الحلقة 3
إجابة على أسئلة المشاهدين
المقدم: في هذه الحلقة نتعلم مما علمكم الله سبحانه وتعالى ومبحرين مع أسئلة مستمعينا ومشاهدينا الكرام من كافة بقاع المعمورة، الأخت هدى من مصر كان لها بعض الأسئلة ومن ضمن هذه الأسئلة الفرق بين الآيات القرآنية
سؤال: ما الفرق بين الآيتين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ (135) النساء) و(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ (8) المائدة)؟ لماذا تغيّر الترتيب؟ وما اللمسة البيانية في كل آية على حدة؟
د. حسام: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام الأنبياء والمرسلين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها المشاهدون الكرام. إذا جمعنا الآيتين نجد أنه فيهما حثٌ على أن يكون المؤمنون قائمين بالعدل وأن تكون شهادتهم خالصة لله سبحانه وتعالى فإذن الآيتين جمعتا معنيين ساميين وهما الإخلاص لله تبارك وتعالى أن يكون الإنسان مخلصاً لله عز وجل في عمله لأنه من غير الإخلاص يحبط العمل فهذا الإخلاص. وأن يكونوا في عدل ونلاحظ كيف استعملت الآية الكريمة مع اللفظتين صيغة (فعّالين) (قوّامين) ما قال قائمين هذه صيغة مبالغة. قوّام هي صيغة مبالغة من قائم كأن ذلك القيام بالقسط أو القيام بالإخلاص لله تبارك وتعالى جزء من كيانه، هو هكذا. الجمع بين الآيتين يعطي هذا المعنى أنه قوامين بالقسط كثرة القيام بالقسط وقوامين لله الإخلاص لله تبارك وتعالى يكون غالباً عليهم، شهداء لله أن يكون الإخلاص، وشهداء بالقسط أن تكون شهادتهم ملتبسة بالعدل. لذلك نقول معاني القرآن الكريم وألفاظ القرآن الكريم ينبغي أن يضم بعضها إلى بعض لكن يبقى السؤال الذي يُثار ولعله هو الذي خطر في ذهن الأخت هدى أنه هاهنا قدّم وهاهنا أخّر. السؤال هل يمكن أن يكون هذا اللفظ في هذا المكان وذاك اللفظ في هذا المكان؟ يعني أن يتغاير وتتحصل النتيجة؟ أنه جمعنا بين تأكيد القوامة لله سبحانه وتعالى وتأكيد القوامة للشهادة، والإخلاص لله سبحانه وتعالى في القيامة وفي الشهادة، هذا يتحصّل. لا شك أن الذي يبين الاختيار في هذا المكان أو في هذا المكان هو موقع الاية في سياقها، يعني هي وقعت في موضع بحيث لا يستقيم أن تضع واحدة مكان أخرى على تباعد ما بين الآيتين.
المقدم: ما هو السياق؟ وكيف نفهم هذا بيانياً وبلاغياً؟
د. حسام: نلاحظ في آية النساء (مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)) نستطيع أن نستشف من الآيات أن الكلام يتعلق بما نسميه حظ نفس المؤمنين، حظ نفس المخاطبين، حظ نفس الذين يتلقّون الكلام (مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا) هناك حظ النفس في إرادة ثواب الدنيا والله سبحانه وتعالى كأنه يطمئنهم في حظ أنفسهم (فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) أنه أنتم إذا جئتم إلى الله عز وجل ستكسبون هذا، أيضاً هذا جزء في حظ أنفسهم، تطمين أنه تكونون مطمئنين. أمر آخر أن الشهادة مطلوبة على النفس وعلى الوالدين وعلى الأقربين هنا ذُكرت، وهذا كله يدخل فيه حظ النفس، هل يشهد الإنسان على نفسه؟ هل يشهد على والديه؟ الشهادة على النفس هي إقرار أن يقرّ لكن هي في حقيقتها أيضاً شهادة لما يقول أنا فعلت كذا كأن إنساناً شهد عليّ وهو أقرب الشاهدين هو شهد على نفسه. ثم انتقل إلى الوالدين ثم بعد ذلك إلى الأقربين بالتدرج في الشهادة. فإذن الآية في سياق بيان حظ النفس. فلما كان السياق في بيان حظ النفس يتقدّم أن يقوموا بالقسط بالعدل، أن يكونوا عادلين
المقدم: حتى لا يميل المرء مع نفسه هكذا، يجامل نفسه
د. حسام: يجامل نفسه، يجامل أبويه، يجامل الأقربين إليه فهذا السياق
المقدم: وكأن مناط الكلام هنا على العدل أن تكون عادلاً حتى على نفسك وعلى من حولك
د. حسام: توجيه الكلام بالدرجة الأولى العناية والاهتمام بمعالجة حظ النفس من أن يكون جائراً فعولجت (قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) جاء بصيغة فعّالين. لما نأتي إلى سورة المائدة نجد أن السياق في جملته في تمجيد الله تبارك وتعالى وفي تذكير الناس بالعهد لأن الآيات تبدأ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)) (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)) ويمكن أن يعود المشاهِد إلى الآيات من أولها وسيجد انطباق ذلك. (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ) لفت النظر إلى نعمة الله تبارك وتعالى وميثاق الله الذي واثقكم به (وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)) نعمة الله، ميثاقه يعني ميثاق الله، واتقوا الله، إن الله عليم بذات الصدور، ثم يناديهم بهذا النداء الحبيب إلى قلوبهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) لأن فيه إقرار بإيمانهم من الله عز وجل، هو أطيب نداء لأهل الإيمان، لما يقول لهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) يعني جعل تعريفهم بحيّز الصِلة أنه إيمان فهو شهادة من الله عز وجل بإيمانهم. لما يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) يعني يشهد لهم أن هذه صفتهم لأن الذي لوحدها ليس لها معنى تام لما تقول جاء الذي (الذي) فاعل لكن الذي ماذا؟ يُعرّف بصلته بما هو حيّز الصلة. فهذا أحب نداء لأهل هذا الدين، لما يقرأ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) الله عز وجل شهد له بالإيمان. (كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ)
المقدم: لأنه سبق الكلام عن الله سبحانه وتعالى
د. حسام: كله في ذِكر الله سبحانه وتعالى في هذه اللمسة لقلوبهم ذكر نعمة الله، ذكر عهد الله سبحانه وتعالى فهنا يناسب التقديم للإخلاص، ذُكِر الإخلاص في الآية الأولى لكن تقدّم عليه معالجة حظ النفس وهنا يتقدم الإخلاص ليتناسب مع هذا السياق (إذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ) والكلام على التقوى، (إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) قال (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) فإذن كلام بذكر الله عز وجل كلام بالتذكير بالميثاق كلامم بالتذكير بالتقوى كل ذلك يلائم تقديم الإخلاص في العمل أن يكون مخلصاً فهذه الآية هي مندمحة في ذكرها في استنباط المعنى بالآية التي قبلها.
المقدم: لكن قد يتساءل سائل مرة يقول (قوامين بالقسط شهداء لله) ومرة (قوامين لله شهداء بالقسط) إذا أخذنا كلمة قوامين هل هي قوامين لله أو قوامين بالقسط؟ وكلمة شهداء هل هي شهداء لله أم شهداء بالقسط؟ لماذا لم يقل مثلاً كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ويقدم شهداء لله في الآية الأخرى؟ فلماذا لم يوحِّد المصطلح؟
د. حسام: هذا الذي ذكرناه وهو من اجتهادات العلماء التي نراها على صواب أن هذه الصيغة صيغة (فعّالين) لبيان الفعل أقصى درجات معناه, لما نقول صيغة مبالغة أحياناً لما يقول الناس مبالغة تُفهم على أنها كذب تقول فلان يبالغ في كلامه، لا، علماؤنا لما يقولون صيغة مبالغة يعني الصيغة التي يبلغ فيها اللفظ أقصى درجات معناه لا يلد عن معناه شيء، يستوعب كل المعنى، هذا الاستيعاب مراد في الإخلاص ومراد في العدل يعني ينبغي أن يكون هناك استفراغ لكل المعنى في الإخلاص لله تبارك وتعالى فلا بد أن يكون عندنا في إحدى الآيتين (قوامين لله) ويراد استفراغ هذا المعنى للعدل فلا بد أن يكون في أحد المكانين (قوامين بالقسط) لكن لا يمكن أن يُجمع في مكان واحد قوامين لله قوامين بالقسط يكون هناك تكرار ممجوج، لكن تكون هناك خصوصية هاهنا بحسب السياق وخصوصية هاهنا بحسب السياق والمسلم يجمع المعاني. ولذلك يقال المفتي لا يفتي من آية واحد ولكن ينبغي أن ينظر في جميع الآيات ولا يفتي من حديث واحد وهذا الذي يؤاخذ عليه بعض القرءة الذي يقرأون في الكتب يقرأ حديثاً في مكان ويقول لك أن صرت أبا حنيفة أفتي! إقرأ بقية الأحاديث والآيات! هذا الفرق بين العالِم، لا بد أن ينظر في استعمال الآيات وما يحيط بها وهذا من دلائل النبوة، الرسول r عليه الصلاة والسلام ثبت أنه لما تتنزل آية يكون في حال خاص ويردد هذه الاية حتى تكتب إلى أن قيل له (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ (114) طه) ينتهي الوحي ثم ادعُ الكَتَبة واملِ عليهم (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) القيامة) أنه لا يغيب عنه شيء، فصار الرسول r عليه الصلاة والسلام لا يحرك شفاهه إلى أن تنتهي مرحلة الوحي يدعو الكَتَبة ويملي عليهم، لما أملى الآية الأولى وبين إملاء الآية الثانية يمكن أن يكون سنوات فالإنسان لا يحضر في ذهنه أنه هناك قال كذا وهنا قال كذا، هذا كلام الله عز وجل. ولذلك العلماء ينظرون آية في مكان فلاني وآية في مكتن فلاني لما نجمع بينهما يتحصل لدينا معنى يكمل بعضه بعضاً إذن هذا لا يستطيعه البشر، حتى لو كان يستطيع البشر أن يؤلفه ولديه الكتاب ويراجع لما تمر مائة صفحة لا يتذكر ماذا قال، بل عشرين صفحة لا يتذكر ماذا قال قبل عشرين صفحة! التقديم والتأخير والعناية وأنها في هذا السياق. فأمثال هذه المواقع من دلائل نبوة محمد عليه الصلاة والسلام.
سؤال: هل بهذا المنطق ونحن ننظر إلى آي القرآن الكريم نجد أنه ربما تكون الآية لها دلالة عامة، نفس الدلالة العامة تنطبق في آية أخرى لكن بزيادات واختلافات طفيفة مثل الفرق بين الآيتين (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى (120) البقرة) و(قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ (73) آل عمران) نفهم من السياق أن الهدى هدى الله فما الذي يختلف في السياق؟ وما اللمسة البيانية في الايتين؟
د. حسام: في سورة البقرة في الآية 120 قال (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (120)) تعليم للرسول عليه الصلاة والسلام في هذا المقام أن يقول إن هدى الله هو الهدى. الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام وعموم الآية يمكن أن يكون لكل أحد، لكل من يجد نفسه في موقع بحيث أن اليهود أو النصارى لا يرضون عنه حتى يوافقهم كما يقال “حذوك النعل بالنعل” عند ذلك يرضون عنه أما إذا خالفهم يثيرون عليه ما يثيرون!. أصل الآية في الكلام مع الرسول r عليه الصلاة والسلام لكن تنطبق على كل متلقٍّ (قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى). لما نأتي إلى آل عمران يقول (وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)) هذا الكلام لليهود لقومهم، يقولون لقومهم (وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ)، (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ) تعليم وتلقين، هذه جملة اعتراضية اعترضت بين قولين لهم، هم يقولون في غير القرآن (وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ – أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ) فاعترض القرآن (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ) ثم بعد ذلك عقّب على نهاية كلامهم (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). لما نلاحظ الموقع (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى (120) البقرة) يقابله (وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ (73) آل عمران) تقديم وتأخير، والتقديم والتأخير للعناية والاهتمام بشكل عام وأحيايناً يكون التقديم للحصر لكن هنا للعناية والاهتمام وهذا الاهتمام ينسجم أيضاً مع السياق لأننا نقول وهذا كلام علمائنا الآية في موقعها كأنها جزء – ولله المثل الأعلى – من جسم ما يستوي أن تكون العين مكان الأذن والأذن مكان العين، صحيح هي عضو من الجسم وهذا الاصبع عضو من الجسم لكن لا يستوي أن ينبع هذا الأصبع من مكان آخر، المفروض أن ينبع مع جماعته، هو إصبع هو عضو له مكانه
المقدم: وكل كلمة في القرآن عاشقة لمكانها.
د. حسام: هذه الاية هنا والكلمة في داخل الآية هنا
المقدم: ما ينفع أن يقال في البقرة (إن الهدى هدى الله)؟
د. حسام: المعنى العام يحتمله، هذا الفرق بين كلام الله عز وجل وبين كلام البشر، البشر يقول يمكن أن يقال هذا وهو يؤدي المعنى إذا قلنا هنا (قل إن الهدى هدى الله) في البقرة والعكس في غير القرآن في آية آل عمران (قل إن هدى الله هو الهدى)
المقدم: كلغة تحتمل
د. حسام: تحتمل والمعنى العام يُفهَم
المقدم: فلماذا هذه الدقة في الاختيار؟
د. حسام: الدقة في الاختيار حتى نعلم لما ينظر العلماء في سياقات كلام العرب وفي أساليبهم ويقولون لنا هذا السياق يكون فيه هذا اللفظ عند العرب ولما نطبق ذلك نجد أنه ينطبق في كلام الله سبحانه وتعالى هذا السياق يكون في هذا الموضع. نلاحز السياق الأول في سورة البقرة (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) الكلام عن رضى هؤلاء عن المخاطَب بشيء وهو أن يُخرج من دينه، يعني الطلب إلى إنسان سواء كان الرسول r عليه الصلاة والسلام أو أي من المؤمنين الطلب إليه أن يخرج من دينه ويتحول إلى دينهم، الاية الأخرى هي الطلب من قومهم أن يقيموا على ما هم فيه (وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ) إذن عندنا صورتان: الصورة الأولى صورة إخراج إنسان مما هو فيه إلى ما هم فيه والصورة الثانية يخاطبون إنساناً من قومهم أن يظل على ما هم فيه، صورة مختلفة. لو وضعنا – للتيسير- مكان (هدى الله) ما عليه المخاطَب، ما عليه الرسول r عليه الصلاة والسلام، مكان (هدى الله) ما هو عليه أو ما أنا عليه، قال العلماء ما أنا عليه ديني أو الإسلام هو الهدى الحق و(إن الهدى هدى الله) هو الهدى الحق أو ما تظنون أنكم عليه. هدى الله ما أنا عليه والهدى هو هدى الحق وما تظنون أنكم عليه. لما يقولون له اخرج مما أنت فيه العناية والاهتمام بما هو فيه أو بما هم فيه؟
المقدم: بما هو فيه
د. حسام: إذن يريد أن يقول ما أنا فيه هو الهدى الحق، يعني أنا لا أخرج. ولذلك ما أنا فيه هو هدى الله، هو الهدى المنسوب لله سبحانه وتعالى. (إن هدى الله) ما أنا فيه هو الهدى الحق وليس ما تريدون أن تدعوني إليه، (إن هدى الله) الذي أنا فيه هو الهدى الحق. (وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ (73) آل عمران) يتكلمون مع قومهم (إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ) يعني إن الهدى الحق ليس ما أنتم عليه وإنما ما أنا فيه لأن العناية والاهتمام بما هم فيه لأنهم يدعون قومهم إلى الثبات على ما هم فيه. فالاهتمام بما هم فيه فقال إن الهدى الذي تظنونه هو الهدى الحق ليس هو الهدى الحقيقي إنما الهدى الحقيقي هو هدى الله هو ما أنا فيه. يعني أخّر العناية بنفسه وقدّم العناية بما هم فيه لما كانوا في مجال دعوة قومهم إلى الثبات. إذن ينبغي أنتم أن تتحولوا وقدّم ما هو فيه لما كان الكلام على إخراجه مما هو فيه، هذا لا يستقيم أن تضع الواحدة مكان الأخرى لأن في الآية الأولى (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) الكلام على الإخراج فهدى الله سبحانه وتعالى هو الذي ينبغي أن يُصار إليه. بينما (وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ) التثبيت أن هذا الذي تظنونه هو الهدى الحق قدّمه قل إن هذا الهدى الذي تظنونه هو الهدى الحق ليس هو ما تظنون إنما الهدى الحقيقي هو الذي أنا فيه أو الذي أنا عليه.
———–فاصل————-
د. حسام: تلخيص لما تقدّم من كلام لأنه قد يكون الكلام مكرراً:
v إذا جعلنا كلمة (هدى الله) تقابل ما هو عليه وكلمة (الهدى) اي الهدى الحق أو ما يظنون أنهم عليه.
v فلما كان الكلام على طمعهم في إخراجه مما هو فيه قدّمه أي ما أنا فيه هو (هدى الله) وهو الهدى الحق الذي لا ينبغي التحول عنه.
v ولما كان الكلام على تثبيت قومهم على (الهدى) الذي هم فيه بظنّهم قدّمه أي: إن الهدى الحق ليس ما أنتم عليه بل (الهدى) الحق هو (هدى الله) الذي نحن عليه.
هذه خلاصة أرجو أن تكون استقرت في ذهن المشاهد.
المقدم: نفهم أن الأمر الأول هدى الله وهو ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهنالك الهدى كما يزعمون هم ملتهم أنه الهدى الحق موصوف بأنه الحق عندهم فلما كان الكلام عن الحق قدّم (هدى الله) الذي فيه الرسول r عليه الصلاة والسلام ولما كان الكلام عن الهدى الذي يزعمون أنه هو الحق قدّم الكلام عليه ووصفه بأنه الهدى الحق
د. حسام: هذا تلخيص جيد لما تكلمنا فيه.
سؤال: بعض الكلمات في القرآن ربما تكون غير مألوفة في السماع أو القرآن يستخدم بعض الكلمات التي تكون لها دلالات مترادفة في القرآن أيضاً – لا ترادف في القرآن – لكن قريبة منها مثلاً قوله تعالى (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ (98) الأنبياء) ما معنى حصب جهنم؟
د. حسام: كلمة الحصب هذه في بعض اللهجات العامية مستعملة عندنا لكنها قلبت. في العامية نسميها (البحص) وهي صغار الحجارة، الحصى الصغير هو الحصب لكن لما نأتي إلى اللغة في قوله تعالى في سورة الأنبياء (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)) يقول في المعجم الحصب صغار الحجارة لكن هنالك معنى آخر وكل ما أُلقي في النار من حطب وغيره فأما ما دام غير مستعمل للسجور فلا يسمى حصباً، هو ليس حطباً مجرداً. لاحظ الفرق “أما ما دام غير مستعمل للسجور فلا يُسمى حصباً” إذن عندي حطب وحصب، الحصب إما الحصى الصغار وإما الحطب المستعمل المشعول يعني استعمله للسجور أن تسجر به النار. لما تسجر به النار عند ذلك أسميه حصباً. أما الحطب يحتمل أن يكون هذا الحطب للاشتعال ويمكن أن يكون حطباً غير مستعمل للإيقاد. يعني كلمة الحطب ليست نصاً في السجور.
المقدم: المفهوم هنا أنهم ستشتعل بهم النار
د. حسام: من أين فُهِمت؟ من إضافته إلى جهنم، لما يقول حطب جهنم يعني للإيقاد أما لفظة الحطب مجرّدة لا تكون حصراً فيما هو مشعول وإنما تحتمل الأمرين.
المقدم: إذا كان الأمر كما نفهمه من الآية (حَصَبُ جَهَنَّمَ) أنهم تسجر النار بهم فلماذا لم يأت بكلمة الحطب؟ خصوصاً أنه في القرآن استخدم كلمة الحطب (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) المسد) (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) الجنّ)؟
د. حسام: تستقيم هنا لغة. نلاحظ الفرق، هو قال (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) كان يخاطب قوماً معينين وهم أهل مكة وأهل مكة جمهورهم بل قبائل العرب كانوا يعبدون أصناماً من حجارة بحيث لما جاء الإسلام كان هناك أكثر من 360 صنماً كل قبيلة وضعت لها معبوداً خاصاً بها. هذه الأصنام حجارة لو قال (حطب) لا يشملها يعني هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله سبحانه وتعالى سوف تتحطم لأن الحصب الحجارة الصغيرة وليس مطلق الحجارة. يعني هذا المعبود الذي ترونه كبيراً أمامكم سوف يكون صغيراً معنى ومادة، من حيث المعنى أنه سيلقى في النار (لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا (99) الأنبياء) فإذن هو سيُهان بوضعه في النار ثم يتحول إلى صغير صغير صغير بحيث لا ترونه صورته بعد ذلك ولو قال حطب تفوت هذه الصورة لا تبقى هذه الصورة وإلا هو لا يعجزه أن يقول هنا حطب كما قال في مكان آخر حطب لكن قال (حصب) بهذا المعنى. يبقى المكانين الآخرين يعني في سورة المسد وفي سورة الجن قال (حطب) لا يصلح حصب هنا! (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) المسد) هذا تقرير واقع تاريخي لها لأن هي كانت تحمل حطباً غير مهيأ للإيقاد لأننا قلنا الحطب لا يسمى حصباً يجزم بأنه حصب إلا إذا كان مهيأ للإيقاد يسمونه حصب أو إذا أضيف يأخذ دلالة مما أضيف إليه، هي كانت تأتي بالحطب بالشوك لمضايقة الرسول r عليه الصلاة والسلام. إذن هي ما كانت تأتي بحصب وإنما حطب الغرض منه ليس الإيقاد وإنما الغرض منه الإيذاء. فإذن (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ).
المقدم: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) الجنّ)
د. حسام: الجن يتكلمون عن قومهم ولا يتكلمون عن أصنام معبودة فلا يحتاجون إلى كلمة الحصب وإنما يحتاجون إلى كلمة الحطب، ما عندهم أصنام تتحطم وتتكسر كما في الآية الأولى. (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) الجن) هنا الموضع موضع الحطب وليس الحصب لا ينفع لأنه ليس هناك أصنام تتكسر وتتحول إلى حصى حتى يذكَّروا بذلك المعنى.
المقدم: إذن هي حصب جاءت لكي تتسع الدائرة مع عبدة الأصنام والأصنام أنفسها ولو كان الكلام على عبدة الأصنام فقط ربما يأتي بحطب
د. حسام: يأتي بكلمة حطب ولا تأتي كلمة حصب.
المقدم: استطراد جانبي في آية الجن قال (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) المتصور خارج القرآن أن يقال “ومنا الكافرون” فلماذا لم يقل الكافرون وإنما قال القاسطون؟
د. حسام: في حلقة ماضية ذكرنا مصطلح الاحتباك عند علماء البلاغة على وجه الخصوص والاستشهاد بالآية الكريمة (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ (13) آل عمران) والاختباك أن تكون عندنا جملتان بينهما عاطف، حرف عطف يحذف من الأولى ما يُثبت في الثانية ويُحذف من الثانية ما يُثبت في الأولى، هاهنا احتباك. لما قال (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) يعني المسلمون المقسِطون المسلمون العادلون فجمعوا لأنفسهم الإسلام والعدل
المقدم: هناك مقسط وهناك قاسط
د. حسام: مقسط وقاسط نأتي إلى بيانها بعد أن ننتهي من هذه الفكرة ونعود لها. فإذن كأنهم قالوا في غير القرآن وأنا منا المسلمون المقسطون المسلمون الموصوفون بالعدل لأن مقسط من أقسط فهو عادل (ومنا الكافرون القاسطون) فصار عندنا المسلمون تدل على لفظة الكافرين المحذوفة في الجملة الثانية فحذفت الكافرين لوجود المسلمين لأنه يتبادر للذهن المسلمون يقابلها الكافرون وقاسطون يقابلها مقسطون فحذفت من الأولى فكأنه في غير القرآن – كما في الآية التي ذكرناها ونحن نتكئ عليها لأنها واضحة (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ (13) آل عمران) – فئة تقاتل في سبيل الله إذن هي مؤمنة دل على كلمة مؤمنة قوله (وأخرى كافرة)، كافرة تقاتل في غير سبيل الله دل عليها (فئة تقاتل في سبيل الله) الواردة في الأولى. وهنا أيضاً وأن منا المسلمون المقسطون العادلون ومنا الكافرون القاسطون فإذن فيها احتباك ولما يكون فيها احتباك يتسع المعنى، يكونوا وصفوا أنفسهم بالإسلام والعدل ووصفوا غيرهم بالكفر والظلم والجور لكن اختصر الكلام فذكرت كلمة واحدة هنا وكلمة واحدة، هذه الواحدة هنا تستدعي المحذوفة هناك وتلك الواحدة تستدعي المحذوفة هنا. تبقى كلمة قسط وأقسط عندنا قَسَط يقسِط يقول العلماء هذه الكلمة من الأضداد يعني تحتمل معنيين ضدين فهو نوع من المشترك ينقلب إلى ضد، كلمة واحدة تشترك في أكثر من معنى مثل كلمة عين
المقدم: يسمى مشترك لفظي
د. حسام: عين الماء، عين الإنسان، السياق هو الذي يحدد، بعض هذا المشترك يتحول إلى ضد مثل كلمة (الجون) الجون يستعمله العرب للأبيض ويستعملونه للأسود. من أين جاء هذا الاستعمال؟ ممكن من استعمال قديم كأن يكون أصل معناه للبياض ثم عن طريق المجاز استعير للسواد ثم نُسي هذا المجاز، بعض هذا المجاز نذكره مثل تسمية الصحراء المهلكة مفازا نتذكر المعنى طمعاً في الفوز. لكن كلمة الجون هل الأسود الأصل أم الأبيض الأصل واستعمل الثاني على سبيل المجاز؟ في المعجمات يقولون هذا ضد يعني هذا استعمل في هذا المعنى وضده.
المقدم: هل هي همزة إزالة؟
د. حسام: هذا في (افعل) همزة إزالة. قَسَط يقسِط هذان الفعلان “ضِدّ”، يعني يمكن أن تقول قَسَط بمعنى عَدَل ويمكن أن تقول قَسَط بمعنى جار بحسب السياق. الفعل المضارع يقصِد. في المصدر يتبين الفرق إذا قال قسط يقسط قِسطاً يكون بمعنى عَدَل ضد الجور، وإذا قال قَسْطاً بالفتح يكون بمعنى جار. وجود قسط قسْطاً بمعنى جار يوحي بأن استعمالها في العدل ضد الجور لاحق لأن باب ضرب يضرب المصدر منه يأتي ضرباً (فعلاً) ما عندنا مصدر (فِعلاً) غيروا المصدر ليغيروا المعنى. أما إذا قالوا قَسَط يقسُط (ضمت العين في المضارع) يكون المصدر قَسوطاً مثل دخل يدخُل دخولاً، فتكون للظلم. نلاحظ أن القَسَط اعوجاج في الرجلين وهو خلاف الفَحْج يعني فيه معنى التحول. والقِسْط: النصيب، يعني فيها معنى تحول وانتقال، هذه القاف والسين والطاء (قَسَط) ومنه كلمة سقط (بالمقلوب) مقلوبها فيه أيضاً تحول ومنه الطقس فيه تحولات ففيها معنى التحول. لما دخلت الهمزة وصارت أقسَط إقساطاً سلب الجور “عَدَل” كأنه سُحب هذا الظلم مثل أشكان يعني أزال عنه الشكوى. فالمقسِط من أقسط يعني الذي يسلب الظلم يزيل الظلم فهو عادل. حتى كلمة أنه عدل عن الشيء تحول فيها معنى التحول.
قد يرد سؤال في آية سورة الجن (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) الأنبياء) كنت أتوقع أن يسأل أحدهم عن (ما) في (ما تعبدون). (ما) هذه عامة والمخاطبون صحيح هم عبدوا الأصنام لكن عموم الخطاب بعضهم عَبَد الأنبياء فما الذي أخرج الأنبياء من هذا (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99))؟ الآية تخاطب الجميع هم قالوا عزير ابن الله وقالوا المسيح ابن الله، هي عامة الذين كانوا برضى، في حديث عديّ اين حاتم لما دخل على الرسول r عليه الصلاة والسلام ووجده يقرأ قول الله تبارك وتعالى عن اليهود والنصارى (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) التوبة) قال له هم لم يعبدوهم. ولاحظ قوة الشخصية والشجاعة والجرأة عند العربي التي نفتقدها اليوم للأسف الشديد، يعني عديّ كان هارباً ودعته أخته وقالت اقدم على رسول الله ولما يدخل المسجد ويسمع نبي الإسلام يقرأ آية يغلّطه ويقول له لم يعبدوهم فيبين له الرسول r عليه الصلاة والسلام معنى العبادة وقال “بلى، أحلّوا لهم الحرام وحرّموا عليهم الحلال فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم” يعني أطاعوهم في معصية الله تبارك وتعالى
المقدم: ليس بالضرورة أن يركعوا لهم ويسجدوا وإنما مجرد الطاعة والسير على نهجهم.
د. حسام: من غير دين الله ما قال (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ (43) الفرقان) الإنسان لا يسجد لنفسه لكنه لا يسأل عن حكم الشرع ويفعل ما يحلو له، هم انقادوا. هؤلاء برضاهم فيدخلون النار مع الداخلين لكن الأنبياء ما كانوا رضوا ذلك والعلماء يقولون أُخرجوا هؤلاء الذين لا يرتضون ذلك يعني شخص ياتي ويعبد قبراً يطلب منه وينذر له وصاحب القبر لا يرضى بذلك فلا يقال له أنت عبدت هذا المقبور فيدخل المقبور النار! العلماء يقولون هؤلاء أُخرجوا بقول الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103) الأنبياء) فإذن أُخرجوا بهذه الآية فلا يرد هذا السؤال الذي كنت أتوقع أن يُسأل.
سؤال: ما دلالة الفعل يمسّكون (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) الأعراف)؟
د. حسام: عندنا في اللغة مسك به نلاحظ أنها تتعدى بحرف الجر، يقولون مسك السقاءُ يعني حفظ اماء الذي فيه (لفعل لازم) لا يقتضي مفعولاً به فلما يقول مسك به يمسِك وأمسك يُمسِك ومسّك يُمسِّك وتمسّك يتمسّك يقولون كلها بمعنى احتبسه يعني حبس الشيء حبسه عنده جعله محبوساً عنده أو أخذ به أو تعلق به أو اعتصم به. لما نأتي (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ) يعني يعتصمون بالكتاب كأنهم يمسكون به هذا الإمساك. لكن ما قال يتمسّكون لأن تمسّك تُخرج الكلام عن فعلهم وإنما تجعلهم مطاوعين لشيء فُعِل لهم يعني مسّكته فتمسك هو، فعّلته فتفعّل هو لكن كأنما أُريد أن يُجعلوا هم الذين يقومون بذلك هم يمسِّكون مع هذا التضعيف الذي فيه معنى التقوية. وعندنا قراءة يُمسِكون من أمسك فتجتمع القراءتان يمسِكون هم بأنفسهم ويمسِّكون في الكثرة وليس يتمسّكون للمطاوعة يعني أسند الأمر إليهم هم وليس لأمر خارج عن فعلهم هم.
بُثّت الحلقة بتاريخ 9/4/2010م
من قسم الفيديو:
http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2143
الحلقة 3
الدكتور حسام النعيمى
الرابط علي الارشيف
http://www.archive.org/details/lamasat09042010
رابط جودة عالية
http://ia331205.us.archive.org/1/items/lamasat09042010/lamasat09041_chunk_1.AVI
رابط جودة متوسطة
http://ia331205.us.archive.org/1/items/lamasat09042010/lamasat09041_chunk_1.rmvb
mp4 رابط
http://ia331205.us.archive.org/1/items/lamasat09042010/lamasat09041_chunk_1_512kb.mp4
رابط صوت
http://ia331205.us.archive.org/1/items/lamasat09042010/lamasat09041_chunk_1.mp3
2010-04-10 07:44:16