د. أحمد نوفل
الحلقة الأولى
فضائل سورة الكهف
سورة الكهف يقرؤها الناس كل جمعة، نستعرض هذه السورة نستخرج ما فيها من كنوز ونفهم معانيها ما فيها من مرامي ومن قصص ثم نفهم القصص الموضوعية في السور وأوجه الربط بين القصص القرآنية في هذه السورة من ناحية وما بين قصص السورة والآيات التعقيبية على هذا القصص يعني الآيات غير القصصية ما علاقتها وما وحدتها الموضوعية مع الآيات القصصية وغير هذا من القصايا لعلنا نتعلم منهجاً في التعامل مع القرآن العظيم، في تذوق حلاوة القرآن العظيم، في استكناه واستخراج الكنوز من هذا البحر الزخّار ذو المعاني. هذا النص القرآن غصنٌ – إن جاز التشبيه – مليء بالثمار مثقل منحني على الجاني الذي يريد أن يجني من هذه الثمرات، قريب المنال سهل الفهم لكنه عميق كالمحيط.
في فضلها أحاديث كثيرة، في فضل هذه السورة روى مسلم صاحب الجامع الصحيح: من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عُصِم من الدجال. (الراوي: أبو الدرداء، المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 809، خلاصة حكم المحدث: صحيح) وفي رواية “من آخر سورة الكهف” أمِن فتنة الدجّال. ما العلاقة؟ ولماذا سورة الكهف بالذات؟ الأستاذ أبو الحسن الندوي علّامة الهند رحمة الله عليه له كتاب رائع “تأملات في سورة الكهف” أو الصراع بين المادية والإيمان من خلال استعراضه لسورة الكهف يقول: ما أشبه الحضارة الغربية اليوم بماديتها الغليظة ما أشبهها بالدجال، الدجال عنده الأسباب وعنده الأشياء ولكن ليس عنده الإيمان. سورة الكهف تمثل الصراع بين المادية والإيمان كأن الإيمان الذي يمثله فتية الكهف ويمثله موسى والعبد الصالح ويمثله ذو القرنين هذا الإيمان سيكون له التفوق والغلبة وإن كان أصحاب الإيمان مجرّدين من الأسباب المادية نسبياً بالنسبة لأعدائهم المدججين بالأسباب المادية، في هذا الصراع سيكون الشأن والغلبة للإيمان.
نرى هذا المعنى في قصة صاحب الجنتين وصاحب صاحب الجنتين كيف أنه صاحب صاحب الجنتين مؤمن ليس عنده الدنيا ولا عنده المال ولا عنده الجاه الذي عند ذاك لكن تنبّأ وصدقت نبوءة ولا نقول نبوءة بل هي قرآءة في السنن أن من حارب الله، من عادى الله قصمه الله تبارك وتعالى وأخذه أخذ عزيز مقتدر (فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ (42))، عرفنا لماذا قرآءة سورة الكهف تعصم من فتنة الدجّال؟. سورة الكهف تعمّق الإيمان وإن كان أصحاب الإيمان ليس عندهم الأسباب، ليس في أيديهم الدنيا ولذلك جاءت سورة الكهف تقول (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46)) كل هذا عَرَض زائل لكن الحقيقة الباقية والمستقرة الثابتة في الوجود والكون والآخرة الإيمان وما يمتّ إلى الإيمان. من هنا كانت هذه السورة الكريمة فيما يرى الشيخ الندوي رحمة الله عليه صراع بين المادية والإيمان كالذي سيكون بيننا وبين الدجال في آخر الزمان، الدجال عنده الدنيا والأسباب والمادة تماماً كالحضارة الغربية اليوم، الحضارة الغربية هي الدجّال بمعنى أن أخلاق الدجال منطبقة على الحضارة الغربية. من عصى الحضارة الغربية حاصرته ومنعت عنه الأسباب وقاومته حتى يركعوه بالإذلال والتجويع والحصار والتعطيش حتى ينزلوه إلى الأرض وبالإيمان يستعلي أصحاب الإيمان على المادة والأسباب ومن مَلَكَ المادة والأسباب. إذن هذا في فضل هذه السورة حديث مسلم أنه من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عُصِم من الدجال.
في فضلها أيضاً روى البخاري رحمة الله عليه أنه: “كان رجلٌ يقرأ سورةَ الكهفِ، وإلى جانبه حصانٌ مربوطٌ بشطَنَينِ، فتغشُّته سحابةٌ، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسُه ينفرُ، فلما أصبح أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فذكر ذلك له، فقال: (تلك السكينةُ تنزَّلت بالقرآن) الراوي: البراء بن عازب المحدث:البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 5011، خلاصة حكم المحدث: [صحيح]. غشيت السكينة من يقرأ هذه السورة العظيمة. السكينة الطمأنينة. هل كان مع السكينة ملائكة؟ الله أعلم لكن هذا نص الحديث.
هذه السورة لها ميزات كثيرة
• أولاً هذه قلب المصحف (في الجزء الخامس عشر)
• هذه قلب سور الحمد، سور الحمد خمس فاتحة القرآن كله والأنعام فاتحة الربع الثاني من القرآن العظيم، الكهف وبعدها سبأ وفاطر إذن هي في قلب سور الحمد
• هي تتحدث عن نعمة هي قلب النِعَم. قلب النعم نعمة القرآن العظيم (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1)) قلب النعم تماماً مثلما هذا القلب في الجسد، بقاء الحياة في القلب، قلب النعم هذا القرآن العظيم، ليس هناك نعم إطلاقاً إذا لم يكن هذا القرآن في حياتنا موجوداً لا طعم لشيء لا مذاق لشيء لا هناءة لشيء إذا لم يكن في قلوبنا القرآن العظيم.
• أيضاً هذه السورة نزلت في أواسط مدة بعثة النبي عليه أزكى الصلوات
• يقول المفسرون بإجماعهم إذا عددنا كلمات القرآن وبعضهم يقول حروف سنجد منتصف القرآن عند كلمة (وَلْيَتَلَطَّفْ).
• إذن هذه السورة واقعة في وسط المصحف الجزء الخامس عشر في قلب سور الحمد تتكلم عن نعمة هي قلب النعم فيها كلمة هي وسط القرآن العظيم (وَلْيَتَلَطَّفْ). ثم هي نازلة في منتصف مدة بعثة النبي، فهي مزايا على مزايا وفضل لهذه السورة العظيمة الجليلة أمِن عجبٍ بعد هذا أن يقرأها المسلمون في كل جمعة ويواظبون عليها ويداومون وأغلب البيوت يحفظها لدرجها على ألسن الناس.
• عدد آيها 110 لا نظير لهذا العدد في القرآن العظيم
• هي السورة رقم 18 قبلها سورة الإسراء وبعدها سورة مريم.
ما علاقة هذه السورة العظيمة بجارتها سورة الإسراء؟ قاعدة: لا يوجد سورتين متجاورتين وأنا أسمي هذا الكلام التوأمة بين السور إلا ويكون بين الجارتين علاقات حتماً وقطعاً وإنا مستعرضون وإياكم أوجه عديدة جداً من العلاقات بين السورتين الكريمتين العظيمتين الإسراء والكهف.