نظرات في السور

نظرات في سورة الكهف – 15 – د. أحمد نوفل

الحلقة 15

توقفنا عند قوله تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ(29)) يا حامل الحق قل هذا هو الحق أيها الناس من ربكم الذي يربيكم (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكلام قد يحمل معاني وأحياناً الكلمة نفسها تحمل معاني متناقضة ومتضاربة فلا نفهم الكلام خطأ. (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) ليست هذه دعوة لمقاطعة الناس، هذا الفهم ليس مراداً بالإطلاق لكن أيها الناس أنا أعرض عليكم الحق وأنت بالخيار تختارون أو لا تختارون لا إكراه في الدين لا نُكره أن يكونوا مؤمنين أو مسلمين إنما مهمتنا أن نعرض الحق ثم أنت تختار ما يروقك ولن تجد أصفى مورداً ومشرباً من هذا الحق فعلينا أن نُحسن عرض هذا الحق بالرفق الكامل وليس بالفظاظة. نعامل الناس بالحسنى واللطف والرفق هذا حق ينبغي أن يُعرض بما يليق به من الجمال والجلال ومن كمال الأسلوب وليس من الغلظة والخشونة والفظاظة، ليس بالضرورة أنه إذا كان الحق عندي أن أستعلي على الناس! سبل الشيطان على رأس كل سبيل يزينوا للناس أن يدخلوا في تلك المتاهات والسبل والنفس تأبى الشيء الثقيل فلا تعن الشيطان على الناس ولكن أعن الناس بحسن الأسلوب على الشيطان والحق مرّ. الدواء فيه شفاء ولكن فيه بعض مرار نحتال على الطفل حتى يتجرعه. “قل الحق ولو كان مُرّاً” كما قال أبو ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه. حتى نوصل هذا الحق المر والثقيل في بعض الأحيان لا بد أن يكون مع هذا الحق حسن أسلوب وحسن تأتي وحسن مدخل إلى قلوب الناس (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ) الدين اختيار وليس اجبار (وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) لا تعني أنك حر وليس عليك مسؤولية! أنت تختار وتتحمل مسؤولية اختيارك وهذا منتهى كرامة الإنسان، أترك لك حرية الاختيار لكن تتحمل المسؤولية والقرار.

(إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) أسات الاختيار عليك أن تنتظر الجزاء وهو النار. إذن اعتبر من اساء الاختيار ظالم لنفسه ظالم للحقيقة ظالم للبشرية الأرض الآن تعاني من وطأة ظلم ثقيل وظلمات بعضها فوق بعض يزيحها حملة الحق الذين هم متقاعسين عن الحق وغير فاهمين له ولا فاهمين ما رسالتنا؟ رسالتنا انقاذ البشرية نحن المسلمون، أن تنطلقوا في الأرض حملة الحق تنقذوا الناس من الظلم. الحضارة اليوم أُسّها الظلم. (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا) الظلم ثمرة شركية لمعتقد شِركي خبيث. الشرك سيحمل ظلماً (إن الشرك لظلم عظيم). (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا) مهولة جداً، جاءت نكرة. (سرادقها) سرادق خيمة كبيرة النار كأن لها سرادق ضخم أينما توجهت ستجد السرادق. يا أيها الظالم السرادق محيط بكل النازلين فيه (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ) عطشانين يريدون الشرب فيصبوا عليهم ماء يشوي وجوههم من شدة حرارته (كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) بئس الشراب شراباً وساء المرتفق مرتفقاً.

في المقابل يعطي القرآن الشيء ومقابله، ذكر النار يذكر بعدها الجنة، (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا(30)) إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً، قلنا السورة في البداية (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا(2) الملك) (أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا) أفعل التفضيل مكررة في هذه السورة. (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) كما نسعى في الدنيا أن نحسّن من دنيانا لماذا لا نحسّن في الدين ولا نحسّن في درجاتنا عند الله فنكون كل يوم أحسن حتى نلقى الله فنحاسب على أحسن ما عملنا ويتجاوز عن أسوأ ما عملنا.

(جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ(31)) هذا الموضع الوحيد الذي فيه (مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ) (يُحَلَّوْنَ فِيهَا) ما كان محرما عليهم أساور الذهب، الدنيا دار التقشف والزهد وهناك دار النعيم. (وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) يقولون هذه كلمات أعجمية، كل ما جاء في القرآن كلمات عربية. (مُتَّكِئِينَ فِيهَا) على المتكآت جلسة الراحة (نِعْمَ الثَّوَابُ) نعم الثواب ثواباً وونعم المرتفق مرتفقاً، هذا نعيم أهل الجنة في الجنة مقابل عذاب أهل النار في النار.

نقف على قصة جدية هي قصة المثل، هي قصة أو مثل؟ هي قصة لكن لتكررها في الواقع كأنما هي مثل يتردد على مر الزمان.

http://www.youtube.com/watch?v=dwGxPnKkbus