نظرات في السور

نظرات في سورة الكهف – 2 – د. أحمد نوفل

نظرات في سورة الكهف

الحلقة الثانية

في التفاسير يروون لهذه السورة الجليلة سبب نزول. خذوا قاعدة: جُلّ القرآن وأغلب القرآن ليس له سبب نزول، ليس هناك داعي أن نتمحل سبب نزول لكل آية ولكل سورة. يروون لها سبب نزول في نظري الضعيف هذا السبب لا يصح ولهذا لست حريصاً على أن أرويه أو أعتمد عليه أو أربط الآيات به، السورة نقرؤها مطلقة عن سبب النزول. لكن سنذكره – لكني لن أعتمده ولن أربط فهمي لهذه السورة الكريمة بهذا السبب من أسباب النزول – ثم نستعرض أوجه العلاقات بين سورة الإسراء وسورة الكهف.

سبب النزول يقولون في روايات أسباب النزول للسيوطي والواحدي وفي كل كتب التفاسير يقولوا أن وفداً من قريش من العرب ذهب إلى المدينة المنورة كي يستعينوا باليهود ليسألوهم كيف يُحرجون النبي صلى الله عليه وسلم، كيف يقاومون النبي ودعوة النبي؟ تنسيق جهود ما بين اليهود وبين العرب، نتكلم عن أول وقت نزول القرآن طبعاً. فذهب وفد من العرب إلى المدينة المنورة يسألون اليهود كيف يقاومون النبي؟ فلقّنوهم – تقول الرواية – مجموعة أسئلة، إسألوه عن وعن وعن فإذا أجاب.. وبعدما أجاب النبي جواباً قاطعاً حاسماً ماذا حصل؟ هذه كلها مماحكات وتمحلات إن صحت الرواية – هذه أخلاقهم صحّت الرواية أم لم تصح – قالوا إسألوه عن الروح فسألوه وأجاب في سورة الإسراء السابقة لهذه السورة (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85)) ثم إسألوه عن فتية مضوا في الزمن الأول ثم إسألوه عن رجل طوّاف طاف المشارق والمغارب ما شأنه ما قصته فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، الشاهد أن النبي قال لهم غداً أجيبكم. النبي العظيم سيد المتأدبين مع رب العالمين سبحانه، النبي الكريم عليه أزكى الصلوات لا يقول غداً أجيبكم هو عبد لا يمكن أن يتألّى على ربه أنه غداً أجيبكم، أنا ما أضمن أن ينزل الوحي بأمري غداً. من نقص هذا المتن من هنا أرى أن هذه الرواية ينبغي أن يكون فيها مراجعة ونظر. أبطأ الوحي على النبي يوم ويومين وثلاثة وأسبوعين مروا دون أن ينزل الوحي فتكلمت قريش وتكلم الداعمون الخفيون لقريش ثم نزل الوحي الكريم (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ (24)) قد يقول قائل أن الآية تؤيد الرواية، لا، الآية تقول (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ (24)) هذا توجيه مطلق بقطع النظر أن يكون لهذا النزول سبب معين، ولماذا نخترع له سبب نزول؟! لو صحّ نتقبّله أما وإنه روايات رواها فلان وفلان. من البخاري ومسلم على الرأس والعين وما تبقى لا نأخذ بهذا الكلام.

ننتقل إلى موضوع التوأمة بين السورتين الجارتين التوأمين سورة الإسراء وسورة الكهف وقد نجد أكثر من ثلاثين وجهاً من أوجه الربط. وتستطيعون بالتأمل أن تستخرجوا أحسن مما استخرجت وهذا ليس حكراً على أحد كل من نظر إلى كتاب الله أسعفه كتاب الله بمدد وأسعفه بمعاني أسعفه بلالئ وجواهر، انظروا في القرآن ودرّب عقلك على استخراج العلاقات ما بين السور ستجد نفسك عندك دربة ومران وعين ناقدة تستخرج النظائر والنظائر وتضم الأشباه إلى الأشباه والنظائر إلى النظائر وترى أوجه التلاقي والعلاقة والتناسق بين والتناغم ما بين السور العظيمة. القرآن مبناه على التناسق والتعانق والارتباط، القرآن العظيم من الفاتحة إلى سورة الناس سلسلة واحدة ليس هناك قطع ليس ربط بعد القطع إطلاقاً، خيط واحد متصل، نهر جارٍ، هذا هو القرآن.

1.      أول سورة الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) أول سورة الكهف (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ) العبد نفسه طالع إلى السموات في سورة الإسراء وفي سورة الكهف الوحي نازل إلى العبد، أرأيت التقابل. العبد عليه أزكى الصلوات في أول سورة الإسراء هو العبد ذاته في أول سورة الكهف ولكن الفرق أنه في الأولى هو الذي يصعد وفي السورة الثانية الوحي هو الذي ينزل، تكامل ما بينهما.

2.      أول الإسراء (سبحان) وأول الكهف (الحمد) ونعرف أن سبحان الله والحمد لله ذكران متلازمان مقترنان مترابطان على مر الزمان وعلى كل لسان “سبحان الله والحمد لله”. إذن سورة الإسراء (سبحان) وسورة الكهف (الحمد) وسبحان والحمد متلازمان.

3.      في ختام الإسراء (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) وفي أول الكهف (وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا)

4.      السورتان فاصلتهما واحدة (الألف) ( أحدا – تكبيرا – ) كأنك تنتقل في نسق واحد.

5.      عدد الآيات في الإسراء 111 وعدد الآيات في سورة الكهف 110 لو جمعنا عدد آيات السورة مع رقم السورة سيكون الناتج واحداً

6.      في السورتين ذكر موسى عليه السلام. في الإسراء (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ (101)) وفي الكهف (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ (60))

7.      في خواتيم الإسراء (وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ (97)) في فواتح الكهف (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا (17))

8.      في آخر الإسراء (وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) آخر الكهف (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكلام عن الشرك

9.      التبشير والنذارة في آخر الإسراء (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)) والتبشير والنذارة في اول الكهف (قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2))

10.  عدد كلمات آخر آيتين في السورتين 42 كلمة، هذا ليس من فراغ، هناك علاقة تحتاج إلى توضيح

11.  في السورتين (ويسألونك) كلمة مشتركة بين السورتين في الإسراء (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ (85)) وفي الكهف (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ (83)) هناك سائلين

12.  في السورتين الكلام عن كتاب الأعمال (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49)) في سورة الكهف، (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)) (فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ (71)) كتاب الأعمال في الإسراء وكتاب الأعمال في الكهف

13.  نفي الظلم عن الله سبحانه وتعالى في السورتين: (وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)) في سورة الإسراء، (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)) في سورة الكهف

14.  في السورتين قصة آدم (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ (50) الكهف) (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ (61) الإسراء)

15.  الحديث عن الجن في السورتين (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ (50) الكهف) (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ (88) الإسراء)

16.  في السورتين ذكر هلاك القرى (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا (59) الكهف) (وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ (58) الإسراء)

17.  في السورتين (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً (94) الإسراء) (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) الكهف) نفس النص مشترك بين السورتين

18.  ذكر البحر ثلاث مرات في السورتين (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) الكهف) (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) الكهف) (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْر (79) الكهف)

19.  في سورة الإسراء (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ (33)) في سورة الكهف (قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ (74))

20.  في السورتين ذكر الحق (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ (105)) (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)) وفي سورة الكهف (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ (29))

http://www.youtube.com/watch?v=EEKPA_Y946I