سؤال 185 : ما دلالة إستخدام الجملة الإسمية المؤكدة في الآية (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) المائدة) مع أنها كلام الله؟ ولماذا إستعمل (عليكم) ولم يقل إليكم؟
حتى تتبين الصورة كاملة لما سألت عنه السائلة نبدأ من قوله تعالى (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)). (إذ) ظرف للزمان كأنه يقول واذكر إذ حدث كذا. (إذ أوحيت إلى الحواريين) الوحي هنا بمعنى إلهام الهداية فالله سبحانه وتعالى ألهم هؤلاء أن يهتدوا إلى دين عيسى u وسمّاهم الحواريين. الحواريّ: هناك كلام في كتب التفسير أنه يتعلق بمهنتهم فيقولون الحواريّ هو القصّار أي الذي يقصّر الثياب ولكن المسألة ليس لها علاقة بالمهنة فهل كانوا جميعاً يقصّرون الثياب؟ كلا. إنما الحواريّ هو المنقّى من الخطايا والذنوب. لما تقول: حوّرت الطحين بمعنى نقيّته من كل شوائبه وأعدته كأنما نقيّاً صافياً. هكذا تقول العرب، ومنه الحور والعين الحوراء. الحَوَر في العين هو نقاء البياض ونقاء السواد وفيه معنى التنقية. فهم عندما دخلوا في الإسلام في زمانهم معناه نُقّوا من كل ما قبل ذلك فمن هنا قيل الحواريون وليست المسألة مسألة تقصير الثياب وإنما هؤلاء المنقّون لأنه لما آمنوا وعندنا في الحديث: ” الإسلام يجُبُّ ما قبله” يعود الفرد إذا أسلم كيوم ولدته أمه أي صافياً نقياً أبيض الصفحة. هؤلاء هكذا كانوا بعد أن دخلوا في الإيمان. فأوحى إليهم أن آمنوا بي وبرسولي فقالوا (قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) قالوا آمنا ولم يقولوا آمنا بالله وعندنا سؤال في هذا. لو قالوا آمنا بالله معناه لم يؤمنوا برسوله لكن هنا قالوا آمنا لأن الدعوة كانت للإيمان بالله وبرسوله. فآمنا تعني آمنا بالله وبرسوله. (واشهد بأنا مسلمون) معناه جمعوا بين الأمرين: بين إيمان القلب والتطبيق, لكن هؤلاء الذين جمعول بين إيمان القلب والتطبيق في بعض الأحيان يُداخلهم شيء فيريدون أن يطمئنوا، يريدون أن يروا، يريدون أن يلمسوا. (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ) أولاً لما قالوا: يا عيسى ابن مريم هذا دليل على إيمانهم بالمعجزة لأنه لم يُنسب إلى أبٍ ولم يقولوا يا رسولنا وإنما يا عيسى ابن مريم بمعنى نحن نعلم أنك إبن هذه المرأة بمعجزة فهذا تثبيت لإيمانهم وتذكّر للمعجزة أنه عيسى إبن مريم.
مع ذلك قالوا: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ) أولاً كلمة يستطيع لها معنيان في اللغة وليس معنى واحداً: الإستطاعة بمعنى القدرة (هل يقدر؟) والإستطاعة بمعنى الفِعل (هل تفعل؟). نضرب مثالاً: هناك سيارة موجودة تقول لشخص:هل تستطيع شراءها؟ إذا كان الشخص فقيراً معناه هل لديك القدرة على شرائها؟ وإذا مان غنياً معناه: هل لديك الرغبة أن تفعل الشراء؟ هل تفعل؟. فلما قالوا: هل يستطيع ربك لا يعنون هل يقدر ربك وإنما هل يفعل ربك إذا دعوتَه؟. من أين فهمنا هذا المعنى؟ لماذا لا يكون شكاً في قدرته سبحانه وتعالى؟ أولاً من كونهم آمنوا فهم مؤمنون والأمر الثاني من قراءة مجموعة من العرب كانوا في الكوفة قرأوا ذلك بين يدي رسول الله r أو أقرأه جبريل u فأقرأهم. قرأ بها الكسائي، هؤلاء الأعراب أخذ عنهم الكسائي قراءة (هل تستطيع ربَّكَ) أي هل تستطيع أن تدعو ربَّكَ؟ هل تقدر أن تدعو ربك؟ (ربَّك) مفعول به لفعل محذوف تقديره تدعو. هذه قراءة سبعية قرأ بها جمهور كبير من العرب فهي قراءة متواترة تبيّن لنا معنى القراءات الأخرى. فلما قال (هل يستطيع ربك) لا يعنون أنه هل لديه القدرة؟ وإنما معناه: هل يفعل ربك إذا دعوته؟ لأنه قلنا أن يستطيع تكون إما بمعنى القدرة أو بمعنى الفعل. هل يستطيع: أي هل يفعل إذا دعوته؟ قلنا نجمع بين القراءات: لعيسى : هل تفعل وتدعو ربك؟ وهل يفعل ربك ذلك؟ هل يُنزّل؟ هكذا تُفهم الإستطاعة من هؤلاء هي ليست شكّاً في القدرة وإنما سؤال عن الفعل. أنت ستدعو فهل يستجيب لك؟ هل سيفعل؟ السؤال عن الإستجابة لدعء عيسى u وليس عن قدرة الباري عز وجل. (تستطيع ربَّك) يعني هل تستطيع أن تدعو ربك؟ (هل يستطيع ربك) يعني هل يجيبك؟ هل ينفّذ؟ هذه فائدة معرفة القراءات ومحاولة الجمع بينها.
ننظر هنا (هل يستطيع ربك) ما قالو: ربنا وإنما قالوا ربك أنت مع أنهم آمنوا به. هذا فيه فائدتان: كأنما ألقوا الأمر إليه أنه ربك كما قال بنو إسرائيل لموسى u (إذهب أنت وربك فقاتلا)، هذا الفعل أنت تقوم به. (هل يستطيع ربك) نوع من رفعة عيسى u أنه ربك قبل أن يكون رباً لنا فهو مقدّم علينا فيه إشارة إلى تقديم عيسى u. كلاهما وارد وكلاهما تحتمله اللغة. أولاً أوكلوا الأمر إليه وثانياً فيه نوع من رفعة الشأن له كما تقول لشخص: أنت كلّم فلاناً. وفي حديث الغامدية قالوا من يكلّمهغير حِبِّ رسول الله r؟ كلهم أحباب رسول الله r لكن خُصّ بذلك أسامة بن زيد في ذلك الموقع وكان الردّ بالرفض.
(أن ينزّل) ليس للتدرج هنا لأن فعّل قد تـأتي للتدرج وقد تأتي للتكثير والتوكيد. عندما نقول كسر وكسّر قد لا تعني التكسير بالتدرج شيئاً فشيئاً وإنما يعني بقوة وبكثرة، كسّره فيه معنى التأكيد والتقوية فهم يريدون أن يؤكدوا. (ينزّل) لا يريدون أن ينزلها مدرّجة لكن يريدون أن يؤكدوا التنزيل.
(علينا) استعملوها للعلو ثم أكدوا ذلك بكلمة (من السماء) يريدونها من السماء حتى لا يأتيهم عيسى u بطعام ولذلك جاء الجواب قال الله تعالى (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُم) إستعمل اللفظ الذي إستعملوه هم يريدونها من فوق فقالوا علينا ولم يقولوا إلينا. لغوياً يستقيم لو قلنا إليكم وسبق أن أوضحنا الفرق بين نزل عليك ونزل إليك: نزل عليك فيه معنى العلو والإستعلاء أما نزل إليك ففيه معنى التقريب كأنما يقرّبه إليه. ويمكن أن يتعاور حرفا الجرّ هنا (على وإلى) لكن لكل حرف معنى وله صورته. دلالة (على) هنا إستعلاء، هم أرادوها من فوق فقال تعالى آتيكم بها من فوق كما أردتم.
مائدة: إذا قيل مائدة يعني فيها طعام وإذا لم يكن فيها طعام يقال له خِوان مثل المنضدة فإذا وضعنا عليها الطعام تكون مائدة ولا تكون مائدة من غير طعام. فلما قالوا مائدة يعني يريدون طعاماً من السماء.
(قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إن كنتم مؤمنين ما حاجتكم إلى هذا الدليل المادي؟ هم يريدون أن يلمسوا شيئاً مادياً والإنسان في الغالب يريد هذه المادّية. هؤلاء الذين آمنوا بعيسى u قد لا يكونون من نفس بني إسرائيل لأنه عيسى u قال: جئت لهداية الخراف الضالّة من بني إسرائيل. لكن يمكن أن يدخل في الدين من غير بني إسرائيل. دعوة عيسى u كما عندنا في الحديث مخصصة لهؤلاء القوم، لبني إسرائيل هذا النص في الإنجيل ” جئت لهداية الخراف الضالّة من بني إسرائيل” وموسى جاء لبني إسرائيل (أن أرسل معنا بني إسرائيل) لكن اليهود تشبثوا في عدم دخول أحد في دينهم من الخارج إلا من كان إبن امرأة يهودية فأبناء اليهوديات يهود. أما المسيحيون خرجوا على تعاليمهم لأغراض وصاروا يدعون الناس ويبشرونهم بالدخول إلى دينهم.
المائدة هي ما يكون فيها طعام. فقال عيسى u (قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) كأنه يريد أن يذكّرهم بإيمانهم أنه كونوا على جانب من خوف الله سبحانه وتعالى ولا تطالبوا بهذه القضية المادية فلم ينسحبوا وإنما قالوا (قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ) أولاً يريدون الأكل (أن نأكل منها) بعد ذلك تطمئن القلوب لأنه لما يدخل هذا في جوفهم فهذا ليس خيالاً وعند ذلك يكون علم أنه قد صدقهم أنه هو رسول من الله سبحانه وتعالى. والمائدة نزلت من السماء ونكون شاهدين أنه نزلت علينا مائدة من السماء. مقابل هذا الإلحاح لم يجد عيسى u إلا أن يتجه لله سبحانه وتعالى بالدعاء فقال: (اللهم) وقلنا أن اللهم تساوي يا الله والبعض تكلم فيها أن حرف النداء محذوف وهو من جملة كاملة (يا الله أُمّنا بخير) واختُصِرت وبقيت الميم فقط (اللهم). والإختصار وارد في اللغة كما نقول في اللغة العامّية: ليش؟ أصلها لأي شيء؟ أو أيش؟ أي أي شيء هذا؟ وهذه إستعملها الإمام أحمد بن حنبل. قد يكون هذا وقد يكون من أنواع النداء ومع ذلك ورد بعض العرب جمع بين ياء النداء (وإني إذا حدثٌ المّ أقول ياللهم ياللهم). فجمع بين الإثنين لشدة تعلّقه بالدعاء أي إذا ما صارت مصيبة أقول ياللهم ياللهم. وأداة النداء لا تدخل على لفظ الجلالة (الله). (اللهم) الميم عِوَض عن حرف النداء بدل يا الله.
(اللهم ربنا) لم يقل ربي وهذا تذكير لهم : هو ربي وربكم. (أنزِل) لا داعي للتأكيد (نزِّل). دعاء عيسى u (ربنا) حتى يُدخلهم معه أنه ربكم أيضاً. قال أنزل لأنه لا داعي للتأكيد، دعاء بالإنزال قال (أنزِل علينا مائدة من السماء) ما قال عليهم وإنما قال (علينا) جميعاً وهو معهم. (تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ) هذه المائدة نُعيد ذكرها في كل عام ينقل خبرها أولنا إلى آخرنا نتناقلها يعني هؤلاء الحواريون بهذا العدد ومن دخل معهم بعد ذلك ينقلون الواقعة إلى الجيل الذي يأتي بعدهم أنه نحن أكلنا من هذه المائدة حتى تطمئن القلوب وتكون بمناسبتها يعني يعاد ذكرها. (وَآَيَةً مِنْكَ) علامة على صِدقي لأنهم طالبوني (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا) فتكون آية منك لهؤلاء. (وارزقنا وأن خير الرازقين) لأن هذا رزق.
قال تعالى (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)) هذا لأن الكلمة التي قالوها (ينزّل) فقال تعالى (إني منزّلها) من نفسصيغة الفعل. (عليكم) تحوّل الخطاب إليهم. عيسى u هو الذي طلب لكن صار إلتفات في الخطاب (عليكم) لأنه سيأخذ عليهم عهداً مباشراً وليس بواسطة عيسى u. (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) المقصود الحقيقة في الآية هم (الحواريون) الذين طالبوا بالآية وعيسى u غير داخل في هذا الكلام لأنه لا يُقال لعيسى u (فمن يكفر بعد منكم) الكلام توجّه إليهم أنتم سألتك نبيّكم أن يدعو الله عز وجل هكذا فنزل الخطاب موجهاً إليهم.
(إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ) لم يقل عليهم حتى لا يكونوا بعيدين، هو كأنما يريد أن يعقد صفقة معهم وهذه لا تكون مع الغائب. هذه صفقة أنتم تريدون علامة على صحة هذا الرسول r وهذه العلامة صفقة.
والسؤال كان عن التأكيدات لماذا يؤكده وهو كلام الله تعالى؟ هو يؤكد لأنه يريد أن يعقد صفقة معهم (إني منزلهما عليكم) مؤكد ستنزل (أكّد بـ: إنّ والجملة الإسمية (منزلها)) لم يقل إني سأنزلها. هذا الثابت الدائم الفعل الذي يسميه الكوفيون الفعل الدائم الذي هو إسم الفاعل (منزّلها) أي هي واقعة يقيناً عليكم الصفقة (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) هذا شيء ستضعونه في أفواهكم وترونه بأعينكم وتلمسونه بأيديكم، طعام نازل من السماء وسترون المائدة وهي تنزل. فعلاً نزلت مائدة من السماء وعليها طعام ورأوها وهي تنزل وبعد كل هذا الأمر إذا كفر منهم كافر ماذا يكون شأنه؟ (فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين) لأنه صارت الصفقة. لذلك جاء الكلام بهذه المؤكدات: هناك (فإني منزّلها عليكم) وهنا (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) . لمذا العذاب لا يعذبه أحد من العالمين؟ لأنه جميع العالمين ما مروا بهذه التجربة، الكل آمن بناء على كلام الرسول r أو على معجزة ظاهرة: العصى صارت أفعى، الناقة، أو القرآن عجزوا أن يأتوا بمثله. أما هذه فمعجزة مادية ملموسة تذوّقوها، أكلوا منها، فالذي يكفر بعد ذلك يعذّب عذاباً خاصاً.
سؤال 186: ما دلالة إستخدام العزيز الحكيم في الآية (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) المائدة) وليس الغفور الرحيم ؟
واضح (وإن تغفر لهم) أن الذي يتبادر إلى الذهن أن يقول (فإنك أنت الغفور الرحيم) وكان يمكن أن يقول القرآن الغفور الرحيم وليس عسيراً أن يقول الغفور الرحيم لكن لماذا نزلت الآية هكذا؟ لا بد من التفتيش عن سرّ ذلك. فلما ننظر في الآيات نحن أولاً نتذكر عيسى u ونتذكر طبيعته، تلك الطبيعة الليّنة الهيّنة المسالمة، عيسى u لم يدخل معركة ولم يقاتل أما محمد r فدخل معارك. عيسى u ما قوتِل وما جاءه جيش وما حارب شيئاً فكان حديثه مع الناس حديثاً ليّناً فيه نوع من الرقة والليونة ولذلك نشكك في بعض النصوص. لما يأتي نصٌ يقول: من ضربك على خدك الأيمن فدر له الأيسر، هذه المسامحة المعلومة عن عيسى u. لكن لما يقول في نص آخر عن أعدائه: جيئوا بهم فاذبحوهم قُدّامي، هذا الذي أخذ به الصِرب الأرثوذوكس مع الكروات المسيحيين والمسلمين فذبحوا الكروات النصارى وذبحوا المسلمين لأنهم وجدوا هذا النص عن المسيح u وحاشاه أو يقوله. هذا ليس من شأنه u.
إذا تذكرنا هذا هؤلاء الناس إرتكبوا جُرماً عظيماً. مع هذا الجرم العظيم كأن عيسى u يريد لهم المغفرة لكن لم يشأ أن يُصرِِّّح والآيات تعطينا هذه الصورة. هو كأنما يطمع لهم بالمغفرة لكن لا يستطيع أن يصرّح وأن يقول (الغفور الرحيم) معناها كأنه يريد لهم المغفرة لأنه هو يدعوه. كما تقول لشخص: هذا فلان فقير وأنت إنسان كريم. يعني تتوسط أن يعطيه. فهو لم يشأ ذلك. لاحظ الجرم العظيم الذي إرتكبه هؤلاء. (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) ماذا صنع هؤلاء؟ هؤلاء إتخذوا المسيح وأمه آلهة من دون الله. فقال عيسى u (قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)) وسبق أن قلنا (توفيتني) تكلمنا عن وفاة عيسى u وقلنا أن الوفاة المرجح فيها إستيفاء أيامه في الدنيا كاملة فرفعه الله عز وجل إليه حيّاً (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي)
(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118))
بُثّت الحلقة بتاريخ 11/5/2006م
وفي سؤال ورد خلال الحلقة سبق الإجابة عنه حول آية الوضوء في سورة المائدة والإستفسار عن مسح الرأس كله أو بعضه وغسل الأرجل فأجاب الدكتور:
(فاغسلوا وجوهَكم وأيديَكم) مفعول به معطوف على مفعول به ثم عطف الأيدي على المنصوب فنُصِب ثم قال (فامسحوا برؤوسكم) الباء هنا في (برؤوسكم) للعلماء فيها كلام: هل هي الباء التي للتبعيض أي لبعض رؤوسكم أم هي باء مؤكدة أي إمسحوا رؤوسكم. بعض الفقهاء ذهب إلى هذا وأنا لا أح أن أخوض في الأمور الفقهية لأنها ليست من إختصاصنا. البعض يقول: وإن مسح رُبع الرأس لأنه يقول برؤوسكم، والبعض يقول ينبغي أن يمسح رأسه كله لأنه عندنا حديث أنالرسول r مرّ بيديه إلى الخلف ثم عاد إلى الأمام. السادة العلماء إذا إختلفوا في أمر ينظر المسلم في الأدلة إن كان من أهل النظر وإلا يتبع أئمة الدين. إذا كان من أهل النظر ينظر إلى أدلة هذا وهذا ثم يأخذ بما يراه الدليل الأقوى.
مسألة الأرجل (وأرجلَكم) عطف المنصوب على المنصوب. وذكرنا أن هناك قراءة سبعية (وأرجلِكم) وقلنا أنها من قبيل الجرّ بالجوار. الثابت في الرواية الصحيحة أنالرسول r وآل بيته وصحابته غسلوا أرجلهم. لكن علماؤنا قالوا هذا إشارة إلى الإقتصاد في الماء وعندنا الحديث: ويل للأعقاب من النار لأنه لم تُعمم فعُمّمت.
Normal 0 false false false MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:”Table Normal”; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:””; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:”Times New Roman”; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;}
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 11/5/2006م:
في الآية (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) البقرة) هل آيات القرآن تتبدّل؟
في الآية (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) البقرة) هل الصبر مادي أو معنوي وكيف يفرّغ الصبر وهو معنوي؟
ما معنى مسلمون في الآية (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) المائدة)؟
(الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) أشارت الآية إلى القرآن إشارة البعيد فكيف ذلك والقرآن بين أيدينا؟
معظم الآيات يمكا أن يُبتدأ بها الكلام في القرآن لكن هناك آيات مثل (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ( البقرة)) فها هناك قراءات بجعلها آية واحدة؟
هل هناك تعارض بين الآيتين (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) النساء)؟
ما دلالة تأخير (كان) في الآية (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) آل عمران)؟
لم كتبت آمنوا بهمزة وصل ولم تكتب بمدّ منفصل في الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) آل عمران)؟
ما دلالة ورود فعل رضي الماضي ويبايعونك بالمضارع في الآية (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) الفتح)؟
لماذا بُني فهل فُصّلت وأحكمت للمجهول وفي نفس الوقت ذكر بعده (من لدن حكيم خبير) في الآية (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود)؟ علماً أن المبني للمجهول لا يحتاج إلى فاعل، فما اللمسة البيانية في هذا؟
هل الدعاء بأدعية القرآن الكريم أقرب للإجابة؟
ما هو شرح الآيات (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) مريم)؟
ما هو تفسير الآيات (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) الأنعام) وخاصة كلمة أبلسوا، تبسل، فأعرض عنهم، ينسينك، رأيت؟
في الآية (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الأعراف) هل نفهم أن رحمة الله تعالى ليست إلا للذين وُصِفوا في هذه الآية؟
في الآية (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) الحجر) ما هو السبب الذي يؤديّ بهؤلاء أن يتمنوا أن يكونوا مسلمين؟ وما شرح الآية؟
ما هو شرح هذه الآية (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) الشورى)؟
ما معنى كلمة الجبت والطاغوت؟ وما أصلهما؟ وهل صحيح ما يقال أن لكلمة الجبت علاقة بالقِبط كما يدّعي بعض العلماء؟
2009-01-28 10:11:31