لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – د. حسام النعيمي – الحلقة 1

اسلاميات

لمسات بيانية – الدكتور حسام النعيمي

الحلقات من 2 أبريل 2010 م

الحلقة الأولى

المقدم: مشاهدينا الكرام مستمعينا الأعزاء السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أهلاً ومرحباً بكم معنا وحلقة جديدة من برنامج لمسات بيانية نرحب بحضراتكم ومعاً نرحب بضيفنا الكريم صاحب الفضيلة معالي الأستاذ الدكتور حسام سعيد النعيمي ، مرحباً بكم سيدي فى الحلقة الأولى من لمسات بيانية وعودٌ حميد بإذن الله تعالى ، نشرف بحضرتك وبأستاذنا الأستاذ الدكتور العالِم فاضل السامرائي ريثما يعود من إجازته بإذن الله تعالى  فأهلاً بك ضيفاً فى البرنامج هذه الفترة سيدي.

د. حسام: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام الأنبياء والمرسلين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها المشاهدون الكرام ومعهم أبو سيف. نحن كنا قد قدمنا هذا البرنامج بعد أن كان أخي وأستاذي الدكتور فاضل السامرائي بدأ به  ثم انقطع عنه فقدمناه بين أواخر عام 2005 إلى أوائل عام 2007 ثم شرفنا بحضوره مرة أخرى فعاد إلى برنامجه لأنه هو الذي بدأه ، أما هذه المرة فهي نيابةٌ مؤقتة لحين انتهاء إجازة أخي الدكتور فاضل ليعود مرة أخرى إلى البرنامج ، أحب أن أنبه على شئ الحقيقة في هذه الحلقة هو أننا عندما كنا نقدم هذا البرنامج تجمعت لدينا مجموعة من الأسئلة  لم يتسنى لنا أن نجيب عنها ، فنحن وفاءاً للسائلين والسائلات الذين ما رددنا على أسئلتهم بسبب انقطاع البرنامج وعودته إلى أخى الدكتور فاضل نحاول في أثناء التسجيل أن نجيب عن هذه الأسئلة وآمل أن ننجزها إن شاء الله تعالى ، وحينما نكون على الهواء يكون من حق الذين يتصلون ان نجيب عن أسئلتهم إن شاء الله تعالى

سؤال : عن كيفية استخدام القرآن الكريم للفعل (كاد) ومثالاً لهذا في قوله تعالى في سورة البقرة (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ (71)) وفي سورة النور (إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا(40)) وفي سورة القلم (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ (51)) ، فما معنى الفعل كاد من خلال آي القرآن الكريم؟

د.حسام : قبل أن نبدأ نقول أن الذي لديه بعض المعلومات فيما يتعلق باللغة العربية يعلم أن كاد يضعها العلماء في باب اسمه أفعال المقاربة بعد باب كان وأخواتها لأن تعمل عمل كان وأفعال المقاربة هم يقولون أنها ليست جميعاً للمقاربة ولكن بعضها للمقاربة وبعضها للشروع وبعضها للرجاء ، على أى حال أفعال المقاربة هي ثلاثة أفعال : كاد وأوشك وقرب ، معنى المقاربة أى مقاربة الفعل للوقوع ، هذا هو الأصل كما يقول الانسان أوشكت أن أفعل كذا يعنى أنه ما فعله فحينما يقال كدت أفعل كذا ، كدت أقوم ، كدت أسافر فمعناه أنه قارب الفعل ولم يفعله ، هذا الأصل هذا المعوّل ، لكن يبدو أنه لفت نظر الأخت السائلة قوله تعالى فى سورة البقرة ثم حاولت أن توازن في الآيات (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ (71)) ، الخطاب كان بين موسى عليه السلام وقومه (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ  (67) قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ(68) قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ(70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ(71)البقرة ) فصاروا يشددون فشدد الله عليهم فقال تعالى (وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ) ظاهر الأمر أنه ماكدت أفعل أي ما قاربت ذلك الفعل ، إذاً هى أبعد من كدت أفعل لأنه أصلاً ما قارب هذا الفعل ، لكن الآية تقول (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ.) ، لما نرجع إلى كلام علمائنا فى اللغة هؤلاء نظروا في كلام العرب وجمعوه وجمعوا أساليبهم ومن خلال هذه الأساليب نظروا إلى كلام الله سبحانه وتعالى لأنه القرآن خاطب العرب بما يفهمون ولو وُجد فيه أمر مخالف للغتهم لشنعوا عليه، ولذلك نذهب دائماً إلى أن عبارة القرآن الكريم حاكمة على قوانين النحويين وليس العكس، لماذا؟ ليس لأنها نازلة من عند الله تعالى  ولكن لأن هذا الاستعمال أجمع على قبوله العرب إذاً هو خير شاهد كأنما قاله أو رضيه من مئات الألوف من أهل اللغة .

المقدم: فما الفرق فى استخدام كاد ، ماذا تقول اللغة؟

د.حسام: لما جمعوا اللغة وجدوا أنه إذا كانت (كاد) في الإيجاب وليس النفى فمعنى ذلك أنه لم يفعل الشيء وإنما قارب فعله ، يعنى لما يقول كدت أفعل كذا يعنى هو مافعله وإنما قارب فعله ولم يفعله.

المقدم: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ (20) البقرة ) ؟

د. حسام : يعنى ما خطف أبصارهم وإنما قارب خطف الأبصار ، وإذا كان منفياً قالوا وجدنا العرب تستعمل ذلك بصورتين احيانا فيها تأكيد البعد عن الفعل وأحيانا فيها وقوع الفعل بعد مشقة وأناة ، فإذا أراد أن يشير أحدهم إلى أنه وصلت إليك بعد مشقة وازدحام الطريق يقول لك ماكدت أصل إليك ، معنها أنه وصل بعد تعب أو بعد جهد أو بعد مشقة  أو إبطاء .. ، وأحيانا يقول ما كدت أفعل هذا بمعنى أنه مافعله، كيف نفرق بين الأمرين فى النفى فأحيانا يكون النفى للإثبات كإثبات الوصول وأحياناً يكون نفى الوصول؟ مع أن الجملة واحدة فكيف نفهم الفرق؟ لا يمكن أن نفهم الجملة إذا قرأناها بمفردها بدون سياق حال أو سياق مقال .

المقدم: يعنى في سورة البقرة هل ذبحوها؟

د. حسام: هذا سياق مقال، لأنه قيل لنا أنهم ذبحوها (فَذَبَحُوهَا ) ، أما سياق الحال لما أقول لك الآن ماكدت أصل إليك ، يعنى لشدة الزحام لكننى وصلت، إذاً وجود سياق الحال أو سياق المقال يشير إلى أن الفعل وقع أم لم يقع .

المقدم : قرينة السياق هى التى تحدد هذا؟

د. حسام : نعم هى التى تحدد ، لما نجد الآية الكريمة (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ) بعد أن نعرف القصة كاملة والتردد الذي حدث عندهم والتدقيق الذي دققوه قالوا (قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ) فيها كلمة (وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ) أى أنهم أوقعوا الفعل بعد جهد ومشقة وتردد وإبطاء ، من أين فهمنا ذلك ؟ من وقوع الذبح أى ماكادوا يفعلون ذبحها ، إذن الفعل وقع بدليل المقال .

المقدم: إذا قارنا هذا بسورة النور (إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا) الفعل منفى أيضاً ؟

د. حسام: فى سورة النور  تصوير لحال هؤلاء الكافرين كأنما هم فى ظلمات أو لقلوبهم كيف هى؟ (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ(40)النور) اللجة هى كمية من الماء فمعنى بحر لجىّ أى أن هذا الماء متراكب ففيه لجج فوصفه أنه لجىّ أى تراكبت الأمواج فيه (يَغْشَاهُ مَوْجٌ) يعنى هذا الماء اللجى فوقه موج فوقه موج (مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ) – لاحظ الطبقات – (مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ) لاحظ أن هذا السحاب يحجب إذا كان قمر يحجب القمر وإن لم يكن قمر فهو يحجب أنوار الكواكب والنجوم التى قد تضيء شيئاً، فكلها ظلمات ، قال (إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ) يعنى هذا الانسان اذا رفع يده الى الأعلى أمامه لم يكد يراها (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) يعنى هذا شأن من لا يفهم نور الإسلام أنه لا نور له.

الحقيقة لما ننظر في السياق هو يريد أن يبين لنا شدة الظلمة فهو ممكن قياسا على ما ذكرناه في سورة البقرة هو يمكن أن يراها ولكن بصعوبة ، لكن الصورة ليست هكذا ، فالصورة تبين مطلق الظلمة ، فإذن هى على حقيقتها

على الاستعمال الحقيقى لها وليس على الاستعمال اللاحق، فاستعمال النفى للاثبات هو استعمال لاحق لأن الأصل أنك عندما تنفى تبين عدم الوقوع ، فإذاً جمهور العلماء من النحويين والمفسرين يتبعون لهم لأن النحو قبل التفسير ، ولا يغضب المفسرون لأن كبار المفسرين كانوا نحويين لأن المفسر لا يتجرأ على التقدم إلى كتاب الله عز وجل والكلام فيه إلا أن يكون نحوياً، ثم يفسر. فالإنسان ينبغى أن يقف عند حدود قدره ، فنحن نقول دائماً بالنسبة لنا فى العراق أن أعلم الموجودين فى النحو العربى الآن هو الدكتور فاضل لكن مع ذلك كم مرة رأيته يقول لك أنا طالب علم ، فإذا كان هو يقول هكذا فينبغى على الآخرون أن يعرفوا قدر أنفسهم ( رحم الله امرأ عرف قدر نفسه) ، فهو يقول أنا أنقل كلام أبى حيان فى البحر المحيط ولا يعيبه ذلك ، ما يقول أنا أفسرها هكذا ولكن هو ينقل منه وأبو حيان نحوي ، والزمخشري نحوي ، وبمناسبة الحديث عن الزمخشري قراءته يجب أن يكون بحاشية ابن المنيّر ، لأنه تبعه فى أفكاره الاعتزالية ، ما سوى ذلك فى قضايا اللغة فهو إمام ، فى اللغة والنحو وهو صاحب المفصّل فى النحو .

فإذاً هنا فى الآية (لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا) الذي مال إليه العلماء أن النفى على حقيقته ، نفيْ الرؤية .

المقدم : إذا جاء القرآن الكريم بالفعل كاد بدون نفى كما فى سورة القلم (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ(51)) ما معناها ؟

د. حسام : في سورة القلم (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ) هذه فى الاثبات ، و(إن) هنا ليست النافية .

المقدم : أى هو لم يحدث؟ ما معنى يزلقونك سيدى؟

د. حسام: أى يسقطونك حينما ينظرون إليك ، يعنى من حقدهم ولؤمهم وحسدهم كأنه بعينه يريد أن يسقطه .

المقدم : سلم يا رب ، هذا شديد! هذا من الزلق؟

د.حسام: لا شك، لاحظ الصورة ، كيف الإنسان يزلق وهو يمشي ، فهم يكادون يفعلون هذا لشدة حقدهم حينما ينظرون إلى الرسول r عليه الصلاة والسلام وهو يتلو ولكن نظر الحاقد الحاسد ينظرون إليه شذراً كما يقال وكأنما يريد أن يسقطه بعينه .

(إنْ) هذه مخففة من الثقيلة وليست النافية .

المقدم: أصلها إنّ؟

د. حسام: نعم ، أى إنهم يكادون لكن هى هنا أبطل عملها إذا خففت وعند ذلك يلزمها اللام للتفريق بينها وبين النافية  (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ) لولم توجد اللام لأمكن أن يكون المعنى للنفى و تكون إن نافية مثل ما ، لوقيل فى غير القرآن إن يكاد الذين كفروا يزلقونك يحتمل المعنى أن يكون ما كادوا إلا  يزلقونك ، وذلك لو لم توجد اللام  .

المقدم: ما اسم هذه اللام؟

د. حسام : هي مختلف فيها ، لكن هذه فى أصلها هى لام إنّ المزحلقة  يعنى هى لام التوكيد، بعض العلماء يقولون هى لام اجتلبت للفرق بين إنْ المخففة من الثقيلة وإنً النافية ، وهو خلاف صناعى ، المهم عندنا أن هاهنا (إنْ) كانت فارقة فرّقت بين اثنين وفيها معنى التوكيد ليست لمجرد الفرق ، فلا داعى للإصرار على صورة واحدة فبعضهم يقول أنها اللام المزحلقة ويستدل على ذلك بأدلة ، وبعضهم يقول هى لام أخرى اجتلبت للفرق ويأتى بدليل ، ممكن أن تكون هكذا وأن تكون هكذا وفيها الفائدتان التوكيد والتفريق . فيصلح هذا ويصلح هذا.

المقدم: مما تفضلت به الآن أنهم في الآية ما صنعوا الفعل؟

د.حسام: يعنى نظروا إليه  شذراً بطريقةٍ تكاد أن تسقطه يعنى قاربوا ذلك لكن ما أسقطوه عليه الصلاة والسلام ، فإذاً هى هنا في الاثبات ومعناها أنهم قاربوا الفعل ولم يوقعوه.

سؤال: بعض الكلمات فى القرآن الكريم تتصدرها بعض الأحرف تكون مغيرة للمعنى مع أن الفعل يكون واحد مثال فى قوله تعالى (لن تغنى ) و( لايغنى) في قوله تعالى فى سورة الأنفال (وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا(19)) استخدم (لن) لكن  وفى يونس (إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا(36)) نفس الفعل لكن اختلفت الأداة التى قبلها ، فما الفرق؟

د. حسام: أولاً من حيث التذكير والتأنيث بسبب ما يعود عليه (وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ) لأن الكلام على مؤنث و(إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي) الظن مذكر .

المقدم: يبقى لن و لا ؟

د.حسام: (إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) الأنفال) قلنا الكلام على الفئة فأنث الفعل ، نحن عندنا الفرق بين لا فى النفى ولن في النفى ، فالشخص يقول لا أقوم أو لن أقوم هو نفى وقوع القيام منه.

المقدم: هل متعلق بالزمن مثلاً أى أن للزمن دخل فى هذا؟

د. حسام: له دخل ، وهناك دخل أيضاً للاصرار أوعدم الاصرار، الفرق بين ما ولا،  (لا) تنفى المستقبل ، لاحظ اللغة العربية وليس هذا عبثاً أن الله تعالى  جعل كلامه بالعربية أو جعل العرب يتكلمون العربية فقطعاً القرآن عند الله عز وجل أسبق من العربية ، فالقرآن قديم والعرب أمة حادثة ، فأكرمهم الله تبارك وتعالى بأن جعلهم يتكلمون بلغة كتابه ، وتتدرج حتى وصلت إلى المرحلة التى تدرك معانى  كلامه فنزل كلامه عند ذلك منجماً .

المقدم: المشكلة أن هذا يخالف بعض علماء يقولون أن اللغة ظاهرة اعتباطية ؟

د.حسام: هذا فى ظاهر الأمر أنه ليست هناك علاقة بين الدال والمدلول ، يعنى مثلاً علاقة بين الضاد والراء والباء  و فعل الضرب ، يعنى كان يمكن أن يكون ضرب لمعنى كتب وكتب لمعنى ضرب ، هذا في عموم اللغات ، لكن فى اللغة العربية عندنا خصوصية .

المقدم : أبو الوقاء الكفوى فى الكليّات هذه نظرته هو أن الضاد والراء والباء هو ارتطام شيء بشئ مثلاً، هذا استقراء في اللغة؟ أم هى قواعد ثابتة؟

د. حسام : لا هذا من استقراء اللغة مما وجده فى اللغة وقبله ابن فارس أشار إلى هذه المعانى ، ابن جنِّى أشار إلى هذه المعانى ، وهم معنيّون بهذا الأمر ، فالاعتباطية فى ظاهر الحال ، لكن العربية لها خصوصيتها ، يعنى لما تجد سَعِدَ و صَعِدَ ، وهناك فارق بينهما بين السعود والصعود واختيار السين هنا واختيار الصاد هاهنا ، بين هزّ وأزّ ، ولما تجد مثلاً سقط وكُبْكِبَ ، هناك أمر في اللغة يراه المنصف ، يعنى لما تنظر غلى الكاف والتاء والباء – كتب –  على تقليباتها وكل جذر له معناه ، لكنها تجتمع فى مظلة واحدة مظلة الارتباط  هناك علاقة هناك صلة ، لما تأتى إلى العين والباء والراء ، وكيف تكلم عنها الامام الرازى أنه كيفما قلّبتها – يعنى هو يتكئ على نظرية ابن جنِّى- ويستفيد ويقول انظر إلى عَبَرَ فيها معنى الانتقال كيفما قلّبتها على ستة أوجه كل وجه له معناه المنفرد ، لكن هناك مظلة جامعة وهو معنى الانتقال ، كل جذر فيه معنى الانتقال.

المقدم: هذا هو الرابط!

د.حسام : الرابط هذا لا يوجد في لغة أخرى، فعالم اللغة ينبغى أن يقول هناك خصوصية للعربية .

المقدم : لكن في اللغة مثلاً أن (لا) للنفى ولن للنفى وما للنفى  وليس كلها تفيد النفى ، فكيف نفهم أن القرآن الكريم  يزاوج أو يغير في استخدام لفظة مكان أخرى مع أن الكل يفيد النفى ؟

د.حسام: في لغة العرب تفيد النفى لكن لها مراتب .

المقدم: اضرب لى مثالا بهذا . هنا لن و لا  كيف الفرق بينهما؟

د.حسام : أولاً (ما) و (لا) إذا نفى الإنسان ب(ما) فينفى الحال ، نتكلم عن الفعل المضارع الذي يتحمل الحال والاستقبال ، فإذا قلت ما أصنع ولا أصنع ولن أصنع ، لما يقول ما أصنع يعنى الآن ويمكن بعد الحين أصنعه، يقولون ما لنفى الحال، لا أصنع لنفى المستقبل يعنى لا يكون منى هذا الفعل ، لن أصنع لنفى المستقبل مع تأكيد ، ينقلون عن الزمخشرى أنه قال مع تأبيد ، يبدو أنه هناك خطأ فى النسخ أو شئ لكن لصقت بالزمخشرى أنه قال بالتأبيد ، وهو ما قال بالتأبيد، وحتى إذا قال فإنما يريد تأبيد الحياة الدنيا لأنهم يبنون عليها لما قال (لَن تَرَانِي) نفوا الرؤية فى القيامة، بينما عندنا أحاديث صحيحة صريحة في البخارى وغيره في الرؤية ، فحتى إن قالها للتأبيد فإنما يعنى تأبيد الدنيا، يعنى لن ترانى في الدنيا(وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا (143) الأعراف) الكلام على الحياة الدنيا . هذا الفارق.

المقدم: (وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ) ؟

د. حسام: هذا تيئيس حتى ييئسهم.

المقدم: الآن وفى المستقبل؟

د. حسام: الآن وفى المستقبل مع التوكيد ، (إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ) الكلام مع المشركين (وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) أن تكفوا عن ما أنتم فيه، (وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ) إذا عدتم إلى أفعالكم نعود إلى معاقبتكم ، (وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ) إذاً فيها هذا التهديد وهذا الوعيد وفيها التيئيس أنه قد يقولون نحن الآن قاتلنا بعدد قليل وغُلِبنا  فنجمع جموعاً (وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ ) فكونوا يائسين أنها لن تغنى عنكم شيئاً مع التوكيد.

المقدم: فيها زمن؟

د.حسام: زمن المستقبل وتوكيد .

المقدم: وفى الآية الأخرى (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) يونس)؟

د. حسام : (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا) في عقائدهم في أهوائهم هى مجرد ظنون، والظن هو ما يترجح في ذهن الانسان، قد يكون مبنيا على قواعد سليمة، وقد يكون مبنياً على قواعد غير سليمة ، الغالب أنه يبنى على قواعد غير سليمة ولهذا قيل في القرآن الكريم (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (12)الحجرات) ليس كل الظن ، قالوا بعض الظن من حسن الفِطَن، أن يكون الانسان فطناً فيه ويقايسه ويبنيه على أمور منطقية سليمة ، ولهذا جاء فى القرآن (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ (20) الحاقة) هذا ترجح لديه وصار الظن بمعنى اليقين لأنه بناه على قواعد سليمة ، ما قال جميع الظن وإنما بعض الظن.

المقدم : هل الخط الزمنى يُلحَظ  فى هذه الآية ؟

د.حسام: لا يغنى للمستقبل أيضاً ، هو نفى أن يكون اتباعهم سليماً ، قال (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا) ما يتبع الآن  ، قلنا (ما) لنفى الحال، فهُم فى الحال اتباعهم للظن – وأكثرهم هكذا – الظن الذى هو غير مبنى على قواعد سليمة .

المقدم: لكن ( لا ) تفيد المستقبل أيضاً .

د. حسام: إذاً جمع عليهم الأمرين ، (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا) الآن  (إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) يعنى هم إذا مضوا فى  ظنهم فلا يغنيهم ذلك شيئاً .

المقدم: هذه قاعدة إذاً؟

د. حسام : قطعاً . فى النفى (ما ) للحال و(لا) للاستقبال ، فى الحقيقة لما أحد الفلاسفة  أو الأطباء لم ناقش أحد النحويين قال إنى أجد فى كلام العرب حشواً ، يقولون زيدُ ناجحٌ ، ويقولون إن زيداً ناجحٌ ، ويقولون إن زيداً لناجح ، وفي كلٍ هو إخبار عن نجاحه ، وهذا أتى من قلة علمه بالعربية، فأجابه النحوي قال لا ، العرب لا يقولون فى كل الأحوال الجمل الثلاث وإنما يقولون زيد ناجح لمن هو خالى الذهن، ما عنده معلومة ويريد أن يخبره أن زيد حدث منه النجاح، لكن إن زيداً ناجح يقولونها لمن عنده بعض الشك ، ويقولون إن زيداً لناجح للمنكر الذى ينكر نجاح زيد أنه لا يمكن أن  ينجح ، فالإنكار غير الشك ، الشك قد يكون وقد لا يكون فيؤكد له ب(إنَّ) ، ولذلك سيبويه عندما يقول في عبارته يجوز الوجهان لا يطلقها هكذا وإنما يقول يجوز الوجهان على معنيين مختلفين ، صحيح المعنى العام واحد لكن جزئيات المعنى تختلف .

المقدم: خارج القرآن  لو بدلنا الأدوات وقلنا إن الظن  لن يغنى من الحق شيئاً ، خارج القرآن الكريم؟ هل يستقيم المعنى؟

د.حسام : يستقيم المعنى لكن في غير هذه الواقعة ، دائماً علماؤنا يقولون السياق و السباق ، السياق يعنى ما تسوقه الآيات من الألفاظ  ، والسباق هو ما يسبق إلى ذهنك عندما تقرأ الآية ، فيقولون السياق والسباق يقودان إلى هذا المعنى .

المقدم: أفهم من كلام حضرتك أن (لن ) تفيد النفى للمستقبل لكن مع تأكيد ، و(لا) تفيد النفى بالمستقبل ولكن بدون تأكيد؟ لأن المتبادر إلى الذهن أن الظن لا يغنى من الحق ، هذا تأكيد !

د.حسام: قد يحمل على التأكيد إذا أريد بها حقيقة الشئ  وهذا يكون عندما تتكرر ، يعنى لما تقول زيدٌ لا يكتب ، السباق أنه تنفى وقوع الكتابة منه فى المستقبل ، لكن لاحظ لما تقول زيدٌ لا يكتب ولا يقرأ ، صار بيان حقيقة ،

أى أنه لا يقع منه هذا ولا هذا ، هذه حقيقته، ليس المستقبل فقط وإنما الآن وفى المستقبل والمستقبل البعيد أى أنه إنسان هذه صفته هذا شأنه . فيمكن أن تحمل (الظن لا يغنى من الحق شيئاً) على  هذه الحقيقة مع عدم التكرار مستئنساً بوجود النفى السابق (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا) يعنى هم الآن قائمون على الظن والظن لا يغنى  فى المستقبل فيكون نفى للحال والاستقبال ، فيكون عند ذلك بيان حقيقة.

سؤال: نلاحظ فى القرآن الكريم بعض التقديم والتأخير مثلاً حينما يتكلم ربنا تبارك وتعالى عن الموت يقول ( حتى إذا حضر أحدكم الموت ) يؤخر الموت على المفعول به (أحدكم) ؟ وما الفرق بين حضر الموت  و جاء الموت كما استخدمتها آى القرآن الكريم؟

د. حسام: السؤال ذو شقين ، الأول التقديم والتأخير : فيها جملة فوائد لو نظرنا إلى الآية (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) البقرة) هو التركيب لنقل على قول الدارسين المُحدَثين الجملة  الأساس قبل وقوع التحويلات ، عندنا فى العربية نظامان : النظام الأول نظام المبتدأ والخبر ثم التكملات تأتى ، والنظام الثانى الفعل والفاعل وتأتى التكملات مفعول به أو غيره، هذا البناء الاعتيادى ، والعربية معرَبة وبسبب الإعراب صار عندها مجال لأن تتصرف بالتقديم والتأخير بسبب البيان بسبب البلاغة.

المقدم: لكن هناك ضوابط؟

د. حسام : طبعاً بضوابط متى يقدم ومتى يؤخر .

المقدم: يعنى فى اللغة يجوز أن نقول حضر الموتُ يعقوبَ أو حضر يعقوبَ الموتُ؟

د. حسام : فى اللغة جائزة ، بل الأصل فى اللغة أن يقدم الفاعل حضر الموتُ يعقوبَ لأن الموت هو الذى حضر.

…………. فاصل …………..

المقدم : إذاً لغةً يستوى حضر الموتُ يعقوبَ أو حضر يعقوبَ الموتُ؟ ما الوجهة البلاغية فى اختيار القرآن الكريم لهذه الصيغة تحديداً وما الوجهة البيانية الموجودة فيها؟

د. حسام: لاشك أنه إذا تقدم المفعول يكون لغرض بيانى أو بلاغى  غالبا يكون للعناية والاهتمام، أنت تقول أكرم زيداً خالدٌ فأنت تعتنى بزَيد وقلنا أن هذه سمة للعربية أنك عندك حرية أن تقدم وأن تؤخر ، والعلماء قالوا هذا النظام بدليل أنه إذا ما كانت هناك علامة إعراب فى الاسمين يكون الأول فاعل والثانى مفعول به ، إلا إذا دلّت قرينة ، ضرب موسى عيسى يكون الأول الفاعل لكن إذا قلنا أكل الكمثرى عيسى  واضح أن الكمثرى مفعول به مقدم، لأن السياق من المعنى .

المقدم: مثل خرق الثوبُ المسمارْ مثلا؟!

د. حسام: هذا فى نصب الفاعل حقيقةً ، فيها كلام، نحن لا نتهم العلماء بأنهم لفقوا ذلك ، هم كانوا يروون كل شيء ، حتى إن سيبويه لما قال فى تأنيث الفعل للفاعل وقال أنه يجب أن يؤنث الفعل للفاعل إن لم يكن فاصل وكان الفاعل حقيقى ، ماذا يقول بعد ذلك؟ وسمعت بعض العرب يقول قال فلانة من غير تأنيث كنوع من الأمانة ، هذا رجل أعرابى والثوب عندهم نادر قليل ولبس قطعة قماش يلفها هكذا وسارت فى المسمار وخُرق ، فأهم شئ عنده خرقه ويأتى بعده ثوب ، فرفعه على النظام وغالبا وقف على المسمار بالسكون لا يقف على حركة، لكن صارت هكذا يقول يا فتى وينصب بعد ذلك.

فهذا التقديم فيه عناية واهتمام (حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) هذا من حيث البناء ، الآيات الأخرى نحن سننظر فى سائر الآيات ان شاء الله  تعالى لكن نقف هاهنا قليلاً ، لو تصورنا أن الكلمة كانت حضر الموت وأنا أخاطبك وأقول لك حضر الموتُ يعقوبَ سأفاجئك وأجابهك بحضور الموت ونحن نتكلم ، فكأنما القرآن الكريم تحامىٰ هذه المجابهة  أن تأتى  لفظة الموت بعد ألفاظ الحضور والمجيء لنوع من رعاية المخاطَب ، لألا يجابه ويفاجأ بحضور الموت.

المقدم : ألهذه الدرجة يراعي القرآن الكريم حالتنا النفسية ؟

د. حسام: هذه الرعاية في كلام الله سبحانه وتعالى نحن نمر بها من غير تدقيق ، لكن علماؤنا وقفوا وتدبروا وقالوا هذا، فنحن نقول دائماً نحن عيالٌ على ما قاله السلف فى هذا الأمر ، فهذه المجابهة  تحتماها الأسلوب القرآنى  ويتبين ذلك لما نكرر الكلمة  ونقول حضر الموتُ زيداً أو حضر زيداً الموتُ ، فى الأولى نأتى بالمفعول به ثم نقول الموت يعنى ابتعد ذكره قليلاً ، لكن لما تقول حضر الموتُ وأنت تخاطب إنساناً معنى ذلك أنك تفاجئه بحضور الموت والموت يهابه الإنسان ويرهبه ، أياً كان فإن للموت لسكرات .

فإذاً هذا الموضع فيه  عناية بيعقوب عليه السلام أنه قُدِّم  وفيه وفقاً للسياق العام عدم المجابهة بالموت .

من المواضع الأخرى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة) هنا ليست عناية باسم معين ، تبقى تجنب المجابهة لكن هاهنا (حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) نجد أن كلمة أحدكم هى مفعول به أضيفت إلى الضمير الكاف ، والميم للجمع ، والبعض يقول أن الضمير هو أعرف المعارف بعد اسم الله سبحانه وتعالى ، فكلمة الله أعرف المعارف ، لأن العرب يعرفه فإذا قلت الله ينصرف ذهنه إلى  مبدع السماوات والأرض سبحانه وتعالى ، لكن لما تقول زيد هو ليس أعرف من الضمير  لأن كلمة زيد تصدق على أكثر من إنسان ولذلك أحياناً يقول:      علا زيدنا يوماً     نقىٰ رأس زيدكم

لأن العَلَم إذا تعدد تشم منه رائحة النكرة ، فعند ذلك يضاف ، لكن الضمير هو لا يُذكر إلا في سياق معين في سياق خطاب ، أنت عندما تخاطب إنساناً وتقول له أنت ، فهو حاضر أمامك ، عندما تقول أنا أو تقول هو لا تقولها حتى تكون هناك صورة مثبتة في ذهن المتلقي، فهو معرفة ، المضاف إلى المعرفة يكون معرفة ، الموت فيها (ال) الجنسية والجنس عام، والعموم يفيد نوعاً من التنكير صحيح هم يقولون هو معرف ب (أل ) الجنسية يعنى هو الموت هو جنس الموت دون غيره من الأجناس ،لكن أنت لا تمسك شيئاً ، لما تقول الموت ليست هناك ذات معينة معروفة الماهية والأوصاف تميزه عن غيره من الذوات ، يعنى لما تقول الرجل هو جنس ملموس لكن ليس رجلاً بعينه وإنما الجنس عموماً، لكن لما تقول أحدكم أنت تخاطب قوماً ف ال(أحد) هنا اكتسب تعريفاً من هؤلاء القوم أو الجماعة والمعرفة تقدم على النكرة في العناية والاهتمام، فإذاً من حيث التركيب صار تقديم أحدكم بسبب الإضافة صار أقوى من الاسم المعرف بالألف واللام فصار عندنا فائدة تركيبية فمن حيث التركيب يقدَّم ، وفائدة معنوية التى قلناها فى عدم المجابهة بلفظة الموت وإلا من حيث اللغة  يمكن أن تقول حضر الموتُ أحدَكم فتقدم الفاعل وتؤخر المفعول .لكن سيصير فيه ضعف أنك قدمت ما هو أقل تعريفاً  على ما هو أقوى فى تعريفه  إضافة إلى المعنى الذي قلناه أنك ستجبه المخاطَب بكلمة الموت .

المقدم: استطراد جانبى بسيط إذا سمحت لنا سيدي ؛ إذا جاء نص القرآن الكريم (حضر الموتُ يعقوبَ) سيذهب العلماء لتبرير هذه الآية ويقولون كذا وجاءت على هذه الشاكلة لكذا وكذا . صح أم خطأ ؟

د. حسام: هذا الكلام غير صحيح ، لأكثر من معنى ، لو جاءت بغير هذه الصيغة فى مكان آخر سنفتش عن علة الاختيار لكن ليس بهوى النفس وإنما ضمن القوانين والضوابط ويلاحظ شيء آخر أن العلماء فيما بينهم هناك منافسة  بحيث أن المرء منهم إذا قال كلاماً يخالف القواعد والأبنية والقوانين يردونه ، يعنى ليس كل عالم عندما يقول شيئاً في كلام الله سبحانه وتعالى يُسَلَّم له ، لا ، وإنما يقال له أنت تقول كذا والله عز وجل قال فى مكان آخر كذا ، ولذلك عندنا كتب كتبت قديماً ، الآيات المتشابهة  ما الفرق بينها ؟ وهل يمكن أن تحل هذه الآية مكان هذه الآية؟ قالوا لا يمكن ، مثل ملاك التأويل وكثير تناول هذه الأمور.

المقدم: سبب هذا الاستطراد سيدى حضر وجاء ، ما الفرق بينهما مع أنهما تدلان على مجيء شخص ؟

د. حسام: ممكن أن تقول إذا وصل إليك إنسان أن تقول حضر إلينا فلان أو جاء إلينا فلان أو أتى إلينا فلان والثلاثة مستعملة في القرآن الكريم مع لفظة الموت وفى مكان آخر قال يدرككم الموت ، وفى موضع آخر قال حتى يتوفاهن الموت ، يعنى الصور متعددة ، لكن لاحظ فى اللغة أولاً  ثم ننظر كيف استعمل القرآن هذه اللفظة.

فى اللغة  لما تقول حضر فلان فيها معنى اللبث أى المكث والبقاء ، أى حضر وهو الآن عندنا ، لما تقول جاء فلان تشير إلى هذه الحركة حركة البعد والاقتراب لكن ليس فيها معنى المكث والبقاء ، أنت عندما تقول حضر زيدٌ عندنا أى أنا حاضر، لكن جاء ممكن جاء زيدٌ وذهب ليس فيها مكث ، ولذلك حضر يعقوب الموت يعنى هو جالس عنده حاضر مع من جلس بدليل أن القرآن الكريم استعمل حضر للبقاء والمكث بدليل أنه بدأ يوصي يعني هو ما مات مازالت هناك حياة ومازال الموت حاضراً لم ينصرف عنه ، لم يأخذه ، جاء ليس فيها هذا المكث ،  أتى  بمعنى جاء لما نلاحظ  تركيب أتى وتركيب جاء نجد أن جاء من ج- ي- ء ، وأتى من ء- ت- ي ، الهمزة والياء مشتركة  والفرق فى الجيم والتاء، الجيم الفصيحة القديمة انفجارية ، والتاء انفجارية ، الفرق بينهما في الهمس والجهر ، المجهور يهتز معه الوتران الصوتيان ، أما المهموس فلا ، ولذلك في مصر أصبحوا ينطقونها قريبة من الدال، فهذا الاهتزاز للوترين يعطي قوة، ولذلك يقولون الإتيان مجيء بيسر وسهولة يتناسب مع الهمس .

نكمل فى الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى ..

بثت الحلقة بتاريخ 2- 4 – 2010

 

من قسم الفيديو

 

http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2137

 

الرابط علي الارشيف
http://www.archive.org/details/lamsat234

رابط جودة عالية
http://ia331217.us.archive.org/3/items/lamsat234/lamsat1.AVI

رابط جودة متوسطة
http://ia331217.us.archive.org/3/items/lamsat234/lamsat1.rmvb

mp4 رابط
http://ia331217.us.archive.org/3/items/lamsat234/lamsat1_512kb.mp4

رابط صوت
http://ia331217.us.archive.org/3/items/lamsat234/lamsat1.mp3

2010-04-04 21:22:31