لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 62

اسلاميات

الحلقة 62

سؤال من المقدم للدكتور حسام النعيمي حول البرنامج: كيف ترى أسئلة المشاهدين الآن مقارنة بالمرحلة الأولى من البرنامج؟

هذا البرنامج كما هو معلوم ليس برنامجاً جديداً وإنما هو برنامج مبني على تواصل مع برنامج سابق لأخينا وأستاذنا الدكتور فاضل السامرائي فمنذ ذلك الحين بدأت ظاهرة لدى المشاهدين وهي ظاهرة العناية بكتاب الله عز وجل عناية خاصة فصار القارئ إذا تلا شيئاً من كتاب الله سبحانه وتعالى يتوقف عند عدد من الموضوعات يسأل عنها. مرور الوقت واستمرار البرنامج أدّى إلى إنتشار هذه الظاهرة وإلى شيوعها ونحن نفرح كثيراً عندما تأتينا الأسئلة لأنه معنى ذلك أننا استطعنا أن نوصل الرسالة التي نريدها إلى عموم مشاهدي قناة الشارقة الفضائية أنه ينبغي أن نتأمل في كتاب الله عز وجل كما قال تعالى (أفلا يتدبرون القرآن) والتدبر هو التأمل وأن ينظر الإنسان في الكلمة مرة بعد مرة، مرة في دُبُر مرة، هذا معنى التدبر وزيادة التفكر ونحس أننا نجحنا إلى حد ما في إيصال الرسالة من خلال بعض الأسئلة لأن بعض الأسئلة ترينا أن القارئ بدأ يتأمل ويفكر خاصة أن بعض المشاهدين من إخواننا المغرب العربي لأننا نحن نتكلم في قراءة حفص عن عاصم وهم يرون أشياء في رواية ورش عن نافع فبدأوا يسألون ونحن نتقصد إذا كانت الكلمة أو اللفظة فيها روايتان نقف عندها وباقي الروايات ليست مشتهرة فلا نقف عندها. لذلك قد يجد بعض السادة المشاهدين أنه نقف أحياناً عند بعض القراءات لهذا الغرض والغرض هو أن نُريَ الذين يقرأون القرآن برواية أخرى غير رواية حفص كيف يكون التوجيه لأنه نوع من التوجيه المعنوي أو أحياناً التوجيه الصوتي مجرد إختلاف بسيط في الصوت . نحن مسرورون أن هذه الإتصالات صارت تشعرنا بأنه هناك عناية خاصة بالتأمل وصار هناك نوع من التأمل وليس مجرد القراءة ونسأل الله تعالى أن يثيب الجميع على هذا الأمر.

سؤال 250: ما الفرق بين لدن ولدُنّي ؟ لدن دون تشديد؟

هذا السؤال أيضاً يتعلق بما تقدم الكلام فيه قبل قليل من القراءات القرآنية. كلمة لدُن سبق أن وقفنا عندها وقفة طويلة وقلنا هي مثل (عند) ولكن أقرب من (عند)، لما تقول عندي كذا أي قريب منك لكن لما تقول : لدني فهي أكثر قُرباً. لدُن: ظرف زمان مبني على السكون وفي بعض اللغات حذفوا النون أصلاً (لدُ) (من لدّ شولٍ). ياء المتكلم يقتضي على قول علمائنا القدماء إنكسار الحرف الذي قبله، عندما تقول: كتابُ زيدٍ جديد، إذا كان زيد هو المتكلم لا يقول: كتاب زيد ويشير إلى نفسه وإنما يأتي بياء الضمير فيقول (كتابي) ذهبت الضمة التي على الباء والذي أذهبها هي الياء فصارت كتابي جديد وعندما يعربون كتابي يقولون: علامة رفعة ضمة مقدرة منع من ظهورها إشتغال المحل بالحركة المناسبة، حركة الياء.

ياء المتكلم تقتضي إنكسار ما قبلها. الفِعل لا يُكسر، الفعل المضارع مُعرَب يتحرك يمكن أن يأتي ساكناً (لم يكتبْ) ويمكن أن يأتي مفتوحاً في حال النصب (يكتبَ) ويمكن أن يأتي مرفوعاً: يكتبُ لكن ما عندنا يكتبِ بالكسر. تأتي ياء المتكلم وترتبط بالفعل: أكرم في الماضي، يُكرم لما تصل بها ياء المتكلم ستقول: أكرمي لا تصح فجاءت العرب بالنون فقالت أكرمني أبي، هذه نون زائدة سميت نون الوقاية لأنها تقي الحرف الذي قبلها من أن تتغير حركته أو سكونه، تحميه فأكرمَ الميم مفتوحة فلما تأتي الياء يقتضي إنكسار الميم فجاءت النون حتى تحفظ فتحة الميم (أكرمَني) وسميت نون الوقاية. الإختصار أنهم يقولون تقي الفعل من الكسر لكن هي لا تتصل بالأفعال وحدها وإنما تتصل بالأفعال والحروف والحروف المشبهة بالفعل. لما يقول:

وليتني فشا وليتي ندرا        ومع لعل اعكس وكنّ مخيراً

في الباقيات واضطرار خففا  مني وعني بعض من سلطا

وفي لدني لدني قُل وفي قدني وقطني الحذف أيضاً قد يفي

ليتني فشا : يعني الكثير أن تقول ليتني (هذه أحرف مشبهة بالفعل) إذا وصلت (ليت) بالياء تأتي بالنون تقول (ليتني) هو الأغلب، (وليتي ندرا) قالت العرب ليتي لكن نُدرة. (وفي لعلّ) إعكس فالقليل يقول لعلّني وقد وردت والكثير يقول لعلّي. القرآن الكريم استعمل ليتني ولعلّي وجاء على اللغة الكثيرة الأفصح. (من، وعن) لما تصل بها الياء تصير مني وعني لكن الكثير أن يقول العربي منّي وعنّي يأتي بنون الوقاية ليحافظ على سكون النون مع ذلك قال الشاعر:

أيها السائل عنهم وعني      لست من قيس وليس قيس مني

قيسٍ نوّنها لأنه إراد القوم كما قال تعالى (لإيلاف قريشٍ) لأنه قال: أيها السائل عنهم ولو قال عنها لقال (قيسِ)

هذه لغة أنه يأتي بالياء من غير نون، هناك لغة يسميها سيبويه لُغيّة أي لغة قليلة.

نأتي إلى (لدُن) جاءت بالتشديد لدى أكثر القرّاء (قد بلغت من لدنّي عذرا) بالتشديد، معناه أن نون (لدن) بقيت ساكنة. نون لدن ونون الوقاية، أي حرفين من جنس واحد إذا سُكّن الأول وتحرك الثاني يلفظان مرة واحدة لأن الحركة هي التي تفصل بين الأصوات. لما نقول: قد تعلمون لو أردنا أن نقلقل قد / تعلمون وهذا ليس صحيحاً في النطق لكن الدال ساكنة والتاء أخت الدال فتنقلب إلى دال، قد: الدال الأولى انقلبت إلى تاء وصارت (قت) صار عندنا تاءان من جنس واحد الأول ساكن فيصير إدغام ولا نقلقل الدال وإنما نقلبها إلى جنس ما بعدها. الأول ساكن يبقى على سكونه والثاني متحرك. فهنا (لدن) ساكنة أضيفت لها الياء فصارت (لدنّي) وهذا عليه أكثر العرب الفصحاء. وبعض العرب الفصحاء لا يأتون بنون الوقاية هنا فيقولون (من لدُني) بدون تشديد لا يأتون بنون الوقاية وهؤلاء هم عرب فصحاء أيضاً. هي لغة فصحى أن نقول (لدنّي) و(لدُني) من اللغات العالية وليست لغيّة. والبعض يعترض على عبارة إبن عقيل حين قال (الأفصح لدنّي) لأن الأفصح يقابله غير الأفصح، كلا وكان ينبغي له أن يقول الأكثر لدنّي والقليل لدُني وكلتاهما لغتان عربيتان فصيحتان لا مفاضلة بينهما لكن هذه كثيرة وهذه قليلة. لنقل مثلاً 4 أو 5 قبائل قالت لدُني و50 قبيلة قالت لدُنّي وكلتاهما من الفصحاء. إبن مالك الناظم للألفية قال: (وفي لدنّي لدني قُل) القليل يقابله الكثير مع أن كلاهما من علماء الإسلام الموسوعيين: إبن مالك عالم بالفقة والأصول والتفسير والنحو وابن عقيل كان قاضي القضاة وعالم لكن أحياناً الإنسان تخونه العبارة، إبن عقيل قال:”الفصيح في لدني إثبات النون كقوله تعالى (قد بلغت من لدنّي عذرا) ويقل حذفها” إذن لما يقول يقل حذفها إذن الكثير وليس الأفصح، “كقراءة من قرأ (هذه قراءة) من لدني بالتخفيف. لو قال الكثير والقليل لأن لدنّي قراءة نافع.

(وعلمناه من لدنا علما) هذه ليس فيها ياء المتكلم، المشكلة مع ياء المتكلم لدن ونون وياء ليس فيها زيادة. هل نأتي مع الياء بنون الوقاية أو لا تأتي مع لدن؟ الكثير من العرب أتوا بنون الوقاية وقالوا لدنّي ونزل بها القرآن الكريم. لما نقول العرب قالوا كذا هذا معناه رُخِّص لهم من لدن رسول الله r بأمر من ربه أو يكون جبريل u نزل باللغتين لأن جبريل كان يراجع القرآن مع النبي r مرة كل عام في رمضان إلا السنة التي قبض فيهاالرسول r راجعه معه مرتين. أو قد يكون نزل بأحداها والثانية كانت رخصة لقبائل العرب بناء على لغتهم بأمر من الله تعالى وليس باجتهاد من رسول الله r وهذا ينبغي أن يقر في أذهان وقلوب السادة المشاهدين عندما نتكلم عن القراءات القرآنية. فقراءة (لدني) بالتخفيف قراءة نافع وشعبة الذي هو الراوي الثاني لعاصم مع حفص، القارئ الواحد في روايتيه يكون هناك خلاف في الغالب لانتشار عدد من قبائل العرب  وفي الكوفة كان جمهور كثير من قبائل العرب منوّع لأنهم كانوا يتهيأون للجهاد في المشرق ألوية الجهاد إلى المشرق كانت تخرج من العراق من الكوفة ومن البصرة . شعبة الراوي الثاني مع حفص قرأ (من لدني) بالتخفيف، التغيير فقط صوتي وليس في الدلالة كما يقول (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) المنافقون) يحسِبون ويحسَبون (حسِب الماضي وورد فيه لغتان في المضارع: حسِب يحسِب وحسِب يحسَب قُرئ بهما) في المغرب يقرأون (يحسِبون).

نون الوقاية ليس لها دلالة محددة والعرب اختاروا النون في أماكن كثيرة ولا ندري لماذا؟ لعله لهذه الغنّة أو النغمة التي فيها، هو يريد أن يفرق بين النكرة والمعرفة، هو لما تقول لشخص ما (صهِ يا فلان) أي اسكت عن هذا الكلام الخاص الذي تتحدث فيه ولك أن تتحدث في موضوع آخر ولما تقول: (صهٍ يا فلان) أي اسكت عن أي موضوع، فلماذا إختاروا النون؟ لما تقول لشخص (إيهِ يا فلان) أي زدنا من هذا الحديث الذي تحدثنا به ولما تقول: (إيهٍ يا فلان) أي زدنا من أي حديث. قال هذا سيبويهِ (مبني على الكسر والمقصود هو إمام النحو صاحب الكتاب) وإذا قلنا: قال هذا سيبويهٍ أي أحد النحويين ممن إسمه سيبويه ليس صاحب الكتاب،صار نكرة غير معروف. لما يريد أن يبين تمكن الإسم يقول: قال هذا زيدٌ، رأيت زيداً، مررت بزيدٍ (تمكين بالرفع والنصب والجر)، لماذا نوّن؟ لا نستطيع أن نجد تفسيراً للتمكين والوقاية للتوكيد يأتي بالنون (ليذهبنّ، ليسجنن) يبدو أن العربي إختار النون للغُنّة التي فيها وهذه من المواطن التي يبحث فيها الإنسان.

نون الوقاية ليست لها دلالة (دَلالة بفتح الدال ودِلالة بالكسر والدَلالة بالفتح أعلى لأن الدِلالة تختلط بالمهنة: الدِلالة مهنة المكاتب، مكاتب البيع والشراء مثل النِجارة والحِدادة والسِباكة، فهي مِهَنٌ والدَلالة أعلى وكلاهما لغتان فصيحتان لكن الدَلالة أعلى لأنها لا تختلط بالمهنة والدِلالة هي المهنة قطعاً).

إعراب نون الوقاية: النون للوقاية وليس لها محل من الإعراب لأنها لا تكون في محل رفع أو نصب أو جرّ. نون الوقاية نعني بها النون يؤتى بها لوقاية الحرف الذي قبلها من أن تتغير حركته أو سكونه. لا تلحق نون الوقاية الإسم لأنه يُجرّ فلا نحتاج إلى نون الوقاية (تقول هذا كتابي ولا تقول هذا كتابني) وإنما تلحق الفعل والحرف للحفاظ على الحركة لأن الحرف يكون مبنياً، والفعل لا يُكسَر حتى المضارع المتحرك لا يُكسر يمكن أن يرفع أو ينصب لكن لا يُكسر فلذلك جاءوا له بنون الوقاية وفي الغالب قالوا لوقاية الفعل.

في قوله تعالى: (أفتوني في أمري) هذا فعل أفتوا المتكلمة لا يصح أن نقول أفتوي فلا بد من أن تأتي نون الوقاية حتى تقي الفعل وتحفظه فقالت أفتوني والنون هي نون الوقاية.

سؤال 251: ما معنى الهداية بعد القتل في قوله تعالى في سورة محمد (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) محمد) و الآية وردت في حق الذين قتلوا؟

هذه الآية جاءت ضمن مجموعة من الآيات تتحدث عن نتائج غزوة أُحُد. وفي أُحُد كان عدد من الشهداء غير طبيعي بالقياس إلى بقية غزواتالرسول r. والآية في سورة محمد (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)). قبل قليل قلنا في لدنّي ولدني أن جمهور القُرّاء قرأوا لدنّي وهنا جمهور القُرّاء قرأوا (والذين قاتلوا في سبيل الله) فيُنتفى السؤال عند ذلك. لكن يبدو أن السائل من شمال أفريقيا من أهل المغرب لأن أسئلته تشير إلى روايات في شمال أفريقيا، الذين قاتلوا في سبيل الله لن يضل الله أعمالهم، سيهديهم ويصلح بالهم الهداية للأحياء لكن السؤال الذي أثاره السائل أن حفص قرأ (قُتِلوا) معنى ذلك أن شعبة قرأ (قاتلوا) وهما راويا عاصم. قلنا أن القبائل حول الكوفة كثيرة وعاصم سمع من هؤلاء وهؤلاء فأقرأ حفصاً قُتلوا وأقرأ شعبة قاتلوا. لأن هذه القبائل نقلت هذه القراءة عنالرسول r والتغير في الفعل لا يحتمل تغييراً كبيراً لأن الذين قاتلوا في سبيل الله سيهديهم ويصلح بالهم والذين قتلوا كانوا قد قاتلوا في سبيل الله فهؤلاء وهرلاء سواء، فإذا كانوا قاتلوا فهذه بشارة لهم أن الله تعالى سيدخلهم الجنة، هؤلاء الذين كانوا مع رسول الله r، الذين أقاموا دعائم الدين. الهداية تتعلق في الحالين الذين قاتلوا والذين قتلوا: هم قاتلوا وقتلوا والمقتول كان قد قاتل فالذين قاتلوا سيهديهم لكن نوع الهداية: الهداية هنا للمقتولين للجنة ويصلح بالهم ويرتاحون عندما يدخلون الجنة (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) الأعراف) هذا في الجنة، فالهداية إلى الجنة والهداية في الجنة يتحدثون عن الهداية فالشهيد يهديه الله سبحانه وتعالى إلى الجنة ويصلح باله ويرتاح فيها، وغير الشهيد المقاتل أيضاً يهديه الله في الدنيا والآخرة لأنه قاتل في سبيل الله فكأن الله سبحانه وتعالى يبشّره بالجنة فألمران سواء والقراءتان تؤديان إلى معنى واحد. قراءة قُتِلوا لم يتفرد بها حفص وإنما أبو عمرو يعني أهل البصرة جميعاً قرأوا (قُتِلوا) وقبائل في الكوفة قرأوا قُتِلوا وكثير من قبائل العرب وسائر السبعة كانوا يقرأون (قاتلوا) القراءة لأبي عمرو وحفص عن عاصم والنتيجة كما قلنا واحدة.

سؤال من المقدم: لماذا نصب كلمة (ضرب) وما إعراب ضربَ في قوله تعالى (فضربَ الرقاب)؟

هي منصوبة وبعض العلماء يعربه صفة لموصوف محذوف ومنهم من يعربه مفعول مطلق يعني (فاضربوا الرقاب ضرباً) هذا مفعول مطلق، أو (فعليكم ضرب الرقاب) لكن إعرابها مفعول مطلق منصوب. فضربَ الرقاب أي فاضربوا الرقاب ضرباً، الفعل محذوف كما تقول للشخص : كتابةً درسك (مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أُكتب) فإذا قلت: كتابةَ الدرسِ (مفعول مطلق حذفت التنوين لأنها أضيفت (عند الإضافة يحذف التنوين). (فضرب الرقاب) الرقاب في الأصل مفعول به وأضيف المصدر إلى معموله، لو نوّن في غير القرآن فقال فضرباً الرقاب إذا نوّن ينصب وإذا أضاف يحذف التنوين عند الإضافة.

ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (فضرب الرقاب) ؟

هذه أبلغ وكأن فيه نوع من الإسراع في القتل فبدل أن يقول: فاضربوا الرقاب ضرباً هو يريد التأكيد فحذف وبدأ بها (فضربَ الرقاب). لذلك يقول القرآن (فشرّد بهم من خلفهم) المؤمنون في القتال أشداء على الكفار رحماء بينهم، في القتال شديداً لكنه يرحم الصغار والأطفال والشيوخ والرهبان في صوامعهم أما أمام المقاتل فيكونوا أشداء شدة تشرّد بها من خلفهم حتى إذا تسامع الناس كيفية قتال المسلمين يخافون، لا يكون قتالهم ضعيفاً ليّناً لذا بدأ (فضرب الرقاب) تدخل عليهم هكذا أو تدخل الرقاب. (حتى إذا أثخنتموهم) نتيجة ضرب الرقاب أثخنتموهم معناه بدأتم تأخذون أسرى (فشدوا الوثاق) ما عندنا قتال بدون أسرى، لا يجوز وما من قتال بدون أسرى لذلك خالد بن الوليد في اليرموك لما كان العدو مضاعفاً أضعاف المسلمين أضعافاً كثيرة لم يشأ خالد أن يحصر المشركين وإنما ترك لهم مجالاً للهرب طوقهم من ثلاث جهات وترك لهم جهة للفرار لأن الغرض ليس أن تقتل وإنما الغرض أن تزيح من أمامك الجيش الذي يمنع دعوة الله من الوصول إلى الناس (لا إكراه في الدين) لما يكون هناك جيش أمامك يمنعك من الوصول إلى هؤلاء عند ذلك ينبغي أن تزيحه وتصل إلى الناس ولا إكراه في الدين وكان هناك في عهد الإسلام من يعبد النار.

إستخدم في بقية الآية أفعال (فشدوا، فشرّد،) إلا في (فضرب الرقاب) فما دلالة هذا الإستعمال؟

المصدر هو للتأكيد، لتأكيد فعله، فكان ممكناً في غير القرآن أن يقول: فاضربوا رقابهم ضرباً وهذا هو المعنى، وقارن أو وازن بين قولنا (فإذا لقيتم الذين كفروا فاضربوا رقابهم ضرباً) هذه نائمة فيها رخاوة لكن قوله تعالى (فضرب الرقاب) هذا الفعل أسقطه وجاء بالمؤكد، (ضرباً) فيها توكيد فحافظ على التوكيد وفيها معنى السرعة في المجابهة (فضرب الرقاب)، أنت لقيته فينبغي أن تكون شديداً. هذه الشدة ليست مطلوبة بعد ذلك في لفظ أثخنتموهم لم يقل إثخاناً أو فإثخاناً، لكن قال (فإذا أثخنتموهم) أي إذا وقع هذا منكم تقومون بعمل شد الوثاق للأسرى ثم بعد ذلك (فإما منّاً بعد) لاحظ الإسلام، قدّم المنّ الذي هو العفو والصفح عن الأسرى، إذن ليست المسألة مسألة حقد إنما إزاحة هذه العقدة التي تحول بيني وبين إبلاغ رسالة الله تعالى فإذا زالت هذه القوة هؤلاء الذين كانوا يقاتلونني وهم حريصون على قتلي قدّم الله عز وجل المنّ فأعفو عنهم.

(منّاً) مفعول مطلق و (إما) تفصيلية، حرف تفصيل إما كذا وإما كذا.

(بعدُ) (لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ) ظرف زمان مبني على الضمّ وعندما تضيف يمكن أن تقول (قبلَ صلاة الظهر). الأصل أن يكون مبنياً، ما هو البناء؟ يقولون الكلمة العربية لها ثلاث مراتب: المرتبة العليا: الإسم المتمكن الأمكن يكون مُعرباً ويُجرّ بالكسرة وينوّن مثل زيدٌ. المرتبة الثانية مرتبة الفعل لا ينوّن ولا يُجرّ بالكسرة فإذا الإسم هبط من الرتبة الأولى إلى الرتبة الثانية تُسلب منه هاتان الصفتان لأن صار يشبه الفعل، لما نأتي إلى كلمة زينب مثلاً إسم علم لكن إسم علم مؤنث أشبه بالفعل في جوانب لا يجرّ بالكسرة ولا ينوّن، تقول: سلّمت على زينبَ لا ينوّن ولا يُجرّ بالكسرة. وإذا هبط الإسم إلى الدرجة الثالثة يُبنى لأن الدرجة الثالثة الحرف مثل كلمة سيبويهِ (مبني).

(قبلُ): هبطت إلى الدرجة الثالثة فبنيت لكن إذا عورضت عورض شبه الحرف بخاصة من خصائص الأسماء تنتشلها إلى الأعلى وترفعها. (من قبلُ) مبني على الضمّ. الإضافة من خصائص الأسماء ولا تكون الإضافة بين الأفعال. فهذا الإسم المبني عندما يضاف أعطيناه خاصة من خصائص الأسماء فعورض شبه الحرف – والحرف لا يضاف – فعورض شبه الحرف بخاصة من خصائص الأسماء فرجع له الكسر، (من قبلِهِم) (من قبلِ هذا) يجر الكسرة عند ذلك لأن الإضافة من خصائص الأسماء كأن الإضافة إنتشلته ورفعته إلى الأعلى.

سؤال 252: في قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) الطور) هل المنون جمع أو مفرد؟ وما أصل الكلمة؟

كلمة المنون كما ورد في المعجمات مأخوذة من الفعل (منّ، يمنّ) بمعنى قطع يقطع. لكن هذه الكلمة (منون) على وزن (فعول) معناه فيها نوع من صيغة المبالغة كما نقول غافر وغفور، غفور فيها مبالغة (فعول) فإذن هي صيغة مبالغة من (منّ) وإسم الفاعل (مانّ) أي قاطع ومنون مثل غافر وغفور. فهي صيغة مبالغة لكن العرب استعملتها إستعمالات كثيرة بحيث استعملوها للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع وعبروا بها عن الموت لأن الموت يقطع حياة الإنسان. (نتربص به ريب المنون) أي نتربص به مصائب الموت. المون هنا الموت ويذكر ويؤنث، بيت أبي ذوئيب الهذلي:

أمن المنون وريبه تتوجعوا والدهر ليس بمعتب من يجزع

له روايتان (أمن المون وريبه تتوجعوا) و(أمن المنون وريبها تتوجعوا) أمن المنون وريبه تقوموا فمن قال وريبه قال ذهب إلى الموت ومن ذهب إلى المنيّة قال (وريبها) جعلها مؤنثة.

هذه اللفظة توسعت فيها العرب كثيراً بحيث استعملوها للمذكر والمؤنث والجمع والمثنى والمفرد. وهنا تأتي بمعنى الموت. والتربص فيه معنى الإنتظار لكن مع شيء من التلبّث كأنه يشتاق إلى الشيء (يتربص به) أي يشتاق إليه ليس شوق الغرام والحب ولكن يرغب رغبة شديدة في هذا الأمر وهو من الفعل ربص أي إنتظر وربص به يتعدى بالباء (ربص به) ولما نأخذ نظرية الإشتقاق اللفظي لإبن جنّي منه: صبر والصبر فيه معنى اللبث فالتربص إنتظار مع اللبث وتشوق لوقوع الحادث، كأنهم يتشوقون إلى موته r.

سؤال 253: قال تعالى (لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة (10) التوبة) ما الفرق بين القربى والإل؟ وما أصل كلمة الإل؟

الفعل ألّ يئلّ مثل أنّ يئنّ. الإل في اللغة العربية له معاني متعددة متقاربة بعضها من بعض: فالنسب العربي يقول عنه الإل والمصاهرة الإل والجِوار الإل أي كلمة الإل أشمل من كلمة القربى لأن القربى يمكن أن تكون للقريب النسبي وقد تتعدى لتصل إلى قرابة الزواج بنوع من المجاز. لكن كلمة الإل تستعمل في هذه المعاني جميعاً فهي أوسع وأشمل من القرابة. والقرابة جزء من الإل. والإل تأتي بمعنى العهد أيضاً. لكن هناك مسألة ذكرها بعض العلماء وتتبعهم آخرون: فالبعض يرى أن كلمة إلّ بمعنى الله وهؤلاء يعتمدون (هو واحد من العلماء وهو قديم) على أنه في العبرية: جبرا إيل، إسرا إيل وهكذا، هذا الكلام لنا عليه وقفة مهمة جداً لأنه عندنا أحد العلماء وهو السهيلي قال: وأما الإلّ بالتشديد في قوله تعالى إلاّ ولا ذمة فحذار أن تقول هو إسم لله تعالى فتمسي الله تعالى بإسم لم يسمي به نفسه – نحن نأخذ أسماء الله تعالى من القرآن ومن حديثالرسول r – وإنما الإلّ كل ما له حرمة وحق كالقرابة والرحم والجوار والعهد وهو من ألِلت إذا اجتهدت في الشيء وحافظت عليه ولم تضيّعه فالقرابة بعض معاني الإل. يبقى مسألة اللغة العبرية وما يكون هناك تقارب بينها وبين العربية في بعض الألفاظ: أولاً: اللفظة التي في العبرية ليست (إل) وإنما (إيل) ولما يكون هناك نوع من التشابه بين لفظتين في لغتين فلا يعني أن هذه اللفظة من هذه اللفظة. أحياناً يكون التشابه بين العربية والانجليزية لا يعني أن هذه من هذه ألم يقولوا: كلمة(fan)  بالإنجليزية وكلمة فان في العربية كما في قوله تعالى (كل من عليها فان) اللفظ واحد لكن المعنى مختلف.

العربية والعبرية من الجزيرة والعربية أقدم وذكرنا هذا سابقاً . ورد ذكر العرب في أدبيات البابليين أن أحد ملوك بابل قاتل العرب. والبابليون خرجوا من جزيرة العرب في حدود 3600 عاماً والعبريون عشيرة من عشائر الكنعانيين والكنعانيون خرجوا من جزيرة العرب في حدود 1500 ق.م أي بعد 1100 عام من البابليين والعرب كانوا موجودون. والكنعانيون صار عندهم لهجات ومن لهجاتهم العبرية فهي متولدة متأخرة. بعد أن ورد ذكر العرب بأكثر من 1100 عام جاء الكنعانيون ولا ندري في أي عام تولدت العبرية من الكنعانية. كانوا يتكلمون لغة واحدة هي الكنعانية تفرّع منها الأوغاريتية والمؤآبية والفينيقية والعبرية، أربع لهجات مثل اللهجات التي تفرعت من اللاتينية: الإيطالية والإسبانية والبرتغالية والرومانية والفرنسية والآن أي واحد لا يفهم من الثاني وهكذا نجد أن العبرية متأخرة. وأي تشابه بين العبرية والعربية معناه أخذته من العربية وليس العكس، فمثلاً أن هذه الكلمة مغيّرة عندهم وقد تكون من اللفظة القديمة وتغيرت عندهم لكن ما دام لم يرد عندنا كلمة إل بمعنى الله لذلك السهيلي يقول: حذارِ.

سؤال 254: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) يونس) في الخير قال يردك وفي الشر قال يصبك فما الفرق بينهما؟ وما تفسير الآية؟ وما الحكمة في استعمال (إلا هو) و(لا رادّ لفضله) و (يصيب)؟

هذا السؤال من الأسئلة التي كما قلنا تفرحنا وتشعرنا بهذا التتبع. هذه الآيات تبدأ من قوله تعالى (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) يونس) أولاً نلاحظ العلاقة بين هذه الآية (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) يونس) والآية التي قبلها التي فيها نوع من التحذير. هو الكلام يكون خطاباً للرسول r وخطاب للبشر جميعاً (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا) أي أيها الإنسان المسلم، أيها الإنسان الذي ينبغي أن تدخل في الإسلام فلا يقال هذا الكلام خاص بالرسول rr وإنما خطاب شامل عام. هذا الإلتزام (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) لا تخلط الإيمان بشيء من الشِرك والشِرك كما وصفهالرسول r ” أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصمّاء في الليلة الظلماء” ولذلك علّمنا r أن نقول دائماً: “اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه” من الأدعية التي ينبغي أن يرددها المسلم. فلا ينبغي أن يخلط الإنسان. (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ) قدّم النفع على الضر لأن الإنسان يحرص على نفعه قبل أن يحرص على دفع ما يضره فقدّمه بشكل طبيعي. (فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ) كلمة الظالمين تقترب منها (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) والظلم هو أذى وهو ضُر ولذلك تقدمت كلمة الضُرّ هنا لقربها من كلمة الظلم ليكون نوع من التشابه. (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ) هذا معناه أن ما يصيب الإنسان من ضر أو من خير الأصل فيه أنه من الله سبحانه وتعالى فالله سبحانه وتعالى في الأصل هو الضار هو النافع ومردُّ الأمور جميعاً إليه سبحانه وتعالى. قال تعالى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) لما كان هناك كلام على الضرّ قال (إن يمسسك) هي في الحالين (إن) وهي غير (إذا). (إذا) لتحقق الوقوع أما (إن) فهي للإفتراض والإحتمال. فإذن كِلا الأمرين على الإحتمال إن وقع كذا وإن وقع كذا، قد لا يكون هذا واقعاً لك أن يمسسك ضر وقد لا يكون هذا واقع لك أن يصيبك خير لكن هذا المبدأ العام.

المسّ يكون عادة بالحواس وهو كاللمس لكن الفرق أن اللمس يكون مباشراً بالحواس أما المسّ فقد يكون لمساً بالحواس وقد يستعمل مجازاً للمس بغير الحواس كما يقولون: مسّه طائف من الجن لا يقولون لمسه كأنه نوع من المجاز. (تتمة الإجابة في الحلقة القادمة)

بُثّت الحلقة بتاريخ 8/11/2006م

2009-01-27 19:14:35