منظومة القتل الفردي (خنق)
خنق– قتل – ذبح- أردى– وقذ – أغرق – صلب – صرع – قضى عليه – نحر
هذه من منظومة الموت والموت نوعان نوع جماعي من باب الكوارث وموت فردي يقع على الفرد سواء كان موتاً طبيعياً أو قتلاً بأي أسلوب من أساليب القتل المعروفة. وسبق أن تكلمنا في منظومة حرف الباء في كلمة بطش وأخواتها حصد ومحق ودمّر وأهلك وأباد وهشّم وغيرها من كلمات الابادة العامة التي جاءت في القرآن الكريم وكل كلمة منها ترسم زاوية لا ترسمها كلمة أخرى. وفي هذه الحلقة نتحدث عن الموت الفردي في منظومة خنق .
والموت نوعان موت طبيعي وهو مفارقة الروح للجسد بدون حادث من الحوادث ويتألف من جزئين: وفاة وموت والوفاة هي اللحظات التي تسبق الموت من تلك الاغماءة اللذيذة التي هي مقدمة الموت النهائي وفي هذه الحالة لا يزال نفس المتوفى يصعد وينزل ولكنه في غيبوبة من كل ما ومن حوله وهو في عالم البرزخ يسمع ويرى موقعه في الجنة أو النار ويرى أهله الذين سبقوه (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) الواقعة) ويصبح أقرب الى الله تعالى والى عالم البرزخ لكن من حوله لا يسمعون ما يسمع ولا يرون ما يحدث له من عجائب. أما الموت فهو مفارقة الروح للجسد فالوفاة موت جزئي تموت رجلاه ونصفه الأسفل ثم صدره ثم تحشرج الروح في حلقه ولكنه لا يزال في عالم الدنيا هذه هي الوفاة وما ان تخرج الروح من الجسد ثم تقتح عينا الميت تتبع روحه يراها وهي تخرج فهذه هي مرحلة الموت النهائي. هذا هو الموت الطبيعي وهو موت ليس فيه أجر أما الموت الذي فيه أجر فهو الموت غريقاً أو حريقاً أو شهيداً أو مقتولاً أو مبتلى ببلاء. فما عدا الموت الطبيعي فهو قتل. ولكل نوع من انواع القتل لفظ يختلف باختلاف السبب أو الحادث أو آلة القتل التي توضح كيف قُتل الانسان.
والقتل يراد به القتل بالسلاح ومع هذا فقد يُقتل الانسان بغير سلاح يقال:
خنق: بحبل أو قلادة والخناق نصف الرقبة والخنق هو تضييق المسالك الهوائية بحيث لا يصل الهواء الى الرئة ولا القلب (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ (المائدة))
ذببح: بالسكين من الحلق أعلى الرقبة تحت الحنك (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) البقرة) (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) الصافات)
نحر: النحر أسفل الرقبة فوق اللّبة. يقال أخذ بتلابيبه أي يمسكه من أعلى الملابس التي تصل الى اسفل الرقبة والتلابيب هي الملابس التي تصل الى اسفل الرقبة. والنحر تقال للبعير أو الانسان يذبح على هذا النحو بالنحر فالذبح إذن من أعلى الرقبة والنحر من اسفلها. (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) الكوثر)
وقذ: القتل إما بحجر أو عصى يُضرب الشخص حتى يموت (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ (المائدة)).
صرع: أن تأخذه لفوق ثم تطرحه أرضاً فيموت (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) الحاقة)
قضى عليه: بالضربة القاضية (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) القصص) (يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) الحاقة)
أردى: من علو إما ألقاه من شاهق الى الأرض أو من أرض إلى بئر (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) الليل) في جهنم وهي واد يخبرنا تعالى بأن الهلاك يوم القيامة تردّي (ألقيا في جهنم) في الدركات السفلى والمكان السحيق يتردّى فيه الانسان تردّياً والتردي يقال لأشد أنواع العذاب يوم القيامة (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) الصافات).
أغرق: بالماء (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) هود) (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) نوح) (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) الاعراف)
صلب: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) النساء) (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) طه) يسند الى الخشبة .الخشبة القوية تسمى صليباً والصلب الوضع على الصليب ويُترك حتى يموت إما نتيجة طريقة التعليق أو من شدة الجوع والعطش وسمي الصليب عند النصارى صليباً نسبة الى الخشبة التي صُلب عليها المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ولكنه لم يصلب ولم يقتل بدليل قوله تعالى (وما قتلوه وما صلبوه).
نتحدث بتفصيل أكبر عن كلمة هذه المنظومة الأساسية وهي كلمة خنق:
الخنق كما نعلم عملية اجرامية والقتل قد يكون مشروعاً كقتل القاتل والصلب قد يكون مشروعاً كصلب قاطع الطريق كما جاء في القرآن الكريم أما الخنق فليس هناك خنق مشروع وأشهر عملية خنق في التاريخ قبل الاسلام خنق سمّيت به مدينة خانقين قرب بغداد التي كانت تحت حكم المنذر بن النعمان قبل الاسلام وكان له عدو اسمه عدي بن زيد فبلغ من غيظ النعمان عليه أن خنقه فسميت المدينة خانقين أو خانقون. أما أشهر عملية خنق في الاسلام ما فعله عقبة بن أبي معيط لعنه الله تعالى عندما جاء والرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي عند الكعبة وكان المسلمون قِلّة فلفّ رداءه حول عنق الرسول صلى الله عليه وسلم حتى كاد أن يخنقه فجاء أبو بكر رضي الله عنه فمنعه وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟.
وقد شاع الخنق في هذا العصر وفي الحديث الشريف ” لا تقوم الساعة حتى يشيع فيكم الهرج القتل القتل القتل” يشيع عندما تصبح كل أنواع القتل مباحة وما من عصر شاع فيه الاماتة خنقاً كهذا العصر مما يحصل مع السجناء السياسيين وأصبحنا نسمع الآن بنساء يخنقون رجالهم ورجال يخنقون نساءهم وشاع الخنق الاجرامي كثيراً في هذا العصر.
هناك خنق وهناك اختناق: فتح الغاز مثلاً حتى يموت الانسان يسمى اختناقاً وقد شاع الخنق والاختناق ناهيك عن الاختناقات المرورية والسكانية والكلمة الحرة وغيرها. والرسول صلى الله عليه وسلم استعمل كلمة الخنق في الحديث الشريف استعمالات تلفت النظر فيقول عليه الصلاة والسلام: ” ان مَثَل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ثم عمل حسنة فانفكت حلقة ثم عمل حسنة أخرى فانفكت حلقة أخرى حتى يخرج الى العرض” هذا الحديث يبيّن أن السيئات تخنق الانسان خنقاً وكلما عمل حسنة أطفأ الله تعالى حلقة من سيئاته الى أن تنفك جميعاً. وحديث آخر “مرّ علي الشيطان فأخذته فخنقته حتى لأجد برد لسانه في يدي فقال أوجعتني أوجعتني أوجعتني فأطلقته ليقضي الله أمراً كان مفعولاً” وقال صلى الله عليه وسلم ” الذي يخنق نفسه يخنقها بالنار” وهذا للمنتحرين الذين يشنقون أنفسهم فهم في النار خالدين فيها ابداً.
هذا هو الخنق المادي أما الخنق المعنوي فحدّث ولا حرج في العالم والناس تخنق في كل يوم وكل من يقول الحقيقة يحارب ويصلب وينبذ ويضطهد كما قال الجواهري:
لثورة الفكر تاريخ يحدّثنا بأن ألف مسيح دونها صُلبا
فالعالم كله يختنق الآن تحت وطأة الكذب والطغيان والظلم الذي يطغى على الحق وما من عصر شاع فيه الخنق بكل أنواعه كما شاع اليوم.
والقتل فيه من الأحاديث ما تقشعر منه الأبدان وذكرت الآيات القرآنية عقوبة القتل فقال تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) النساء) (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) المائدة) كل هذا العذاب الذي جاء في الآيات من أجل قتل نفس واحدة فكيف بمن يقتل الناس جميعاً وفي الحديث الشريف “لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبّهم الله في النار يوم القيامة”. وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من الأعمال الصلاة وأول ما يحاسب عليه من الذنوب وما يُقضى به بين الناس يوم القيامة هو الدماء. وقال صلى الله عليه وسلم ” لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً” لو عمل كل الموبقات ولكنه يصلي ويصوم فهو في فسحة من دينه لأنه يستغفر فيتوب الله تعالى عليه إلا أن يقتل مسلماً متعمداً فقد هلك وهذا لا يقتصر على القاتل فقط وإنما الهلاك لمن أعان وحرّض على القتل أيضاً كما في الحديث الشريف “من أعان على قتل مسلم ولو بشق كلمة بُعِث يوم القيامة مكتوب على جبينه آيس من رحمة الله” هذه الرحمة التي هي جزء من تسع وتسعين رحمة محجوبة عمن أعان على قتل مسلم ولو بشق كلمة وكذلك شهود الزور والمحرّضين. وأخطر من ذلك كله ما يجري اليوم من أنواع القتل بشكل مخيف وهي من علامات الساعة الكبرى كما في الحديث ” لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج القتل القتل القتل حتى يقتل الرجل أخاه وجاره وابن عمه حتى لا يدري القاتل لِم قتل والمقتول فيم قُتِل وحتى لا يأمن الجليس جليسه” وقال صلى الله عليه وسلم ” من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله لم يتقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً” من قال لا إله الا الله موقناً بها قلبه دخل الجنة ومن قال لا إله إلا الله عصم نفسه ويقول صلى الله عليه وسلم:” أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم” فالاسلام باللسان والايمان بالقلب والله تعالى وحده يعلم ما في الصدور.
قتول شريرة:
يقول صلى الله عليه وسلم ” من قتل معاهَداً لم يرح رائحة الجنة” والمعاهدون غير المسلمون سواء دخلوا بلادنا أوة دخلنا بلادهم. وقال صلى الله عليه وسلم ” من قتل قتيلاً من أهل الذّمة لم يرح رائحة الجنة” وأهل الذمة هم المواطنون الذين بيننا من غير المسلمين. “أعتى الناس رجل قتل في الحرم ورجل قتل غير قاتله” هذا قاتل شرير. ومن المصائب الشائعة والتي هي بمثابة القتل ” لعنُ المسلم كقتله” حديث متفق عليه، ” من رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله” متفق عليه، ” من قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله” “شر الناس من قتل نبياً أو قتله نبي”. شر الناس من قتل علي ابن ابي طالب كما في الحديث: “يمرقون من الدين مروق السهم من الرميّة يقتلون إمام المسلمين” وفي الحديث الشريف: “لعن الله من آذى ذمّياً” قال الرازي هذا جزاء من آذى ذمياً فما يفعل بمن قتل ذمياً وماذا يفعل بمن قتل مسلماً وةماذا يفعل بمن قتل علي بن ابي طالب رضي الله عنه والصحابة؟
مسألة اعتزال الفتن:
يقول صلى الله عليه وسلم :لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض” ويقول صلى الله عليه وسلم إذا إذا كانت الحروب بين المسلمين لا تقاتله وألق بسيفك فإن قاتلك الزم بيتك فإن دخل عليك فإن خفت أن يبهرك شعاع السيف فضع ثوبك على رأسك يبوء بلإثمك واثمه.
عن سهل بن أبي السلط قال سمعت الحسن بن علي يقول أن علياً بعث الى محمد بن مسلمة وكان قد اعتزل الحرب بين علي ومعاوية فسأله ما خلّفك عن هذا الأمر؟ فقال دفع الي ابن عمك رسول الله سيفاً فقال قاتِل به ما قوتل العدو فإذا رأيت الناس أي المسلمين يقتل بعضهم بعضاً فاعمد به الى صخرة فاضربه بها ثم الزم بيتك حتى تأتيك منيّة قاتلة أو ضربة خاطئة. والمعنى أن عليك أن تقاتل العدو المحتل أما اذا كان المسلمون يقتل بعضهم بعضاً فالزم بيتك حتى تأتيك المنيّة القاتلة أو ضربة خاطئة تقتلك. وفي الحديث ” إذا المسلمان حمل أحدهما السلاح فهما على طرف جهنم فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلاها جميعاً” “إذا التقى المسلمان ببعضهما فالقاتل والمقتول بالنار قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال إنه كان حريصاً على قتل صاحبه” وقال صلى الله عليه وسلم في الفتن “فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل”.
والتقتيل الجماعي ظاهرة جديدة سمعنا بها في القرن العشرين من تطهير عرقي في البوسنة والهرسك والشيشان وغيرها من الابادات الجماعية الكاملة في افريقيا وآسيا وأوروبا ولم يحدث مثلها في عصر من العصور. وهذا العصر غريب عجيب من حيث أنه اجتمعت فيه أمور لم تحدث من قبل خيراً كانت أم شراً ففي الخير مثلاً لم يشهد عصر من العصور هذه الثورة التقنية والتطورات الهائلة كما شهد هذا العصر وفي الشر لم تشهد العصور السابقة كما شهد هذا العصر من جرائم ووحشية وهمجية وقتل جماعي وإبادات وتطهير عرقي في عصر من المفترض أن يكون أكثر العصور دفاعاً عن حقوق الانسان وحضارة ومدنية ورقابة وشرعة أمم متحدة وغيرها ومع هذا يجري كل ما يجري من همجية ووحشية من كل من له طاقة وقدرة يسلّطها على الآخرين وغاب عن هؤلاء أن الله تعالى أقوى منهم وقادر عليهم. العلماء في العراق يقتّلون بشكل مريب الكل يتحدث عنه إلا الأمم المتحدة التي يفترض بها حماية حقوق الناس.
العفو عن القاتل:
المكفرات للذنوب كثيرة وهي على قدر مشقتها. قال تعالى (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) قد يعتمر المسلم وقد يحج بسهولة لكن هناك عبادات توجع كرجل كريم وجيه مثلاً أساء له أحدهم اساءة بالغة وعنده من القوة والقدرة والوجاهة ما يخوله للقصاص لنفسه لكنه مع هذا يكظم غيظه وليس هذا فقط وإنما يعفو عنه ايضاً ويحسن اليه لوجه الله تعالى وفي الحديث القدسي ” من كظم غيظه لأجلي وهو قادر على انفاذه كان حقاً عليّ أن أملاً جوفه رضى يوم القيامة” فما بالك بمن يعفو عن قاتل أبيه مثلاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) البقرة) كل دم أريق لك من حقك أن تقتص وتغضب وتنتقم انتقاماً مشروعاً ومع هذا تعفو عن القاتل فهذا من العبادات الموجعة العظيمة وفي الحديث “الاحسان أن تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك” (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت). فمع هذا الذي يجري في العالم من فتن أن تعفو عن قاتل فهذه يوم القيامة الحاسمة ورب العالمين بفضله وكرمه يحاسب الصالحين يوم القيامة بأحسن ما فعلوه ويحاسب الطالحين بأسوأ ما قعلوه (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) النحل). فأن يعفو الانسان عن قاتل أبيه مثلاً ويقبل الدية بدل أن يقتل القاتل فهذه عبادة عظيمة وأعظم منها المشي بين القاتل وأهل القتيل والسعي للعفو عن القاتل وفي الحديث ما معناه ألا أدلكم على خير من الصلاة والصيام؟ إصلاح ذات البين. وقال جبريل عليه السلام ” لو كان لنا عبادة في الأرض لانشغلنا بإعانة ذي العيال وبإصلاح ذات البين. وفي الحديث الشريف: ” من أُصيب بشيء من جسده فتركه لله عز وجلّ كان كفارة له” فالعفو من أعظم العبادات يوم القيامة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 29/7/2005م