نظرات في السور

نظرات في سورة الكهف – 14 – د. أحمد نوفل

الحلقة 14

توقفنا عند مدة لبث الفتية في الكهف. لو عددنا من أول القصة (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ) إلى (ولبثوا في كهفهم) 309 كلمات بالضبط، هذا قرآن معجز من كل وجه، معجز بالمطلق (أعظم أوجه الإعجاز أن لا تتناهى أوجه الإعجاز – بنت الشاطئ). (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا(25)) هي مقصودة بهذا الترتيب (ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) هم يحسبوا بحسابهم الشمسي ثلاثمائة سنة تقويم جوستينيان الروماني كل مائة سنة تفرق ثلاث سنوات في حسابنا إذن ازدادوا تسعاً. (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا(26)) ثلاثمائة وتسع سنين لكن دوماً نفوض العلم إلى الله. (لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) السمع يسبق في قرآننا البصر بالنسبة لنا البشر وبالنسبة لله لا يفوت سمعه ولا بصره ولا احاطته شيء على الإطلاق (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) كلمة (ولي) تكررت في السورة الكريمة لترسيخها في الذهن (الولاية لله الحق) (الولي) موضوع الولاية لله عز وجر نقّ ولاءك لله لأنه ناصرنا سبحانه. الولي الحقيقي والناصر الحقيقي الذي ينقذك من النار هو الله. (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) لا يحتاج للشريك. هل تقبل أنت شريكاً في مزرعتك؟ في بيتك؟ فكيف تقبل لله شريكاً؟! الشرك أخبث فكرة تفسد الكينونة والمعتقد والفكر والأخلاق وعلاقات الناس لذا حرّم ربنا الشرك وجعله أظلم الظلم.

(وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ) اتلُ نقول جاء عمر تلو أبو بكر، تلاوة يعني اقرأ آية فآية وسورة فسورة. (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا) كلماته في القرآن لا تتبدل، كلماته في قدره لا تتبدل. هذا الكتاب يتحدى الكون أن كلمة ترفع أو تزاد أو تؤخر أو تقدم، لا حرف يزيد ولا حرف ينقص، إذا قبل زيادة حرف قبل زيادة ألف، إذا انكسر المبدأ خربت الدنيا. كتابك غير قابل لزيادة حرف ولا نقص حرف. ما قبل الزيادة أو النقص يعني أنه غير محفوظ. النسخة التي كان يقرأ بها عثمان بن عفان لا زالت موجودة لو طابقناها على هذا الكتاب سنجدها منطبقة حرفاً حرفاً ولله الفضل والمنة.

(لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) ملاذ، ناصر، ملجأ، لا أحد لنا سوى الله عز وجل

(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) توجيه للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمة النبي من بعده. (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ(28)) أول النهار وآخره كناية عن أنهم يدعون ربهم طيلة النهار، في الصلاة، في الدعاء، دعوة إلى الله، يدعون ربهم أن يسيروا على منهج الله. (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) احبس نفسك مع أهل الدين، مع أهل التقى مع أهل الدعوة إلى الله عز وجل مع من يحملون كلمة الله منهج الله يبلّغونه في الأرض اربط مصيرك بهم فإنهم المؤتمنون على دنياك وآخرتك لكن لا تأمن لمن سواهم. الشيطان قد يزين لك اصحاب المال والحظوة والسمعة، إياك (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ) لا تلتفت إلى سواهم. النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم مع أهل الصفّة إذا سمعوا نداء للجهاد لبّوا مباشرة، الصفّة دِكة في المسجد يأكلون ويشربون ما تيسر والنبي صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يرابط معهم. (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) حاشاه ولكنه تأديباً لنا من خلال مخاطبته صلى الله عليه وسلم (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا) قلبه غافل بعض الناس لا يخطر بباله الله ولا الآخرة إطلاقاً. الموت مصير كل حيّ ودفن الرأس في الرمل لا ينجي من الموت فاعمل لما بعد الموت.

(وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) مسبحة انفرطت فتناثرت حباتها في كل أرجاء البيت أمره مفروط مثل المسبحة انقطع خيطها.

 

http://www.youtube.com/watch?v=ZT1jjBcDSRE