لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 53

اسلاميات
الحلقة 53:

 

توضيح لما جاء في الحلقة السابقة عن أن لغة أهل الجنة العربية:

 

نحن كنا في الحلقة الماضية تكلمنا على لغة أهل الجنة عرَضاً وذكرنا الحديث “أحبُّ العرب لثلاث، أو احِبّوا العرب لثلاث) وأنا في وقتها قلت لا أدري مقداره من الصحة وهذا أمر ينبغي أن نوضحه. رجعت إلى المظانّ فتبين لي أنه حديث موضوع يعني هذا الكلام ما قاله رسول الله r. قد يكون معناه صحيحاً يعني الرسول rr عربي، هذا صحيح، القرآن عربي هذا صحيح، كلام أهل الجنة يكون عربياً لا ندري المهم أنه لم يصدر من رسول الله r فلا يجوز أن يقال قال رسول الله r أو يقال ورد في الحديث (أحب العرب لثلاث) المعنى قد يكون صحيحاً. خلال تقليبي في هذه المظانّ وجدت كلاماً كثيراً هو صحيح مثلاً: القصة المشهورة عن الإمام أحمد ويحيى ابن معين: ذهبنا إلى الرصافة، صلّينا في مسجد فأخذ القصّاص يتكلم فقال: حدثني أحمد بن حنبل ويحيى ابن معين وذكر كلاماً فيما يتعلق بأجر من يردد كلمة لا إله إلا الله (ترداد كلمة لا إله إلا الله شيء حسن) حتى قال حدّثني قال رسول الله r فلما انتهى من الكلام جاء يجمع المساعدات (ويبدو أنه كان يأخذ أجراً) فقال له يحيى تعال: سمعتَ من فلان؟ قال نعم، قال هذا أحمد بن حنبل وأنا يحيى ابن معين أنت لا تعرفنا ونحن لم نقل هذا الكلام. قال: كانوا يقولون لي أنكم حمقى والآن تبيّنت أنكم حمقى أليس في الدنيا سواكما أحمد بن حنبل ويحيى ابن معين؟ هذا لإتراء مع أن الكلام في فضائل لا إله إلا الله لكن لا يجوز أن يُنسب لرسول الله r كلاماً لم يقله حتى إذا كان صحيحاً لذا اقتضى التنويه لأننا ذكرناه في الحلقة الماضية.

سؤال: في سورة يوسف قال تعالى (إنه ربي أحسن مثواي) وفي آل عمران (ومأواكم النار وبئس مثوى الظالمين) ما هو المثوى؟.ولماذا لم ترد كلمة مثوى في حال أهل الجنة أبداً؟ ولا يوجد نص على أن الجنة مثوى المؤمنين

في هذه الآية والآية التي تليها جملة أمور يوقف عندها لكن سنقف بقدر السؤال ثم نتحول إلى بعض الأمور التي ينبغي أو يوقف عندها. المثوى يقولون في اللغة المنزل أو المكان الذي يثوي فيه الإنسان. والثواء هو الإنحسار في مكان ويكون عادة الإنسان فيه قليل الحركة مثل المسكن، المنزل، الحجرة التي يبيت فيها، المنزل الذي يبيت فيه حركته محدودة فيها بخلاف الفضاء أنت تستطيع أن تمشي أميالاً لذلك يقول الشاعر: رُبّ ثاوٍ يملّ منه الثواء، يعني يستقر في وضعه إلى أن يملّ موضعه منه ويقول أيضاً:

فما دون مصر للغنى متطلب قال بلى إن أسباب الغنى لكثير

فقلت لها إن الثواء هو التوى وإن بيوت العاجزين قبور

الثواء هو التوى يعني هذا الإستقرار في مكان واحد وإن كان فيه حركة فهو حركة ضيّقة، هو يريد أن ينطلق (إنه ربي أحسن مثواي) يعني هذا المكان الذي أنا فيه، أحسن منزلي. ويفرقون بين ثوى وأوى (أوى وآواه) لاحظ الفرق: الهمزة بدل الثاء، الهمزة فيها قوة وهي حرف شديد، أوى فيها نوع من الضم (آوى إليه أخاه) جعله يستقر لكن ضمّه إلى المأوى غير المثوى. والمأوى استعمل في النار وفي الجنة فالجنة تضم صاحبها والنار تضم صاحبها لكن شتان بين الضمتين، بين إحتضان الجنة للإنسان وإحتضان النار للإنسان. فكلمة الثوى والثواء استعملت في حال الدنيا لأنه منزل يثوي إليه أو يأوي إليه لذلك نجدها في أكثر من سورة في حال الدنيا. في الآخرة إستعمل اللفظة للنار لماذا؟ لأن الجنة ليست منطقة ضيقة محصورة إنا نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فيها السعة والإنطلاق. لاحظ مثلاً: (أكرمي مثواه) أي نُزُله في الدنيا. (وما كنت ثاوياً في أهل مدين)، (والله يعلم متقلبكم ومثواكم) الأماكن التي تتقلبون فيها، تنتقلون إليها والمكان الذي تستقرون فيه (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ). هذا سؤال السائل لماذا لم تستعمل كلمة المثوى مع أهل الجنة؟

أما الآية (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)) هذه من الأماكن التي وقف عندها. ما دلالة استعمال (التي هو في بيتها) ولم يقل امرأة العزيز أو لفظة أخرى؟

في الغالب لا يذكر القرآن الأسماء. العلماء يقولون فيه أمران: الأول هو سترٌ عليها وعدم فضيحة لأن يرتبط هذا بإسمها. والأمر الثاني وهو الأرجح نوع من الترفّع عنها وبيان عظمة موقف يوسف u. الترفّع عدم ذكر إسمها (التي هو في بيتها) وبيان عظمة موقفه أنه هو تابع، هو في بيتها والمفروض عندما يكون في بيتها أن يسمع وأن يطيع فهي سيّدته والأمر من سيّدته وهو ينبغي أن يخاف منها فضلاً عن أن كونه في بيتها وهو شاب يتطلع إلى جمالها يمكن أن يدخل في نفسه شيء تجاهها لكن يخاف باعتبار أنه عبد مملوك يخاف أن يعرض لها وإنما هي عرضت له وهذه فرصة بالنسبة له. فكأنما يريد القرآن أن يبيّن لنا هذا الموقف النبيل العظيم من هذا الإنسان الذي نُبّيء، الذي صار نبيّاً فيما بعد وفي حال شبابه لم يكن نبياً، فهذا نوع من رفعة شأنه. ورفعة الشأن هذه تجعلنا نفسر الآية الثانية بما فسرها به كثير من العلماء المدققين المحققين (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)) ولذلك هم يرجحون الوقف عند (همّت به) صحيح أنه في المجمع أن يصل الكلام إلى أن يقف عند (ربه) لكن الوقف عند (همت به) يوضح المعنى: ولقد همت به (وقف) وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه. (لولا) أداة شرط تأخذ فعل شرط وجواب شرط. لاحظ في قصة موسى u (وإن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها) إذن الجواب تقدّم يعني: لولا أن ربطنا على قلبها لأبدت به أو لكادت أن تبدي به لكن هي ما أبدت به.

أصل التركيب خارج القرآن لم يرد أن يهتم بهذه المشاكلة. في غير القرآن كان يمكن القول ولولا أن ربطنا على قلبها كادت أن تبدي بولدها، أن تُظهِر نوعاً من الفرح أنه ولدها. وهنا أيضاً لولا أن رأى برهان ربه لأنه هو رأى براهين ربه أولاً من معرفته بشريعة أبيه يعقوب، هو على شريعة والشريعة هي البرهان (واتبعت ملة آبائي) هو على شريعة، هو كان متّبِعاً لملّة آبائه وكان ملتزماً بقيَم ومُثُل ومبادئ الشريعة فهذا هو البرهان وهو برهان عند جميع الناس. وسبق أن ذكرنا قصة رجل من أصدقائي وهو رجل عادي من الناس عرض لشيء قريب لما عرض ليوسف u أيضاً وهو كان مستأجراً غرفة عند أناس أثناء دراستنا، جاء إلينا وقال ائتوني بكتبي وأوراقي من هذا البيت فسألناه ما الحكاية؟ قال دخلت علي أمّ المنزل شبه عارية فصفعها وخرج. ما صار في قلبه شيء لأنه ملتزم ولأنه يخشى الله عز وجل ويخاف أن يموت في أي لحظة فماذا يقول لله عز وجل. هذا ليس كيوسف u ويوسف أعلى وأجل وأعظم منه. لذلك البعض يقولون : قيل إبن عباس قال رأى أباه كذا وقيل ابن عمر قال كذا. كلام يمكن أن يؤثر في أفسق الناس، الإنسان إذا رأى أباه جاء طائراً في الهواء وضربه على صدره أو صار يعض على إصبعه، هو أبوه ويراه أمامه فيكفّ. هذه ليس فيها قيمة ليوسف u، القيمة الحقيقية لهذا الذي جعله الله عزّ وجل من المخلَصي. إنه ابتداء ما حدث في قلبه هذا الشيء إبتداءً وهو ترفّع وتعالى على من عرضت عليه هذه المرأة عليه حتى يكون الأمر واضحاً لأنه في كتب التفسير كلاماً وأنا نقلت عبارة لأحد المفسرين: ” وأما أقوال السلف (كلها قيل كذا وقيل كذا بهذه الروايات التي لا تصح) فالذي نعتقده (اعتقاداً وليس ظنّاً) أنه لم يصح منها شيء (كله كلام نراه في بعض كتب التفسير) لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضاً (ما يقول أحدهم أن يوسف رأى أباه أو غيره) مع كونها قادحة في بعض فسّاق المسلمين فضلاً عن المقطوع لهم بالعصمة وبالجملة لا ينبغي التعويل على ما شاع في الأخبار والعدول عما ذهب إليه المحققون الأخيار) هذا ما ذكره الإمام أبو الثناء الألوسي وهو من كبار علماء الأمة.

البعض يقول أن الآية (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) تعني أنها همّت بهفعلاً وهمّ بها تركاً لكن نقول هذا تأويل لا تحتمله اللغة. فما الدليل على أنه همّ بها تركاً وهمّت به فعلاً؟ هو تركها فعلاً ولم يهمّ بها تركاً ولم يكن هناك همٌّ في نفسه وإنما نفّذ ذلك وتركها وانصرف عنها.

والبعض يقول أن الهمّ من يوسف بمعنى الحزن. نقول أن الهمّ هو أن يمكون شيء في النفس يحمله على فعل ما. همّ به أي صار في نفسه شيء يحمله على فعل شيء ما قد ينفّذه وقد لا ينفّذه. لأن عندنا حديث: من همّ بحسنة ففعلها كتبت له حسنة إلى عشر حسنات إلى سبعمئة ضعف ومن همّ بسيئة فلم يفعلها كتبت له حسنة (هذا من كرم الباري عز وجل) ومن همّ بسيئة ففعلها كتبت له سيئة. فالهمّ حديث النفس تحدّثه نفسه بشيء يريد أن يفعله.

(كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلَصين): إبتداء هذا الأمر ما حدث في نفسه وحاشا لهؤلاء أن يحدثوا أنفسهم بما لا يرضي الله سبحانه وتعالى.

المعنى الدلالي لكلمة (المخلَصين): أي الذي أخلصه الله سبحانه وتعالى لطاعته ولذلك إبليس عليه لعنة الله في الدنيا والآخرة قال (إلا عبادك منهم المخلَصين) ونسأل الله سبحانه وتعالى دائماً أن يجعلنا من عباده المخلَصين.

المخلِص هو الفاعل أي هو اذي أخلص لله والمخلَص أخلصه الله سبحانه وتعالى لطاعته ولذلك الإمام الألوسي يقول: هذا لا يليق أن يُنسب لفسّاق المسلمين: مسلم فاسق يعيش في بيت إنسان يطعمه ويسقيه ويلبسه ويربيه ومع فسقه فهو لا يعتدي على نساء البيت وإنما يعتدي على النساء في الخارج يسمح له فسقه مع عِظم جرمه لكن في الداخل يقول لا هؤلاء أناس يكرمونني ولذلك يقول الألوسي لا يصح أن يُنسب لفسّاق المسلمين.

إذن في جهنم قال مثوى لأنه منحصر فيه حصر لذا قال (إنها عليهم مؤصدة) هي نار ومغلقة، أما الجنة ففيها مجال للحركة. الثواء فيه مقام محدود. إن الثواء هو التوى والتوى هو الموت والهلاك. وكما قال الشاعر: فقلت لها إن الثواء من التوى وإن بيوت العاجزين قبور لأن الذي يعجز يبقى في بيته فهذا قبر.

سؤال: ما معنى إناثاً في قوله تعالى (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) النساء)؟

العلماء يقولون حالات الموجودات هذه إما أن تكون فاعلة والفاعل غير المنفعل هو الله سبحانه وتعالى يعل ولا يقع عليه فعلٌ جلّت قدرته، هو الله تعالى. العوالم الأخرى كالإنس والجن والملائكة فاعلة من جهة ومنفعلة من جهة: الله سبحانه وتعالى يفعل فيها ما يشاء وهي تفعل هذه الأفعال الظاهرة. والجمادات منفعلة غير فاعلة. فالأشياء المنفعلة غير الفاعلة العرب تشير إليها بالتأنيث. ويقول بعض العلماء عندنا الذكر والأنثى وفي غالب المحلوقات الأنثى أضعف من الذكر حتى يقولون الحديد الليّن يسموه حديد أنيث أي مؤنث والبعض في العامية يسميه مخنث. فالشيء الضعيف يشيرون إليه بالتأنيث. فالقرآن الكريم على طريقتهم (إن يدعون من دونه إلا إناثا) أشياء صغيرة لا تستطيع أن تقدم لهم شيئاً، هذا قول. والقول الثاني على اللفظ أن أكثر أصنامهم أسماؤها على التأنيث: اللات والعزى ومنات وعندهم هُبَلأ مذكر. جمهور العلماء المفسرون يميلون إلى القول الأول أن العربي إذا أراد أن يشير إلى أمر بالضعف يشير إليه بالتأنيث، هذه لغة العرب.

كيف استعملت لغة العرب في جمع المذكر السالم (النون) وجمع المؤنث السالم (التنوين)، في المذكر السالم (الواو الياء) مهندسون في حال الرفع ومهندسين في حال النصب والجرّ، في حال الرفع في جمع المؤنث السالم استعمل الضمة التي هي واو صغيرة (مهندساتُ) وفي النصب والجر استعمل الكسرة التي هي ياء صغيرة (مهندساتِ) فأعطى الكبير للمذكر وأعطى الصغير للمؤنث. مهندسون ألحقها النون ملفوظة ومكتوبة ، مهندساتٌ تنوين ملفوظ وغير مكتوب. فتخيل هذه لغة العرب فهي مع التأنيث حتى في المنع من الصرف يقول الإسم المؤنث نزل مرتبة فسُلِب منه التنوين زعلامة الجر الأصلية مثل: فاطمةُ وزينبُ لا تنوّن ولا تُجرّ بالكسرة وإنما بالفتحة : سلّمت على فاطمةَ لأن الجرّ بالكسرة علامة الإسم المتمكن الأمكن. فهذه لغة العرب فلا يعترض أحدهم أن المؤنث لفظ ضعيف، عندهم المؤنث دون المذكر هذه لغتهم فإذا قال (إناثاً) يعني أصناماً ليس الأنثى بمفهومنا الآن. (ألكم الذكر وله الأنثى) لأنهم جعلوا الملائكة التي هم عباد الرحمن إناثاً والملائكة خلقٌ خاص لا نستطيع أن نقول هم ذكور أو إناث والله أعلم.

سؤال: ما دلالة الواو في (وثامنهم كلبهم) (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ الكهف)؟

هذه الواو فيها كلام كثير لعلمائنا وجدل لكن الذي نخلص منه بشكل مختصر وبصورة موجزو أن هذه الواو هي واو عاطفة تعطف جملة على جملة سابقة لأن الكلام انتهى: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم، إنتهى الكلام. قد يكون قريب منه ما نجده في اللغة الإنجليزية أنه عندما يعددون أشياء ثم يصل في الآخر فيقولand يضع حرف العطف في الآخر. هذا قال به بعض العلماء القدماء من غير المطلعين على اللغات الأجنبية، قال هذا يمكن أن يكون إشارة إلى إنتهاء العدد. بعض العلماء يرى أن هذه إنتهاء الكلام، العدد فجيء بالواو وهي واو عاطفة حتى يقول بعضهم لوسقطت في غير القرآن لا تؤثر ( سبعة ثامنهم كلبهم).

القسم الآخر من العلماء يقول هذه الواو قبل كلمة ثمانية هي كأنها من آثار الأعداد القديمة، الإستعمالات القديمة وكانت باقية عند قريش بمعنى أن العدد الأعلى الذي ينتهي عنده الحساب هو السبعة زبهذا فسّروا: سبع سموات، سبع أراضين، سبعين مرة، سبعمائة. والقرآن نزل بلغة قريش فبقيت هذه الواو لذلك سميت بواو الثمانية (وثامنهم) وهذا الإستعمال الذي كان خاصاً بها أحياناً.

قد يكون هناك رأي ثالث يقول: في بعض الأحيان الكلمة أو الرقم يُغيّر لسبب من الأسباب ويثبت هذا التغيير، الرقم يحدث فيه تغيير أو إضافة وهذا التغيير يثبت. كأنما كانت سبعة ثمانية ثم صارت وثمانية باعتبارها آخر شيء ثم ثبتت عندهم. في رواية عن أبي بكر ابن عياش يقول هذه في لغة قريش هكذا لا يقولون ثمانية لوحدها وإنما يقولون وثمانية يجعلون معها الواو وهذه رواية ينبغي أن تدقق ويثبت منها هذا وردت عند آخرين؟ هل السند صحيح؟ وما ترويه كتب اللغة والمعاجم لا نستطيع أن نطمئن إليه كلّياً إنما نطمئن إليها بقدر حينما يكون مما هو شائع لكن عندما يكون منفرداً نحتاج إلى تدقيق. نضرب مثالاً على تغيير العدد: الآن لو ذهبت إلى المملكة المغربية ستجد لديهم بعض العادات الرائعة في التعامل في السوق فعندما تشتري شيئاً وتعطي البائع مبلغاً من المال يعيد لك الباقي ويقول لك بسم الله وكذكلك لما يعطي المال للبائع يقول بسم الله. لو سألت أي واحد في السوق أن يعدّ لك الأرقام سيقول: واحد، إثنان، ثلاثة،…، ثمانية، تسعود، عشرة.تسعود تعني تسعة. سألنا عنها فقال لا هو الرقم تسعة الذي بين الثمانية والعشرة يضيف إليه الواو والدال، هذه مسألة مستغربة فقلنا لماذا؟ قال لاحظ لما أقول تسعود آخرها سعود، آخرها سعادة بينما لو قلت لك تسعة فكأني أدعو عليك أن تكون شحاذاً (تسعى) من السعي. هذا في ذهن العامّة أما في الفصيح فهم من بلغاء الكلام. الآن هذا الذي وجدته على مدى ثلاث سنوات عندما كنت في جامعة محمد الخامس جزاهم الله كل خير على حسن تعاملهم. فهو لا يقولون تسعة ويندر أن تسمع شخصاً يقول تسعة لأنه يشعر كأنه يدعو عليك. فلا يبعد أن يكون وثامنهم مع الفارق في التوجيه أنها كانت آخر العدد في القديم ثم حوفظ عليها هكذا عند القرشيين. لا يبعد لكن الرأي الذي يميل إليه علماء النحو غالباً هو أنها واو عاطفة نتيجة إنتهاء الكلام أشبه بما هو معمول به في اللغة الإنجليزية. وهي لا تؤثر في الإعراب، الجملة تكون عاطفة (جملة إسمية معطوفة على ما سبق) أو عند ذلك تكون واو إستئنافية يستأنفها ويكون ثامنهم كلبهم شأنها شأن رباعهم كلبهم وشأن سادسهم كلبهم بعد الصفات والمعارف أحوال فهي تكون صفة والواو عاطفة أو زائدة تعدّ. وما ثبت في لغة العرب أن هذه الواو تأتي مع رقم غير الثمانية وهذا الذي جعلنا نشكك في مسألة أنه واو الثمانية لأنه ما عندنا روايات أخرى وآثار أخرى ونصوص أخرى ولصقت بها الواو هكذا. لذا رأي عموم النحويين هو المرجّح.

سؤال: ما دلالة إستخدام المفرد ثم الجمع في الآية (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) النحل)؟

الكلام على قرية ثم قال كانت آمنة مطمئنة، الحديث على مفرد مؤنث، يأتيها رزقها، فكفرت، فأذاقها الله، ثم قال (بما كانوا يصنعون). لم يقل بما كانت تصنع وهذا نوع من الإلتفات لأن هذا الصُنع الذي عوقبوا بسببه هو لم يكن من صُنع القرية بعامّتها. لما قال (كانت آمنة) يريد أن يشير إلى القرية بكاملها فيها أمان، هي آمنة، شوارعها آمنة وحيواناتها آمنة وكلها في أمان، يريد أن يعطي صورة الأمن العام. ذكر القرية لأنه معلوم أن أهلها كانوا آمنين كما قال في موضع آخر (واسأل القرية) أي إسأل أهل القرية، الكلام على أهل القرية لكن بدأ بهذا العموم حتى يبيّن الخير الشامل واستمر الكلام. لما ورد إلى سبب الخسران وسبب المعصية (الباء في بما كانوا يصنعون هي للسببية) أي بسبب. لو قال بما كانت تصنع يبقى الكلام عاماً على أهل القرية لكن أراد أن يبين أن الذين يحاسبون هم هؤلاء العقلاء لأن هذه الواو في تصنعون (واو جماعة العقلاء) نسب الكفران إليها جميعاً فحتى يبين أن المراد هنا سكان القرية إلتفت في الآخر وذكرهم.

القرية كانت آمنة بكليّتها يشملها الأمن مطمئنة هذا الإطمئنان العام، يأتيها رزقها رغداً والروق يأتيها عاماً لكل من في القرية، فكفرت بأنعم الله نسب الكفران إليها وهو حقيقة لهؤلاء العقلاء الذين صرّح بهم بعد ذلك. هو نسب الكفران إليها (فكفرت بأنعم الله) إستمراراً للسياق، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف لأن الكل ذاق لو قال في غير القرآن فكفروا فأذاقهم يصير هناك نوع من الخلل، يصير أذاقهم للعقالاء بينما لباس الجوع والخوف أصاب القرية كلها حتى حيواناتها. فهي آمنة مطمئنة بحيواناتها يأتيها رزقها رغداً بحيواناتها والعقلاء وغير العقلاء حتى يكون هناك مظلة شاملة، فكفرت لأن بعدها فأذاقها. كفرت بعقلائها لأن غير عقلائها لا ينسب إليهم الكفر لكن هنا كفرت. لو قال كفروا في غير القرآن لا يستطيع بعدها أن يقول فأذاقها وإنما سيقول فأذاقهم وعند ذلك غير العقلاء ذاقوا أيضاً الجوع والخوف فبقي الكلام مستمراً. الغضب عندما ينزل يعمّ وينزل على المطيعين وعلى العصاة لكن الكفران هو للعقلاء فبيّن ذلك فيما بعد لما انتهى الكلام ورسم الصورة. قرية آمنة مطمئنة، كفرت، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ثم قال بما كانوا يصنعون ما قال بما كانت تصنع لأن الصناعة التي أدت إلى غضب الله سبحانه وتعالى خاصة بالعقلاء فيُفهم من جميع الكلام الذي يدور على التأنيث هو أهل هذه القرية لكن المظلة العامة شملت الأحياء الذين فيها بعقلائها وغير عقلائها، بحيواناتها لأن الخير الذي كان يأتيهم كان يأتي لكل من في القرية، وفي الآخر إلتفت ليبين السبب الحقيقي فيما أصاب القرية. والإلتفات هو التحول من صورة إلى صورة.

في القرآن الكريم قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتلوا فأصلحوا بينهما) فيها إلتفات أيضاً. الطائفة ليست فرداً وإنما طائفة مجموعة فحتى يبين أن الإقتتال كان فردياً. إختلط قومان فقال: اقتتلوا ما قال إقتتلتا كتلة مع كتلة وإنما قال طائفة من أفراد وطائفة من أفراد اقتتلوا عند ذلك قال (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء) عاد للطائفة، (فأصلحوا بينهما) وأصلحوا بين الطائفتين لأن الصلح أو إعلان الحرب سيكون على طائفة. الصلح بين طائفتين يأتي ممثل لهذه الطائفة وممثل لهذه الطائفة.

سؤال: لماذا جاءت كلمة جاثية منصوبة في (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً (28) الجاثية)؟

الجثو هو الركوع على الركبتين. يجثو على الأرض أي يهبط إلى الأرض جاثياً على ركبتيه.

جاثيةً: ينبغي أن تأتي منصوبة لأنه رأى لكن الإعراب يختلف. عندما تقول: رأيت زيداً ماشياً، ماشياً إعرابها حال لبيان حا زيد، وهذه (رأى) البصرية أي أبصرته ماشياً. عندنا (رأى) الذهنية التي هي بمعنى اعتقد أو علِم هذه أيضاً يأتي بعدها منصوباً لكن تعرب مفعولاً ثانياً. تالنصب حاصل لكن الإعراب يختلف. في القول: رأيت اللهَ أكبرَ كل شيء: أكبرَ مفعول ثاني. رأيت زيداً ناجحاً، ناجحاً ليست حالاً هنا وإنما مفعول ثاني لأن رأى هنا هي رأى الذهنية لكن لما تكون رأى بصرية فيكون ما بعدها حال.

(وترى كل أمة جاثيةً) في حال الجثو هنا ترى بمعنى البصر. رأيت زيداً ناجحاً (رأى بمعنى العلم) فتكون ناجحاً مفعولاً ثانياً. فكلمة جاثية منصوبة في الحالتين لكن بحسب الإعراب وبحسب المعنى.

سؤال: ما دلالة استعمال صيغة الجمع مع أن الخصمان مثنى في قوله تعالى (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ (19) الحج)؟

هذا كالسؤال الذي أجبنا عنه سابقاً، لو نظرنا في السياق ولو أكملنا الآية لتبين لنا ذلك هما هذان خصمان لم يكونا شخصين وإنما مجموعتين مجموعة هنا (فالذين كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)) إذن هذا الخصم الأول، هذا جمع ما قال فالذي كفر وإنما قال (فالذين كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)). بعدها (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)) هذا الخصم الثاني. كلمة الخصم تستخدم في القرآن الكريم للدلالة على المفرد والمثنى والجمع نقول: هذا خصم، هذان خصم،هؤلاء خصم ويمكن أن نقول هؤلاء خصوم فتستعمل كلمة خصم للإفراد والتثنية والجمع. لما استعمل خصمان أي فئتان وليس بمعنى فرد بدليل ما أتبع ذلك. صحيح قال خصمان لكن قال اختصموا لأنهم جماعتان.

في قصة سيدنا داوود u قال تعالى (خصمان بغى بعضنا على بعض) كلمة بعض في اللغة الأصل فيها بمعنى واحد أن تكون للواحد كما في قوله تعالى (وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه) أي إلى واحدة منهن. إلا إذا تكررت كما في الآية (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض) يكون مجموع من مجموع. إذا لم تتكرر فالفصيح في (بعض) أنها للواحد. خصمان بغى أحدنا على الآخر. (بغى بعضنا على بعض) بعض بمعنى واحد.

من أسباب النزول للآية موضع السؤال يقولون أنها نزلت في بدايات غزوة بدر. سبب الخصام هو من أجل الله سبحانه وتعالى وفي سبيل الله تعالى. يقولون هي نزلت فيما وقع في أول معركة بدر لما خرج الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه وسيد الشهداء حمزة وشيبة هؤلاء قال المشركون أخرجوا لنا نظراءنا من قريش فهؤلاء خصم ويقابلهم الثلاثة الذين هم من قريش. هذا في الأصل لكن كما نقول دائماً خصوص السبب لا يقيّد عموم اللفظ فالآية عامة وإن كانت نزلت في هذين الخصمين.

بُثّت الحلقة بتاريخ 22/7/2006م

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 22/7/2006م:

ما السرّ في لفظة (حقاً) في الآية (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا (100) يوسف) هل لأن الرؤيا تفسّر وقد تقع وقد لاتقع؟

ما المقصود بالبعث بعد الموت في الآية (ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) البقرة)؟

ما المقصود بالإحياء بعد الموت وكيف يكون في الآية (فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) البقرة)؟

ما اللمسة البيانية في نوع القسم بـ (تالله) في القرآن الكريم؟ وهل هو للتأكيد أو فيه قوة أكثر من (والله)؟

هل (يس وطه) هي من الحروف المقطعة؟

2009-01-30 19:37:31