مجالس تدبر القرآن

مجالس تدبر القرآن – 3

اسلاميات

المجلس الثالث

بسم الله


  • لفظ الجلالة (الله) ورد في القرآن الكريم حوالي ألفين وسبعمائة مرة للدلالة على ذاته سبحانه وتعالى.
  • الله سبحانه في القرآن الكريم لم يستخدم لفظ الجلالة كوصف من الأوصاف مثل سائر أسمائه عز وجل، وإنما استخدمه ليدل على ذاته سبحانه.. فإذا أراد أن يصف نفسه بوصف معين، أو ينسب إلي نفسه فعلاً معيناً، أتى بلفظ الجلالة (الله) كعلم عليه، ثم ألحقه بالوصف أو الفعل الذي يريد. كما في بسم الله الرحمن الرحيم.
  • والأمر بالبسملة أصيلة في هذا الدين ممتدة عميقا في الوعي الإنساني بدأت مع أول كلمة خاطب بها الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
  • أمر الوحي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقرأ وهو يردد: ما أنا بقارىء ولنا أن نقف بتدبر ..عند هذه اللحظة فالله سبحانه علام الغيوب يعلم أن النبي الكريم ليس بقارئ ولم يكن أمامه من كتاب يقرؤه فلم تكرار الأمر بالقراءة؟؟؟
  • النبي عليه الصلاة والسلام كما هو معروف كان يقضي الليالي الطوال في التأمل في الكون من أمامه …فالأمر بالقراءة هنا هو أمر لشيء كان يقوم به النبي عليه الصلاة والسلام فجاءت الآية:” اقرأ باسم ربك الذي خلق” فالقراءة في الكون لا تتطلب العلم بكيفية قراءة الكتب لأنها تختلف عن وسائلها فلا تحتاج إلى أكثر من وسائل إدراك يقظة متفتحة. ولكن من المهم أن تكون هذه القراءة باسم الله حتى لا تكون عبثا أو تتحول إلى عمل تخريبي في هذا الكون.
  • قراءة الكون الذي خلقه سبحانه تعني الاهتمام بالكشف عن قوانينه وسننه التي سخر الله سبحانه من خلالها للإنسان الإفادة من كل ما فيه لتحقيق مهمته على الأرض: الخلافة. ” وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة”.
  • إذا قرأ الإنسان الكون دون أن تكون هذه القراءة باسم الله الذي خلق الكون وسخر أسبابه وقوانينه للإنسان، يحدث خلل قد يؤدي إلى دمار العالم وتخريبه كما هو مشهود في عالمنا المعاصر من حدوث الاختلال والتلوث والكوارث البيئية ……فالحضارة المعاصرة تمكنت من قراءة الكون ولكن دون أن تكون هذه القراءة باسم الله الخالق، فكان من الطبيعي أن نلحظ ما نشهده اليوم من خراب ومشاكل تهدد العالم بأسره.
  • والقراءة باسم الله لها قواعدها وأصولها التي جاءت في كتاب الله القرآن. ولذا حتى يستقيم الأمر لابد من قراءة الكون والقرآن لتحقيق مهمة الإنسان المتمثلة في الخلافة وإعمار الأرض وإقامة منهج الله في صناعة الحضارة الإنسانية عليها.
  • والإنسان في حياته حين يبدأ بأي عمل يحتاج إلى اسم الله المتضمن قدرته على تسيير الأسباب وتحريك القوانين وتسخيرها لخدمة الإنسان. من هنا كانت البسملة شعارا للمسلم في حياته.
  • في البسملة لفتة عظيمة للتذكير بأهمية تحقق النية الصالحة أولا في نفس الإنسان وإيجاد الدافع الصالح لأي عمل يقوم به وتذكر ذلك كله قبل أن يبدأ في الشروع فيه.
  • والبدء باسم الله تأكيد وإعلان من الإنسان أن الله سبحانه مسبب الأسباب فهو الأول والآخر والظاهر والباطن، ولا شيء في الكون يعمل دون أمره سبحانه وإرادته الغالبة وإن توفرت الأسباب فهو القادر على تعطيلها سبحانه.
  • هذا الشعور يعمق شعور الإنسان بأهمية التوجه بكله إلى ربه، ويتوكل عليه، واستمداد القوة والعون منه وحده قبل أي شيء فكل شيء في هذا الوجود مرهون بمشيئته سبحانه وتعالى. فالإنسان لا قدرة له على تسيير الأسباب أو تحريكها لا قدرة له السير على الأرض دون قدرة الله، ولا سلطان له حتى في شربة الماء هذه. فحين يبدأ العمل باسم الله، يعلن تجرده من حوله وقوته إلى حول الله والاعتراف له بالقوة والقدرة. فهو يدخل إلى الكون باسم الذي خلق الكون وخلق الإنسان الذي يستفيد من الكون بأمر الله واسمه.
  • البسملة تثبت في نفس المؤمن بتكرارها أهمية الأخذ بالاسباب مع اليقين بأنها لا تعمل بدون غرادة مسببها وخالقها سبحانه.
  • الرحمن الرحيم: الرحمن” رحمته شاملة عامة تعم المؤمن والكافر… وكل ما هو موجود في هذه الحياة، بينما “الرحيم” رحمة دائمة تختص بالمؤمنين وحدهم. من هنا قال بعض المفسرين أن الرحمة عامة وخاصة
  • الرحمة العامة: تشمل كل الموجودات بلا استثناء بالخلق جميعهم. ولولا هذه الرحمة، لما استقام الكون. وقد ذكرت في بعض آيات القرآن. ((وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)) سورة الأعراف – 156  وقال أيضاً: ((رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً)) سورة غافر – 7 ، وقال: ((فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ) سورة الأنعام – 147، وقال: ((وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ)) سورة لقمان – 27.
  • الرحمة الخاصة للمؤمنين:والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ” البقرة: 105. ويقول سبحانه: ((فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ)) سورة النساء – 175. وقال أيضا: ((إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)) سورة الأعراف – 18. وهذا النوع من الرحمة يحتاج منا أن نكون أهلا لها، أهلا لتنزل هذه الرحمة علينا. فالله سبحانه يعطي الرحمة وينزلها ولكن قدر الرحمة المتنزلة مرتهن بقابلية المتلقي، فكلما زدنا من قابلية أنفسنا، زادت الرحمة الإلهية المتنزلة علينا.

هناك أمور نستدر من خلالها رحمة الله سبحانه مثل:


طاعة الله ورسوله. ” وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” آل عمران:132.

الإيمان بالله والاعتصام بكتابه. “فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا” النساء: 175

إتباع القرآن والاستماع له. “وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” الأنعام: 155. “ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”الأعراف: 204

الإصلاح في الأرض ومنع الفساد. “وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ”. الأعراف:56

الاخوة في الله التي لا يكون فيها حظ من حظوظ الدنيا والإصلاح بين الناس. “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” التوبة: 71. “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” الحجرات: 10

الإنفاق في سبيل الله والرحمة بالخلق فمن يرحم يُرحم. “وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”التوبة:99.

الإحسان والإتقان في العمل. “وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ” يوسف: 56

البر بالوالدين والرحمة بهما. “وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” الإسراء: 24

الصبر على البلاء والامتحان. “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ” الأنبياء: 83-86.

الصلاة والزكاة . “وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ” النور:56

الاستغفار وقيام الليل والخوف من الله. “قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” النمل: 46. “أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ” الزمر:9.


لماذا الرحمن الرحيم؟

الرحمة ملازمة لكل لحظات وجودنا وثنايا هذا الوجود. وفيها تربية لنفس المؤمن وتذكير له بأن القوة والقدرة لا ينبغي أن تقود به إلا إلى مزيد من الرحمة يعني حين تقدر، ارحم. حين تحكم، ارحم. حين تدير، ارحم..فواقع البشر تتخلله لحظات قسوة كثيرة لما يستشعر به الإنسان من القوة القدرة على من هو أضعف منه، واله سبحانه يذكرنا بأن القوة مدعاة للرحمة