر حسناً مرتين. ونظرت في الآيات التي وردت فيها هذه الصفات للأجر وانتهيت الى خلاصة أن الأجر له مراتب في حقيقته والمرتبة الدنيا للأجر هي مرتبة الأجر الحسن ثم الكريم تأتي بعد الحسن وقد تكون أعلى منها قليلاً لأن فيها لمسة حنان ثم فوق ذلك الكبير لمناسبتها ثم العظيم.

في سورة الأحزاب آيتان (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)) (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)) (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)) مرتين قال عظيما ومرة قال كريما. المفروض أن الأجر العظيم أعلى من الأجر الكريم والكريم فيها لمسة حنان

في قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)) مع هذه الارادة (الله، رسوله، الدار الآخرة) وهنّ محسنات يلائم ان يكون الأجر عظيماً. وكذلك عندما يذكر الصفات الكثيرة في الآية (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)) كل هذه الصفات تلائمها صفة العظمة فجاءت أجراً عظيما. أما في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)) اختلف النسق في هذه الآية ففيها لمسة حنان وفيها رحمة وسلام تقتضي الأجر الكريم الذي فيه كرم مع الرحمة.

نموذج آخر من سورة الفتح (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)) وفاء العهد شيء عظيم يناسب الأجر العظيم وفي نفس السورة في آية أخرى قال تعالى (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)) لم يقل عظيماً لأن هؤلاء مخلّفون لكنهم إذا اطاعوا الرسول r فلهم أجر حسن لم يقل عظيما أو كريما.

ونموذج في سورة الحديد (آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)) مع الانفاق يكون الأجر كبيراً ومع الاقراض يكون الأجر كريماً (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)) لأن الذي يُقرض هو كريم في الحقيقة أما الذي ينفق فهو ينفق ابتغاء الحسنات والأجر فالأجر كبير لكن مع الاقراض سيضاعف له وهو كريم.

 

بُثّت الحلقة تاريخ 15/12/2005م

2009-01-30 16:41:24