التفسير المباشر
الحلقة الرابعة والعشرون
24-9-1429هـ
د:عبد الرحمن: بسم الله الرّحمن الرَّحيم، الحمدُ للَّهِ رَبِّ العالَمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشْرَفِ الأنبياءِ والمُرْسَلين سَيِّدِنا ونَبِيِّنا محمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعين، حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون في لقاء جديد من لقاءاتنا في برنامج اليومي التفسير المباشر الذي يأتيكم من استودهيات قناة دليل بمدينة الرياض. أكرر الترحيب بكم دائماً في هذا البرنامج والتواصل معنا من خلال أسئلتكم ومداخلاتكم. اليوم بإذن الله تعالى سيكونُ حَديثُنا في هذا اللقاء عن الجزء الرابع والعشرين من أجزاءِ القرآنِ الكريم، لأنه يوافق اليوم وهو اليوم الرابع والعشرون من شهر رمضان من العام تسعة وعشرين وأربعمائة وألف. في مطلع هذا اللقاء أرحب باسمكم جميعاً أيها الإخوة المشاهدون بضيفي هذا اللقاء فضيلة الدكتور عصام بن صالح العويد عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام وعضو الهيئة التأسيسية للهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم. فحياكم الله دكتور عصام.
د. عصام: حياكم الله
د. عبد الرحمن: أُذَكِّركم في بداية هذا اللّقاء بأرقام الهواتف الّتي يمكنكم عن طريقِها التّواصل معنا وهي:
من داخل السّعوديّة: (012085444) أو (0144459666) وللأسئلة عبر رسائل الجوال يمكنكم التّواصل معنا عن طريقه (0532277111).
اليوم حديثنا يا أبا عبد الرحمن عن الجزء الرابع والعشرين وهو يبدأ من الآية الثانية والثلاثين من سورة الزمر مع سورة غافر حتى الآية 46 من سورة فصلت. أدع لكم يا أبا عبد الرحمن الحديث عن مقاصد هذه السور فتفضل حياك الله.
د. عصام: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تجعل هذا المجلس مجلساً مباركاً علينا في الدنيا والآخرة. الكلام عن هذه السور الثلاث وعن مقاصدها قد يذول قليلاً لكن نأخذ به على عجالة.
أولاً سورة الزمر وسورة الزمر هي من عظائم سور القرآن وقد ثبت عند الترمذي: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل” الراوي: عائشة المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترمذي – الصفحة أو الرقم: 3405، خلاصة حكم المحدث: صحيح. ليس معنى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأها في كل ليلة ولكنه كان يقرأها غالباً صلوات ربي وسلامه عليه. وتعاهد هذه السورة يتبين من النظر في آياتها لأن مقصودها جِدّ عظيم أما مقصودها فهو في إخلاص الدين لله عز وجل وأنت لما تقرأ في سورة الزمر ستعجب. الآن بين أيدينا هذه السورة وأنا أتمنى من المشاهدين أن يفتحوا على سورة الزمر ويتأملوا الآيات. الله عز وجل في أول سورة الزمر ليس ببعيد يقول (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2)) هذا أول أمر، ثم مباشرة (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ (3)) يعني الأمر بالتوحيد وإخلاص الدين لله عز وجلّ يأتي متتابعاً في هذا السورة. ثم نمضي قليلاً في السورة عند الآية الرابعة عشر يقول الله عز وجل (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي) (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11)).
المثل المضروب في السورة أيضاً في الإخلاص لله عز وجل (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا (29) الزمر) مَثَل في الشرك والاخلاص. عندنا عبد أسياده كثير كل واحد يأمره بأمر هذا مثل الذي يعبد أكثر من إله (وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ) عبد سيده واحد يأمره فيستطيع أن يطيعه. السورة كلها كذلك بدأت بالتوحيد وتجد أن في ضمنها النهي عن الشرك. وأخطر آية في هذا الأمر في هذا السياق قوله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم لحبيبه (لئن أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) الزمر) انظر التحذير في سورة الزمر والأمر بإخلاص الدين لله عز وجل والتحذير من الشرك، (لئن أشركت) حتى أنت يا سيد البشر وخاتم الرسل (لئن أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) فأكثر من هذا في الأمر بالتوحيد والتحذير من الشرك لا أظن!. ولذا السور التي جاءت في توحيد الألوهية وهي خالصة في توحيد الألوهية هي ثلاث سور: سورة الإخلاص سورة التوحيد القصرى وهي أعظمها وسورة التوحيد الطولى وهي سورة الأنعام وسورة التوحيد الوسطى وهي سورة الزمر جاءت لخطاب المؤمنين وليس الكافرين بخلاف سورة الأنعام جاء الخطاب فيها للذين ينكرون توحيد الألوهية لكن الخطاب في سورة الزمر في أغلبها للمؤمنين بالتوحيد لكن قد يخالط بعض أعمالهم شيء من الشرك ولذا في قوله سبحانه وتعالى (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47)) هذه الآية من عظائم ما كان السلف يقفون عليه ومن المشهور جداً قصة محمد بن المنكدر مع ابن حازم. محمد بن المنكدر انظر كيف كاوا يفهمون التوحيد. السورة في التوحيد والنهي عن الرياء وعن العجب وما يتعلق بوساوس الصدور هذا الشرك الخفي ولذا قال الله عز وجل هنا (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) شيء في قلوبهم وقر ولكن الناس لم تطّلع عليه ولكن الذي اطّلع عليه هو رب الناس سبحانه وتعالى فيوم القيامة بدا لهؤلاء – أسال الله أن يعافينا ويعافيكم جميعاً – بدا لهؤلاء ما لم يكونوا يحتسبون لأنها أمور خاصة شرك خفي فبدا لهم يوم القيامة ما لم يكونوا يحتسبون ولذا محمد بن المنكدر رضي الله عنه ورحمه رحمة واسعة وهو من أئمة التابعين ومن تلامظة ابن عباس دخل يوماً غرفته يصلي وهو يكبّر فقرأ في سورة الزمر – وانظر كيف كانوا يقرأون سورة الزمر- وأنا اقول للإخوة والأخوات من أراد أن يعالج قلبه ليكون مخلصاً لربه فلن يجد أعظم من هذه السورة في علاج الإخلاص. يشعر بأن التوحيد عنده ضعيف، يشعر بأن الشرك يجرّه أحياناً عنده شيء من محبة الظهور شيء من العجب شيء من محبة الظهور فليعاهد قلبه بهذه السورة سورة الزمر تعالجها سبحان الله علاجاً عظيماً جداً.
د. عبد الرحمن: هناك لفتة في هذا الجانب يا دكتور وهي لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة ليقرأها على عتبة؟
د. عصام: سورة الزمر هي في النهي عن الشرك والأمر بالتوحيد وهذه أعظم قضية وهي عالجت حتى الشرك الأكبر والتوحيد الخالص لربنا عالجته ولذا سيأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ حتى غيرها وسورة الزمر تُقرأ على أهل الإيمان أكثر من قرآءتها على أهل الشرك، أكثر ما يُقرأ على أهل الشرك سورة فصلت لأنها قوية وفيها حجج وبراهين دامغة فتلك تناسب المشركين
د. عبد الرحمن: وهي التي قرأها النبي على عتبة أنا نسيت،
د. عصام: بينما سورة الزمر تناسب من في قلبه إيمان ومحبة للخير تأتي هذه السورة لتعالج هذا. هذه القصة تنبئنا عن عظمة هذه السورة وعن شدة حاجتنا لها محمد بن المنكذر دخل الصلاة وبدأ بهذه الآية وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) من آيات سورة الزمر فوقف عندها قليلاً ثم رددها وبكى عندها وما زال بكاؤه يزداد سمع أهله نشيجه من خلف الباب جاؤوا إليه يركضون ما بالك يا محمد؟ يا ابن المنكدر ما الذي جرى لك؟ ما الذي حصل لك؟ فجاؤوا إليه والتفوا حوله فما يزيده الأمر إلا بكاءاً حتى خشوا عليه رحمه الله من شدة البكاء فذهبوا إلى صاحبه وزميله إلى رفيق عمره أبي حازم فركضوا إليه يا أبا حازم محمد بن سلمة فجاء يركض ليدرك صاحبه وخليله بينهما ألفة ومحبة لا تكاد توصف بين هذين الرجلين، فدخل ابن حازم على ابن المنكدر وهو في غرفته فجاء إليه فقال مالك يا ابن المنكدر؟ ما الذي جرى لك؟ قال إني قرأت قول الله عز وجل (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) فبكى أبو حازم وارتفع بكاؤه فارتفع بكاء ابن المنكدر مرة أخرى فجاء أهل ابن المنكدر إلى أبي حازم فقالوا جئنا بك لتعزي الرجل وترده عما هو فيه فزدته بكاء إلى بكائه! قال: أما سمعتم الذي يقرأ؟! إنه قرأ قول الله عز وجل (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) فهم الآن يبكيان ابن المنكدر وابي حازم كل منهما يخشى أن يبدو له من الله ما لم يكن يحتسب في الآخرة. نحن لو تدبرنا هذا ووعينا خطورة الأمر علينا نظن أننا على خير وعلم ونعمة وودعوة ونفع للناس في الدنيا ثم نأتي يوم القيامة وإذ لا شيء إلا وقد قلب إلى سيئات ومعاصي وذنوب تحولت كل التي يراها الناس طاعات إلى سيئات لأن ربنا يعلم ما في النفوس وهذه خطيرة جداً. ولذلك جاء قصص السلف كثيراً مع هذه الآية.
د. عبد الرحمن: هذه فيما يتعلق بسورة الزمر فكيف بسورة غافر التي بعدها؟
د. عصام: سورة غافر هي بداية الحواميم وقبل أن أتكلم في غافر إئذن لي أن أتكلم عن الحواميم، الحواميم قطعة واحدة نزلت متتابعات متواليات كما يقول ابن سلامة رحمه الله: نزلت الحواميم كلها متتابعات. ويسميها أهل العلم آل حم لا يقول الحواميم (آل حم) تشريفاً لها وتعظيماً وهذا جاء عن السلف وذاك جاء وآل حم أكثر وروداً في كلامهم رحمهم الله. الحواميم لها قصة وينبغي لكل من يقرأ في الحواميم أو في آل حم أن ينتبه لها فإن لها منزلة ودرجة ليست كغيرها. أنبه أن القرآن له تقسيمه عند الصحابة وعند السلف. نحن مشكلتنا أننا نقرأ القرآن كله كأننا نأكل (أرز مزّة) سادة شكل واحد ليس هناك فرق! نقرأ من البقرة إلى الناس ما شعرنا بفرق! ما تلذذنا! مائدة القرآن عليها أشكال وألوان لا تنتهي فأنت إذا شعرت بهذا التنوع في القرآن وتذوقت من هذا شيء ومن ذاك شيء شعرت باللذة لكن واحد يأكل “سمبوسة” من أول رمضان إلى آخره في النهاية يملّ منها وحتى وإنا كان يحبها ويقول أعطوني غيرها ويريد أن يأكل شيئاً آخر. فواحد يقرأ من سورة البقرة إلى سورة الزمر وهو ما ظين أنها متغيرات وبينها فوارق! ما يشعر بطعم ولذة القرآن! الصحابة كانوا يقسّمون القرآن كان لهم تقسيمات، من ضمن التقسيمات وأوضحها: السبع الطوال (من البقرة إلى التوبة) وذوات الراء وهي لها شأن أيضاً مثل الحواميم من (يونس إلى الحجر) والطواسيم (الشعراء والنمل والقصص) وذوات ألم في النصف الثاني من القرآن وهي أربع (العنكبوت والروم ولقمان والسجدة) كلها بدأت بـ (ألم) وهذا يدل على أن بينها شيء من التجانس والتشابه، ثم الحواميم (حم) ثم بعد ذلك المفصّل وداخل المفصل فيه الست المسبِّحات وواحدة من هذه المسبِّحات جاءت في آخر النصف الأول من القرآن وهي سورة الإسراء (سبحان الذي أسرى) فهذه الأمر إذا أُدركت يستطيع الإنسان أن يتنبه إلى هذه الفروق بين تقاسيم القرآن. نأتي إلى الحواميم كان ابن مسعود وهو أعلم الناس بالقرآن كما هو معلوم كان يقول عن الحواميم: هي ديباج القرآن. وكلمة ديباج لها دلالة ويقول في وصف آخر (إذا وقعت في آل حم دخلت في روضات دمثات) وهذا اللفظ دمثات ذكره وهو يميز بين الحواميم وبين سائر القرآن يعني إذا مرّ بسائر القرآن كأنه مرّ بتربة ذات عشب أُمطرت فأنبتت لكن الحواميم خي من ضمن هذا المُمطر فهي روضات دمثات فلها وصف. مسعر بن كدام تابعي جليل من أتباع التابعين كان يصفها بوصف آخر ويقول هي العرائس. لن أطيل الكلام عن الحواميم وإلا الكلام فيها مما جاء عن السلق كلام طويل لكن ما يهم أن لها ميزة وخصيصة وهذا الميزة أو الخصيصة لهذه السور السبع بدءاً من غافر وانتهاء بالأحقاف لا بد أن ننتبه لها ولذا بعض أهل العلم من المعاصرين قال: كل الحواميم هي في دعوة الرسل لأقوامهم كلها في بيان أمر الدعوة وفي بيان منهج الأنبياء في دعوة أقوامهم. وقد اطلعت على هذا بعد أن قرأت كلامه وهو من المختصين والذين لهم عناية في مقاصد السور ذكر هذا فذهبت بعدها أتأمل إن كان الكلام صواباً فوقفت على أنه قريب من الصواب جداً وأنا أهيب المختصين الذين يسمعون كلامنا الآن أن يرجعوا وينتبهوا إن كان كذلك فهو والله من العلم الجميل الذي يفيد في فهم السور العظام وما جاءت لأجله.
بدأت هذه السور ولعل من اللطائف العجيبة الغريبة وأقول لطيفة هي ليست من متين العلم وإنما من مُلَحه أن الحواميم إذا كانت تتكلم عن أمر الدعوة وما يتعلق بمنهج الأنبياء في الدعوة أن قبلها جاءت سورة إخلاص الدين لله وهي سورة الزمر وبعدها جاءت سورة محمد وهي القتال فكأن الدعوة لا تصلح إلا بإخلاص لله عز وجل وللدين فلا يمكن للداعية أن يصلح لأن يكون داعية إذا لم يخلص دينه لله عز وجل أولاً ولم يدعو الناس إلى الإخلاص الدين لله عز وجل كما في سورة الزمر وإذا ما استجاب الأقوام إلى هذه الدعوة والمجادلة باللسان فلا بد من القتال ولذا بعد القتال جاءة سورة الفتح بعد القتال حصل الفتح وهذا من اللطائف القرآنية.
د. عبد الرحمن: فتح الله عليك دكتور. نستأذنك في أخذ اتصال من الأخ أبو شهد من السعودية
أبو شهد: عندي سؤالين السؤال الأول يقول الله عز وجل في سورة الزمر (متشاكسون) أريد تفسير هذه الآية. والسؤال الثاني هل القرآن نزل منجماً في ليلة القدر أو نزل جملة واحدة في ليلة القدر ثم بعد ذلك نُجِّم على حسب الأحداث؟
د. عبد الرحمن: إذن هذا ما يتعلق بالحواميم بشكل عام، غافر؟
د. عصام: سورة غافر بعد التأمل – وهذا اجتهاد قد أصيب وقد أُخطئ-
د. عبد الرحمن: وأنا أحييك على حرصك على هذا وأنت إن شاء الله على إصابة بإذن الله
د. عصام: بالنسبة لغافر كأنها في طريقة الأنبياء في الدعوة إلى الله عز وجل يعني في الاصطلاحات المعاصرة في أسلوب دعوة الأنبياء لذلك تجد أن غافر لو تأملتها مباشرة ذكر الله عز وجل قال (حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)) فذكر الله سبحانه وتعالى هنا الأسماء الحسنى التي يُدعى الناس إليها أصالة، ابتداءً أنت تدعو إلى ماذا؟ سبحان الله من سمى السورة غافر كأنه أخذ الاسم الذي يدعا الناس إليه ابتداء وهو سعة رحمة الله عز وجل وبيان ما يتعلق بأنه سبحانه وتعالى واسع التوبة يقبل من عباده أن ينوبوا ويؤبوا إليه مهما كان قبل ذلك من الشرك والذنوب الكبار ولذا سبحان الله اسم غافر مناسب لهذه السورة وهذا أصل دعوة الأنبياء. أصل دعوة الأنبياء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “بشِّروا ولا تنفِّروا” هذا أصل دعوة الأنبياء. ثم ذكر سبحانه وتعالى وهذا كثير في سورة غافر لو تأملنا سورة غافر سنجد أن الله تعالى ذكر عن الملائكة الذين يحومون حول العرش ثم ذكر (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا (7)) يستغفرون للمؤمنين، ليس فقط ربك واسع المغفرة بل وسخر الملائكة العظام الذين يسبحون بحمد ربهم أن يستغفروا للمؤمنين فأيُّ كرم وأيُّ جود أعظم من هذا؟!.
والسورة فيها آيات كثيرة تقطع اليأس وتقطع القنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى
د. عبد الرحمن: ولعل ما يؤكد كلامك دكتور عصام هو قوله تعالى (سارعوا إلى مغفرة) كيف جعل المسارعة إلى المغفرة يؤيد كلامك أيضاً. أستأذنك في أخذ اتصال من الأخ بعد العزيز
الأخ عبد العزيز: فيما يتعلق بالحروف المقطعة وأنا أعلم أنكم تحدثتم عنها كثيراً لكن يلفت انتباهي مسألة يس وطه وما قيل أنهما اسمان للنبي صلى الله عليه وسلم وما يحكى عن نون أنه الحوت الذي ابتلع نبي الله يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وق أنه جبل محيط بالأرض، فما القول الفصل في هذا الأمر؟ السؤال الثاني عندما يقول الله عز وجل عن إلياس عليه الصلاة والسلام في سورة الصافات ثم يقول (سلام على إلياسين) وفي قرآءة أخرى (على آل يس) فهل لكم أن تقولوا لنا قولاً فصلاً في ذلكم؟ أما السؤال الذي يتعلق بهذا الجزء في قوله تعالى (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) (وفتحت) هذه الواو نحوياً وبلاغياً ماذا تفيد؟ ولماذا حذفت هنا وأُثبتت هنا؟
د. عبد الرحمن: نعود إلى سورة غافر
د. عصام: سورة غافر إذا كانت في طريقة دعوة الأنبياء فهي أولاً في مسألة السعة والثانية أن الذي لا يؤمن فليس له إلا العذاب والوعيد الشديد ولهذا تكرر في سورة غافر قضية التهديد بعض الناس ما نفعت معهم المغفرة واللين والكلمة الجميلة والوعد بالمغفرة والرحمة ما نفعت بهم فهؤلاء ما لهم الشدة والقسوة، هذه القسوة رحمة به لعله يعود عما هو فيه
قسى ليزدجروا ومن يك جازماً فليقسو أحياناً على من يرحم
هذه طريقة من طرائق الأنبياء في دعوة أقوامهم لله عز وجل.
الأمر الثالث وهو كثير في سورة غافر مسألة الأمر بالنظر في الكون والتفكر في الكون وهذه الطريقة نغفل عنها كثيراً وهي من صلب وأصول طرائق الأنبياء في الدعوة ما يكاد نبي من الأنبياء إلا ودل قومه على هذا الكون هذا كتاب الله المفتوح لينظروا فيه ونحن للأسف الشديد تجد أننا عطّلنا هذه النافذة لمعرفة ربنا سبحانه وتعالى من خلال أننا أعمينا أبصارنا أسماعنا ألسنتنا أعمينا جوارحنا عن الـمل في هذا الكون العظيمولذا كرر الله عز وجل الأمر بالنظر في هذا الكون كثيراً وهذا أمر لا بد من الانتباه له ولذلك الله عز وجل قال (ذي الطول) المنعِم سبحانه وتعالى هو صاحب الخلق جل في علاه فإن كان كذلك فانظروا إلى خلقه ونعمائه وإلى ما ابداه للناس في هذا الكون ثم اعرفوا ربكم من خلاله.
ومن القضايا العجيبة التي تأكدت في قصة مؤمن آل فرعون وهذه من طرائق الأنبياء في الدعوة إلى الله وهي ربط مصالح الآخرة بمصالح الدنيا أحياناً لا يأتي معك في قضية الآخرة ووعد الآخرة فتحتاج أن تذكر له شيئاً من الوعد الجميل في الدنيا ولذا مؤمن آل فرعون كرر ذلك كثيراً في دعوته لقومه في السورة (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ (29)) يقول لهم الملك لكم فلا ترفضوا دعوة موسى فيكون الملك لغيركم وقد ذكر هذا كثيراً مؤمن آل فرعون في محاورته لقومه.
د. عبد الرحمن: لعلنا نتوقف مع هذه الآيات بإذن الله بعد أن نأخذ اتصالاً من الأخ مصطفى من الجزائر
الأخ مصطفى: في سورة غافر حيث ذكر (وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ (34)) هل هو يوسف بن يعقوب؟ وهل هناك حكمة في ذكر يوسف هنا في سورة غافر؟.
د. عبد الرحمن: لو تعطينا إلماحة يا أبا عبد الرحمن في سورة فصلت ثم نعود لأسئلة الإخوان
د. عصام: لعل سورة غافر تكون واضحة الآن ومبناها على التأمل وليس على القطع. أما سورة فصلت فقد كررت الكلام فيها أنا وطلبة العلم في أكثر من مجال ومباحث، فصلت هي في تفصيل البراهين والحجج التي أبانها الله عز وجل للناس وبيّن الله سبحانه وتعالى في سورة فصلت حجج المخالفين وما الذي يذكرونه وهي إما شُبه وإما إعراض وبيّن سبحانه وتعالى كيف يكون الجدال للناس يعني إذا طرحت الحجة كيف تطرح الحجة، ما هي الحجة بدءاً وكيف تطرح الحجة. سورة فصلت جاءت وهذه الحجج كلها لا بد أن نوقن بأنها رحمة من الله عز وجل لأن الله قال في أول سورة فصلت (حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بينما في سورة غافر والزمر لم يذكر هذا، ذكر العزيز العليم أما في سورة فصلت (تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) سبحانه وتعالى ثم سبحانه وتعالى ذكر بعد ذلك من الحجج ما يبين للناس أن هذا الدين هو الحق ولذلك سبحان الله القصة التي ذكرتها القصة المشهورة قصة عتبة بن ربيعة، النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأ على ربيعة سورة أخرى وإنما قرأ سورة فصلت، حجج وبراهين داlغة واضحة بيّنة ولذا عتبة – والقصة طويلة آخذ منها سطراً واحداً من جميل ما ذكر فيها- عتبة لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه الملك والمال والنساء قال له يا ابا الوليد تجلس تسمع، فرغت؟ انتهيت؟ انظر الأدب: أفرغت؟ قال عتبة نعم فرغت قال تسمع؟ أنا سمعت منك تسمع مني؟ فقال نعم فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم من أول سورة فصلت ثم قرأ (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)) يقول ابن اسحق في السيرة: فقام عتبة فوضع يده على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ناشدتك الله والرحم ناشدتك الله والرحم لا تُكمل. ورجع إلى قومه. المشكلة الكبرى والمصيبة أن كثيراً منا يقرأ سورة فصلت ولا يشعر بشيء هذه السورة التي زلزلت كلام من لم يؤمن بهذا الوحي وأنها من عند الله عز وجل ولكن فيها من العظمة والبلاغة والقوة التي هزته وأرجعته إلى أهله وجهه قد تغير حتى قال أبو جهل والله لقد رجع إلينا عتبة بغير الوجه الذي ذهب به. تغيّر، ما استطاع. وفي قصة أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه حتى بلغ آية السجدة وسورة فصلت من أسمائها “حم السجدة” لأنه ليس في الحواميم إلا هذه فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم السجدة فكاد أن يسجد لكن منع نفسه من ذلك من قوة الأمر فيها (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37))
د. عبد الرحمن: فتح الله عليك. معنا الأخت أم ماجد من لندن.
أم ماجد: في سورة غافر يقال عن الرجل الذي كان يخفي إيمانه عن فرعون إلى أن وصلت الآية 38 (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ) المؤمن تحدث كثيراً أمام فرعون وأرى في هذه الصفحة أن الله سبحانه وتعالى أعطاه موقعاً في القرآن فهل يمكن أن تفسروا الآيات في هذه الصفحة لتتضح المسألة؟
د. عبد الرحمن: الأخ ضرار من السعودية
ضرار: نرجو أن تعيدوا البرنامج بعد رمضان.
د. عبد الرحمن: نعود إلى أسئلة الإخوان وهي في هذا الجزء. الأخ أبو شهد يريد تفسير المثل الذي ورد في سورة الزمر (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29))
د. عصام: هذا المثل تكلمت عنه سريعاً وهذا المثل من أعظم أمثلة القرآن وأمثلة القرآن كلها عظيمة وأنا أكرر دائماً هناك أكثر من ثلاثين مثلاً ضربها الله عز وجل في كتابه مررنا على تسع منها فقط في سورة البقرة إذا كنا ما فهمنا هذه الأمثال فهي مصيبة ومشكلة لأن الله عز وجل يقول (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) العنكبوت) الله ضرب هذه الأمثال ثم قال (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) معناها أن الذي لا يعقلها جاهل وبعض السلف كان يبكي إذا مرّ بمثل ولم يفهمه. بعض الأمثال ما فهمناها حقيقة كثير من الأمثلة ما فهمناها ومع ذلك هذا الجهل الذي فينا لم نسعى لإزالته. هذا المثل من أعظم أمثلة القرآن (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ) هذا الرجل عبارة عن عبد له أسياد قد تملّكوه وهذا العبد كل واحد من أسياده يريد حظّاً منه، هذا يقول لك اذهب بهذا الغرض إلى المكان الفلاني والآخر يقول له إذهب إلى المكان الفلاني والثالث يقول له ائتني بحطب والرابع أحضر لي ماء والخامس يقول أوصل هذه الرسالة إلى قرية أخرى كل واحد منهم له طلب هو الآن لما يؤمر من هؤلاء جميعاً ماذا يفعل؟ إما أن يتوزع عليهم وهذا لا يمكن لا يستطيع أن يجيب. هذا العبد في الجزء الأول من هذا المثل هل هو على أحسن حال وأريح بال؟ لا أبداً هو لا يستطيع أن يجيب أسياده وسيكون عليه بلا شك من أسياده الوبال واللوم والعتاب الشديد وكل واحد منهم يريد حقه منه، هذا الجزء الأول من المثل. الجزء الثاني قال الله عز وجل (وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ) واحد ليس عنده إلا سيد إذا قال له اِذهب إلى المكان الفلاني ما في أحد ثاني يقول له اذهب إلى الجهة الأخرى إن قال له كن معي عند ضيوفي لا أحد يقول له لا، (وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ) سلّم لرجل ليس له إلا إياه، هل يستويان؟ لا يستويان أبداً وهذا من أعظم الأمثلة وأوضحها وألطفها
د. عبد الرحمن: ما وجه التشبيه؟ الله يمثل به من يعبد الله ومن يشرك به
د. عصام: من يعبد أكثر من آلهة فهذا حاله مثل هذا ومن يعبد إلهاً واحداً سبحانه وتعالى ولذا قال في آخر الآية (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (9) الزمر) هذه في الحقيقة. هنا شيء واضح بين جداً
د. عبد الرحمن: سألنا سائل في الآية قال ما وجه ختم قوله تعالى (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (9) الزمر)؟
د. عصام: العلم عند السلف كما قال الحسن البصري علمان: علم على اللسان وهذا حجة الله على عبده، وعلم في القلب وهذا هو المُنجي يوم القيامة. فهنا قول الله عز وجل (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) هذا رُزِق العلم القلبي العلم الذي في القلب خاف الله عز وجل فقام لوحده لربه يصلي الآن قانت يعني قائم القنوت هو المداومة على الطاعة والسجود ه الخضوع ولهذا بُدئ به (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) فمن كان كذلك فهذا هو العالِم الحقيقي ولذا السلف تواتر عنهم أنهم يقولون: إنما العلم الخشية،
د. عبد الرحمن: ما هو بكثرة المحفوظ
د. عصام: هذا يعينه لكن هذا علم يكون حجة لك أو حجة عليك، هذا العلم الذي تحشوه في رأسك معلومات وأبيات وحفظ ومتون هذا علم في رأسك ينزل على لسانك إما يكون حجة لك وإما حجة عليك أما العلم الذي في القلب فهو حجة لك وهو المُنجي.
د. عبد الرحمن: الله أكبر! نسأل الله أن يرزقنا منه أوفر الحظ والنصيب. نستأذنك دكتور عصام ونستأذن الإخوة المشاهدين في التوقف للتعريف بكتاب هذه الحلقة.
————–
فاصل تعريف بكتاب
التحرير والتنوير من التفسير
تأليف سماحة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي المتوفى سنة 13 93 للهجرة وهذا الكتاب من أجود كتب تفسير المتأخرين للقرآن وأجمعها وأوسعها وقد تميز مؤلفه ابن عاشور بسعة علمه واطلاعه وعمقه العلمي الذي انعكس على كتابه هذا. وقد أودع فيه من روائع تفسيره لكتاب الله ما لم يسبقه إليه مفسر من مفسري القرآن ولا سيما في الجوانب البلاغية واللغوية. وقد صدر الكتاب عن الدار التونسية للنشر وعن دار سحنون في ثلاثين جزءاً وهو حجم كبير ولذلك صنع الدكتور محمد بن ابراهيم الحمد تقريباً للكتاب اختار فيه أجود ما فيه في كتاب سماه التقريب لتفسير التحرير والتنوير لابن عاشور وصدر عن دار ابن خزيمة بالرياض عام 1429 للهجرة.
——————-
د:عبد الرحمن: مرحباً بكم أيُّها الإخوةُ المشاهدون مرّةً أخرى بعد هذا الفاصل وأُكَرِّر التّرحيب بضيفي في هذا اللّقاء فضيلة الدكتور عصام بن صالح العويد عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام وعضو الهيئة التأسيسية للهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم. فحياكم الله دكتور عصام مرّةً أخرى. بمناسبة هذه الآية التي نجعلها في مقدمة هذا البرنامج (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) الفرقان) هنا سؤال أبو شهد يقول أنتم تقولون القرآن نزل في رمضان فما معناه هل نزل جملة أم نزل مفرّقاً؟
د. عصام: هو نزل جملة واحدة نزل من اللوح المحفوظ أنزله الله جملة واحدة هذا التنزيل في ليلة القدر أنزله جملة واحدة ليلة القدر ثم بعد منجّماً تكلم الله عز وجل به وسمعه جبريل عليه السلام من الله عز وجل منجّماً ثم نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم
د. عبد الرحمن: بعض الناس يسأل يا دكتور لماذا نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا وهذا قول ابن عباس قال: نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدينا جملة واحدة في ليلة القدر، فما الحكمة من هذا النزول الجُملي للقرآن الكريم” هل هو الإظهار لفضله؟
د. عصام: الله عز وجل قد تكلم بالقرآن قديماً سبحانه وتعالى ثم تكلم سبحانه وتعالى به بهذا القرآن عندما جاءت الحوادث بحسسب التنجيم. لعل من الحكم تشريف هذه الليلة العظيمة ليلة القدر أن يعلم أن هذا القرآن العظيم نزل في هذه الليلة في أمة محمد ليلة تعادل ألف شهر لو ما جاء إلا هذه لكفى يعني أن تعيّن ليلة ثم ينزل بها القرآن ثم بعد ذلك تكون هذه الليلة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم لوحدها أكثر من ألف شهر، ألا يكفي هذا؟ ولو أراد الإنسان أن ينظر أكثر فيها يمكن وما جاء عن ابن عباس أنا لا أعلم له مخالِف
د. عبد الرحمن: هو عن ابن عباس ولكن ليس هناك مدخل للرأي فيه لا يمكن أن يكون اجتهاداً منه وإنما سمعه بالتأكيد. الأخ عبد العزيز سالنا الحروف المقطعة في أوائل السور حم، ألمص، وذكر يس، طه وقال أن هناك من يقول أن يس اسم للنبي صلى الله عليه وسلم وطه فما هو القول الذي تراه راجحاً في هذا الموضوع؟
د. عصام: أما يس وطه فهي ليست من اسماء النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي قول حادث هذه حروف مقطعة على أحوال الحروف المقطعة كما ذكر أهل العلم (ألم) وكما جاء في كثير من سور القرآن على أن هذا القرآن أُلِّف من هذه الحروف فإن استطعتم أن تأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة من مثله فأتوا به، هذا هو الذي يكاد يستقر عليه كثير من أهل العلم. وهناك من يقول أنا من علم الغيب الذي استأثر الله عز وجل به. أما بالنسبة لـ(ن) و(ق) هذه تختلف حقيقة جاء عن عدد من السلف وجاء عن ابن عباس وعن جماعة أنه الحوت الذي يحمل هذه الأرض وقال بعضهم أنه الحوت الذي التقم يونس و(ق) جاء عن عدد من السلف أنه الجبل المحيط فما جاء عن السلف يختلف حقيقة عن ما اخترعه المتأخرون، ما جاء عن السلف إما أن يكون هو الأصل فيؤخذ به وإما ألا يكون كذلك ويكون مرجوحاً ويبقى قولاً موجوداً ولكنه مرجوحاً فلا نعلم دليلاً على مسألة (ن) أنه الحوت و(ق) أنه الجبل المحيط الله أعلم من أين أتوا بها لا علم لنا، قد يكونوا أخذوها من صحف بني إسرائيل أو من علمهم الله أعلم لكنها تبقى أنها من أقوال أئمة السلف مثل (حم) صح عن ابن عباس أنه قال (حم) قال إسم من أسماء الله تعالى وقتادة قال (حم) إسم من أسماء القرآن ما تراها راجحة لا بأس لكن لا تأتي وتقدح بها وتقول ليست بشيء.
د. عبد الرحمن: الذين يناقشون يقولون أنه ليس عليها دليل قاطع وإلا فهي أقوال كما تفضلت حتى (ألم) ذكر ابن عباس مثل هذا القول قال إنها أول الحروف التي من أسماء الله وذكر لها أسماء. عندنا شيخ عصام سؤال عن (الياسين) و(آل ياسين).
د. عصام: هي قراءتان مشهورتان.
د. عبد الرحمن: والمقصود واحد.
د. عصام: نعم.
د. عبد الرحمن: جميل، سأل سؤالاً أيضاً في سورة الزمر عن السر البلاغي في قوله سبحانه وتعالى (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا (71) الزمر) وقال في الذين آمنوا (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) يقول ما السر في حذف (و) هنا وإثباتها هناك؟
د. عصام: هذه تكلم فيها أهل التفسير كثيراً خصوصاً أرباب البلاغة والذي يترجح إليهم أن الواو هذه واو الحالية الأصل في النار أنها مؤصدة كما قال الله عز وجل (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) الهمزة) كما في سورة الهمزة فالنار الأصل فيها أنها مغلقة مؤصدة لا تفتح إلا إذا جاء فوج يريد الله عز وجل أن يرميه فيها فعندئذ تفتح أبواب النيران فيُرمى ثم تؤصد مرة ثانية تُغلَق ولذا قال الضحاك وجماعة النار مؤصدة لا يدخل إليها نور ولا يخرج منها نَسَم.
د. عبد الرحمن: لا حول ولا قوة إلا بالله.!
د. عصام: يعني إغلاقها محكم بالكامل.
د. عبد الرحمن: وهذا أدعى لاشتداد حرها.
د. عصام: أدعى لاشتداد حرها وسوادها وسوادها كسواد الليل وأشدّ فالنار مؤصدة فإذا جيء بأهلها إليها فإنها تفتح حينئذ فقط، ففتحت وهذا كأبواب السجن الأن في الدنيا أبواب السجن متى تفتح؟
د. عبد الرحمن: إذا وصل عندها.
د. عصام: إذا جاء من أراد أن يلقى به في هذا السجن فُتِح السجن ثم رمي داخله ثم أغلق مرة أخرى أوصد إيصاداً شديداً، كذلك النار في الآخرة والعياذ بالله، أما بالنسبة للجنة وهي دار الكرامة دار الضيافة (وفتحت) الأصل في باب الجنة بعد فتح محمد صلى الله عليه وسلم له فشُرِّع هذه أبواب الكرم كرم ربنا سبحانه وتعالى كما أنك تأتي ولله المثل الأعلى إلى رجل كريم في الدنيا فتح أبوابه لضيافة الناس هل يصلح كلما دخل مجموعة قام وأغلق الباب ثم جاءت مجموعة أخرى فيفتح الباب؟! ما يصلح (وفتحت) هذه والو الحالية للإفادة أن حال أبواب الجنة أنها مفتوحة مشرّعة ولذلك أبواب الجنة لها حادثة وألف حديث ما يتعلق بصفتها وحالها ولم لو يأتي فيها إلا حديث واحد وثابت في الصحيحين أنهم يأتون سبعون ألف ملك آخذٌ بعضهم بأيدي بعض على وجوهم النضرة يدخلون من باب واحد نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم منهم.
د. عبد الرحمن: الأخ مصطفى من الجزائر نشكره على إتصاله في الحقيقة ومتابعته ونسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياه بالعلم يسأل عن قوله تعالى في سورة غافر (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا(34) غافر) يقول هل المقصود هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم؟
د. عصام: نعم هو يوسف بن يعقوب عليهم السلام جميعاً وسبب ذكره هنا من المعلوم أن موسى عليه السلام جاء بعد يوسف فهؤلاء الذين الآن كفروا بموسى عليه السلام يطلبون آيات دنيوية ظاهرة ويوسف عليه السلام قد آتاه الله من هذه الآيات أظهرها وأبينها وأجلاها أوتي في مظهره ومنظره وجماله ما أوتي وأوتي من الملك على مصر ما أوتي فعندهم من الآيات الدنيوية التي يراها الناس بأعيانهم ويشاهدونها ويعرفون حقيقتها ومع ذلك كفروا بيوسف عليه السلام ولم يؤمنوا بعده كذلك بما أمر به صلوات ربي وسلامه عليه فقال هنا (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ) يعني آتاكم بنفس البينات التي طلبتموها من موسى وكفرتم به، فالقضية ليست موسى أو يوسف وليست بينات دنيوية أو بينات أخروية أو نحو ذلك إنما القضية كلها كفر وعناد وإعراض.
د. عبد الرحمن: جميل جداً. الأخت أم ماجد من لندن سالت سؤالاً جميلاً في الحقيقة في سورة غافر تقول الله سبحانه وتعالى ذكر عن مؤمن آل فرعون حديثاً طويلاً (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ (28) غافر) (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ (29) غافر) (وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) غافر) وتكلم بكلام طويل فتقول إن لله سبحانه وتعالى ذكر عنه كلاماً طويلاً فتقول كررت النظر فما التوجيه الذي ترونه في مثل هذا الذكر الطويل؟
د. عصام: عجيب هذا المؤمن من آل فرعون حقيقة ولم يأت ذكره إلا في هذه السورة في سورة غافر ولذا الاسم الأخ لسورة غافر أنها سورة المؤمن (مؤمن آل فرعون). أولاً هذا المؤمن كأنها استشكلت وهذا في الحقيقة أثني كثيراً على أمثال هؤلاء الذين يقرأون ويستشكلون لأن معرفة الإشكال نصف العلم لأن الإنسان إذا استشكل وهو يقرأ سيعود إلى كتب التفسير يسأل فيتبين ويزول الإشكال فأشكرها حقيقة على هذه الأسئلة التي تدل على حرص على فهم الآيات التي تُتلى. عندنا هنا مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه قبل هذا الحديث أما بعد هذا الحديث الصريح مع فرعون فأوله كأنه كان يحاول أن يكتم ذلك ثم في الآخر صرّح بإيمانه لكن كفاه الله شر فرعون وكيده.
د. عبد الرحمن: قوله من آل فرعون يا دكتور عصام هل هو من آل فرعون بعضهم يسأل هل هو من آل فرعون أم من بني إسرائيل؟.
د. عصام: ذكر بعض السلف أنه ابن عمه اللزم قريب منه جداً ولذلك تجرأ وتكلم هذا الكلام وإلا ففرعون من يستطيع أن يتكلم عنده بمثل هذا؟! ولهذا تكلم وهذا دليل على أنه قريب جداً وكلام من قال أنه ابن عمه وقارب هذا يدل عليه قوة الكلام منه.
د. عبد الرحمن: أيضاً يبدو لي يا أبا عبد الرحمن أنه كان له دور هو وآسيا في كفّ فرعون عن كثير من الشر لأنه لو تلاحظ في الآية (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ (26) غافر) كأنه كان هناك من يكفّه أو من يجادله أو يحاول أن يؤخر بطشه بموسى عليه الصلاة والسلام.
د. عصام: صحيح ولذلك سبحان الله لا تخلو الأمة من خيار ولا بد فهذا المؤمن كان في تلك الأمة الكافرة كان يردّ فرعون عن كثير من شره ولذا كان هنا ردّه.
د. عبد الرحمن: وهنا تبدو أهمية الحاشية الصالحة. نستأذنك ونستأذن الإخوة المشاهدين في فاصل قصير ثم نعود إليكم فانتظرونا.
——— فـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاصل ——
د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون بعد هذا الفاصل ولا زلنا نتحدث حول سورة غافر مع ضيفنا فضيلة الشيخ عصام بن صالح العويد حيّاك الله يا أبو عبد الرحمن. ما زال حديثنا عن مؤمن آل فرعون والحقيقة قصته جديرة بالوقوف حتى السورة لها اسم المؤمن في بعض المصاحف. أريد قبل أن ندخل في هذا نأخذ إتصال من الأخ أبو البراء من الكويت تفضل أخ أبو البراء.
أبو البراء: أريد أن أسأل الشيخ عن تفسير في سورة المدثر الآية (48) إلى (51).
د. عبد الرحمن: شكراً جزيلاً لك حياك الله ومرحباً بك، نعود إلى مؤمن آل فرعون إن كان لديك إضافة حوله.
د. عصام: على سبيل الإجمال نجد أن مؤمن آل فرعون اِستخدم عدة أساليب في الدعوة يعني حاول أن يأتي فرعون من كل طريق ولذلك سبحان الله أنظر إلى الأة الأولى منها حصرتها تقريباً سبعة أساليب:
اُنظر إلى أولها (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ (28)) يعني أغلق الأبواب كلها لا تتعرضوا للرجل إن يك كاذباً كذا ويك صادقاً كذا وهذه طريقة ذكية جداً في التعامل لا يوجد اِحتمال آخر الإحتمال أن يأتي إذا سمع هذا الكلام أن ينجوا موسى عليه السلام ولا يُقتل ولا يُتعرض له بشيء هو صادق هو كذب لا تتعرضوا له بشيء لماذا؟ لأنه إن كان كاذباً فهو كذا وإن كان صادقاً فهو كذا
ثم جاءهم في أمر الدنيا كما ذكرت في أول الكلام عن سورة غافر فقال (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ (29)) يعني يخوّفهم بملكهم بدنياهم بالجاه الذي هم فيه (فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا) أدخل نفسه هنا جعل الملك لهم يعني كأني ما لي علاقة لي بالملك وهذا من جميل الكلام وفصيحه.
د. عبد الرحمن: مع أن من ظاهر كلامه أنه من المقربين من فرعون.
د. عصام: من المقربين ولكنه لا يريد أن يتكلم عن شيء له علاقة فيه، لا، الملك لكم أنا لا أنازعكم فيه. ثم لما جاء التخويف أدخل نفسه من ضمنهم حتى ما يقال إذاً أنت قد آمنت بموسى عليه السلام فأنت تتكلم بلسانه (فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا) وهذا كله من حسن الأسلوب وجمال الطرح في مسألة الدعوة وفي نقاش من يعاند ويكابر. والأساليب كثيرة جداً حقيقة وأنا ذكرت أنها بالحصر وجمع بعضها إلى بعض تبلغ سبعة فكيف لو أنها فُرِدت.
د. عبد الرحمن: جميل نأخذ أخر متصل في حلقة اليوم الأخت نسرين من الجزائر تفضلي. لو تختم يا أبا عبد الرحمن اللقاء بما تراه مناسباً.
د. عصام: دعني أختم بما أحبّ هناك آية عظيمة جداً في سورة غافر وأنا أريد أن أنبه لها كل أحد وهي الآية السادسة والخمسين في قوله سبحانه وتعالى وهو يتكلم جل في علاه يتكلم عن الذين يجادلون قال سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ (56)) فسبحان الله ما أحد يجادل في آيات الله ولا يعارض ولا يعاند إلا ولا بد وأن يكون في قلبه شيء من هذا الكبرـ لن يبلغوه أبداً لن يبلغوه مطلقاً، فهذه حقيقة وقاعدة قرآنية أن كل الذين يجادلون تراهم في الفضائيات في الإذاعات في الصحف الذين يجادلون في آيات الله أبداً ما جادلوا إلا بكبر في صدورهم لا يريدون أن يخضعوا لدين الله ولرسول الله ولأهل العلم، لا، يريدون فقط أن يتكبروا على هذا أو على ذاك. الأمر الآخر في قوله سبحانه وتعالى (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (53) فصلت) (أنه) هذه تعود إلى القرآن (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) ولذلك نقولها جازمين بذلك أخي المبارك أن أغلب الناس في هذه الأرض من نظر في آيات الكون من هنا أو هناك (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) في هذه النفس ولذلك لا نحرِم أنفسنا النظر في الكون ولكن النفس تتفكر في خلق الله حتى يتبين لنا يقيناً جازماً لا شك معه أن هذا القرآن هو الحق من عند الله.
د. عبد الرحمن: جزاك الله خيراً ونفع الله بك أبا عبد الرحمن ولعلنا نبدأ غداً بسورة فصلت إن شاء الله مع الإخوة الذين سوف يكونون معنا. في نهاية هذا اللقاء أيها الإخوة المشاهدون نشكر الله سبحانه وتعالى الذي هيأ لنا هذا اللقاء كما أشكر باسمكم ضيف هذا اللقاء فضيلة الشيخ عصام بن صالح العويد عضو هئية التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو الهيئة التأسيسية للهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم على ما أتحفنا به في هذه الحلقة. أراكم بإذن الله غداً أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.