لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 73

اسلاميات
الحلقة 73

 

سؤال 285: ما دلالة كنتم في الآية (وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) البقرة)؟

 

الآية موضع السؤال (قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33)) جاءت بعد الآية (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30)) والسائلة تسأل عن موضع (كنتم) في الآية ولم لم يقل في غير القرآن: يعلم ما تبدون وما تكتمون؟

لعلنا وقفنا عندها في مرة ماضية هذا الذي جرى في الملأ الأعلى يليق بذلك الموضع لا ندري على وجه التحديد ما المراد بتلك العبارات التي قيلت وما المراد بهذه الأسماء التي سُئل عنها لأن الإشارة كانت بصيغة العقلاء فما الذي عُرِض أمام الملائكة؟ ما الذي سئل عنه الملائكة؟ ما عندنا خبر صحيح عنه، هو وقع، هناك إختبار كان للملائكة وفي الوقت نفسه كان إختباراً لآدم. لما طلب من الملائكة (فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31)) أعلنوا عجزهم وقالوا (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)) ما عندنا علم إلا الذي علمتنا إياه، عند ذلك قال تعالى (قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ) هذا الإنباء الذي بُنيَ على التعليم (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا) قلنا في مرة ماضية أن التعليم هنا قد يراد به التلقين أن آدم u لُقِّن، حُفِّظ وهو لديه في دماغه خلايا متخصصة للغة فاستقبلت هذا الذي حٌفِّظ إياه وإستطاع أن يسترجعها عندما احتاج إليها، يسترجع هذا الأمر وهكذا حياة الإنسان الآن، الطفل يستقبل اللغة، يخزن ثم يأتي عليه حين من الدهر فجأة تراه يبدأ يتكلم ويلفظ كلمات فيعيد ما خزنه، ما الذي يخزن في الدماغ؟ لا أحد يعلم. كيف يستدعي الإنسان هذا الذي يريد أن يتكلمه؟ لا أحد يعلم. عندما أقول لا أحد يعلم هذا بناء على إطلاعنا على الدراسات الحديثة وعلى التشريح الطبي لخلايا الدماغ لكن يعلمون أن هذه الخلايا متخصصة باللغة. فإذن (أنبئهم بأسمائهم) بدأ آدم يتكلم ويخبر بهذه بالأسماء، إذن آدم نجح في الإختبار الذي لم ينجح فيه الملائكة لأن الملائكة غير مهيئين للخلافة في الأرض لم يهيأوا لأنهم لا يحتاجون لذلك، آدم مهيأ للخلافة في الأرض وأهم ركيزة من ركائز الخلافة في الأرض اللغة لأنها بها تنتقل التجارب الإنسان ينقل تجربته إلى الآخرين ويتلقى منهم وثم بعد ذلك كانت الكتابة التي استنبطت من اللغة واستنبطت من اللغة والحضارة لا تقوم من غير تجارب. إذن نجح آدم في الاختبار أمام الملائكة. الملائكة عندما قالوا (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) هذا القول كان فيه شيء – كما يقول علماؤنا – من الإحساس أنهم هم أفضل من هذا المخلوق، هذا في داخلهم لم يصرحوا به لأنه كما قلنا في مرة ماضية كأن الملائكة سألوا الله سبحانه وتعالى عندما قال (إني جاعل في الأرض خليفة): ما شأن هذا الخليفة؟ في الرأي الراجح لعلمائنا أنه خليفة الله في الأرض يعني الله سبحانه وتعالى أعطاه من الصلاحيات أنه يستطيع أن يخلق وإلا كيف نفسر قوله تعالى (فتبارك الله أحسن الخالقين) هذا المخلوق يستطيع أن يخلق، أن يوجِد أشياء وإلا فما معنى (فتبارك الله أحسن الخالقين) هذا الإنسان، البشر يخلق لكن يخلق من مادة أولية خلقها الله عز وجل له. لم يوجِد الإنسان شيئاً من العدم. خلقُ الله ما يخلقه الله عز وجل إيجاده من عدم، ما يخلقه الإنسان تكوين من أمور موجودة خلقها الله سبحانه وتعالى, فهذا معنى الخلافة ولله المثل الأعلى هو لا ينوب عن الله سبحانه وتعالى، هو خليفة الله وقسم من العلماء يقولون المراد الأنبياء وبقية البشر تبعٌ لهم لأن الأنبياء يبلّغون شرع الله ويبلّغون رسالاته فهم بهذا المعنى خلفاء، أنهم ينقلون شرع الله عز وجل، هذا المعنى وهذا المعنى تحتمله اللغة ولا مساس فيه بالإعتقاد وإلا كيف نفهم قول الله عز وجل (فتبارك الله أحسن الخالقين) معناه أعطى لهذا الإنسان قدرة على أن يولّد لأن الخلق توليد، تكوين. لما نقول الإنسان خلق هذا الشيء لا نعني أوجده من العدم لكن نعني أنه كوّنه، المادة الأولية موجودة هي من إبداع الله سبحانه وتعالى من لا شيء، أبدع الحديد من لا شيء وأبدع هذه الأرض من أي شيء، أبدع الإنسان من الطين والطين أبدعه من لا شيء لم يكن شيئاً وصار شيئاً هذا خلق الله عز وجل (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه). خليفة يخلف بعضهم بعضاً هذا الكلام وارد في الغة لكن سياق الآية لا يُسعف في هذا لأن سياق الآية الكلام عن آدم قال إني جاعل في الأرض خليفة فتساءل الملائكة ما هذا الخليفة ولم يعترضوا على الله سبحانه وتعالى؟ ما شأنه؟ للإستفسار فقط والكشف يريدون كشفاً. هذا المخلوق الخليفة ما شأنه؟ فأُخبِروا أنه ستكون له ذرية (هذا فُهِم من عموم النص من كلامهم) فيهم من يسبح لله عز وجل وفيهم من سيفسد ويسفك الدماء فقالوا مستفسرين (أتجعل فيها من يفسد فيها) إذا كانت القضية قضية تسبيح نحن نسبح ونقدس، في داخلهم كأنما أحسوا أنهم أميز من هذا المخلوق ولما أُمروا بالسجود سجدوا طاعة لله. لكن لما يكون هو غير مفسد مسبح لله عز وجل وهذا المخلوق سيكون من ذريته من يفسد قد يكون داخل في نفس بعضهم أنه نحن أميز منه وأفضل منه وهذا الذي أشير إليه في (وما كنتم تكتمون) في نفوسكم شيء مكتوم في صدوركم لم تصرحوا به وما كانوا يعتقدون أنهم كتموه عن رب العزة. لما ننظر في الآية نجد حذفاً.

لما قال الله عز وجل (ألم أقل لكم إني أعلم) لأن الكلام على شمول علم الله سبحانه وتعالى العلم الشامل لكل الجزئيات ولكل دقائق الأمور، ألا نقول الله سبحانه وتعالى (يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كان كيف كان يكون) هذه كلمة قديمة لعلمائنا لبيان عظيم علم الله سبحانه وتعالى وشموله وسعته، علم الله سبحانه وتعالى شامل. هنا الكلام على شمول العلم لذا قال علماؤنا فيه حذف. لما يقول (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) الذي يعلم الغيب يعلم الشهادة من باب أولى إذن هناك حذف (أعلم غيب السموات والأرض وأعلم شهادتهما)، وأعلم ما تبدون الآن وفي المستقبل ويقابل ما تبدون وما تكتمون الآن وفي المستقبل. هي ثلاث صور: أعلم غيب السموات والأرض والحذف (وأعلم شهادتهما)، والثانية أعلم ما تبدون الآن وفي المستقبل وما تكتمون الآن وما تكتمون في المستقبل، والثالثة وما كنتم تكتمون وما كنتم تبدون في الماضي.

ما تبدون الآن وفي المستقبل وما تكتمون الآن وفي المستقبل أعلمه وما كنتم تكتمون في الماضي وما كنتم تبدون أعلمه، غيب السموات والأرض وشهادتهما أعلمه، فإذن هو علم محيط لكن حذف من كل جملة فِعلاً: أعلم غيب السموات والأرض وأعلم شهادتهما هذه مفهومة من السياق، وأعلم ما تبدون وأعلم ما تخفون أو تكتمون الآن وفي المستقبل، وأعلم ما كنتم تكتمون وما كنتم تبدون كله في علم الله سبحانه وتعالى. إذن (كنتم تكتمون) حتى تأخذ الحيز الثالث من الكتمان وما يبدو ولذلك جاءت (كنتم) لأن تبدون في الحاضر وما كنتم تكتمون في الماضي، فالحاضر يكون للآن وللمستقبل في صيغة الإبداء ومعه الكتمان المحذوف يعني (ما تبدون وما تكتمون)، والكتمان جعله للماضي (وما كنتم تكتمون) ومعه (وما كنتم تبدون) فإجتمع ما تبدون الآن وفي المستقبل وما تكتمون الآن وفي المستقبل وما كنتم تكتمون في الماضي وما كنتم تبدون في الماضي وقبل ذلك غيب السموات والأرض وشهادة السموات والأرض. فإذن مجيء (كنتم) أشارت وأشعرت بهذا الحذف الموجود في المكانين حتى تستكمل صورة معرفة علم الله سبحانه وتعالى. نعلم كيف هو علم الله سبحانه وتعالى: يعلم غيب السموات والأرض ويعلم شهادتهما، ويعلم ما تبدي الملائكة الآن وفي المستقبل وما تكتم الآن وفي المستقبل، من أين علمنا تكتم؟ من ما كنتم تكتمون، وما كنتم تكتمون في الماضي وما كنتم تبدون، من أين علمنا ما كنتم تبدون؟ من وما تبدون الآن، كل واحدة صار فيها هذا الحذف. فإذن مجيء (كنتم) هو الذي أرشد إلى هذا الفهم العام الشامل الذي فهمه علماؤنا وهم يعتقدون أن العربي فهمه أيضاً. هذا التفصيل مراد لأنهم أبدوا شيئاً وكتموا شيئاً. الكلام على غيب السموات والأرض كلام عام لكن الملائكة بخصوصيتهم أبدوا شيئاً (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) هذا أبدوه وبعضهم – كما قال علماؤنا – كتم شيئاً في نفسه ما صرّح به أن هذا المخلوق الذي سيفسد نحن أكرم منه، نحن لا نفسد الآيات لم تفصح لكن ما معنى (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) في مقابل (أتجعل فيها من يفسد فيها)؟ الملائكة لا ينكرون ولا يعترضون لأنه معلوم من صفتهم عدم الإعتراض فهو شيء حاك في نفوسهم وأظهره بعضهم في العبارة فلا بد من الجمع بين الآيات والفهم في ضوء نسق الآيات ونحن لا نتألّى على الله وعلى العبارة القرآنية لكن هذا الذي يُفهم، الملائكة قالوا كلاماً، هذا الكلام لا يمكن أن يدخل في إطار الإعتراض على موقف أو حكم الله سبحانه وتعالى لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ليست لديهم القدرة على المحاجة والمناقشة هذه قدرة الإنسان خلقه الله تعالى على هذا أما هم لا يناقشون ولا يحاجون فلما ننظر في العبارة نفهم ما ذكره علماؤنا.

سؤال 286: من هم المقصودين في سورة الغاشية (وجوه يومئذ خاشعة ومن هم الأخسرين أعمالاً في سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103))؟

هذا يجعلنا نتحدث في جزئية معينة تتعلق في كلام الله سبحانه وتعالى عندما نتلوه، لا ينبغي أن تُقتطع الآية من سياقها. هذا مبدأ أن الآية ينبغي أن ينظر إليها في سياقها وإلا لو اقتطعنا الآية من سياقها يبقى في الذهن كالآية التي سألت عنها (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الكهف) الشخص يقول أنا أظن أُحسِن صنعاً لعلي أنا من الأخسرين أعمالاً، كلا، ننظر للآيات كاملة وماذا يريد القرآن الكريم وماذا يعني بذلك؟

لما نأتي إلى سورة الغاشية (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ (7)) من خلال النظر في الآيات من هؤلاء الذين يصلون النار؟ المؤمنون أم الكفار؟ الكفار قطعاً فإذن لما يقول تعالى (وجوه يومئذ خاشعة) هو لا يقصد خشوع العبادة وإنما يقصد خاشعة أي ذليلة والخشوع لله سبحانه وتعالى معناه الذلة لله سبحانه وتعالى لأنه كلما خضع الإنسان لله سبحانه وتعالى إزداد عزة وازداد رفعة، كيف؟ لأن هذا الإنسان لا يصلح أن يكون عبداً لاثنين، منطقياً العبودية لواحد فلما يخضع ويكون عبداً لله سبحانه وتعالى وعندنا أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد أذلّ حالة لما يضع أنفه في التراب وبعضهم يقول هذا الإسلام عجيب ما في الدنيا وفي التاريخ لما نقرأ أكثر إعتزازاً بالنفس من العربي إبن الصحراء، معتدٌ بنفسه حتى قيل لما علم كسرى بهذه الصورة من العرب عمل باباً منخفضاً حتى يجعل العربي يدخل بإتجاهه لا بد أن ينحني حتى يدخل ووضع نفسه على عرشه أمامه والحرس من هنا ومن هنا وجاء الأعرابي فنظر أنه لا بد أن ينحني فقيل أنخ استدار بظهره ودخل بظهره على كسرى حتى لا ينحني له.

إذا بلغ الفِطام لنا صبيٌ تخرُّ له الجبابر ساجدينا

هذا التجبر، عمرو بن كلثوم الذي قتل من أجل أن أمه صرخت واذُلاّه فقتل الملك!. فهذا الإعتداد بالنفس وهذه العنجهية وهم كانوا يصلُون بالصفير والتصفيق لآلهتهم، جاء بهم الإسلام وقال لله سبحانه وتعالى اتوا بنواصيكم للتراب لله لكي تكون أنت أعز على وجه الأرض بإسلامك (ونُشهِد من دبّ تحت الثرى وتحت السما عِزَّة المسلم). هذه الذلة لله سبحانه وتعالى رفعة وعز فالخشوع لله سبحانه وتعالى غير الخشوع يوم القيامة والمذلة لأهل النار (وجوه يومئذ خاشعة) بمعنى ذليلة وخاضعة ومنكسرة لأنها إتجهت إلى النار (عاملة ناصبة) شقية والنصب من التعب والشقاء (تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) وبدأ يصفهم إذن هؤلاء أهل النار والمسلم لا يقف عند كلمة خاشعة يقول هذا خشوع، هذا خشوع يوم القيامة لأهل النار هو خضوع ومذلة لما شهدوه من سوء أعمالهم.

في آية سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)) طبعاً القراءة في المغرب وهم يحسِبون (حسب يحسِب) يظن أو يعدّ كلاهما من الحساب أو الحسبان. حسِب يحسِب لغة، وحسِب يحسَب لغة، وحسب يحسَب جاءت على العام الغالب في لغة العرب: “إذا كان الفعل الثلاثي مكسور العين في الماضي فافتحه في المضارع ولا تبالي” إفتح العين (حسِب تحسِب) لأنه لم يرد عن العرب بكسر العين في الماضي وفي المضارع إلا 13 فعلاً حصرها العلماء كلها مبدوءة بالواو هي من الأجوف الواوي فقط. فإذا لم يكن في أوله واو افتحه على وجه اليقين. حسِب يحسِب لغة، هم يقولون الباب السادس لو قيل وثِق يثِق أولى لكن أرادوه من الصحيح. وثِق يثِق لم يرد إلا في صورة الكسر، قال: عين المضارع فاكسر حيث جا وثِق وجِد ورِث، يعني وجِد يجِد، ورِث يرِث ما ورد بالوجهين.

إستطراد من المقدم: يقال حسَب التوقيت وحسْب التوقيت كلاهما وارد والفتح أولى (حسَب التوقيت) والسكون وارد وهو لغة.

ننظر في تمام الآيات من هم الأخسرين أعمالاً؟ الذي يظنون أنهم يحسنون صنعاً ويعتقدون أنهم على صواب. ونكمل الآيات (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)) هل المسلم كفر بآيات ربه ولقائه؟ لا يقف عند (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)) ويقول إني أحسب أني أحسن صنعاً أخشى أن هذا القول يشملني، كلا القول لا يشمل المسلم (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ) قال أولئك أي البُعداء أبعدهم (الذين كفروا بآيات ربهم) كفروا بلقاء الله (فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)) المسلم لا يهزأ بآيات الله ولا برسل الله عز وجل. فإذن يجب أن ينظر في سياق الآيات حتى يكون مطمئناً إلى مكانه فالمسلم عزيز عند الله سبحانه وتعالى، الذي يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ويعمل بمقتضاهما يكون مطمئن القلب إلى رحمة الله سبحانه وتعالى.

سؤال 287: ما دلالة (إلا من شاء الله) في الآية (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) الزمر) ؟

الكلام على مشهد من مشاهد يوم القيامة (ونفخ في الصور)، نلاحظ كلمة نُفِخ مبنية للمجهول لأن هناك من ينفخ بالصور والصور قالوا هو القرن المجوف مثل البوق ينفخ فيه، وعندنا في الأحاديث أنه ملك مخصص للنفخة الأولى (إسرافيل). (ونفخ في الصور) نلاحظ هنا أنه استعمل الماضي (نُفِخ) إشارة إلى التحقق (دلالة الماضي في الاستعمال القرآني إذا أراد التحقق يستعمل الماضي) وقع فعلاً وصار النفخ.

(فصعق من في السموات ومن في الأرض) ماضي أيضاً، يقول العلماء هنا إستعمل (من) التي هي للعاقل للشمول تشمل العاقل وغير العاقل. (ما لغير العاقل لكن أحياناً تستعمل للشمول أيضاً للعقلاء وغيرهم) وتأتي (من) للعاقل وغير العاقل، وقُدِّمت (من) لأن أصل القيامة لأجل محاسبة العقلاء. أما بقية المخلوقات وغير العقلاء سيصعق أيضاَ وفي الحديث أن الشاة الجمّاء تأخذ حقها من الشاة القرناء، يفصل بين الخلائق ثم يكونون جميعاً تراباً عدا هذا الخليفة وذريته يكون لهم حساب.

(فصعق) الصعقة بمعنى غُشي عليه أو مات، يقال صعق فلان أي غشي عليه، أغمي عليه وصعق فلان بمعنى مات وهنا بمعنى الموت أو غشي عليهم فماتوا حتى نجمع المعنيين. (فصعق من في السموات ومن في الأرض) يكون الهدوء عاماً عند ذلك.

(إلا من شاء الله) هذه المشيئة المطلقة لله سبحانه وتعالى يختار من يشاء لعدم موته بتلك النفخة لأن هذا الذي ينفخ في الصور عقلاً لم يمت، لا يصعق هو، لكن قال العلماء بناء على الآثار أنه بعد أن يصعق كل من في السموات والأرض يموت. (إلا من شاء الله) هناك من سيجعلهم الله عز وجل ((من) تستعمل للواحد أو للجمع) لكن يمكن أن يكون الذي ينفخ في الصور حتى ينفخ النفخة الأخرى وقد يكون معه آخرون من الملائكة وليست حجة قوله تعالى (كل من عليها فان) لأن كل من عليها أي على هذه للأرض ولا يحتج بهذا كما يقول العلماء ونحن دائماً نحتج بقول العلماء حتى لا نأتي بشيء من عند أنفسنا. قد يأمر الله سبحانه وتعالى أن يموت بعد النفخة حتى لا يبقى سوى الله سبحانه وتعالى حيّاً ثم بعد ذلك يحييه ويأمره بالنفخة الثانية أو أنه لا يموت، ما عندنا دليل على أن الكل يموت، كل الملائكة الساجد والراكع في أنحاء المساء والأرض لكن يقيناً أهل الأرض جميعاً يموتون (كل من عليها فان) في السماء تبقى الملائكة ساجدة عابدة مصلّية مسبّحة وهذا الذي قلنا فيه أكثر من مرة أن هذا الذي يدخل في مساحة الغيب، لا يمنع أن هذا الملك النافخ سيموت بعد ذلك ولا يمنع أنه سيبقى فيتولى النفخة الأخرى فلما ينفخ النفخة الثانية فإذا هم قيام ينظرون، يقفون وأهم شيء عندهم التلفّت والنظر (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) لما يتلفت وينظر وإذا هذا الخلق كله يخرج من الأرض بهذه الصورة عند ذلك يتيقن الجميع أنه سيكون هناك حساب: المؤمن هو مطمئن والكافر يقول: من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون، عند ذلك يؤمنون لكن لا فائدة من إيمانهم.

سؤال 288: ما دلالة تكرار (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) في سورة المرسلات؟

التكرار عادة للفت النظر. لما ننظر في سورة الرحمن نجد كلمة (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) تكررت كثيراً، هذه الإنسان يتلذذ فيها وكأنه يُقبّل حروفها مع كل نعمة من نِعَم الله سبحانه وتعالى، كل نعمة لما تُذكر يقال بعدها (فبأي آلآء ربكما تكذبان) أي بأي نعم الله تكذبان يا معشر الجن والإنس؟ ففيها نوع من التلذذ بهذا التكرار.

في هذه السورة نوع من التخويف والزجر بهذا التكرار (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) عند كل موضع وكل موضع له خصوصيته وله مجاله كما في سورة الرحمن. فالمؤمن عندما يقرأ ذلك يتوقف عند كل جزئية التي فيها (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ). نلاحظ في سورة المرسلات (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)) عطف في البداية ثم بعد ذك ذكر شيئاً بحرف عطف ثم جاء بالفاء (فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2)) العلماء يقولون هذا شيء، المرسلات العاصفات شيء، هذه الريح. وبدأ شيئاً جديداً (وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)) الآن الملائكة. (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13)) هذا مشهد يوم القيامة، (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14)) سؤال، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) المسلم تذهب الصورة عنده ليوم الفصل هذا الويل، العذاب، التهديد، التخويف، وبعض العلماء يقولون ويل وادي في جهنم، ويل في العربية عذاب، ويل لهم أي عذاب لهم وعذاب على صيغة التنكير ويل وأهوال. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) وبدأ يتكلم (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16)) شغلوا دماغكم! هكذا تستمر الآيات في كل مشهد وفي كل صورة تختلف عن الصورة الأولى ويختلف المشهد ويأتي (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) هو إذن نوع من الدقّ على قلوب هؤلاء ليتذكروا ويبصروا، ونوع من التنبيه للمؤمنين والتذكير لهم بحال هؤلاء المكذبين كيف سيكونون حتى لا يدخل الشيطان إلى قلب المؤمن ويجعله من المكذبين. إذن هذا التكرار فيه نوع من التأكيد تأكيد إثر تأكيد لكل صورة من الصور وقارئ القرآن المفترض فيه أن يتوقف ويتمعن مثل سورة الرحمن كلما يصل إلى (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) يتوقف وينظر فيما قبلها ويتأمل فيها ويحمد الله سبحانه وتعالى أن جعله من أهل هذا الدين وليس من المكذبين.

بُثّت الحلقة بتاريخ 20/12/2006م

أسئلة الحلقة خلال حلقة 20/12/2006م:

(إذا) تستعمل لما يستقبل من الزمان وفي الآية (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) المرسلات) عقّب بعدها بالفعل الماضي فهل يمكن توضيح هذا الاستعمال؟

إذا بُنيت الجملة للمجهول لا يُذكر الفاعل الحقيقي لكن في آيتين في القرآن ذكر الفاعل (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) طه) (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود) لماذا؟

ما معنى ذات لهب في قوله تعالى (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) المسد)؟

ما الفرق بين الآيتين (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) البقرة) (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (76) البقرة)؟

ما الفرق بين كسبتم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ (267) البقرة) وغنمتم (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) الأنفال) في القرآن الكريم؟

2009-01-30 19:41:42