نظرات في السور

نظرات في سورة الكهف – 13 – د. أحمد نوفل

الحلقة 13

(سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ(22)) وقفنا عند اختلاف العالم قديماً وحديثاً في عددهم (سيقولون) متواصل مستمر إلى ما لا نهاية (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ) هناك اجماع على وجود الكلب، وكل الأقوال وتر ثلاثة خمسة سبعة، في الذهن بقايا أطلال من المعلومة، كانوا وتراً ثلاثة؟ خمسة؟ سبعة؟ إجماع على أنهم كانوا وتراً في العدد وإجماع أن معهم كلب. ما الحقيقة؟ ربنا وصف المعلومات (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) قال عنها رجماً بالغيب بينما ميّز القول الأخير (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) هذا القول هو الحقيقة لأنه لم يوصف بأنه رجم بالغيب وثانياً ميّزه بالواو قالوا هذه واو الثمانية، القرآن مليء بأشياء ما كان سبعة وما بعدها تأتي بالواو (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا(73) الزمر) أبواب الجنة (سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا(7) الحاقة) وضربوا شواهد من هذا القبيل لكنه هذا الكلام مع أنه على الرأس والعين لكني لا أعتقد إلا ما أراه ثابتاً منطبقاً على اللغة والسياق. هذا القول هو الحقيقة وهناك مراعاة شديدة للأدب طبعاً (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) كأنهم جعلوا الفتية والكلب على قدم المساواة. لو قلت لأحدهم أتشرب الشاي؟ فأجاب لا وجزاك الله خيراً، هذه الواو واو الأدب وليست واو الثمانية. إذن المؤمن عنده الحقيقة وعنده الأدب في عرض الحقيقة. (سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) فصل ما بين الفتية والكلب بالواو.

(قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) هذه الآية لتدل على أن العدد ليس هو عمود القصة ولا العبرة من القصة ولا عقدة القصة وإنما عبرة القصة القدرة على البعث، هذه الآية المعجزة في إيقاظ هؤلاء الفتية من نومهم الطويل. (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) قليل من الناس وهم نحن المسلمون المؤمنون بهذا الكتاب المبين نعلم عدهم ولكن ليست هذه الفحوى الأساسية للقصة.

(فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا) لا تجادل فيهم إلا بمقدار ما يتعلق بالعظة بالعبرة بالخط الأساسي من القصة، دعك من أسمائهم وأعمارهم وملكهم والمدينة التي هم فيها. (فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا) نحن نبني على قصة من الكتاب فلا ينبغي أن نزيد ما ليس فيها.

(وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) هذا النص في وجه الذين لا يزالون يعتنقون ما ورد في الإسرائيليات نقول لهم (وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) مطلقاً. (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا(23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) الرشد مرة أخرى، مرشد، رشداً يتكرر في السورة، إذن من خطوط السورة الرئيسية موضوع الرشد. أمة الرشد والخلفاء خلفاء راشدين. فهم الناس القصة في ضوء الرواية التي ذكرناها عن سبب نزول الآية وقلنا أن النص لا يثبت وأن الآية توجيه مطلق بقطع النظر عن هذه الرواية فلا تضيق فهمك ولا تأسره على هذه الرواية. (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ) لم ترد كلمة (لشيء) في القرآن بالألف وعليها دائرة سكون إشارة إلى حرف لا يُنطق مثل (مائة) تكتب بالألف ولكنها تلفظ بدون ألف (مئة) تكتب بالألف فوقها سكون يعني لا تُلفَظ. شيء وإن كتبت بالألف (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ) لم ترد في القرآن بهذا الرسم إلا في هذه الآية وليست خطأ من الذين كتبوا الآيات. (شيء) هنا مقصود أن تكون متميزة عن كل شيء في القرآن. (ولا تقولن لشيء) شيء مطلق وشيء أعمّ شيء في الوجود لأن كل شيء في الوجود يصلح أن يكون شيئاً (قل أي شيء).

(وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا) خطط ورتب يومك وضع برنامجاً وأولويات لكن لو أصبحت مريضاً يضيع برنامجك الذي وضعته لكن إياكم أن تفهم أن هذا الدين ضد التخطيط، معاذ الله! بل رتّب وخطط وضع برنامجك ساعة بساعة دقيقة دقيقة، هذا عين المطلوب لكن لا تقل أنا سافعل هذا غداً، بل قل (إن شاء الله) إن بقينا على قيد الحياة، إن لم يداهمنا مرض، إن لم يداهمنا مشاغل تمنعنا من تنفيذ البرنامج(إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ).

(وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) كيف؟ إذا نسيت فاذكر ربك، إذا نسيت أن تقول إن شاء الله وتربط كل أمر بمشيئة الله، الغرب يأخذون علينا كثرة ترديدنا لكلمة (إن شاء الله) والغلط ليس في الكلمة نفسها وإنما نحن فهمناها غلط وطبقناها غلط ونفّرنا الناس منها لأنه يُفهم منها أننا لا نريد أن نفعل الشيء، وهذه إساءة لديننا، بل نقول إن شاء الله إن لم يحل حائل قسري بيني وبين هذا الشيء سأنفّذه إن شاء الله، هكذا معناها. لا تعد أحداً بشيء إلا أن يشاء الله.

إذا نسيت أن تقول إن شاء الله وذكرت قل إن شاء الله، أو إذا نسيت شيئاً استعن على استحضارة بذكر الله أو إذا نسيت الذكر في لحظة من اللحظات استأنف، استمر على الذكر، قلب وذكر لسان إياك أن يغيب الذكر والذُكر أن تكون على ذُكر أي على حضور عقلي في بؤرة التركيز استحضار عظمة الله وجلالة الله وارتباطك بالله عز وجل (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) أنت على الرشد لكن اِسعى دائماً أن تكون أقرب إلى الرَشَد الكامل إن شاء الله تعالى.

http://www.youtube.com/watch?v=0GTWgS2XmBQ