لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 40

اسلاميات
الحلقة 40:

 

تتمة اللمسات البيانية في قصة موسى u مع الخِضر في سورة الكهف:

(قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)) نحن بدأنا في الحلقة الماضية من بداية موسى u مع الخِضر أو الرجل الصالح. وهذا الإسم الخِضر ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله r فيمكن أن نقول الرجل الصالح ويمكن أن نذكر إسمه وهذا لا يقدم ولا يؤخر من صلب الموضوع.

وصلنا للإعتراض الثالث الذي نجم عنه أن قال (هذا فراق بيني وبينك) وبيّنا لم قال: بيني وبينِك ولم يقل بيني وبينَك. وقفنا عند (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا) كان يستطيع أن يقول هذا فراق بيني وبينك ويذهب وتنتهي القصة. لكن أراد أن يبين لموسى u هذه التصرفات التي تصرفها ولم يسكت عليها موسى u لأنه لم يكن يملك أن يسكت عليها. لأن موسى u يتعامل مع ظاهر أحكام الشرع وهذه الأمور غيبية لا يعلمها فأراد أن يظهر له هذا الغيب. لذلك نقول كلمة التأويل لها معنيان: الأول بمعنى التبيين أو البيان والتفسير كأن يفسّر قوله (سأنبئك بما لم تستطع عليه صبرا) أي هذا السؤال الذي سألته تسبب في أن يفارق بعضنا بعضاً نشرحه ونبيّنه ونفسّره، هذا التبيين والتفسير. والثاني: التأويل هو بيان حقيقة الشيء وبيان ماهيّته. هنا المراد بالتأويل بيان الحقيقة، (سأنبئك بتأويله) أي بيان حقيقة ما لم تستطع عليه صبرا. (وما يعلم تأويله إلا الله) أي وما يعلم حقيقة أمره إلا الله سبحانه وتعالى، والراسخون في العلم يقولون كل من عند ربنا كما قلنا في وقته أوصاف الجنة على الحقيقة: فيها نخل ورمان لكن أيُّ نخل وأيُّ رمان؟ ما حقيقتهما؟ الحور العين، ما حقيقتهن؟ نحن نأخذ الحور العين نساء لكن ما حقيقة هؤلاء النساء؟ ما حقيقة هذا النعيم؟ هذا مما إستأثر الله عز وجل بعلمه، فما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به. التأويل معرفة حقيقة بواطن الأمور التي هي مما إختص الله تعالى بعلمه وإلا لو علمه موسى u ما إعترض إبتداء. فإذن كونه إعترض فهم لم يعلمه مع أنه نبي وهو أشرف الناس في زمانه.

(سأنبّئك) بالتشديد لأن فيه توضيح ولم يقل (أُُْنبئك) لأن الإنباء للشيء الموجز المختصر. (ما لم تستطع) جاء بالفعل كاملاً لأنه مقبل على إيضاح وإعلان وشرح وعلى كمال، شيء كامل

(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)):

(أما السفينة) بدأ من أول الأحداث. (أما) حرف تفصيل، تقول حدثت أمور أما الأمر الفلاني فكذا وأما كذا فكذا. وما بعدها مبتدأ وخبر (السفينة: مبتدأ وكانت خبر للمبتدأ). (لمساكين) كلمة مساكين دخلت عليها لام المِلك. السفينة لهم، كانوا يملكونها ومن هنا حاول بعض العلماء أن يفرّق بين الفقراء والمساكين. يمكن للمسكين أن يكون مالكاً لشيء لكن هذا المِلك لا يسد كل حاجته فيستحق من مال الله، من الزكاة (إنما الصدقات للفقراء والمساكين). أما الفقير فلا يملك شيئاً، قد يكون عنده قوت يومه لكنه لا يملك مجال عمل ولا يملك شيئاً أصلاً فيقال هو فقير. نحن إن شاء الله أعنياء بفضل الله تبارك وتعالى. الغني هو الذي لا يحس بحاجة ونحن بحمد الله أغنياء لا نحس بالحاجة لشيء والفضل لله تعالى من قبل وبعد. قد يكون لأحدهم مال كثير ولكنه يتضور إذا رأى غيره عنده شيء لا يملكه هو فيشعر بالفقر. لأن الغنى غنى النفس.

(لمساكينََ) قد يسأل البعض أن مساكين جاءت بعد حرف الجر اللام فكان يجب أن تكون مجرورة ولكنها في الآية مفتوحة وذلك لأن مساكين ممنوع من الصرف لأنها على صيغة منتهى الجموع فيُجرّ بالفتحة نيابة عن الكسرة.

(يعملون في البحر) على سفينتهم. (فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غضبا) فأردت: هنا الإرادة نسبها لنفسه ونسبها لنفسه بصيغة الإفراد، ما قال: فأردنا أن نعيبها لأن فيها معنى العيب: إنسان يصنع شيئاً فيه عيب لا يفخّم نفسه. ما فعله بوحي من ربه وهو بعد ذلك سيقول (ما فعلته عن أمري). لكن سياق الأحداث: أن يخلع لوحاً من سفينة ويحدث عيباً فلما أحدث عيباً لا يتناسب العيب مع التفخيم لأنه مجرد رفع لوح العيب يعمله أي عامل يأتي بفأس وينزع خشباً أو لوحاً من السفينة لا مجال لتعظيم نفسه ولا تصح نسبة العيب لله سبحانه وتعالى يقيناً، لا يكون لأنه على لسان الجنّ لما قال: (وأنا لا ندري أشرٌ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا) لما ذكر الرشد نسبه إلى الله تعالى ولما ذكر الشر نُسِب للمجهول. القدر كله خيره وشره من الله تعالى. هذا الأدب الذي ينبغي أن يتعلمه الناس مع الله سبحانه وتعالى أن يكون في غاية الأدب عندما يذكر ربه جلّت قدرته وحينما ينسب إليه الأشياء. وحتى في اللفظ يتأدب مع الله سبحانه وتعالى. إبراهيم u قال (وإذا مرضت فهو يشفين) لم يقل وإذا أمرضني نسب هذه العِلّة لنفسه أنه هو تسبب بمرضه وهو سبحانه يشفيه. نسب لنفسه هذا الفعل على سبيل الإفراد (فأردت) لأن فيها كلمة العيب (أن أعيبها) لا يتلاءم مع التعظيم.

(وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غضبا): طبيعة السياق أن يقول وكان أمامهم ملك، لكن لو تخيلنا السفينة وهي واقفة والذي نذهب إليه أن موسى u والخِضر صعدا إلى السفينة وبمجرد صعودهما خرقها من دون إطالة وقت. معنى ذلك أمامهم البرّ، لأن السفينة لما تقف على الشاطيء أمام الركاب الذين فيها يقفون ينظرون إلى الساحل يودعون الناس فأمامهم البرّ. كلمة وراء في لغة العرب أحياناً تستعمل لما ينتظرك. تقول للإنسان وراءك عمل كثير. ليس بمعنى خلف ظهرك وإنما ينتظرك عمل كثير حتى في العامية نستعملها. ورائي لا تعني خلف ظهري وإنما ينتظرني ولذلك قال تعالى (ومن ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد) لا يعني وراء ظهره وإنما تنتظره جهنم والعياذ بالله. (ومن ورائهم عذاب غليظ) (من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) هذا من إستعمال العرب ونحن الآن نستعمله.

(يأخذ كل سفينة غصبا): يأخذها غاصباً يأخذها عنوة حتى من غير مقابل لأنه قيل أن الملك داخل معركة ويجهز جيشه فتأخير السفينة لغرض أن يمشي هذا الملك بمن معه من أسطول للمعركة فينجو هؤلاء المساكين بسفينتهم. ليس المعنى أنه لم يكن يأخذ السفينة المعيبة ولكن تعني أنها لا تصل إليه. ما من سفينة إلا ويحدث فيها عيب وتعالج وهو خرق لوح لا يؤدي إلى دمار السفينة، سيدخل فيها الماء لكن تحتاج لوقت تُسحب السفينة إلى الشاطيء والغرض من خرق السفينة التأخير. أردت أن أعيبها، لماذا أردت هذا الأمر؟ لأن وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا فالعيب يؤخرها، كيف تُصلح السفينة؟ تُسحب إلى الشاطيء، تُفرّغ من الماء، ويعود اللوح إلى مكانه ويُطلى بالقار وترجع السفينة إلى ما كانت عليه ولا تبقى معيبة لأن هذا إضرار بالمساكين. غاية ما في الأمر تأخير هؤلاء المساكين عن وصولهم إلى الملك الذي كانيدخل حرباً وفعلاً حصل تأخير، سُحِبت السفينة وفُرِّغت من الماء وأعيد اللوح إلى مكانه وطُلي كأي ضرر يصيب أي سفينة وتعود. إذن الغرض من عيب السفينة التأخير.

(فأردت أن أعيبها) باستعمال المصدر المؤول ولم يقل فأردت عيبها لأنها تعني طلبت عيبها أو فتشت عن عيب فيها فلا يستوي هنا. فلا بد أن يقول (فأردت أن أعيبها) حتى ينسب العيب إلى نفسه مع الإرادة بهذه الصيغة صيغة المصدر المؤول. الصيغة (وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) بهذا الترتيب لا شك أن الخِضر لم يقل هذه الكلمات حرفياً. هذا البناء هو البناء السليم لأن الذي في ذهن موسى u بالترتيب: مشكلة السفينة، هذه المشكلة يجب أن تعالج أولاً فقال له: أما السفينة، وأما الغلام، وأما الجدار لأنها ركائز القصة. كل قصة لها محور تدور حوله. هنا المحور السفينة، هناك المحور الغلام وهناك المحور الجدار. فلا بد أن يبدأ هكذا بمحور القصة: أما السفينة، وأما الغلام فكذا، وأما الجدار فكذا. ثم بنى عليه بعد ذلك: أما السفينة فكانت لمساكين، قدّم تمهيداً لفعله لا يبدأ فأردت. ثم يبقى السؤال: لِمَ؟ السفينة كانت لمساكين فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا، تمّت الجملة هكذا. هذا البناء يكون بهذه الصيغة هو الذي إختاره القرآن الكريم. في غير القرآن يمكن أن يقول: أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا فأردت أن أعيبها، لكن الجملة تضعف لما تبتعد هكذا كأنك تحكي لي قصة لكن بيّن لي لماذا قمت بهذا العيب؟ وهذا الترتيب إلتزمه في المواطن الثلاثة: يذكر محور القصة ويدير حوله الحديث حتى يبيّن السبب كيف يأخذها؟ هو لا يستشيرهم وإنما بيّن السبب وإنما يأخذها في حال إغتصاب، غاصباً. إستعمل المصدر (غصبا) كان يمكن أن يقول غاصباً أهلها لكن المصدر في اللغة أقوى من المشتق لأنها كلها تؤخذ منه. المشتق هم إسم الفاعل، إسم المفعول أو غيره. كان يمكن في غير القرآن أن يقول غاصباً أهلها، لكن إستعمل المصدر قال: يأخذ كل سفينة غصباً كأنه يغصبهم غصباً على ذلك وهي فيها معنى الحال لكن فيها معنى التوكيد أيضاً. إستعمال المصدر هنا فيه معنى المصدر المشتق وفيه معنى التوكيد (غصبا) ما قال غاصباً. المصدر أقوى بلا شك كما في قوله تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) لم يقل يهدي وإنما قال هدى للمتقين لأنه في كيانه هدى فالمصدر أقوى. والكلام الفعل مشتق من المصدر والدراسة الحديثة تقول الفعل هو الأصل لأنه يحدث فعل ويكون محتوياً على حدث وزمن. لكن المصريون يستدلون بإستدلالات عقلية ويبنون على بعض الجوانب اللغوية أن المصدر حتى أنهم يقولون من إسمه يصدر عنه، يقولون أنتم سميتموه مصدراً.

(وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)):

هناك قال: فأردت وهنا قال: فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا. قلنا الغلام يصلح من ولادته أن يسمى غلاماً إلى أن يغتلم أي يبدأ بطلب الجنس الآخر. فمن بدايته نوع من التفاؤل مثلما سمّت العرب فاطمة تفاؤلاً بأنها ستكبر وتلد وتُرضِع وتفطم، وسمّت عائشة بأنها ستعيش, والعرب تسمي الصحراء مفازا والملدوغ سليم. لكن هنا الغلام ما عندنا دليل تاريخي ثابت يبيّن في أي مرحلة من العمر كان إنما الأسلوب أو اللفظ الوارد هنا يوحي بأنه كان متقدماً في العمر ليس صغيراً والدليل: لما يقول (فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا) الإرهاق تحميل الإنسان فوق ما يطيق. طغياناً وكفراً: طغياناً حال كونه طاغياً وحال كونه كافراً فيرهقهما من طغيانه ومن كفره فهو لا يكون كافراً إلى أن يبلغ مرحلة السؤال. معنى ذلك أنه معذِّب لأبويه بكفره وطغيانه وهما مؤمنان. كما قال تعالى في مكان آخر (وهما يستغيثان الله ويلك آمن) والأب والأم دائماً يريدان لولدهما الخير. فإذن (فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا) معناه كان كبيراً وليس في مرحلة الطفولة الصغيرة جداً. الأبوين عادة لما يكون ولدهما بهذه الصورة يحرصان على إيمانه، على إسلامه وهو يعذّبهما، يحملهما فوق ما يطيقان عند ذلك يتجهان إلى الله سبحانه وتعالى أن يبدلهما خيراً منه: يدعون: اللهم أبدلني خيراً من هذا. هو لا يريد أن يذهب ولا يُعوّض وإنما يريد تعويضاً. ممكن هذا المعنى هو السبب في إستعمال الجمع (فخشينا أن يرهقهما) أي هو (الخِضر) والأبوين، يحتمل هذا المعنى: (فخشينا أن يرهقهما) كانا يخشيان ذلك ومن معهما المنفّذ الذي سينفّذ القتل (فأردنا) إرادة دعاء أنا وأبويه كأنما أطلعه الله عز وجل على ما كان يدعو به أبوا هذا الغلام، هذا وجه. والوجه الثاني نلاحظ في بداية القصة قال (ذلك ما كنا نبغِِ) من الذي كان يبغي ملاقاة الخضر؟ الذي كان يبغي ملاقاة الخِضر هو موسى u والفتى تابع ليس له بُغية إلا خدمة موسى u مع ذلك تكلم بالجمع عن نفسه وعن تابعه لأن التابع معه ملحق. هنا أيضاً يمكن أن يكون قوله (فخشينا) إدخال موسى u معه بإعتباره تابعاً هنا. تابع موسى u ما كان له شغل بهذا وإنما هو متابع له فيمكن أن تكون (فخشينا) أي أنا خشيت لكن أدخل معه موسى u لأنه تابع له، هذه واحدة ثم لأنه لم يأخذ على يده فيمنعه من القتل. موسى u إعترض بعد القتل. جاء رجل لشخص يقتله تكفّه وموسى u قوي (فوكزه موسى فقضى عليه) (فسقى لهما) وحمل الصخرة فكان يستطيع أن يمسك بالرجل لكن هو إنتظر لما ينهي الموضوع ثم قال لِمَ قتلته؟ (أقتلت نفساً بغير نفس) فكأنه أشركه معه. والحالة الثالثة التي أميل إليها أن القتل أمر عظيم فيحتاج إلى معظّم لنفسه أن يفعل هذا الفعل (فأردنا). قلنا هناك صغّر نفسه لأن فيه عيب (فأردت) القتل عيب لكن هنا هادف إلى شيء. والقتل فيه عيب لكن كلاهما يقصد إلى خير لكن قلع لوح مسألة صغيرة، تعريض ناس إلى خطر محتمل ضعيف لأنهم قريبون من الشاطئ وما زالت السفينة لم تتحرك لكن هذا قتل نفس وإنتظار ودعاء من الله سبحانه وتعالى أن يعوضهما خيراً منه فاستعمل صيغة المعظّم لنفسه (فخشينا): أنا تجرّات على القتل لم يقل أنا تجرأت على القتل ولكن قال نحن تجرأنا على التقل بتعظيم نفسه (فأردنا أن يبدلهما ربهما) عظّم نفسه لعظمة الحدث : قتل النفس لأن الرسول rr يقول: “هدم الكعبة أهون على الله من قتل نفس بريئة” (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً). هذا الفساد المحتمل (فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا) جعله الخِضر واقعاً وهو واقع لأنه تعالى أعلمه بشأن هذا الغلام وهذا في الغيب وأطلعه على غيب هذا الغلام. في القضايا الغيبية لا يطلع عليها أحد إلا من إرتضى من رسول يطلعه بما يحتاج إليه. أمر المؤمن كله له خير لا يدري الإنسان إذا تقدمت به السن، تقدم به العمر يتذكر أموراً كثيرة وأنا أذكر في مرات عديدة يداخلني شيء في نفسي لواقعة أنا أقول الحمد لله فيها خير لكن في نفسي أقول ليس فيها خير، ثم تمضي الأيام وثبت لي باليقين أنه كان الخير في ما وقع ولذلك ينبغي على الإنسان أن يُحسن ثقته بالله سبحانه وتعالى. لو قلت لرجل يحمل في بطنه العذرة وكلنا ذلك الرجل لكن إنسان نبيل تقول له يا فلان ناصيتي بيدك قدني إلى حيث تشاء هل يقودك إلى شر؟ فكيف بك إذا قلت لرب العالمين: اللهم أنت ربي ناصيتي بيدك. ماذا يختار لك؟ لا شك كل الخير. فما تراه أحياناً من غير الخير من موت ولد، من قطع رزق أحياناً، من أذى بدني، من أذى نفسي، سِفلة الخلق يوجهون لك إهانة أحياناً كل هذا أذى نفسي، هذا من الخير لأن الله سبحانه وتعالى حاشاه أن يختار لعبده المتوكل عليه ما هو غير خير.

سؤال: ورد سؤال خلال الحلقة من أحد المشاهدين حول (فأردت، فأردنا، فأرد ربك) بما أن العيب شخصي فقال فأردت أما فخشينا فالأبوين مؤمنين والإبن عاقّ فنسب الفعل له ولله تعالى لأن فيه جزء شخصي وهو القتل وجزء غيبي لله تعالى أما الجدار فالأبوين صالحان والولدين صالحين فنسب الأمر إلى الله تعالى. وقال معنى فخشينا و فأردنا أنه يقصد به الله تعالى والخِضر ويجيب الدكتور حسام النعيمي:

جمهور المفسرين يقولون هذا الكلام الذي تفضل به بعض الإخوة. أنه (فأردت) نسبه الخِضر لنفسه لما فيه من العيب. (فأراد ربك) نسبه لما هو خاصٌ بالله سبحانه وتعالى، (فأردنا) نسبه لله تعالى وللخِضر. لكن يمكن أن تجمع نفسك مع الله تعالى مهما كان الأمر. لا تقول أردنا أنا ورب العزة لأن الرسول rr لما قال له أحدهم: ما شاء الله وشئت ما قال له ما شئتما أنت والله وإنما ما شاء الله وشئت، فصله. فقال r : أجعلتني لله ندّاً؟ قُل ما شاء الله ثم شئت. إجعل الفاصل طويلاً (ثم) وليس بالواو. فكيف نرتضي أن يقال: فخشينا أنا والله، فأردنا أنا والله؟ هذا الكلام غير مقبول حتى إذا قاله بعض المفسرين. ولذلك فتشنا عن إجابات أخرى ووجدنا أيسر الإجابات: تعظيم النفس أنه عظّم نفسه، أو أدخل موسى u معه ،أو دخل مع الأبوين هذا كله تحتمله اللغة. أما أن تكون أنت مع الله كلاكما تفعلان فعلاً واحداً لا يجوز هذا الكلام. وليس كل ما أورده أصحاب التفسير نحن نرتضيه ونقبله. رب العزة يتعالى أن يكون له ندٌ أو شريك في اللفظ. لذلك فتشنا عن هذه الإجابات ونستبعد مطلقاً أن يكون (فأردنا) أنا وربي نفعل هذا لا يجوز أن نقول فيها شيء من نفسه وشيء من اله فجمع نفسه مع الله وهذا لا يجوز. هذه واحدة، والمسألة الأخرى: صحيح ذكرها بعض المفسرين لكن لا نقبلها من يجمع نفسه مع الله تعالى في ضمير واحد؟ فخشينا أنا والله، لا يرتضى هذا. خشينا أنا والأبوين، أنا وموسى أو تعظيم النفس لأن الفعل عظيم (القتل). هذه كلها تحتملها اللغة ومقبول فاختر ما تميل إليه وأنا أميل أنها من باب التعظيم للنفس.

سؤال: وفي سؤال آخر ورد خلال الحلقة يسأل صاحبه: أنه في التفسير يعبر بكذا عن كذا كما قال المفسرون أنه عبر عن الكفر بقوله (في قلوبهم مرض) عبّر عن المرض بالكفر، وهنا عبّر (فخشينا) بمعنى تخليص الأبوين من الإبن العاقّ. يجيب الدكتور حسام:

جائز أحياناً أن يكون فعل مقابل فعل آخر إذا كانا متقاربان. السائل قال إستعمل الخشية وهو يعني كلمة خلّصنا. لا يجوز هذا لا بد أن يكون هناك رابط. ما علاقة الخشية بالتخليص؟ ماذا يقول في (فأردنا)؟ لا يصح أنه عنى بهذا عن هذا. قوله تعالى (في قلوبهم مرض) أي قلوبهم فيها عِلّة، فيها مرض، مريضة بالنفاق، مريضة بالكفر. لا بد أن يكون هناك إرتباط وكل كلمة لها معناها. حتى عندما تكون كلمة مكان كلمة. لما قال الله عز وجل على لسان فرعون: (لأصلبنّكم في جذوع النخل) يقولون (في) بمعنى (على) فلم لم يقل على؟ ليست بمعنى على جذوع النخل ولكنه يريد أن يشعرنا أن هذا التصليب هو من القوة والربط والشدة كأنه سيدخلهم في الجذع وليس مجرد أن يضعه على جذع النخلة يوقفه ويصلبه وإنما سيشده شداً بحيث يُدخله في داخل الجذع، إذن هناك مرادة. لذلك إستعمال حرف الجر (في) مقصودة.

سؤال: وفي سؤال آخر ورد خلال الحلقة عن أن الغيب هو فقط في قصة القتل وليس في قصة السفينة أو الجدار. فأجاب الدكتور حسام:

كل ما غاب عنك فهو غيب. هم في مكان معيّن لنقل مثلاً هم في دمياط والملك ليكن في الإسكندرية أو على ساحل البحر بعيداً عنهم ليس في هذه المنطقة. الأحداث التي تكون هناك موسى لم يعلمها والمساكين لم يعلمونها والركاب جميعاً لا يعلمون وإلا لما صعد راكب في السفينة وهم يعلمون أن ملكاً يدخل قتالاً ويريد سفناً للمعركة، فهو غيب بالنسبة لهم. (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) لو كنت أعلم أن هناك تجارة لو فعلت كذا أربح، هذا صحيح في الدنيا ويعلمه بعض الناس. لا نعني بالغيب هذا الذي لا يعلمه أحد، قد يعلمه غيرك لكنه غيب لك، فهو غيب لموسى. المخزون تحت الجدار غيب، الغلامان لا يعلمان وأهل القرية لا يعلمون به فهو غيب مغيّب عنهم. لا نعني بالغيب هذا الذي لا يعلمه أحد. فكله غيب وهذا ينص عليه علماؤنا يقولون كل هذه الأمور كانت من علم الغيب مما غاب عن موسى u ومن حوله وعلمه هذا الرجل بعلمٍ من الله سبحانه وتعالى ولا نعني بالغيب الخاص بالله سبحانه وتعالى الذي لا يعلمه إلا الله لكن الذي علمه الآخرون لكن هو بالنسبة لهؤلاء الناس في هذا المكان فهو مغيّب عنهم فهكذا ينبغي أن نفهم الآيات.

بُثّت الحلقة بتاريخ 4/5/2006م

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 4/5/2006م:

(يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) العنكبوت) القلب هو التحول من شيء إلى آخر فكيف نفهم معنى تقلبون في الآية؟ تقلبون هنا بمعنى تعودون.

واو الثمانية هل هي للتغاير؟

لماذا لم يستطع أهل الكهف التعايش مع الجيل الذي جاء وراءهم؟

(فأردت أن أعيبها) هذا العيب يدل على أن عيبها يكون سبباً لترك الملك الغاصب لها لكنه قال (يأخذ كل سفينة) أي يقتضي أخذ الملك للمعيبة والصحيحة معاً.

ما علاقة أول الآية بآخرها في سورة النساء (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3))؟

(فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) النمل) ما المقصود بمن في النار في الآية؟

(لماذا وردت (بأحسن) بالفتح مع أنها جاءت بعد حرف الجرّ في الآية (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) النساء)؟

2009-01-30 19:26:43