لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 26

اسلاميات
الحلقة 26:

 

وقفنا عند هذه الآية الكريمة (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ3 وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)) وقلنا قبل أن نتكلم عن الوقف أين يكون؟ لا بد أن نفهم المعنى العام لهذه الآية حتى يطمئن القلب إلى موضع الوقف لأن هناك روايات أو رواية عامة جمهور المسلمين يقفون في موضع وهناك كلام لبعضهم أنه وقف على قوله تعالى: (والراسخون في العلم) فيجمع الراسخين في العلم إلى الله سبحانه وتعالى: يعلم تأيوله الله والراسخين في العلم معاً فكيف سيكون المعنى في ذلك؟

عندنا كلمة: محكمات، متشابهات، وكلمة التأويل. ما المقصود بكل لفظة من هذه الألفاظ؟ حينما نعود إلى ما تكلم به علماؤنا هم تكلموا كثيراً لذلك سأوجز ما قالوه ومن خلال ذلك سيتبيّن لنا أين يكون الوقف المتفق مع السياق. أين يكون الوقف الأولى؟ قد يكون أحياناً ترد رواية بوقف ويأوّل المعنى ويفسر ويبيّن المعنى مثلاً في قوله تعالى (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)) البعض وقف عند (من مرقدنا هذا) ثم يقول (ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) حقٌ هذا ما يفسره. لكن عندنا قاعدة في اللغة: لا يُصار للتأويل ما أمكن عدم التأويل. ما دام أمكنك أن تقف هنا ولا تحتاج إلى تأويل لماذا تصير إلى هذا التأويل إلى الكلام على الحذف والكلام على هذا (ما وعد الرحمن وصدق المرسلين حق) من أين جئت بهذا الكلام؟

نحن أشرنا إلى الرموز التي وضعت وقلنا هذا من عمل لجان. ولو رجعنا إلى المصحف المتداول سنجد أن إشارة الوقف تكون عند (الله) وليس عند (والراسخون في العلم) ولا يوجد إشارة عند (الراسخون في العلم) لا يوجد لها إشارة وقف. الوقف هناك ذلك لما تقرأ في الروايات يقول وقف فلان على هذا المكان لكن من خلال التثبت ومعرفة السياق الوقف عند (الله). القرآن الكريم خاطب أمة العرب بلغتها فيفترض أنه ليس فيه آية لم يفهمها العرب فهي كلها مفهومة.

إذن ما معنى محكمات، متشابهات وتأويل؟ حينما يقول تعالى (آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) معناها أن هذه الآيات في المصحف منها تستنبط الأحكام: الحلال والحرام والمواعظ والنصائح وكل شيء لأن القرآن منهج حياة وكل ما يتعلق بمنهج الحياة يُستنبط من هذه الآيات فهي أمٌ للكتاب كله (الأم هي التي تلد) الأم تلد فتتولد منه المعاني هذا في (آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ).

ما المقصود بالمتشابهات؟ قالوا المتشابهات هي الآيات التي فيها مساحتان: (هذا تلخيص لكلام كثير) مساحة للفهم العام شأنها شأن المحكمات، ومساحة لما إختصّ الله عز وجل بعلمه. المثال يوضح هذا الأمر: لما نأتي إلى قوله تعالى عن مؤمن آل فرعون قال: (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) غافر) لما يقرأ العربي هذه الآيات يفهم أن آل فرعون معذّبون في قبورهم. ظاهر الآية لما يسمعها العربي يفهم أنهم يعذبون غدواً وعشياً بدليل قوله (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) هذه المساحة المفهومة من المتشابه. والمساحة الأخرى التي إختص الله عز وجل من شاء بعلمه هي ما ماهية هذا العذاب، ما كيفيته؟ كيف يكون؟ ما هذا العذاب وكيف يكون؟ الراسخون في العلم يؤمنون بالآية هكذا ويؤمنون بالغيب الذي هو حديث عن كيفية عذابهم وكيف يكون عذاب المقبورين؟. ما نوع هذا العذاب؟ هذا يندرج في المساحة الثانية. تلك المساحة التي نزّه الله عز وجل عقولنا عن الخوض فيها بدليل أن (الراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌ من عند ربنا) ولا يخوضون فيه لأنهم يعلمون جيداً أنهم لن يصلوا فيه إلى نتيجة لأن هذا مما إختص الله عز وجل به نفسه (الماهيّات). لكن المعنى العام مفهوم يعني ليس هناك شيء في القرآن غير مفهوم. فالقارئ يفهم أن آل فرعون يعذبون غدواً وعشياً لكن كيفية العذاب وماهية العذاب لا يسألوا عنه لأنهم لن يصلوا إلى نتيجة.

مثال آخر: لما يكلمنا الله عز وجل عن عذاب الآخرة وعن نعيم الآخرة نحن نفهم أن هناك جنة ونار وهناك نعيم وعذاب لكن ما ماهية هذا النعيم وهذا االعذاب؟ كيف هو؟ كيف إنسان في النار يبدّل جلده ليذوق العذاب (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) النساء) كيف يتكلمون؟ كيف يعاتب بعضهم بعضاً؟ الراسخون في العلم يؤمنون بهذا ولكن لا يخوضون فيه لأنه لا يؤدي بهم إلى شيء. هذه من المساحة التي إختص الله عز وجل بها نفسه أن هذا خاص لا تشغلوا أنفسكم به لأنه لا تصلون به إلى نتيجة. في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء رجل تحققت فيه هذه الآية (الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وإبتغاء تأويله) يريد أن يحدث فتنة فبدأ يسأل كيف هؤلاء في النار يعذبون ويتكلمون وكيف يقولون يا مالك (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) الزخرف) ثم (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49)) فبدأ يثير بلبلة بين المسلمين الذين آمنوا أن هذا سيكون فبدأ يسألهم عن الماهية وعن الكيفية فرُفِع الأمر إلى عمر فقال: هذا نحن نؤمن به فأخذ الدِرّة وصار يضربه بها. (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) فلِمَ تسأل عن هذا؟ أنت لا تستطيع أن تجد جوابه. يأجوج ومأجوج متى يظهرون؟ نحن نؤمن أن هناك خلق أخبرنا عنه الله تعالى. المتشابه إذن فيه مساحتان مساحة مدركة وهو الذي طُلِب منا أن ندركه (هناك خلق لله إسمهم يأجوج ومأجوج) ومساحة ما هؤلاء؟ متى يظهرون؟ ما عملهم؟ كيف ينتهون؟ هذا ليس من شغلنا حتى لو جلس العلماء مئة عام يتناقشون لن يصلوا إلى نتيجة إلا ما أخبرنا عنه الحديث الصحيح هذه مسألة أخرى. فالتأويل هو ما يصير إليه المعنى أو يؤول إليه المعنى أو ما هو حقيقة الشيء. التأويل له معنيان: إما أن يكون التأويل المراد به المعنى والبيان وهذا هو كل القرآن بضمنه المساحة الأولى من المتشابه يفسّر ويبيّن معناه، وإما حقيقة الشيء ومآله وكيفيته وماهيته وهذا مما إختص الله عز وجل به نفسه. فإذن سيكون معنى الآية فسيكون أن كتاب الله عز وجل كل آياته محكمة والمتشابه منها فيه مساحة يدخل ضمن المحكم المفهوم ومساحة أخرى إختص الله عز وجل بها نفسه فالذين آمنوا يؤمنون به جميعاً كلٌ من عند ربنا والذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه (ما فيه نوع من المشكل على القارئ) لما قال تعالى (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)) لم يعرفوا ماذا يريد؟ أي بقرة؟ فالمساحة الأولى من الآية متشابه ولكن تُشكل. من خلال هذا الشرح هذا معنى السياق. أين يكون الوقف السليم؟ (إلا الله) وعند ذلك نقول (والراسخون في العلم يقولون آمنا به) لأنه ما الفائدة من مدحهم إذا لم يكونوا مؤمنين هذا الإيمان؟ فإذا كان الراسخون في العلم يقولون هذا الكلام فمن باب أولى الذين هم أقلّ علماً أن يقولوا هذا في المساحة الثانية من المتشابه مما سُمي متشابهاً.

حتى الحروف المقطعة ليس هناك شيء في القرآن غير مفهوم لأنه لو كان هناك شيء في القرآن الكريم غير مفهوم كان يسأل عنه الناس. حتى (ألم، كهيعص) قيل فيها كلام كثير والراجح عند أهل اللغة أن هذه علامات الإعجاز أن هذا القرآن الذي أعجزكم مؤلف من هذه الحروف لكن مع ذلك فيها مساحة للمتشابه وهو لماذا كانت ألم هنا وألمر هنا وألمص هنا؟ هذا مما إستأثر الله عز وجل بعلمه. لكن أن يكون هناك شيء في القرآن غير مفهوم لا يوجد ولا يجوز أن نفكر هذا التفكير. وألان بعد هذا الكلام الموجز أو المسهب أن نعرض تلخيصاً لما ذكرنا: المُحكم ما ُفهم معناه وتفسيره والمتشابه ما إستأثر الله تعالى بعلم حقيقته ومآله (علم الحقيقة والمآل وليس علم التفسير) إذن هي جزءآن مثل الروح في القرآن مذكورة لكن ما ماهيتها؟ والدابة مذكورة لكن ما ماهيتها؟ . الوقف الراجح في الآية هو عند (إلا الله) وهذا الذي يجده. التأويل له معنيان: التفسير والبيان ويشمل جميع القرآن حقيقة الشيء ومآله ويشمل القسم الثاني من المتشابه.

سؤال: قال تعالى في سورة القصص (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)) كيف يقتل موسى رجلاً يعد أن يؤتى العلم والحكمة؟

أولاً عندما قتله لم يكن موسى u نبيّاً لأنه لما ناقشه فرعون أو جادله لما قال (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)) قال (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)) أي قتلت نفساً. هو يعرف ماذا فعل لكن لا يريد أن يثيرها. قال موسى u (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)) فالرسالة كانت بعد الفرار إذن هو لم يكن رسولاً مكلّفاً بالرسالة. كونه غير مكلّف جعل حياته ضلالاً كان ضالاً لأنه لم يكن يعرف أحكام التكليف. الضالّ هنا غير المكلّف أي ليس مكلّفاً بأحكام التكليف وليس بالمعنى الذي نفهمه الآن من فساد. لكن كان قبله أنبياء وكان يعرف بعض الأحكام بتغيراتها وبإنحرافاتها. لما ننظر في (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)) ما معنى الوكز؟ في اللغة هو الضرب بجُمع اليد على الذَقّن وقيل على الصدر. الذي يضرب بيده على الذقن هل ينوي القتل؟ الذَقّن (بفتح الذال والقاف) وجمعه أذقان بوزن سبب وأسباب. إذن موسى u لم يكن ينوي القتل. لاحظ أبو حنيفة يُسأل أفي مُثقِل أو مثقَل قَوَد؟ المُثقِل إذا ضرب إنسان إنساناً بشيء ثقيل فهو مثقِل أو إذا كان هناك شيء ثقيل (إسم الفاعل وإسم المفعول) يعني يؤخذ به الضارب؟ يعتبر قاتل عمد؟ (قَوَد: قاتل بعمد). قا: لا، قال: فإذا كان ضخماً؟ قال: ولو ضربه بأبا قبيس (جبل). فموسى u ضربه لم يكن بنية القتل وغير متصور أن الضربة على الذقن تقتل لكنه يبدو كان من القوة وكان قوياً u بحيث أن الضربة أدّت إلى قتله فهو لم يكن ينوي قتله فهذا لا يختلف مع الحكمة أن الإنسان يكون حكيماً. لما شخص من شيعتك يقاتله شخص من عدوك ويستنجد بك يستغيثك أدركني يا فلان تحاول أن تعينه فأعانه موسى u فضربه من جمع يده فهذا لا يتناقض مع الحكمة وليس هناك منافاة. القرآن يستخدم الضرب والوكز الضرب يكون باليد المفتوحة، بعصا، بالسيف، الضرب له أنواع أما الوكز حصراً فيكون بجُمع اليد كما نستعمل كلمة لكم، الملاكم يضرب بجمع اليد لا نقول المضارب. ضربه إذا أراد أن يكون الكلام عاماً أنه حدث منه ضرب لكن هنا يريد أن يبيّن نوع الضرب (وكزه) ضربه على الذقن أو الصدر وغالباً تستعمل على الحنك أو الذقن.

سؤال: ما الفرق بين كلمة أفواههم في قوله تعالى في سورة آل عمران (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)) وألسنتهم في سورة الفتح (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11))؟

في كثير من الأحيان الإنسان يقف عند جزئية في بعض الآية ولا تكون ظاهرة. اللسان هو جزء من الفم والأصل في الكلام أن نقول: قال فلان كذا (قال لي ذهبت) لا نقول قال بلسانه أو قال بفيه إلا إذا أردت التأكيد فتقول : قال بلسانه. هل قال لك فلان شيء؟ تقول نعم قاله لي بلسانه، سمعت ذلك بأذني، رأيت الأمر بعيني،هذا لما يكون هناك تأكيد. والصورة الثانية لما يريد المخالفة لما في نيّة الإنسان فتقول: قال بلسانه غير ما يُبطن وغير ما يُخفي. عندنا صورتان للإستعمال: فهي إما للتأكيد أو للموازنة لما يبطنه. فقال بلسانه غير ما في قلبه (لما يكون مقابلة). لكن لماذا يستعمل اللسان مرة والفم مرة؟ والعلاقة بين اللسان والفم علاقة مكانية. السؤال هو: لم تستعمل هذه اللفظة بدل هذه الفظة؟

الآية التي فيها بأفواههم (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)) اللسان جزء من الفم. أولاً عندنا قاعدة عامة: لم يذكر القول باللسان أو بالفم إلا وهو في موضع الذمّ في القرآن الكريم حصره العلماء. لكن لماذا يقول هنا أفواه ولماذا هنا ألسنة؟ اللسان جزء من الفم معنى ذلك أن الكلمة التي تخرج من اللسان أو باللسان كلمة طبيعية. لكن بفمه كأنه يملأ بها فمه فيها إشارة إلى نوع من المقاليد، نوع من الثرثرة والتعالي ونوع من التفخيم والتضخيم، إلى الآن تقول: يملأ فمه بالكلمات، قال بالفم الملآن. هذا ليس في موضع المديح في القرآن. الكلام هنا في الآية على المنافقين (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)) هذه قبل أُحُد والآية نزلت بعد أحد. المنافق لا يريد أن يخرج وهو متعالٍ بل إن بعض هؤلاء كانت تُحاك له الخِرز ليكون ملكاً على المدينة قبل مجيء الرسول rr فبأي ترفّعٍ وتعالٍ يقولها (لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُم) يعني سوف لا يكون هناك قتال. كأنما بملء أفواههم قالها المنافقون، لم يكتفوا بأنهم قالوا (لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُم). لكن (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِم) أفواههم مليئة بهذه الكلمات. كلمات التعالي والتشدّق أن يميلوا أشداقهم بالكلمات. منافقون يتكلمون عن قتال (لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُم) فإذن هنا تصلح (بأفواههم). أما ألسنتهم: فالموقف كان مختلفاً. لما أراد الرسول rr أن يذهب إلى مكة إستنفر القبائل أن تأتي معه.

سؤال: وردت كلمة القرية كثيراً في القرآن الكريم فما معنى كلمة القرية والمدينة في القرآن؟

القرية والمدينة: المدينة هي البلد الكبير وكانت قليلة في الماضي. والقرية هي المنطقة الصغيرة وهي الأكثر فلا غرابة في أن يتردد إسم القرية في القرآن أكثر من المدينة لكثرة القرى وقلة المدن.

سؤال: هل قول صدق الله العظيم بعد الإنتهاء من قراءة القرآن صحيحة أم لا؟

صدق الله العظيم يُسأل عنها أهل الفقه لكن مع ذلك لا نرى مانعاً من قولها. الأصل في الأشياء الإباحة ما لم تُحرّم بنصّ. بعد أن ينتهي الإنسان من كلام الله عز وجل يقول صدق الله العظيم يعني أنا أؤكد أن كلام الله تعالى صدق. وبقدر علمي أرى أن العلماء لا يرون في ذلك ما يمنع.

سؤال: كيف يكون شرح الصدر؟ شرح الصدر هو فتح الصدر. أصل الشرح في اللغةهو الفتح أو الشقّ والمراد هنا ليس شق الصدر ولكنه نوع من أنواع المجاز إذا قيل شرح الله صدره بمعنى يسّر الله أمره أو أراحه أو جعله يقتنع بهذا الأمر. هناك في اللغة أمور كثيرة لا يراد فيها معاني الألفاظ كما هي على وجه الحصر وإنما ما يؤدي إليه اللفظ من معنى. وهذا ما سماه علماؤنا معنى المعنى. الشرح معلوم والصدر معلوم لكن لا يُراد به شق الصدر وإنما إنشرح صدره كأنه إطمأن إلى هذا الأمر والآن نستعملها (إطمأن قلبي إلى ذلك). ويضيق الصدر بمعنى لا يطمئن قلبه إلى هذا الأمر ويبقى قلقاً.

بُثّت الحلقة بتاريخ 2/3/2003م

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 2/3/2006م:

لماذا لم يذكر الإنجيل بعد موسى في قوله تعالى (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) الأحقاف)؟

ما الفرق بين العقيم والعاقر؟

هل كل من يتقي الله ويتوكل عليه يرزقه الله تعالى كما في الآية (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) الطلاق) وقوله تعالى (وتوكل على الحيّ الذي لا يموت)؟

هل هناك ثوابت في القرآن مثلاً متى تأتي خبير، عليم، تذكرون، تعقلون وغيرها؟

بُثّت الحلقة بتاريخ 2/3/2003م

======================

2009-01-30 19:20:14