سؤال 226: ما الفرق بين الملك والملكوت؟
كلمة الملك والملكوت كلمتان من اشتقاق واحد من الميم واللام والكاف من ملك وعندنا قاعدة في اللغة كما يذكرها علماؤنا أن زيادة المبنى تؤدي إلى زيادة المعنى. فبصورة أولية كلمة الملكوت هي أوسع من كلمة الملك وبهذا المعنى استعملت في القرآن الكريم فعندما نأتي إلى قوله تعالى (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ 185 الأعراف) عطف الخلق العام (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) كله داخل في ملكوته فالعطف هنا هو من عطف الخاص على العام فكل ما خلق هو داخل ضمن عموم كلمة الملكوت. والملك والملكوت كله لله سبحانه وتعالى ولذلك في الآية الكريمة (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴿107﴾ البقرة) له وقدم للحصر ملك السموات والأرض لله سبحانه وتعالى. الفارق أنه يمكن أن يعطي من ملكه جلت قدرته لعبيده يتصرفون فيه من سلطان أو مال فكل ما في الكون هو ملك لله سبحانه وتعالى فيعطي لهؤلاء العبيد وهو لا يخرج من ملكية الله سبحانه وتعالى بل هو باقٍ ويستعمله عبيده على سبيل العارية المردودة والمسترجعة فله ملك السموات والأرض. وعندما ننظر لاستعمال الملك والملكوت في القرآن الكريم نجد أن الملك يمكن أن يوجه إلى عبيد الله سبحانه وتعالى أي إلى البشر لكن الملكوت لم يرد في القرآن الكريم أنه أعطي من الملكوت للبشر (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿26﴾ آل عمران) فالملك ملك الله سبحانه وتعالى ممكن أن بعضه يُعار، يملك على سبيل كما قلنا الإعارة (وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُم ْ(33) النور) هو مال الله (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ (7) الحديد) هذا يكون منه.
أما الملكوت فلدينا نص من معجم الوسيط يقول: “والملكوت العز والسلطان، وملكوت الله سلطانه، والملكوت ملك الله خاصة” أي لا يعطي منه لأحد. والملك داخل في الملكوت والملكوت عام. فالله عز وجل لم يقل يؤتي الملكوت من يشاء بل يؤتي الملك، وملك الله عز وجل ما في السموات وما في الأرض ونتذكر ما نسب لابن عباس في تقريب حجم الكون عندما قال السماء الأولى وما فيها بالقياس للسماء الثانية كحلقة في فلاة ثم قال السموات السبع وما فيها لملك الرحمن هي للكرسي كحلقة في فلاة وللعرش كحلقة في فلاة كلُ كحلقة في فلاة والكرسي ليس هذا الذي نجلس عليه وإنما الكرسي هو ما يضع الإنسان قدمه عليه فالذي نجلس عليه يسمى عرشاً وعادة العرش يكون مرتفعاً وتوضع خشبة يضع عليها الشخص قدميه هذا الذي توضع عليه القدمان هو الكرسي كما في الآية (وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا (34) ص) ليس على عرشه وإنما على هذا الذي يضع قدمه عليه. فملكوت الله عز وجل ليس السموات والأرض وما بينهما لوحده فملكوت الله عز وجل لا يحيط به ذهن إنسان. فهذه السموات والأرض والكواكب السيارة والشمس الخ لو جمعت لأمكن أن تدفن في قشرة أحد النجوم التي هي تحت السماء الأولى والسماء الدنيا التي هي منتهى علمنا في النجوم والمجرات هذه كلها وبما فيها حلقة في فلاة بالقياس إلى السماء الثانية وهكذا. فملكوت الله عز وجل واسع، الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن أنه يعطي من ملكه أما كلمة الملكوت فهي عامة لم يرد أنه أعطى أحداً الملكوت ولذلك قال في الوسيط هو ملك الله خاصة فالملكوت لا يعطي منه شيئاً والملكوت هو هذا الملك الواسع بكل ما يمكن أن يتخيله الإنسان. هذا الملكوت والملك هو بعض هذا الملكوت والله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن أنه أعطى من هذا الملك للبشر (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ) ولم يقل يؤتي الملكوت لأن كلمة الملكوت كما قلنا دلالته المعنوية أوسع وأشمل فلا يعطي أحداً هذا الملكوت وفي قوله (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (75) الأنعام) أي هذا الشيء الخاص بالله سبحانه وتعالى لما قال نريه الملكوت ليس كل الملكوت ولكن بعضه فقد أراه ما في السموات الدنيا أي بعض ملكوته ولكن لأن الموطن موطن تعجب وموطن عظمة فقال نريه ملكوت السماوات والأرض فبدأ يتفكر في خلق السماء والأرض والنجوم الخ حتى يراها بقلبه وببصره فيتفكر فيها. ولم يقل ملك لأن الملك مبذول لكن الملكوت هذا الشيء الذي هو خاص بالله سبحانه وتعالى فجعله يتفكر فيه. ومعنى أن الملك مبذول أي أن الله سبحانه وتعالى يعطي الملك يبذله فممكن أن يكون الإنسان مالكاً لشيء ما، مالك لأرض وهكذا وهو في الأصل ملك الله سبحانه وتعالى فإذن استعمل الملكوت في ما لا يعطى لأحد منه شيء ممكن التفكر، وقد وردت في موضعين: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وفي قوله (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) دعوة إلى التفكر وموضعين آخرين في المؤمنون ويس فبذلك تكون وردت كلمة ملكوت أربع مرات وليس فيها إشارة إلى إعطائها لأحد. وملكوت كلمة عربية وهذه الزيادة فعلوت مثل رهبوت الرهبة عندنا والرهبوت وتعني الرهبة العظيمة والألفاظ قليلة في هذا المجال، إذن الملكوت أعم وأشمل من الملك وهو خاص لله سبحانه وتعالى.
سؤال 227: ما الفرق بين النصيب والكِفل؟
في قوله تعالى (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ﴿85﴾ النساء) عندما نرجع إلى معجمات اللغة نجد أن كلمتي نصيب وكفل يكادان يكونان بمعنى واحد بل عندما يفسرون النصيب يقولون الحظ أي الجزء ولما يأتون إلى الكفل يقولون الحظ أو النصيب أي يفسرون الكفل بالنصيب. فعندما نأتي إلى اللسان: “والنصيب الحظ من كل شيء- الحظ يعني الجزء من كل شيء- والكفل النصيب ويرجع ويقول الكفل الحظ”،وهو قال النصيب الحظ. لكن يبقى هناك فارق جزئي بسيط بين الكلمتين فعندما ننظر في كلمة نصيب نجد أن النون والصاد والباء من نصب الشيء يعني جعله شاخصاً نصبه ومنه الأنصاب وما ذبح على النصب هذه الحجارة الكبيرة الظاهرة الشاخصة فعندما يقول نصيب كأنه شيء شاخص ظاهر.
الكفل أصله في اللغة هو الثوب الذي يدار ويجعل على شكل حلقة ويوضع على سنام البعير لأن السنام لا يمكن أن يجلس عليه فيديرون ثوباً يضعونه على السنام حتى يجلس عليه الراكب أو يضعه خلف السنام فيستقر ويجلس عليه هذا أصل كلمة الكفل ولذلك هو يمثل تغطية جزء من ظهر البعير فقالوا هو كالنصيب لأنه يغطي جزءاً منه الصورة عندما يقول هذا جزء وهذا جزء. صورة الجزئية مع النصيب صورة ظاهرة بارزة وصورة الجزئية مع الكفل صورة مختفية مخفية مجلوس عليه لذلك نجد أن كلمة النصيب تستعمل في الخير وفي الشر: له نصيب من الخير وله نصيب من الشر بحسب السياق. كلمة الكفل استعملها في الشفاعة السيئة لأن هذا النصيب هو لا يريد أن يبرزه، أن يظهره، كأنه يخجل منه، يستحي منه فما استعمل النصيب هذا البارز لأن مع السيئة سيئة يريد أن يتستر لكن له منها برغم تستره لأن عامل السيئة لا يعملها جهاراً نهاراً إلا إذا كان سفيهاً والعياذ بالله وكان المجتمع يرخص له بذلك والعياذ بالله. فانظر إلى اختلاف الصورتين في اللغة واستعمل القرآن الكريم هذا الأمر أيضاً فكان ممكن أن يقول في غير القرآن (من يشفع شفاعة حسنة يكن له كفل منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) يكررها في غير القرآن أو (ومن يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له نصيب منها) لكن كأنما أريد لقارئ القرآن أن يتذوق وأن يتحسس هذا الفارق بين الصورتين المتخيلتين: صورة النصيب البارز الشاخص وصورة الكفل المستور لهذا لما استعمل القرآن الكريم كلمة الكفل في الخير ضاعفها فقال (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ (28) الحديد) اثنان حتى يظهر ولم يقل نصيب لأن النصيب واحد وهو يريد أن يكثره وأن يضاعفه ثم هو تشجيع لهم فالآية نزلت في النصارى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ (28) الحديد) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) أي الذين آمنوا بعيسى عليه السلام (اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ) أي بمحمد صلى الله عليه وسلم (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) فعندما استعمله للخير ضاعفه هذا شيء.
شيء آخر لو نظرنا إلى كلمة نصيب وكفل من حيث أحرف اللغة: الأصوات نون – صاد – باء، النون حرف متوسط بين الشدة والرخاوة يقابله اللام بين الشدة والرخاوة لكن نجد النون في نصيب أعلى بشيء وهو الغُنّة. هذا الحرف الذي هو النون كاللام فهذا فيه حرف متوسط وهذا فيه حرف متوسط لكن النون فيه زيادة على اللام هذه الغُنّة التي يقال عنها أنها صوت محبب يخرج من الخيشوم ففيه ميزة. عندما نأتي للصاد والفاء كلاهما مهموس فالصاد مهموس والفاء مهموس الصاد رخو والفاء رخو فكأنهما بمنزل واحد ثم يرتقي الصاد لأن فيه إطباقاً والفاء مستتر. فإذن صار عندنا النون واللام مجهوران متوسطان لكن النون فيه غنة، الصاد والفاء مهموسان رخوان لكن الصاد يعلو في ما فيه من إطباق، الباء والكاف كلاهما شديد انفجاري لكن يعلو الباء في أنه معه اهتزاز الوترين مجهور فالباء شديد مجهور والكاف شديد مهموس فمجموع أحرف نصيب أبرز من مجموع أحرف كفل فواءمت العربية هنا اللغة. لكن القرآن استفاد من اللغة ووضع هذا هنا وهذا هنا في مكانه نحن- مع نظرنا حقيقة في علو لغة القرآن- نريد أن نؤكد في الوقت نفسه سمو هذه العربية التي اختارها الله عز وجل لغة لكتابه فليأتونا بمثل هذا في لغة أخرى. آلاف الألفاظ من هذه الطريقة لما نوازن بين الأصوات والاختيارات فليأتوا بعشرة ألفاظ لفظ من هنا ولفظ من هنا فيه مثل هذه الميزة. نقول هذا حتى لا ينكفئ على نفسه متكلم العربية حتى يعلم أن لغته لغة سامية ومن أجل ذلك جاء بها كتاب الله عز وجل.
لاحظ نصيب وكفل المعنى يكاد يكون متقارباً وفي العربية ليس هنالك ترادف إلا في بعض حتى بعض الأسماء. المفردات في الاسم ممكن أن يكون هذا الاسم في هذه القبيلة له هيئة مخالفة للهيئة فقضية المدية والسكين ممكن أن تكون المدى المستعملة عند غِفار لها هيئة معينة غير هيئة السكاكين عند غيره فهذه كانت مدية وهذه سكين قد يصح هذا لكن كم عندنا مما اجتمع من اللهجات من هذه المخالفة؟ قليل لكن اللغة العامة ولغة القرآن ليس فيها ترادف ولا كلمة تصح مكان كلمة ومثال هذا النصيب: الحظ من الشيء، والكفل: الحظ من الشيء ولكن لماذا مع الحسنة استعمل نصيب ومع السيئة استعمل كفل إذا كانا بمعنى واحد؟ والمعاجم تفسر بعض الكلمات ببعض على التساهل لأنه يؤدي هذا المعنى هو لا ينظر إلى تلك الدقة فهو عندما يقول له كفل من هذا الشيء أي له حظ منه جزء منه، له نصيب من هذا فله جزء، فالدلالة واحدة فالذي يشفع شفاعة حسنة له شيء من هذه الحسنة والذي يشفع شفاعة سيئة له شيء من هذه السيئة هذا المعنى العام. ولكن عندما تأتي إلى اختيار الألفاظ تجد أنه اختيرت كلمة نصيب هنا لهذا واختيرت كلمة كفل هنا لهذا. سيئة الإنسان يتستر فيها فاختير له اللفظ الذي يدل على الجزء مما هو مستور مخفي منخفض، والحسنة لأن الإنسان يظهرها ثم هي تضاعف وتنمو بخلاف السيئة الثابتة المستقرة فهذه المضاعفة والنمو تجعلها شاخصة الحسنة وفيها تشجيع ظهور فهذا معنى نصيب ومعنى كفل.
سؤال 228: ما الفرق بين يأت ويرتد في سورة يوسف (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)) (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96))؟
هي وردت في مكانين (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)) (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) يأتي من أتى – يأتي هي في الأصل بمعنى جاء مع فارق بين المجيء والإتيان يتناسب مع الجيم. لاحظ هذه الجيم والألف والهمزة، أتى: الهمزة والتاء والألف الذي يقابل التاء والجيم. الجيم انفجاري، مجهور، قوي. التاء انفجاري، مهموس. فالإتيان أخف من المجيء، المجيء يحتاج إلى قوة، إلى جهد (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي) والقميص قميص يوسف وليس قميصاً توارثه عن الأنبياء من قبله كما يقول بعض الناس فهو قميصه لأن عادة بعض الناس ملبسه يكون له رائحة معينة، رائحة جسمه فممكن أن تعرف من أولادك هذا القميص لفلان أو لفلان من رائحته، ( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا) إذا ألقوه على وجهه سيكون بصيراً وسيأتي إلي في هيئة مبصرة سيأتي بشكل هادئ. يقوّي هذا المعنى أنه يراد به المجيء إليه بأنه يأتي وهو مبصر لأنه قال بعد ذلك (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ) فعطف عليه أتوني وعناه أنه سيأتي إلي مبصراً.
(فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ) وجاء بكلمة جاء لأنه بذل جهداً في المسير فمجيء هذا البشير كان فيه جهد حتى يأتي إلى والد يوسف مسرعاً لأنه بذل جهداً في السرعة (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ ) كأنه يدخل عليها الاستقبال فوصل وأدخلها على الماضي، (أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا) ارتد بمعنى رجع إلى حاله الأولى. ارتد هو يعقوب أي رجع مبصراً فالفاعل في الحالتين هو سيدنا يعقوب يأتي بصيرا أي يعقوب وفارتد بصيرا وليس نظره فيعقوب ارتد بصيرا أي رجع بصيرا فالردة هي العودة إلى الحال الأول ومنه المرتدون لأنهم رجعوا عن الإسلام إلى الكفر وإلى ما كانوا عليه. فارتد بصيرا أي رجع إلى ما كان عليه من الإبصار. هنا قد يقول قائل ما الداعي؟ كان من الممكن أن يدعو يوسف u الله تعالى أن يعيد البصر إلى أبيه لأن القميص لا يؤدي شيئاً وليس فيه علاج لكن كأن القرآن الكريم يريد أن يعلمنا من تصرفات هؤلاء الأنبياء أن الأمور ينبغي أن تكون بأسبابها، ينبغي أن نقدم أسباباً، أن تكون هنالك مادة معينة كأنها علاج حتى لا يجلس الإنسان وهو مريض لأن الرسول r عليه الصلاة والسلام قال: “تداووا فإن الله سبحانه وتعالى ما جعل داء إلا جعل له دواءً إلا الهرم” حتى لا يتكل الإنسان ويقول أن الله تعالى هو الذي يشفيني. صحيح إبراهيم عليه السلام قال (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴿80﴾ الشعراء) هو يشفيني بسببٍ من الأسباب كما أنه شفى يعقوب بسبب قميص يوسف ابنه فهنالك سبب صحيح أن القميص ليس ذلك العلاج الطبي فهو قماش سقط على وجهه فما علاقته بالإبصار؟.
مداخلة من المقدم: وبخصوص هذا الموضوع هنالك بحث مؤخراً بخصوص علاج بعض أمراض العين بالعرق و الباحث الدكتور عبد الباسط من المركز القومي للبحوث قال هذا الكلام وكان مرجعه هذه الآية فأخذ العرق وحلله في مختبرات ومعامل وتوصل إلى مادة تعالج بعض أمراض العين.
تعليق الدكتور حسام: هذا كله كلام جيد نحن لا نعترض عليه لكن نقول هذا الدين يبنى على الحقائق اليقينية فهذا دين علم وليس دين تهويمات بحيث أنك إذا ذكرت أمراً تستدل به ينبغي ألا يكون هنالك مجال لنقضه لأنك تستدل بدين الله. نحن نقول هذا دين الله منهج حياة انظروا أي منهج في الدنيا يقيم حياتكم على الخير والسعادة في الدنيا والآخرة اءتونا به. إسلامنا يقيم حياتكم على الخير، ينظمها بنقاء ونظافة وسعادة في الدنيا والآخرة. وهذه أدلة لكن عندما يكون هنالك شيء فيه مجال علمي غير قابل للنقض. فهذا الكلام ممكن أي واحد وهو جالس في المقهى يقول لك يا أخي من مصر إلى سيناء هذا القميص يركض به هذا الرجل فمن أين يبقى عرق فيه؟ من أين تبقى قطرات فيه؟ ألم تجففه الشمس؟ فما دام هناك اعتراض أنا لا أحتج بهذا فديننا أسمى من هذا. في الحقيقة مع إجلالي وتقديري لكل المشتغلين بالإعجاز العلمي أنا أجلهم وأحترمهم لكن ينبغي أن نضع نصب أعيننا هذا أنه لا يكون ما نقدمه عرضة للاعتراض حتى في اللغة نحن عندما نقول هذا الحرف كذا وهذا الحرف كذا ليعترضوا علينا أنا عندما أقول هذا الصوت مجهور الدنيا كلها في كل لغات الدنيا هذا مجهور وليس مهموساً فعندما أقول مهموس يعني هذا مهموس والمجهور أميز من المهموس لأن المجهور يصحبه اهتزاز وترين. فعندما نقدم شيئاً نريد أن نقدم شيئاً لا مجال فيه للنقض وإلا نرجع إلى كونه منهج حياة هذا نظام اجتماعي ونظام أخلاقي ونظام سياسي ونظام اقتصادي ونظام ديني ونظام روحي. هذا إسلامنا هو هكذا وفيه هذه الأمور فنتجنب تجنباً كلياً حقيقة الأمور غير الحاسمة، غير القاطعة لأنه يأتي من يعترض. فهذا حقيقة أمر حاسم أنه ينبغي أن نتخذ أسباباً وإن كانت هذه الأسباب في ظاهرها يسيرة كما قلنا في مرة ماضية عندما يقول لمريم عليها السلام ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴿25﴾ مريم) الرطب لا يأتي لوحده، هزي جذع النخلة وهل تستطيع أن تهز جذع نخلة هل تستطيع أن تهز غصناً وهي ولدت حديثاً؟ هي مجهدة متعبة وقد كان يأتيها رزقها وهي قوية من غير أسباب فالله سبحانه وتعالى يؤتي الرزق من غير سبب لكن الأصل الأسباب تضع يدها على النخلة، تدفع النخلة، تهتز النخلة لا بقوتها وإنما بأمر الله سبحانه وتعالى فتساقط الرطب عليها وتأكل. ويقول الله سبحانه وتعالى (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴿42﴾ ص) وهذه نحن شرحناها حتى لا يظنون أنه يجري. و(اركض) هنا بمعنى إرفس أي إرفس الأرض والتراب برجلك حتى تخرج عين الماء. ففرج الله يأتي بأقل سبب يتبعه الإنسان فلا بد من سبب ومعه الدعاء والدعاء أيضاً سبب فالإنسان يدعو ويبذل ويتحرك وقد قلنا (الطير تغدوا خماصاً وتعود بطاناً) فهي ما جلست في عشها بل تخرج وتسعى وتتخذ الأسباب.
واللافت للنظر في هذه الآية الكريمة (يَأْتِ بَصِيرًا) ( فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا) فلدينا أتى وجاء وارتد كلها ربما تدور في فلك دلالي واحد بمعنى الحضور أو الإتيان مع أن الفاعل واحد في حالتين وهو مع سيدنا يعقوب عليه السلام وجاء البشير فلماذا ثبت الفاعل وتغير الفعل؟
(يَأْتِ بَصِيرًا) لأنه فيه معنى المجيء الذي لم يشأ أن يجعل فيه قوة أو جهداً أو تعباً كأنه يريد منهم ألا يتعبوه أي يأتي بصيراً (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ) أي تأتونا بهيئة الذي لا يجهد نفسه ويتعب. لأن قلنا أتى وجاء معناهما متقارب المجيء فيه جهد كالجهد المبذول في إخراج الجيم أكثر من الجهد المبذول في إخراج التاء لأن كلاهما شديد: الجيم والتاء والجيم فيه إضافة اهتزاز الوترين الصوتيين فمن هنا جاءت كلمة أتى ويأتي وقال (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ) ما قال جيئوني بأهلكم لأنه لا يريد أن يثقل عليهم. فالمجيء فيه ثقل ولم يرتد بصيرا لأن ارتد فيه رجوع وهو يريد أن يأتي إليه. لو قال يرتد بصيراً أي في مكانه أين معنى المجيء؟ هو يريد معنى الإتيان إليه قال ألقوه على وجه أبي يأتي إلي وهو مبصر واءتوني ببقية أهلكم. هذا الإيتاء ولابد أن يقول ارتد بمعنى رجع إلى حاله الأول ولا تصلح كلمة أخرى ويقصد يعقوب وليس البصر فرجع يعقوب عليه السلام بصيراً، رجع ذا بصرٍ، كان غير ذي بصر، كان أعمى فرجع مبصراً فارتد يعقوب بصيراً ولا تستقيم غير كلمة ارتد هنا. فلو قال صار بصيراً كأنه لم يكن بصيراً من خِلقته ثم صار بصيراً. حتى كلمة أصبح تعطي نفس معنى صار فيه نوع من التحول بينما ارتد أي رجع إلى حاله..والذي يقول أن القرآن فيه تكرار وأن فيه أحرف متشابهة يصح أن يوضع بعضها مكان بعض هذا يدل على قلة معرفة بالعربية وقلة معرفة بتاريخ القرآن وتاريخ الإسلام فلو كان هذا الذي يقولونه صحيحاً كما قلت مرة لطار المشركون به وقالوا هذا الكلام ليس دقيقاً، ليس صحيحاً، هذا ممكن أن نعترض عليه لكن سكوت فصحاء العرب أمام القرآن ليس إسكاتاً من الله سبحانه وتعالى وإنما بسبب القرآن نفسه فالقرآن هو الذي ألجمهم وليس كُن فيكون لأن هذا الدين لم يتعامل معه رب العزة بكلمة كن فيكون حتى مع أشرف خلقه جعله يتحرك ويذهب ويصلي في الليل وتتفطر قدماه ويذهب على المكان الفلاني ويسقط في الحفرة في المعركة وتدخل في وجنته الشريفة الحديدة وتكسر رباعيته ولا يوجد كلمة كُن هنا. ففي هذا الدين التطبيق العملي فهذا الدين ليس دين كسالى ونائمين ينتظرون النصر من الله كأنه يشغل الله سبحانه وتعالى جندياً عنده- وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- اللهم أغرق سفنهم احرق ديارهم، يتّم أولادهم…الخ ما هذا الكلام؟ أنت ينبغي أن تجتهد وأن تبني بلادك وعند ذلك تقف في وجه أعداء الإسلام فاعمل أنت، ابني كيانك بناءً سليماً علمياً صالحاً وعند ذلك تقف في وجه كل هؤلاء الطغاة وكل هذا الطغيان القادم من وراء البحار. وهذا التأمل في كتاب الله عز ومراجعة العلماء ومراجعة المصادر الموثقة في هذا كما قلنا مراجعة أهل العلم الموثقين يؤدي بنا إلى هذا الاطمئنان والاستقرار إلى ما في كلام الله سبحانه وتعالى،وفي آيات متتالية يأتي وجاء واتوني فارتد وكلها تدور في فلك دلالي واحد ولكن كل واحدة في مكانها لا يصلح غيرها فكل كلمة عاشقة مكانها في القرآن.
من حيث اللغة كلمة فُعلان تأتي مصدراً مثل كلمة غفران من غفر فالغفران مصدر فقرأ قراءة وقرأناً فهو مصدر أي حدث أو عمل القراءة. المصدر هو الحدث المجرّد من الزمن وهو مصدر من فعل قرأ. من حيث اللغة قرأ قراءة وقرأ قرأناً فهو مصدر قياسي أي فعل فعلان. ففعلان مصدر لفعل وكما قلنا غفر مصدره غفران يأتي هذا لكن عندنا الإمام الشافعي وهو عالم كبير في العربية له رأي، هذا الرأي مبني على قراءة ابن كثير قارئ مكة لم يهمز كلمة قرآن معناه أهل مكة كانوا يقولون القران من غير همز. ومن أين جاءت كلمة قران؟ وابن كثير قارئ مكّي وهو من القُرّاء السبعة ويمثل أهل مكة في قراءتهم؟ الإمام الشافعي رحمة الله عليه قال هكذا قرئت قران إذن هو اسم لكتاب الله عز وجل الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم وليس مشتقاً من القراءة فهو اسم خاص كما قال توراة، إنجيل قال قرآن أو قران بالهمز أو بغير الهمز. فبعض العرب يهمز وبعضهم لا يهمز فإذن هو هكذا ولذلك يقول – الشافعي- ولم يؤخذ من قرأت. لكن عندما نأتي إلى ابن مجاهد وهو أول من كتب في القراءات السبع وردّها إلى قراء سبع يقول كان أبو عمر بن العلاء – أبو عمر بن العلاء قارئ البصرة وهو من علماء اللغة وأحد القراء السبعة- لا يهمز القرآن وكان يقرأه كما روي عن ابن كثير، هذا النص لا يعني أن القراءة التي أقرأها لراوييه كانت بغير الهمز وإنما هو كان يقرأ بقراءة ابن كثير فلما جيء للتفصيل جعلت قراءته قراءة أهل البصرة وقراءة ابن كثير. هو كان يقرأ أحياناً بقراءة ابن كثير كأنه يريد أن يقول هذا وارد وهذا وارد. ولذلك لما نأتي إلى كتب القراءات نجد أنها تنص على أن تخفيف كلمة القرآن لابن كثير خاصة لكن أبو عمر كان يقرأ بقراءة ابن كثير مما يدل على هذا التسامح في القراءات. يبقى ابن كثير أو قراء مكة القبائل التي استقرت في مكة كانت تقرأ هكذا القران من أين جاءتها وبقية القراء الستة يقرؤونه القرآن من قرأ فهل ابن كثير خفف الهمزة؟ هل هو اللفظ ابتداءً هكذا؟ ليس لدينا دليل حقيقة ولذلك المرجح أنه نوع من التخفيف لأن قريش هم أهل مكة وعندنا كلمة للإمام علي عليه السلام يقول: “نزل جبرائيل بالهمز وما كنا أهل همز ولولا أن جبرائيل نزل بالهمز ما همزنا”، وهذا النص صحيح وما كانت قريش تهمز فهم لا يقولون مؤمن بل مومن ولا يقولون بئر بل بير هكذا فهم لا يهمزون. والرسول r صلى الله عليه وسلم كان يُقرئهم بالهمز فهمزوا فقد قرأ قرآن وقران بالحالين أو قرئت بين يديه فأجازها بأمر من ربه سبحانه وتعالى وأنا أميل إلى أنها مخففة لأن كما قلت بئر هي بئر وهم يخففونها فيقولون بير. (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿1﴾المؤمنون) يخففونها فيقولون (قد افلح المومنون) وعندما نأتي إلى قواعد تخفيف الهمزة نجد أن الهمزة إذا كانت متحركة وقبلها ساكن مثل (قَدْ أَفْلَحَ) علماؤنا يقولون تلقى حركتها على الساكن وتضعف لسكونها فتحذف، وهذا تأويل للقراءة وتفسير لما حدث وأنت تملك أن تفسر بتفسير آخر لكن القارئ قرأها (قد أفلح) بالهمز، القارئ الآخر قرأها (قد افلح) من دون همز وبفتح الدال،كيف صار هذا؟ علمائنا قالوا فتحة الهمزة نزلت إلى الدال، سكنت الهمزة فضعفت بإسكانها فحذفت وصارت (قد افلح المومنون) ممكن أن تقول هو لأن الحركة ليست فوق الهمزة، الفتحة بعد الهمزة كما نص ابن جني هي بعدها ففي المسلسل الصوتي أنت تلفظ الهمزة ثم الفتحة مثل با الباء ثم الفتحة فالأصوات عبارة عن سلسلة فممكن أن نقول أن العربي أسقط الهمزة وأعاد التشكيل المقطعي. مجرد سقطت الهمزة وهذا التشكيل فالفتحة صارت على الدال لأن بقيت قمة مقطع من غير قاعدة فتضطر أن تختار لها قاعدة وتجلس عليها. إذنً لدينا قولان أنه هل هو مخفف كلمة قرآن-وأنا أميل أنه مخفف- وأنه ليست الكلمة هكذا جاءت قران لأنه عندنا ستة قراء قرأوها بالهمز قرآن. ويفترض أن الكلمة بوصفها مصدراً كانت مستعملة قديماً في لغة العرب قبل نزول القرآن وما وصلنا كل شيء من شعر العرب ولو وصلنا لنا شعر العرب لوصل لنا شيء كثير. ونفهم قوله تبارك وتعالى (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَه (106) الإسراء) بأنه مرتبط بالقراءة لأن القرآن صار اسماً. أنت سمّيت بالمصدر صار اسماً لهذا الكتاب فهو في الأصل مصدر سمي به الكلام المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم مما هو بين الدفتين بيننا صار اسماً له، صار علماً عليه، وجعل المصدر علماً معروفاً مثل فضل يفضل فضلاً العرب سمت فضل وسمت الفضل. ويقول في المعجم والأصل في هذه اللفظة الجمع في لفظة قرأ – قرآن حتى قرأ فيها معنى الجمع لأنه عندما يقرأ يقرأ شيئاً قد جُمعت حروفه ضم حرف إلى حرف مجتمع حتى يقرأه وسمي القرآن قرآناً لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض قال – في اللسان- وهو مصدر كالغفران.
سؤال 230: تعقيباً على كلام فضيلتكم ذكرتم أن البسملة هي الآية الأولى من الفاتحة وفقاً للمصحف فما حكم قراءتها في الصلاة والجهر بها؟ ما السبب أن البعض يقرأ البسملة في الفاتحة جهراً والبعض يقرأها سراً؟
هذه مسألة فقهية لكن نحن تكلمنا عندما ذكرنا الفاتحة قلت هذه النسخة – مصحف المدينة النبوية – وما طُبِع عليها وهو أيضاً رجع فيه إلى الشيخ محمد علي الحسيني الشهير بالحداد، هناك خلاف في البسملة هل هي آية من الفاتحة أو لا؟ لكن ترجح لدى هذه اللجان العلمية المتخصصة أنها آية من الفاتحة ولذلك وضعوا عليها الرقم واحد. أنا رجعت إلى الأحاديث المتعلقة بالموضوع وأخذت مني وقتاً طويلاً والذي وصلت إليه أولاً لنأخذ نموذجاً: البخاري لأن الحديث ورد في البخاري، ابن حبان، ابن ماجه، أحمد، في مواضع أبو داود الدارقطني، هذا كله مروي عن قتادة يقول: سألت أنس ابن مالك في البخاري حديثان كلاهما عن قتادة عن أنس لكن أحدهما يرويه جرير ابن حازم والآخر يرويه همام. رواية جرير مقتضبة يقول: “لما سألته عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان يمد مداً وسكت” هذا الحديث الأول في البخاري. الحديث الثاني في البخاري همام أيضاً عن قتادة يقول: “سألت أنس ابن مالك كان يمد مداً فقال: قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد ببسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم”. إذن أنس في رواية همام يقول كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين هذا في البخاري ولم يرد في مسلم.
كتب السنن تروي عن أم سلمه عندما نأتي إلى رواية أم سلمه نجدها أيضاً فيها تفاصيل وخلاصة الأمر أن أم سلمه نصت على أنه كان يقطّع قراءته آية آية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الخ. والرواة مذكورون، الرواة عندما نظروا في الأحاديث لأن لدينا حديثاً آخراً يقول: “ما سمعته يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قبل الفاتحة” فأصبح لدينا قول لأبي حنيفة وأحمد أنه لا يجهر بالبسملة بل يُسِر بها، الإمام مالك لا يُسِر ولا يجهر فهو لا يذكرها أصلاً فهو يقرأ الحمد لله رب العالمين رأساً، الإمام الشافعي كان يجهر بها، ابن كثير المفسّر يقول: فهذه مآخذ الأئمة – أي آراؤهم- وهي قريبة لأنهم أجمعوا – لاحظ التساهل والتسامح في قضية خطيرة مع ذلك هنالك نوع من التسامح في الإسلام حتى لا نقفل – على صحة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسرّ حتى لا نحدث شوشرة، تُسِرّ بالبسملة صلاتك صحيحة، تجهر صلاتك أيضاً صحيحة الذي اختاره علماء المصحف أن البسملة آية فتجهر أو تُسِرّ أنت على خير إن شاء الله تعالى في المصحف هي مرقمة برقم واحد في هذه الطبعات.
بُثّت الحلقة بتاريخ 12/8/2006م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها
2009-01-27 19:23:46