لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 6

اسلاميات

الحلقة السادسة

 

سبحانك اللهم خير معلّم                          علّمت بالقلم القرون الأولى

أرسلت موسى بالكتاب مبشراً                   وابن البتول فناول الإنجيلا

وفجّرت نبع الحنان محمداً                      فسقى الحديث وعلّم التأويلا

لا تذكروا الكتب السوالف قبله                 طلع الصباح فأطفئوا القنديلا

سؤال 6:

ما هي طبيعة وفاة عيسى u في قوله تعالى (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) آل عمران) كيف يتوفاه الله تعالى مع أننا نقول أنه حيٌّ لم يُتوفى؟

هذا الموضوع يتصل بالآية التي كنا نتكلم عنها في الجلسات الماضية وهي قوله تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)). حقيقة قبل أن نخوض في مسألة عيسى u نحتاج الى تلخيص موجز جداً  فنقول إن الحياة هي وعاء للروح، هذا الوعاء ينكسر بالموت أو القتل فإذا انكسر الوعاء توفيت الروح أو قُبِضت الروح هذه الصورة الأولى صورة انكسار الحياة وقلنا أن الحياة غير الروح فأن يكون الشيء حيّاً ليس شرطاً أن تكون فيه روح. والصورة الثانية التي تقبض فيها الروح هي صورة النائم وهو ليس ميّتاً، النائم أُخِذت روحه وقُبِضت ولكن كل أجهزة جسمه تشتغل إنما تشتغل بحدود معينة أما روحه فتسرح في ملكوت الله تعالى ولذا فإنها ترى ما لا يراه وهو يقظان. أحياناً روح الانسان ترى أشياء ممكن أن يكون يراها وهي مستقبل أو تؤوّل كما ورد في القرآن الكريم في سورة يوسف في قضية الملك وسبع سنبلات تأويلها مستقبلي وفي بعض الأحيان يرى الانسان شيئاً لو كان يقظاناً لا يراه وهو يقع في حاله وأذكر مسألة حقيقة حتى نجلّي الأمر أخي وأستاذي الاستاذ فاضل السامرائي حدّثني برؤيا رآها هو لا أدري هل أثبتها في كتابه نداء الروح أو لم يثبتها كيف أن الانسان روحه ترى وتسمع ما لا يراه لو كان يقظاناً يقول: اتفقنا بأن نصلي الفجر أنا وفلان وفلان في مسجد معين فاستيقظت نظرت الى الساعة ووجدت أن الوقت قد مرّ على صلاة الفجر فتوضأت وصلّيت ونمت وأنا نائم رأيت الأول يمشي مع الثاني متجهين إلى بيتي جاء أحدهما ليطرق الباب فقال له الآخر لا تفعل الدكتور فاضل نائم الآن نذهب أنا وأنت ونصلي. فذهبا فتقدّم فلان إماماً وقرأ في الركعة الأولى كذا وقرأ في الركعة الثانية كذا ثم ذهب كل الى بيته. يقول وفي ضُحى ذلك اليوم لقيت الأخوين في المقهى في مدينة سامراء فقلت لا تقولا شيئاً جئت أنت الى دار فلان قال نعم وجئتما الى داري وحكى لهما القصة فقال كل منهما نعم فقال لا بد صاحبي حدّثك. معناه وهما يتحركان كانت روحه تراهما وتسمع ولو كان يقظاناً في غرفته كان لا يرى ولا يسمع. روح النائم خارج الوعاء والله تعالى يردها الى الوعاء ولذلك نتكلم بجوار النائم فلا يسمع بعض الأجهزة تكون معطلة مؤقتاً أما سائر الأجهزة كالقلب وضخ الدم والتنفس فكلها تعمل فهو حيّ لكن ليس فيه روح. وقلنا أن النطفة فيها حياة باتفاق العلماء لكن ليس فيها روح حتى ينفخ فيها الملك الروح بعد 120 يوماً وهذه مسألة فقهية.

عندنا صورتان لخروج الروح بالموت (مفارقة الحياة) إما بالموت أو القتل وبالنوم. عيسى u وجوده معجزة حقيقة، وُجِد بمعجزة (وجوده من الأم شيء معجز) وإن كان الآن هناك كلام عن الاستنساخ. فمجيء الحياة إليه معجزة فمفارقته الحياة معجزة أيضاً لذلك نقول هو صورة ثالثة للوفاة (الوفاة إما بانتهاء الحياة أو النوم) بالنسبة لعيسى u قبضت روحه ورُفِع جسمه حيّاً (الموت هو توقف أجهزة وأجزاء الجسم) هي صورة ثالثة معجزة لعيسى u. لمّا رُفِع الى السماء بجسمه الحيّ وبروحه التي استوفيت وقُبِضت تعود روحه إلى جسمه لأن الرسول r رآه مع سائر الأنبياء بأجسامهم وأرواحهم في رحلة المعراج لأن الأنبياء أيضاً رُدّت لهم أرواحهم وأجسادهم وعيسى u له خصوصية في عقيدة المسلمين أن الحياة التي يحياها في السماء وسيأتي يوم وتُوجّه الى الأرض. في نزوله نحن عندنا المسيح عندما ينزل في الأحاديث الصحيحة أنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية. كسر الصليب وقتل الخنزير تؤيد الحديث الصحيح الآخر الذي يقول فيه r ” والذي نفسي بيده لو كان موسى بين أظهركم ما وسِعه إلا أن يتّبعني” النبي السابق إذا كُتِب له أن يعود الى الأرض ينبغي له أن يتّبع النبي اللاحق. فعيسى u سينزل بدين محمد r وهو أحد اتباع رسول الله r ولا ينزل بشريعته هو، إن شريعته نُسِخت بشريعة محمد r.

لكن الله تعالى قال : (إني متوفيك ورافعك إليّ) فلِم لم يقل (ورافعك إليّ) فقط؟

(متوفيك) هو ينبغي أن يغادر الدنيا بالوفاة هل هذا أمر منوط بعيسى u بحد ذاته أو هل وردت هذه الكلمة مع غيره؟

قال تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) الانعام) و(فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) محمد) و(فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) النساء) التوفي بوجود حدث كل الأفعال تدل على سحب الروح فالموت في (يتوفاهن الموت) سبب والملائكة في (توفتهم الملائكة) سبب ورسلنا إيضاح للملائكة أنها رسل في قوله (توفته رسلنا). يبقى انقضاء الحياة بأحد طريقين إما بسبب خارجي فيكون قتلاً وإما بغير سبب خارجي فيكون الموت. (الموت مفارقة الحياة لا بسبب خارجي والقتل بسبب خارجي). علماؤنا اتفقوا على أنه مع عيسى u لم يكن نوماً ونسبوا ذلك الى ابن عباس وهذا رأي القرطبي والطبري يذكران ذلك وهذا تصحيح فيما نقل عن ابن عباس لم يكن نوماً ولم يكن مفارقة حياة فهو صورة ثالثة لأن وجوده معجزة. (يتوفاهن الموت) أي يتوفى أنفسهن لأن أصل التوفي لله تعالى وصرّح به في قوله تعالى (الله يتوفى الأنفس) والباقي مظاهر وأسباب (ملك الموت، الملائكة، رسلنا، الموت) هذا كله وسيلة لقبض الروح لكن المتوفِّي الحقيقي هو الله تعالى الذي يتوفى الأنفس.

هل القارئ العادي  يفهم من الآية أن عيسى u حيّ عند قراءة هذا التعبير القرآني: (متوفيك ورافعك)؟

كلا نفهم من قوله تعالى (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أنه مات ورفعه، لذلك وبعض العلماء يقول هنا تقديم وتأخير يعني رافعك إليّ ومتوفيك بأجَلِك، لكن هذا الكلام يحتاج الى حجة لِمَ قدّم وأخّر وما رأيت احتجاجاً. التوفي أخذ الروح والرفع رفع بالجسم الحيّ. لما قال تعالى (متوفيك) يعني قبض الروح ولما قال (ورافعك اليّ) رفعاً بالجسم الحيّ أو الهيكل. ونلاحظ قوله تعالى (ومطهرك) التطهير للروح والبدن حتى لا يمسه أعداؤه بأذى أو بضرر أو بشيء يسيء إليه. الرفع لجسمه لتطهيره من كل أدران الأرض ومن فيها. قال تعالى (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) المائدة) هنا اقتصر على كلمة توفيتني أي أخذت روحي. لمّا توفّاه هل أخذ روحه وترك جسمه؟ القرآن يفسر بعضه بعضاً (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) هذه تثبت أنها ليست مجرد وفاة وإنما وفاة ورفع وتطهير. ورد ذكر اسم عيسى أو المسيح أو ابن مريم حسب الاحصاء في القرآن الكريم في 35 آية. 3 مواضع فقط تتعلق بالوفاة، موضعان فيهما كلمة توفيتني ومتوفيك وموضع فيه (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ (النساء)) لأنهم هم ربطوا رجلاً على صليب وقتلوه فاختلط عليهم الأمر لأنهم أخذزا غيره فالقرآن يقول (وما قتلوه وما صلبوه). (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) النساء) تأكيد (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) النساء) هنا إشارة إلى الرفع. الآية الأولى فيها التوفي فقط والثالثة الرفع فقط والآية الثانية فيها توفي ورفع وتطهير. قلنا إذن أن عيسى u هو معجزة في وجود حياته ومعجزة في وقوع وفاته، وقد رآه النبي r في المعراج في السماء كما رأى الأنبياء بأجسامهم ووصف صورهم كانوا مجسّمين. ونزوله u خاص كوفاته u لكن كما قلنا ينزل متّبعاً دين محمد r الذي هو دين الأنبياء جميعاً أي الاسلام تفاصيل الشريعة شريعة محمد r

هذا يرتبط بكلامنا على هذه الآية (الله يتوفى الأنفس) سؤال كان أُثير ولم نجب عليه لماذا لم يقل الأرواح بدل الأنفس؟

قلنا أن كلمة نفس أخصّ من كلمة روح حقيقة لكن شيء آخر أن كلمة الروح استعملها القرآن الكريم أولاً مفردة ولم يستعملها مجموعة (أرواح) وإنما عندنا كلمة (نفس – أنفس – نفوس) لأنها خفيفة ومعاني كلمة الروح في القرآن جاءت في قضايا الغيب في المسائل الغيبية:

 أولاً جاءت في معنى الكيان المجهول في الانسان في ثلاثة مواضع (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) الاسراء) (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ (171) النساء) يفسرونها يقولون عيسى هو ذو روح كما نقول هو فضل وهو كرم وهو علم أي ذو فضل وذو كرم وذو عِلم. هو روح أي ذو روح هذا المجهول،  والموضوع الثاني الوحي أو الرسول r أو الملِك الذي نزل به إما الملك أو الكلمات الموحى بها وهي تنزل غيباً الى أن تكون شهادة بعد ذلك (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) النبأ) الروح جبريل. وردت مفردة في 21 موضعاً إذ وردت مرتين في آية واحدة الكيان المجهول إما وسيلة الوحي في 14 موضعاً (جبريل) يعبّر عنها إما روح القدس أو الروح (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) مريم) (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) النحل)، أو كلمات الوحي (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر) (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا (52) الشورى) المقصود الكتاب. بينما النفس معانيها كثيرة جداً ومن معانيها الروح ولذلك استعملها القرآن الكريم لأنها خفيفة وزنها خفيف ومعانيها في الأصل في لغة العرب متعددة وأراد أن يخصص كلمة روح لهذا الغيب. استخدم كلمة النفس والأنفس والنفوس يعني مع وجود نوع من التقارب بالحقيقة هذا يتعلق باللغة العربية واختيار القرآن الكريم لها وليس عبثاً أن الله تعالى جعل هذه اللغة لآخر كتبه.

لاحظ ارتباط النفس بالنَفَس: النفس والنَفَس والروح والريح هناك تقارب في هذين اللفظين. الروح لا ندري ماهيتها ولا يستطيع أحد أن يفقهها أو يتحدث فيها (قل الروح من أمر ربي). والنَفَس ريح والروح ريح لكن لا نقول أن الروح هي ريح، الروح تُنفخ والنفخ للريح (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) الحجر) (من روحي) أي عن طريق الملك الذي هو الروح وليس من روح الله. من روحي أي من طريق الملك الذي أنسبه لنفسي تشريفاً وتكريماً عندما آمره أن يفعل هذا. لاحظ (وسخر لكم ما في السموات والأرض جميعاً منه) منه: أي من أمره وليس منه يعني من ذاته تعالى الله عما يقولون. (ونفخت فيه من روحي) أي ونفخت فيه من طريق الملك الذي نسبه الى نفسه تشريفاً له كجبريل u أو غيره من الملائكة لكن النص الوارد يُراد به جبريل فالراجح أن الذن نفخ هو جبريل. (من روحي) أي من فعل الملك. حتى نفخة عيسى u العلماء يقولون بناء على ما ورد في الحديث أنه نفخ في جيبها أي في شق ثوبها (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) التحريم) وصار منه عيسى u وهو معجزة. ينبغي أن نفهم اللغة على وجهها ولا ينبغي أن يُنسب الى الله سبحانه وتعالى ما لا يليق أن يُنسب اليه. القرآن الكريم كان منظوراً إليه بل أول آياته كان منظوراً إليها من أعداء فصحاء في غاية الفصاحة وكانوا يتسقطون له الخلل أو الخطأ حتى يقولون لمحمد r هذا من عندك مع هذا لم يؤثر على أحد من العرب من فصحائهم أنه اعترض على جملة من القرآن معناه أنهم كانوا يفهمون لكن المشكل في هذا الزمن الطويل المتطاول الذي بيننا وبين أيام نزول القرآن يعني لما كان القرآن الكريم يتنزل والشعر العربي يُنظم كان البشر في إيطاليا وفرنسا ورومانيا واسبانيا والبرتغال كانت لديهم لغة أدبية واحدة والقصيدة التي تكتب في إيطاليا يفهمها القارئ في فرنسا ورومانيا والعكس صحيح. الآن تطاول الزمن والقصيدة التي تكتب أيام تنزل القرآن في ايطاليا لا يفهمها الايطالي ولا الآخرون ونحن بعُد ما بيننا وبين وقت تنزّل القرآن، وهذه اللمسات هي نوع من التنبيه على شيء مما استشعره العربي في ذلك الوقت فآمن أو أخذته العزة بالاثم فقال: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه.

التنويع في استخدام الكلمات: كل كلمة مستعملة في موضعها وذكرنا أمثلة وفيما يأتي ستأتي أمثلة (قلنا : قال نفوس وأنفس) وبيّنا أنه لو قال أنفس لضعف المعنى.

(يسألونك عن الروح) ما المقصود بها؟

عندما ننظر في أسباب النزول: أصل الفكرة أن أهل الكتاب قالوا للمشركين سلوه مجموعة من الأسئلة فإن أجابكم عنها فهو ليس بنبي وإن لم يجبكم فهو نبي. ومن ضمنها كان السؤال عن الروح فلما سألوه عن الروح تلا r الآية (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) فهو في الأصل تحرّش من أهل الكتاب لمعرفة صدق النبوة ومع ذلك لم يؤمنوا هذا الذي تأخذه العزة بالاثم. نقول لقرّاء القرآن الكريم من المسلمين وغيرهم يتذكروا أنه دائماً كان في موضع مجابهة وأن المسلمين سجلوا كل شيء فيما يتعلق بحياة الرسول r فقال العلماء: الروح هي من أمر الله تعالى لأن الله تعالى قال (الروح من أمر ربي) . الآن بعد التقدم التقني العجيب، ماذا يقولون؟ الانسان يموت فماذا يفقد؟ والانسان ينام فماذا يفقد؟ يقولون تعطلت الأجهزة ولكن عندما ينام لا تتعطل الأجهزة لكن بعضها يعمل وبعضها يخفت فالعين إذا أُغمضت لا ترى أما المعدة والدماغ وخلاياه تعمل وكل شيء يشتغل فماذا فقد الانسان؟ هذا نوع من التحدي المستقبلي الى قيام الساعة أن الانسان لن يستطيع أن يدرك ماهية الشيء المجهول الذي يغادر جسم الانسان. هناك فرق بين الحياة والروح لا تستطيع أن تقول أن الجنين في بطن أمه وهو ابن مئة يوم أو خمسين يوماً ليس حيّاً هو حيّ والنائم حيّ. الجنين حيّ ثم تُبثّ فيه الروح، يُرسل الملك فينفخ فيه الروح وهي أمر لا نعرفه والله تعالى اختص به نفسه والذي يريد أن يُتعِب نفسه فليحاول أن يعرف ما هي ومهما بذل الانسان من محاولات لن يصل اليها لأننا واثقون حقيقة أن هناك أمور تثبت صدق الاسلام والنبوة: لما قال تعالى (تبت يدا ابي لهب وتب) هذه مغامرة  فما هو موقف محمد r لو أسلم أبو لهب؟ أو لو خطر في باله أنه حتى أكذّب محمداً سأُعلن أني أسلمت. حتى هذا لم يخطر بباله وهذا من أدلة النبوة.

النفس من معاني الروح والنفس أشمل ولها معاني متعددة قلنا (فاقتلوا أنفسكم) أي اقتلوا بعضكم (لا تخرجوا أنفسكم) أي بعضكم، (النفس بالنفس) أي القتل. ونقول جاء زيدٌ نفسَه أي ذاته. الروح فقط للمجهول والوحي والملك.

سؤال 7:

يستخدم تعالى في القرآن بعض الأفعال التي ربما تتشابه حرفياً ولها نفس الدلالة مثل (أعدّ وأعتد) وقال تعالى (وأعتدت لهم متكئاً) لماذا لم يقل وأعدت لهم؟

هذا يدخل في جانب التقارب الصوتي. الآية في سورة يوسف (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) يوسف) الحقيقة هنا سؤالان: لماذا أعتدت وليس أعدت ، ولماذا آتت وليس أعطت؟

الاثنان متقاربان لكن الاختلاف في الصوت. نلاحظ لما يقول (أعتد) هي فيها همزة التعدية التي هي (أفعل) يبقى (الفاء والعين واللام)  فعل (عتد) حتى يكون الكلام قليلاً. و(أعدّ) فيها همزة التعدية بقي الأصل (عدد). ننظر عتد وعدد الفرق بينهما عين الفعل (تاء ودال). الدال هي تاء لكن ينضم اليها اهتزاز الوترين الصوتيين وهما غضروفان أشبه بشفتين حتى لا يتوهم المشاهد عندما نقول وترين: هما غضروفان متصلان من الأمام عند البروز الحنجري ولا نسميه كما تسميه التوراة (تفاحة آدم أكلها فغصّ بها وبقيت ظاهرة حتى تذكر الناس بمعصية أبيهم آدم) هذا الكلام ليس عندنا وإنما نحن نسميه بروز حنجري خلفه الوتران إذا أهتزا من 150 الى 250 مرة في الثانية يكون الصوت مجهوراً. فالتاء إذا صحبها اهتزاز الوترين تكون دالاً. جرّب أن تلفظ تاء من غير أن تلفظها ضع لسانك بحيث أنه لا يتغير عن موضع نطقك للتاء تظهر دالاً. الفارق حدوث اهتزاز فإذن التاء مهموس والدال مجهور. وهذا أنصع وأقوى وأوضح من نظيره المهموس، فلما نقول أعتدت فيها نوع من الرقّة والخفوت يتناسب مع هذه المرأة الرقيقة التي جمعت هؤلاء النسوة وهيّأت لهن هذا المتكأ ولم يقل المجلس لأن متكأ فيه شيء من الاسترخاء فتناسب التاء.

Normal 0 false false false MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:”Table Normal”; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:””; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:”Times New Roman”; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;}

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 3/12/2005م:

  1. سبب ذكر وحذف ما في قوله تعالى في سورة الحديد (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)) وسورة الحشر (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)) واختلاف صيغة الفعل سبح فجاء سبح بصيغة الماضي كما في آيتي سورة الحشر والحديد وجاء يسبح في صيغة المضارع كما في سورة الجمعة (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1))
  2. الفرق بين (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار) (مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) الطور) و(لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) المعارج)
  3. في سورة الكهف لمذا قال (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) ) ولم يقل حسبها أو ظنها أو رآها ؟ وهل هناك ارتباط بين (وجدها) وقوله تعالى (كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)) ما لديه خبراً قابل أن يكون أكيداً او غير أكيد وليس علماً؟

بثّت الحلقة بتاريخ 3/12/2005م

2009-01-30 16:32:57