برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر 1433هـ – سورة المعارج

اسلاميات

الحلقة 164

ضيف البرنامج في حلقته رقم (164) يوم الإثنين 11 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ عصام بن صالح العويد، عضو هيئة التدريس بقسم السنة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .

وموضوع الحلقة هو :

علوم سورة المعارج .

———————————

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن في شهر القرآن. أرحب بكم في هذه الحلقة التي سوف نتحدث فيها بإذن الله تعالى مع ضيفنا الكريم عن سورة المعارج. وباسمكم جميعاً في بداية هذا اللقاء أرحب بضيفي العزيز فضيلة الشيخ عصام بن صالح العويد، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فحياكم الله يا دكتور عصام.

د. عصام: حياكم الله

د. الشهري: وأهلاً وسهلاً بك

د. عصام: أهلاً ومرحبا بك

د. الشهري: مرة أخرى نرحب بك في هذا اللقاء الثاني في هذا الشهر المبارك مع سورة المعارج. وقد بدأنا نتجه إلى ختم المصحف إن شاء الله مع هذه السور. نبدأ بسورة المعارج باسمها، أولاً ما معنى هذا الاسم؟ وهل هذا الاسم توقيفي لهذه السورة؟

د. عصام: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أسأل الله عز وجل أن يُسدِّد القول والقصد. فيما يتعلق بهذه السورة العظيمة من الظاهر جداً أنها هي في الجزء التاسع والعشرين من كتاب الله عز وجل وهو جزء من المفصّل وهذا الأمر ينبغي أن يكون حاضراً حينما نتلو وحينما نستمع إلى هذه السور العظام فهي في أعظم أحزاب القرآن على الإطلاق، حزب المفصّل وهي في الجزئين الأخيرين اللذين جاءا ليقررا عقيدة البعث وعقيدة التوحيد وقدرة الرب جلّ وعلا. وهذا الموطن في الجزء الثاني بالذات مَنْ تأمل سور الجزء التاسع والعشرين سيجد أنها من أولها سورة تبارك إلى آخرها في سورة المرسلات سيجد أنها تتحدث عن قضية البعث بشكل ظاهر جداً، بوضوح، تثبت قدرة الرب سبحانه وتعالى على إحياء الخلق مرة أخرى لأهمية هذا الأمر للمؤمن والكافر على حد سواء، فالكافر لو آمن بالبعث نظر إلى الآخرة والمؤمن لو آمن بالبعث لتغيّر إيمانه وأصبح يلحظ نفسه فجاءت سورة المعارج في خضم في سياق هذه السور العظام. وأشهر ما سميت به هو اسم المعارج وهو الكثير جداً عند المفسرين وذهب بعض المفسرين بالمأثور كابن جرير وابن كثير وجماعة إلى أنها تسمى بسورة (سأل سائل) وهذا هو الموجود في الآثار لم يأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم عنها شيء ولكنه في أخبار الصحابة ومن جاء بعدهم كانوا يسمونها (سأل سائل) إشارة إلى مطلعها. وجاء عن قلة من أهل العلم وهو قول شاذّ لم يشتهر قبل ولا بعد ذلك أنها تسمى بسورة الواقعة أخذاً من الكلمة الواردة فيها

د. الشهري: (بعذاب واقع)

د. عصام: ذكره القرطبي ولم يرتضه بعد ذلك أحد من أهل العلم. فهي تدور بين اسم المعارج وبين (سأل سائل) ومن تأمل في السورة وفي هذين الاسمين لها يجد أن السورة (سأل سائل) كأنه إخبار من الرب جلّ وعلا عن تهكم وقع من القوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم (سأل سائل) وجاءت القضية مطلقة هكذا بالتنكير هنا سواء كان المنكّر هنا فئة أو قوم أو شخص كأن هذا التنكير فيه تحقير له لأنه سأل سؤال تهكم في بداية الأمر (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) والعجب أن السورة بدأت بتهكم وخُتمت بتهكّم ولكن المُتهكّم في البدء هُم والمتهكم في الختم رب العالمين ولذلك هذه من عجائب سور القرآن. كثير من الناس يسأل عن مقصد سورة المعارج يقول ما مقصدها

د. الشهري: وهذا السؤال الذي كنت أريد أن أطرحه

د. عصام: نقول للناس كثيراً في هذا الأمر أن من عادة السلف أنهم لا يتكلّفون في مقصد السور التي أولها وآخرها بيّنة في ارتباط آياتها ببعض فمثل سورة الحاقة أو سورة المعارج وما شابه ذلك من سور القرآن البينة الظاهرة وأنت تقرأ في سورة المعارج وتختم في المعارج وأنت في نفس السياق نفس النَفَس ونفس الفواصل ليس هناك انتقال واضح بينها فمثل هذا السلف ألا يذكرون لها مقصد من جهة وضوحه لأن المقصد المراد منه أن يربط بين آيات السورة وبين موضوعاتها إذا اختلفت فإذا كانت الموضوعات واحدة والترابط بينها ظاهر جداً فلا حاجة إلى مقصد وكأن السورة نزلت كتلة واحدة ولهذا نقول للناس هنا هذه السور نسميها نحن -من أجل من أراد أن يستثمرها في نفسه- نسميها السور القلبية كثير من الناس يقول أنا ما استطعت أن أعالج قلبي، أنا لم أستطع أن أبكي مع القرآن، لم أستطع أن أحرّك قلبي بالقرآن فهذه السور عادة هي البدايات التي يحتاج إليها كثير من الخلق ممن قست قلوبهم نسأل الله عز وجل أن يليّن قلوبنا مع كتابه ممن حصل معه شيء من الران أو التحجّر نقول له اذهب إلى سورة المعارج (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ) ويكمل الآيات، سورة الحاقة وسورة ق هذه السور نسميها سور قلبية لأنها تعالج القلوب وهي قادرة بإذن الله على كسر الغلاف الذي يكون راناً على القلوب فيفتحها لتتلقى كلام الرب جل وعلا كما ينبغي.

د. الشهري: إذن نقول أن موضوع سورة المعارج هو إثبات البعث يوم القيامة أو الوعيد بالعذاب؟

د. عصام: هي السورة جاءت البعث ليس في سورة المعارج وحدها بل في أغلب السور التي سبقتها والتي لحقت بها فهي ليست خاصة بالبعث ولكن إن أردنا ولا بد أن نذكر صفة تخصّها فهي سورة ذكر الله عز وجل فيها أمرين: ذكر فيها العروج إليه سبحانه وتعالى وأشار فيها إلى الكبكبة، إلى السقوط وإلى الهويّ فهناك عروج وصعود إليه جلّ وعلا وهناك هبوط ونزول وكبكبة على وجه الانسان ينزل فيها إلى دركات. فمن أراد أن يقرأ السورة فليستحضر هذا المعنى في كل آية منها. آياتها جاءت مرة تقول لك مرة اِعرِج إلى ربك جلّ وعلا اِصعد إليه سبحانه وتعالى وجاءت تقول لك في آية أخرى اِحذر من السقوط والهويّ ولذلك سبحان الله هي جاءت مقابِلة كل آياتها يقابل بعضها بعضاً لا تذكر شيئاً إلا وتذكر مقابله تماماً فهي تدور حول هذا المعنى. وهذه السور هي مناسبة للقلب لأن القلب متقلِّب والقلب هنا لما يتقلب مع الآيات هي السورة جاءت تقلّب القلب لما تقرأ هنا (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) ثم تقرأ الاستثناء (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)) ثم تقرأ بعدها مباشرة بآيات قليلة تنظر إلى حال الكفار كيف هم ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم عزين متجمعين ثم تختم بحال المؤمنين ثم ترجع قليلاً في ختامها لتتحدث عن حال الكفار لما يكونون في يوم القيامة فالسورة كلها متقلّبة ولذلك هي ما بين صعود وهبوط، ما بين نظر في حال أهل الكفر وصدِّهم وما يجازون به وفي حال أهل الإيمان وما يلقونه من ربهم جلّ وعلا

د. الشهري: كأنها من خلال كلامك يا دكتور عصام السورة مكية على هذا

د. عصام: يقيناً هي مكية ولذلك ابن عاشور رحمه الله وهو من أجود من يتكلم عن هذه المسائل يُدرك نفَس القرآن قال: وقال بعضهم هي مكية وهذا ليس بشيء، هذا صحيح

د. الشهري: يعني ما يحتاج النقاش فيها

د. عصام: من قال بأنها مدنية الاعتراض ليس على أنها كلها مدنية، لا، وإنما ذكر بعضهم أن بعض آياتها مدني، فقال ابن عاشور: ليس بشيء. وهذا صحيح من زعم أن بعض آياتها مدني فهم نظروا إلى الآيات المتوسطة فيها -وسيأتي الكلام عنها -وهي قضية الزكاة فظنّوا أن هذه لا تأتي إلا في المدني بينما هذا في أول المكي قد جاء. قال ابن عاشور “ليس بشيء” وهي كذلك فهي سورة مكية سورة قلبية هي نزلت من أجل أن تدخل إلى القلوب في داخلها فتحرّك هذه القلوب لتعرف كيف تتعامل

د. الشهري: هل هناك آثار أو أحاديث وردت في فضل خاص لسورة المعارج؟

د. عصام: فأما في فضائلها لم يأتي شيء إلا أنها في المفصّل والمفصل هو أفضل القرآن فهي داخلة في جملة هذا الفضل أما خاص بها فلا، ورد أسباب النزول وأيضاً هي كلها مراسيل لا يصح منها شيء

د. الشهري: ما هو سبب النزول الذي ورد لها؟

د. عصام: جاء بعض كفار مكة منهم من سمّى حاطِب واختُلف في الأسماء ما بين ثلاثة من كفار مكة وقيل لا، ليسوا بأفراد بل هم فئة جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن يوم القيامة متى وقوعه؟ جاء السؤال عن الزمن هنا، متى يقع يوم القيامة؟ متى الوقوع؟ وهذه الآثار كما ذكرت لا يصح منها شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا حتى إلى الصحابة لأنه ثابت على سياق سبب التنزل ولكن هذه الآثار عادة إذا اجتمعت على هذا النحو وكلها جاءت في سياق واحد بمعنى واحد يكون الأمر مع دلالة مطلع السورة دليل على أن لهذا السبب أصل، كيف هو ومن هو السائل هل هو شخص أو هم جماعة وهل هو هذا الشخص بعينه؟ كل هذا لا يعنينا وليس له أثر في فهم القرآن وإنما المقصود أناس جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسالوه سؤال تهكم عن يوم القيامة فنزلت الآيات وهذا أمر مستقر، مستقر من الآثار التي وردت بمجموعها ومستقر من مطلع السورة وما جاء من جواب الرب جلّ وعلا عليها

د. الشهري: دعنا ندخل في سورة المعارج من أولها وقبل ذلك يبدو لي الارتباط بين السورة التي قبلها وبين هذه السورة واضح، سورة الحاقة وسورة المعارج؟

د. عصام: كل الجزء قبل الأخير في القرآن الجزء التاسع والعشرين كله مترابط ارتباطاً كاملاً ولذلك سبحان الله من بدأ بسورة تبارك وبدأ يقرأ شيئاً فشيئاً وهو مستحضر هذا الارتباط يجد عظمة في قلبه لهذا الجزء من كتاب الله عز وجل له وقع له قوة كل آياته كل سوره هي خطاب من جبار جلّ وعلا لا يتكلم بلغو ولا بلهو ولا بأمر يسير وإنما الكلام فيه كلام عظيم جبار جلّ وعلا هو الآن يقول لك إما أن تختار هذا الطريق ولك عندي كذا وكذا وإما أن تختار هذا الطريق ولك عندي كذا وكذا

هما طريقان ما للمرء غيرهما           فانظر لنفسك ماذا أنت تختار

د. الشهري: نبدأ في قوله (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) قد يسأل سائل لماذا لم يقل سأل سائل عن عذاب واقع؟

د. عصام: الجمال هنا في التعبير القرآني وهذا من إعجاز هذا الكتاب العظيم أن حروف المعاني هذه إذا تغيرت وتقلبت فهي تدلّ على فعل مضمّن للفعل المذكور الأصلي فعندنا (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) الأصل (عن) لكن الباء هنا جاءت ليتضمن فعل سأل أمراً آخر وهو ما نبهنا عليه في مسألة التهكم، فهو تهكم بكذا فسأل متهكماً فالحرف الذي ناسب فعل التهكم المضمّن هو الباء وليس (عن) ولو جاءت (عن) لما دلّت على فعل مضمّن فهناك أفعال ضمّنت بفعل سأل ومنها هذا الفعل تهكّم ولذا جاءت البدل بدل (عن). وهذا يُنتبه إليه في كتاب الله فهو كثير جداً جداً وهو من أعظم علوم القرآن لأنه بدل أن تتكرر الكلمة مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً مثل هذه الكلمة تتضمن ثلاثة أفعال بدل أن تتكرر يأتي حرف فيه إشارة للفعل المتضمن وهذه على طريقة البصريين

د. الشهري: تدل على ثراء اللغة

د. عصام: على ثراء اللغة وعلى الايجاز والاختصار ومعاني كثيرة جداً دخلت في جملة واحدة

د. الشهري: دعنا نواصل في الآيات

د. عصام: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) وهنا لما يقول الرب جلّ وعلا (بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) فالقضية كأنها سبحان الله محتومة ولذلك (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) هو واقع سألتم أو لم تسألوا هو واقع. والإخبار عن وقوعه هو جزء من إجابة الرب جلّ وعلا لهؤلاء عن سؤالهم بما ينفعهم لا بما سألوا عنه وهذه طريقة يستخدمها كل من وفقهم الله عز وجل لهداية الناس، حين الناس يسألون عما لا ينفع وعما لا يكون من صالحهم أن يسألوا عنه فيأتي الحكيم فيجيبهم بما يحتاجون إليه لا بما سألوا عنه فهم يسألون متى يقع العذاب؟ فجاء الرب جلّ وعلا بالجواب: أنه واقع (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)) فجاء الجواب أنه واقع سواء وقع الآن أو وقع بعد مائة سنة أو بعد ذلك أو قبله هذا لا يهمكم إنما الحال أنه واقع فاستعدوا لهذا الواقع ماذا عملتم له سواء وقع الآن أو وقع بعد مدة فلم يجبهم عن مسألة متى؟ ولذلك من الخطأ البين -وهذه من تربية القرآن- من الخطأ البيّن أن يجيب الناس عن كل ما سألوا وأن الإنسان يخشى ويخجل ألا يجيب السائل عما سال عنه بعين سؤاله طمعاً في أن السائل قد يقول إذن أنت لا تعلم وقد يكون عنده علم لكن لا يجيبه به لأنه لا حاجة له بجواب هذا السؤال فانتقل به إلى ما ينفعه وهذا هو العالِم الرباني. فجاء الجواب موافقاً لهذا المبدأ

د. الشهري: وهذه من آداب الفتوى

د. عصام: من آداب الفتوى ومن آداب التربية على جهة العموم. قد يأتيك إنسان يسألك عن مشكلة بينه وبين زوجته، عن موضوع الطلاق ويقول لك هل هذه طالق أو ليست بطالق؟ أنت لا تريد الآن أن تجيبهم على الطلاق لكنك محتاج أن تسمع منها ومنه لكن تستطيع أن تجيبه بما يصلح حال أهل بيته بجواب ينفعه ويكون ألزم له فيعود يكرر عليك السؤال فتكرر عليه الجواب طمعاً في أن توصله إلى ما فيه هداية وصلاح لحاله ولو واقع ذلك منا في تربية الناس لكان خيراً عظيماً

د. الشهري: وأدب قرآني كما في قوله (يسألونك عن الأهلة) وغيرها

د. عصام: كثير جداً في كتاب الله. (لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ) هنا الكلام بدأ عن الكافرين لأنهم هم الذين سألوا فقال الله (لِّلْكَافِرينَ) العذاب واقع لهم ولهذا اللام هنا أيضاً من العجب في حروف المعاني – بما أنك فتحت الباب – الأصل هنا (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2)) إما أن يأتي بالكافرين أو إلى الكافرين موصِل للكافرين لكن الرب جلّ وعلا في هذا الكتاب العظيم جعل اللام هي الدالة على وقوع هذا الكفر على الكافرين لأجل أن اللام هذه لام الاختصاص فـ(لام الاختصاص) كأنه لا يقع إلا عليهم فأنتم تسألون عن شيء هو سيقع على رؤوسكم بل هو مختص بكم أنتم كأنه هكذا هو أنتم انتبهوا له قبل أن يقع ودعوا عنكم ما لا ينفع من السؤال فجاء (لِّلْكَافِرينَ). والعربي من قريش لما يسمع ليس كنحن، نحن لو سمعنا للكافرين، على الكافرين، بالكافرين، إلى الكافرين لا نفرّق بينها أما هم فلها وقع في قلوبهم وهذا من تعلّم هذا العلم في هذا الباب فيما يتعلق بحروف المعاني وقر القرآن في قلبه بشكل عظيم. (لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ) لن يدفعه أبداً، هو واقع ولن يدفعه أحد سيقول قائل سيقع لكن سندفعه بقوتنا فأخبر الله جلّ وعلا عن الصفة التالية أنه واقع وأنه ليس له دافع لن يدفعه أحد من الناس كائناً من كان فإذا كان سيقع وفي نفس الوقت هو واقع عليكم من دون قدرة على دفعه ولذا بعد جاء (مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ) وهنا عجب في الانتقال، التفات هنا من إجابة هذا الكافر عن سؤالهم إلى صفة تتعلق بالرب جلّ وعلا العذاب نازل فكأن الله سبحانه وتعالى يقول لهم: بدل أن ينزل عليكم هذا العذاب الواقع الذي ليس له دافع اصعدوا إلى ربكم أنتم، هي واحدة من اثنتين إما أن ينزل عليكم وإما أن تعرجوا أنتم إلى ربكم فاختاروا أيهما. لذا قال هنا وهذا من بديع التعبير القرآني لما قال (مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ) بصفة “ذي المعارج” وهي تحتاج إلى كثير من الـتأمل وقد أخذت مني وقتاً طويلاً من قديم الزمن في أنه لماذا ذكر الرب جلّ وعلا صفته (ذِي الْمَعَارِجِ) في هذا الموطن مع أن الكلام كلام تنزيل ليس مكان علو ويظهر أن المقابلة أريد وقد ذكرن في البداية أن السورة سورة مقابلة تذكر هذا وضده مباشرة في هذا الشأن

د. الشهري: والمعارج المقصود بها الصعود؟ درجات العروج

د. عصام: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ) لا يكون العروج إلا لمكان مرتفع شريف ليس فقط علو لأنه قد يكون المكان عالياً لكنه ليس بشريف فلا يقال عرج إلى كذا إلا إذا كان عرج إلى مكان عالٍ شريف فالله جلّ وعلا ذو المعارج سبحانه وتعالى كل علو يصعد إليه سبحانه

د. الشهري: ويمكن أيضاً أن يستدل بقوله تعالى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ (10) فاطر)

د. عصام: كثيرة الآيات التي تتكلم عن العروج والصعود وهذه واحدة من الآيات التي تدل على علو الرب جلّ وعلا بذاته وهذه عقيدة تامة على كل أهل الأديان حتى عند غير أهل الأديان حتى عند الملاحدة وغير الملاحدة لما يريد أن يفزع إلى شيء إنما يرفع بصره إلى السماء حتى البهائم ترفع يدها وذكر ابن الأثير: وكان الناس يُخرجون البهائم في السقيا وهذا نعرفه نحن عن آبائنا وأجدادنا فترفع أبصارها إلى السماء ترفع رأسها إلى الرب جل وعلا وهذا معلوم، فطرة إثبات لعلو ذات الرب جلّ وعلا كما يثبت له علو الصفة وعلو القهر فهو عال جلّ وعلا في كل أسمائه سبحانه

د. الشهري: ثم يواصل في تفصيل العروج هنا (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)

د. عصام: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) الذي يعرج إلى السماء هو الصالح من العمل وما يشبهه فالملائكة بشرفها تعرج إليه جلّ وعلا الأرواح الشريفة تعرج إليه جله فلا يعرج إلى الله إلا ما كان صالحاً شريفاً ولذلك ذكر في المقابلة أنه سينزل إلى دركات النار لذا جاء في الآثار التي صحّت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النار في الأرض السابعة العروج فالعلو للرب هو عروج إليه بينما الهوي فهو هوي إلى دركات الأرض فأنت الآن في منتصف بين هذا وذاك فإما أن تعرج وإما أن تهبط.

د. الشهري: أستأذنك في فاصل ثم نواصل بعده. فاصل نشاهد فيه سؤال الحلقة

————–

فاصل: سؤال الحلقة

قوله تعالى (نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى (16)) ما هو تفسير كلمة (للشوى)؟

1.      شعر الرأس

2.      جلد الرأس

3.      العينين

————

د. الشهري: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون الكرام ما زال حديثنا متصلاً عن سورة المعارج مع ضيفنا الدكتور عصام بن صالح العويد، حياكم الله مرة أخرى. وقفنا يا شيخ عصام عند أول السورة ما زلنا عند قوله تعالى (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) هذا التحديد يا شيخ عصام ما دلالته هنا يقول خمسين ألف سنة وفي موضع يقول ألف سنة؟

د. عصام: ناس كثير قد تسأل عن الروح فذكرناها عاجلاً الروح إما  يراد بها جبرائيل عليه السلام خص من العموم لفضله وشرفه وإما أن يراد بها أرواح المؤمنين والجمع بينهما حسن لأنه لا تعارض بينهما فمن يعرج إلى الرب جل وعلا هم الملائكة ومنهم جبرائيل عليه السلام وهناك أرواح المؤمنين أيضاً كما ثبت في حديث البراء المشهور الذي أمره ظاهر وهو حديث أثبته جماعة من كبار الأئمة في صحته وإن كان هناك ألفاظ لم تثبت ولكن الحديث في أصله ثابت. فالمقصود أن أرواح المؤمنين أيضاً تصعد إلى الرب جل وعلا ودلائل ذلك كثيرة فهنا الذي يعرج الملائكة وجبرائيل عليه السلام وأرواح المؤمنين تعرج إليه (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ). واليوم عند الرب جل وعلا هو على نوعين إما أن يكون اليوم عند الرب سبحانه وتعالى في مقابلة يوم العباد (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج) فهذا مقداره ألف سنة كما نصت عليه الآيات في كتاب الله جل وعلا في سورة السجدة وفي سورة الحج ولكن يوم القيامة هو مقداره خمسون ألف سنة ففرق بين يوم القيامة واليوم عند الرب جل وعلا في مقابل أيامنا. فيوم القيامة هو المقصود هنا ولذلك هذا القول هو الذي دل عليه حديث مسلم في مسألة الزكاة (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ثم تردّ عليه في البهائم عندما تُردّ على الذي لا يزكيها فالحديث ثابت في الصحيح ولكن الإشكال هنا يبقى في المتعلق يا دكتور عبد الرحمن يحتاج إلى شيء من البيان قد يشكل قليلاً لأنه قال (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ) المتعلق بالجار والمجرور هنا إن كان يرجع إلى (تعرج) فهذا إشكال لأنه إذا كان مقصود به يوم القيامة فعروج الملائكة ليس بهذا اليوم فجاء الكلام في المتعلق والذي يظهر أن المتعلق هنا قد يعود إلى أول يعني يكون هذا كأنه عارض بين الآيات والمتعلق يكون بـ (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) بالفعل سأل فهو يسأل عن العذاب والله عز وجل يجيبه عن يوم القيامة هذا هو العذاب الأكمل الأتم هو يوم القيامة فيكون المتعلق هنا والخلاف في هذا المتعلق كثير لا أريد أن أطرق إليه لكن البيّن الظاهر أن يوم القيامة هو الذي مدته خمسين ألف سنة.

د. الشهري: أستأذنك في سؤال يا شيخ عصام معنا الأخت نورة من الرياض

سؤال الأخت نورة من الرياض: سؤالي بالنسبة لحفظ القرآن نجتهد في الحفظ والمراجعة ومع كثرة النصاب قد تتشابه بعض الآيات فيحصل اللبس علينا فيها، وقعت على كتاب يسمى أسرار التكرار في القرآن الكريم لمحمود بن حمزة الكرماني ذكر فيه الاختلافات بين الأساليب في القرآن الكريم مثلاً ذكر هذا الحرف لماذا ذكر هنا، لماذا حذف مثل الفرق بين قوله تعالى (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ(3) المائدة) (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ(173) البقرة) أردت منكم تزكية لهذا الكتاب إن كان على منهج صحيح أو غير ذلك لأنه يعيننا في الحفظ ويسهِّل الوقوف على الفروق اللغوية أو الطرق والأساليب المتشابهة والجمل في القرآن الكريم.

د. الشهري: أبشري، بإذن الله. عفواً يا دكتور قاطعناك واصل تفضل.

د. عصام: هذا هو المقدار جاء بعدها التفريع من الرب جل وعلا قال (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا) يعني هذا تفريع هذا كلامهم وهذا تهكمهم وهذه أيضاً تربية من القرآن لنبينا صلى الله عليه وسلم لما يكون هذا التهكم بهذا اليوم وأمره عنده ظاهر جداً ثم يقول (فَاصْبِرْ صَبْرًا) فهنا تفريع الفاء هذه تفيد أنه حتى وإن فعلوا ذلك حتى وإن قالوه حتى وإن كنت على يقين فردة الفعل منك قال (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا) والصبر الجميل كما نبه عليه ابن تيمية هو جاء عن السلف كثيراً وهذا أجمل ما جاء عن شيخ الإسلام في تعريف الفروق بين الألفاظ قال: الصبر الجميل هو الصبر الصبر بلا شكوى يعني لا تكثر الشكوى هؤلاء يتهكمون بي فالشيخ والداعية إذا كان الناس لا يقبلون كلامه ويتهكمون به واستهزأوا به فإذا أراد أن يكون صابراً صبراً جميلاً يسكت يعني لا الشكوى هم يعلمون أن هذا تهكم وليس حقيقة، فالصبر الجميل أن تعرض عن ذلك ولا تذكره ولا تشكيه إلى أحد. (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)) هذه ايضاً مقابلة هم يرونه بعيداً لا يدرون ابن آدم ضعيف الحيلة لو تقول له بعد يوم واحد لقال لك متى ومتى؟! وهكذا فيرونه بعيد لا يدرون متى فيجعلونه بعيداً قابلهم الرب جل وعلا مباشرة (وَنَرَاهُ قَرِيبًا) أي هو يراه قريباً ولك أن تنظر في مسألة هم ابن آدم يراه بعيداً وخالقه جل وعلا يراه قريباً فالمسألة إذاً محسومة هم يؤمنون بالخالق أصلاً لا ينكرون الخالق فخالقكم يقول إنه قريب وأنتم تقولون إنه بعيد فانظر في الحال ماذا ستعملون وتستعدون لهذا اليوم العظيم؟!.

د. الشهري: أستأذنك معنا إتصال من ينبع.

إتصال الأخت مها من ينبع: عندي ثلاثة اسئلة:

1.   دكتور تعلمنا منكم جزاكم الله خيراً أن هناك سورة مكية ومدنية لكن أنا أود أن أعرف كيف أطبق هذا على القرآن؟ يعني ما الفائدة من معرفة المكي والمدني؟

2.   قال تعالى (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) المعارج) بينما في سورة الذاريات لم تذكر كلمة (معلوم) (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(19) الذاريات) ما السبب؟

3.   ما الغرض من ترتيب الأيات بهذه الطريقة في السورة؟ إن كان في غرض ذكرت الأمانة ثم الشهادة ثم الصلاة؟

د. الشهري: عفواً يا دكتور تفضل في قضية (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ).

د. عصام: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ) المُهل هو الزيت المدردر الذي ثقُل قليلاً أصبح فلما يقلب هكذا، وهي سبحان الله السماء في يوم القيامة تبدأ تكون كالزيت ومن شدة الحرارة التي تتعرض لها السماء كأنها تتقطع تذوب ومع ذوبانها ينفصل الزيت بعضه عن بعض هكذا جاء وصفه بتفصيل أكثر من ذلك في سور أخرى في سورة الواقعة وغيرها، فالله عز وجل يقول (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ) هذا هو اليوم الذي تسألون عنه هذا حاله السماء التي ترونها زرقاء ستنقلب حمراء تتغير في صفتها وفي لونها. (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ) والعهن هو القطن الذي أُعِدّ وفي نفس الوقت تلون أصبحت له ألوان. فالله عز وجل يصف السماء ويصف الجبال هنا هذه السماء وهذا لونها وهذه الجبال هذا حالها في يوم القيامة لأن الجبال ألوان فلما تنقلب إلى عهن تكون ألواناً.

د. الشهري: أستأذنك معنا سؤال من ليبيا الأخت أم محمد من ليبيا تفضلي.

إتصال الأخت أم محمد من ليبيا: سؤالي هل هناك فرق في مدلول ترتيب نهاية الآيات عندما يقول الله سبحانه وتعالى (بما تعملون بصير) أو (بصير بما تعملون) أو (خبير بما تعملون) أو (بما تعملون خبير) أو (حكيم عليم) (عليم حكيم) هل هناك فرق في مدلول الآية في المعنى لو تغير الترتيب؟

د. الشهري: بالتأكيد أبشري يجيبك الشيخ، عفواً لعلكم توقفون الإتصالات حتى يُكمل الشيخ حديثه.

د. عصام: (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) الحميم هو القريب الصديق البالغ قال (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) هنا جاء الشك أن هذا الحميم قد لا يرى الحميم مع الهول لا يسأل عنه (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) لا يسأل لأجل ذلك فجاء الجواب مباشرة من الرب سبحانه وتعالى عن هذا السؤال الوارد أنهم (يُبَصَّرُونَهُمْ) يرون بعضهم بعضاً فالأب يرى ابنه والابن يرى أبيه ولكن لا يسأله ولا يلتفت إليه جاء في اللآثار وهي في مجموعها صحيح عن ابن عباس وجماعة أن الابن يسأل أمه والأم تسأل ابنها وهذه أخبار صحيحة فالسؤال هنا غير السؤال هنا. فالسؤال هنا (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) هذا بعد مضي زمن من تنزل هذه اللآيات العظيمات وحصول هذا الهول الكبير جداً في يوم القيامة فعندما تعظم هذه الأهوال ويكون حالها في قلب من وقعت عليه من الناس أبلغ وأوقع من أن يسأل عن غيره ويذهب إلى الناس يستجدي شيئاً فهنا لا يسأل، هذا في أول الأمر لما تحصل بدايات يوم القيامة يقع السؤال هنا، أما إذا استمر ذلك وتزايد فإن الإنسان لا يستطيع أن يسأل والأمر عنده أعظم من ذلك كثيراً.

د. الشهري: وهل هذا أيضاً نفس المعنى في سورة عبس في قوله (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) عبس)؟

د. عصام: وهو نفس المعنى في أواخر سورة النازعات أيضاً في ما يتعلق بأهوال يوم القيامة سورة عبس أيضاً كذلك كل هذه السور ختمت بهذا المعنى. (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ) المجرم هو من أجرم في حق ربه جل وعلا سواء كان كافراً أو غير كافر فالكافر يدخل أصالة وغيره لا قدّر الله يدخل تبعاً في ذلك. (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ) وهذه الآية أنا أقولها دائماً للناس من أعظم الآيات التي تعالج قلب كل من وقع في المعاصي وانغمس فيها فإذا رأى الإنسان منه ضعف في دينه فما عليه إلا أن يتلو هذه الآية وأن يتخيل وأن يتصور ما الذي يجري في يوم القيامة الآن هو يبصر بمعنى يرى ابنه وبنته وزوجه وأمه ويرى أبيه ويرى الناس من حوله ثم يود بعد ذلك مباشرة إذا رأى يوم القيامة أن يرمي بفلذة كبده أن يرمي بابنه أن يرمي بزوجته أن يرمي بأبيه بأمه أن يرمي بكل الناس حتى بأنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله جميعاً يرميهم جميعاً في نار جهنم من أجل شيء واحد أن يفدي نفسه بذلك فمن رأى ذلك رأي العين تصوره وتخيله وعاشه وربي ما يُقبل على معصية الله عز وجل ورأى ما رأى سبحان الله الآن الإنسان منا يريد أن يفدي إبنه بروحه بكل ما عنده لو قدر ووقع عليه شيء فداه بنفسه فكيف الآن إذا كان يوم القيامة يريد أن يفدي نفسه هو بابنه وأعز الناس إليه؟! فمن تخيل ذلك في يوم القيامة علم أن الهول وأن العذاب الذي يراه الناس الذي أصبح الآن زلفاً قريباً منهم أنه أعظم بكثير مما يتخيل الإنسان في الدنيا فمن تأمل ذلك ودخله إلى قلبه رده ذلك عن معصية ربه.

د. الشهري: ثم هذا تصوير ليس فيه مبالغة أو خيال هو حقيقة لا شك فيها.

د. عصام: يقيناً هو الذي تكلم عن هذا هو أعلم العلماء جل وعلا.

د. الشهري: ثم يقول (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)).

د. عصام: والله يا شيخ عبد الرحمن أقول لك شيء في هذا أنا عندي ابني عبد الرحمن وأنت عندك ابنك عبد الله أسأل الله عز وجل أن يصلح لنا ولكم ما أعطانا والله يا أخي إني اقف قليلاً وانظر إلى ابني عبد الرحمن وباقي أبنائي أقول أنا يوم القيامة لو لا قدر هكذا سأرمي بهؤلاء أنا الآن أفديهم بكل ما أملك ما يملك الإنسان بعد هذا إلا أن يرتد إلى نفسه متعظاً منزجراً سبحان الله أنا سأرمي هؤلاء وربي لو طلبوا مني في هذه الدنيا ما أملك وما لا أملك ما ترددت في هذا شيئاً لو طلبوا دمي لو طلبوا قلبي لو طلبوا كل جوارحي أعطيتهم فكيف هناك أرمي بهم في نار جهنم لأفدي نفسي؟! فإذن الهول عظيم وشديد جداً.

د. الشهري: هنا سؤال دائماً يا شيخ عصام يسأل هنا وفي سورة عبس لماذا قال في سورة عبس قال كذا وهنا قال (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)) وهناك قال (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيه ِ(35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) عبس) ما الفرق؟

د. عصام: هذا راجع إلى علم السياق والسياق هو الذي يبين عن ذلك جداً هنا في سورة المعارج الكلام بدأ أن أغلى ما يفديه الإنسان ليس والديه وليس زوجته وإنما هم أبناؤه أكثر من ترحم، ليس الكلام عن الحب الآن الكلام عن الرحمة الحب بعيد الكلام الأن عن أكثر ما ترحم وتشفق عليه هم أبناؤك ومع ذلك سترمي بهم بدءًا هم أول من ترمي بهم في نار جهنم ولم يذكر الوالدين هنا وقد اختلف أهل العلم في سبب ذكرهم أصالة وأنهم يدخلون في أواخر الآيات والذي يظهر لي والعلم عند الله ولم أجد أحداً ذكره بهذا المعنى ولكن هو الذي استقر في ذهني أنهم لم يذكروا توقيراً لهم بمعنى أنه لم يذكر الوالدين هنا في مسالة الرمي رميهم في نار جهنم توقيراً لحال الوالدين في هذا وكل الأجوبة في ماعدا هذا تأملتها فلم تصلح عندي والعلم عند الله.

د. الشهري: وهو جواب وجيه. (وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ) الصاحبة المقصود بها هنا الزوجة.

د. عصام: الزوجة صاحبته في فراشه وصاحبته في بيته فهي أكثر الناس صحبة له فهو يريد أن بعد أن أحبها وعاش معها وتقلب هو وإياها على فراش واحد واهتنأ بها واهتنأت به أن يرمي بها في نار جهنم! هذا هو الحال.

د. الشهري: (وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) المقصود بها قبيلته أو عائلته.

د. عصام: الفصيلة القبيلة كلها العائلة لأنه لم يذكر القبيلة هنا الفصيلة لمَ؟ لأنه فُصل منها لذلك قال بن عاشور في عبارة جميلة له قال أول من يدخل في الفصيلة هي الأم هنا لأنه كان مرتبطاً بها بسرّه فلما فُصِل عنها صارت هي من الفصيلة بالنسبة له فقال هذا إشارة بينة إلى دخول الأم في هذا. التعبير بفصيلة هو أدق بكثير وأكثر إيصالاً للمعنى من التعبير بالقبيلة وما شابه ذلك.

د. الشهري: ثم أيضاً الآية التي بعدها في قوله (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ) يدخل فيها كل ما تقدم.

د. عصام: هذه موصولة تفيد العموم ما ترك أحداً يريد حتى أن يرمي بالأنبياء والرسل من أجل ذلك، لا إله إلا الله الآن دار الإمكان الآن تنقذ لا أن ترمي.

د. الشهري: نتوقف يا دكتور الفاصل الأخير معنا في هذه الحلقة ثم نواصل معكم إن شاء الله فاصل أيها الإخوة المشاهدون ثم نواصل حديثنا بإذن الله.

——————————–

إعلان مركز تفسير للدراسات القرآنية – ملتقى أهل التفسير

———————————–

د. الشهري: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى بعد هذا الفاصل ونرحب بكم مرة أخرى ولعلنا نشاهد قبل أن نستكمل حديثنا مع الدكتور عصام الفائز في حلقة الأمس

الفائز في حلقة الأمس: زكرياء ابن عبد الحكيم البشي – تونس

نعود يا دكتور عصام إلى الآيات في قوله سبحانه وتعالى (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى) هذا مقطع في غاية الشدة.

د. عصام: هذا مقطع في غاية العظمة ولهذا نقول للناس الوقف هنا تام بمعنى أنه ينبغي لقارئها أن يقول (كلا) ثم يقف (إِنَّهَا لَظَى) وإن أراد أن أن يرجع لا بأس فهو حسن أيضاً فيقول (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى) لكن لا يمررها لا يقول (ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى) لا يمرر هذه الآية بهذا الشكل.

د. الشهري: يجب أن يتوقف عندها ويعطيها حقها.

د. عصام: هذا وقف قلبي له معنى ودلالة ظاهرة جداً بينة ولذلك المرور عليها هكذا سريعاً لا ينبغي، ينبغي للقارئ سواء كان إماماً او يقرأ لنفسه أن يقف هنا حتى أن القلب يجد فرصة أن يتدبر وان يتأمل هذه الحال (كَلَّا) يتبصر فيها (إِنَّهَا لَظَى) أو (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى) يقف هنا ثم يعود للآية مرة ثانية حتى يحرك القلوب.

د. الشهري: ولظى المقصود بها هنا جهنم اسم من أسمائها.

د. عصام: هو لهب هذه النار لظى هو الآن يرى اللهب لم يرى جهنم كلها الكلام هنا على لهبها ولذلك قال نزاعة للشوى ولم يتحدث لرب جل وعلا عن جهنم هنا لاـ إنما تحدث عن لظاها عن حرارتها عن لهبها الذي يكون في أعلاها هذا اللهب هو الذي نزاعة للشوى هذا اللهب الذي يضرب أول ما يضرب هؤلاء المجرمين عياذاً بالله أسأل الله عز وجل أن يحفظني وإياكم من هذا الموقف، لما يضربهم هذا اللظى يحصل لهم مباشرة (نَزَّاعَةً لِلشَّوَى) لهب النار ينزع كل شوى، الشوى هو كل ما هو قابل للشوي ينزع الجلد ينزع الشعر من أول ضربة كما نبه الله عز وجل على ذلك في سورة المدثر (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) المدثر) هذا هو المقصود أول النار ليس المقصود هو عذاب النار إنما هو أولها مطلع النار حينما يقترب هؤلاء منها نسأل الله عز وجل أن يحفظني وإياكم. (نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)) المهم هنا التفريق بعض الناس يقول انها مترادفة (أدبر وتولى) الإدبار هو أن يُعرض جاءك الخبر جاءك القرآن قال لك (كلا إنها لظى) فأعرضت وما تأملت ولا تدبرت فيها هذا إعراض (أدبر)، تولى هو تولى إلى غير القرآن إلى غير دين الله عز وجل فهنا أدبر عن دين الله وأدبر عن الداعي له إلى دين الله وتولى إلى غيره فإذا جمع أنه أدبر أعرض ثم ذهب إلى مقابله إلى عدوه إلى الشيطان ترك الرحمن وذهب إلى الشيطان قيل عنه هنا في هذا الحالة (أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) لأن أصل التولي هو الملازمة والمصاحبة فهذا هو المقصود هنا أنه أدبر وتولى وهذا هو الفرق بينهما. (وَجَمَعَ فَأَوْعَى) الجمع هنا أن يعبّ، أوعى أي جعله في وعاء حشره في وعاء ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت أبي بكر كما في صحيح البخاري قال تصدقي ولا توعي فيوعي الله عليك، لا تحسبي بعض الناس يحسب زكاته أو الصدقة الزكاة تحسبها حتى تبلغ النصاب وتوقف لا تقول والله أنا كم دفعت بعض الناس يحسب صدقته يقول تصدقت بكذا وكذا لا لا تحسب هذا لا تجمع لا توعي بعض الناس يحسب كل شيء إحسب أخي بقدر ما تحتاج إليه بعض الناس عنده ماله قليل جداً إحسب هذا المقدار عندك سعة في رزقك أخي لا توعي فيوعي الله عليك.

د. الشهري: أنفق، ليتنا حتى لا يدركنا الوقت نريد أن نجيب على الأسئلة.

د. عصام: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)) أصل الهلع مأخوذ من معنى الجزع ناتجه الجزع ولذلك اختلف أهل اللغة في الهلع اختلافاً بيناً جداً حتى قال بعضهم لما سئل عنه قال هو ما ذكره الله لا نعرف إلا ذلك فالمقصود أن الله وصفه أن الإنسان إذا مسه الشر جزوع أول ما يصيبه شيء مباشرة تكون ردة فعله سريعة بالجزع ولما يأتيه الخير مباشرة يكون منوعاً فسبحان الله.

د. الشهري: هذا هو معنى الهلع.

د. عصام: ردة الفعل السريعة السيئة في مقابل الخير وفي مقابل الشر، هذا هو الهلع.

د. الشهري: ثم ذكر دوامهم على الصلاة أيضاً.

د. عصام: هي سبع صفات من أراد أن ينجو وأن يعرج مع الملائكة ومع الروح فما عليه إلا أن يطبق هذه السبعة. هذه السبع بدأها الله عز وجل بالمصلين وهنا بدأ الله بما هو ظاهر وبيّن فقال سبحانه وتعالى (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ(23)) فإن كان على صلاته دائماً عُرِج به وارتفع ثم قال سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) هذا الحق المعلوم هو الواجب على المتصدِّق وكان قديماً معلوم ليس بالنصاب وإنما معلوم بما ينبغي له.

د. الشهري: وهذا سؤال الأخت تقول لماذا قال تعالى (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) المعارج) بينما في سورة الذاريات لم تذكر معلوم (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات)؟

د. عصام: حق معلوم أنه جعل في ماله شيء معلوم ينفقه على الفقراء وهذا أدعى ألا يقصّر فيه.

د. الشهري: هذه الزكاة الواجبة هذه.

د. عصام: هذه الزكاة الواجبة ليست الواجبة بالنصاب وإنما الواجبة على سبيل أنها صدقة تخرج هكذا كما كانت في الزمن المكي ولذلك من زعم أن هذه الآية نزلت مدنية هذا القول ليس بشيء كما سبق هي مكية ولكن الله أوجب عليهم الزكاة ليست بنصاب ليست الزكاة المفروضة الأن كما أوجب عليهم الصلاة ليست هي الصلوات الخمس هذا كله كان واجباً في السابق ولكنه يخرج شيئاً معلوماً يعرفه هو أنه أخرج ما أوجب الله عز وجل عليه بدون مقدار واضح.

د. الشهري: الثالثة قال (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ).

د. عصام: رجع إلى الأمور القلبية الأمور الظاهرة ذكرت بدءًا لأنها علامة المسألة الآن علامات ظاهرة فذكرت أمور الجوارح وهي الصلاة والزكاة ثم رجع ربنا سبحانه وتعالى إلى ما يتعلق بأمور القلب فقال جل شأنه (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)) هذا رد على تهكمهم هم فعذاب الرب غير مأمون فلا تتهكموا به ثم يقع عليكم هذا تنبيه لذلك. قال (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ (30)) هنا رجع إلى مسألة الكلام عن الفروج وهنا هذه الآية من أشهر الآيات في تحريم ما يسمى بالعادة السرية لأن الله حصر المباح في الفروج بأمرين اثنين إما على ازواجهم أو ما ملكت أيمانهم فما عدا ذلك فإنه إعتداء كما نص الله عز وجل (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) فالعادة السرية وما شابه ذلك هي من هذا العدوان. (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ(33)) الأمانة معلومة لما يؤتمن الإنسان على شيء هو قائم بها (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) أنا أقول لأحبتي يعذرونا في عدم الوقوف على حروف المعاني لأجل الوقت فحروف المعاني هنا لها دلالة لكن نتركها إلى محل آخر بإذن الله (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) الشهادة هنا أن يُستشهد على شيء فهذه أمانة يعطى وهذه شهادة يحفظها ويجب عليه أن يؤديها فكتمان الشهادة لا يجوز وقد نصت على ذلك سورة البقرة وجاء الخبر عن نبينا صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك. قال (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) فرجع “دائمون – يحافظون” فمداوم على صلاته أي أنه يقيمها دائماً ويحافظ على صلاته أنه يقيمها كما أرادها الرب جل وعلا فمن أداها كما أراد الله وأداها دوماً محافظاً عليها فهو داخل في هذه ولذا هذه الصفات منهم من يقول سبع ومنهم من يقول ثمان من جعلها سبع جعل الصلاة مرة واحدة ومنهم من جعلها ثمان جعل الصلاة مرتين.

د. الشهري: هل نختم الحديث عن سورة المعارج حتى نجيب على الأسئلة ولو في دقيقتين بقيت.

د. عصام: لا بأس، قال سبحانه وتعالى (أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) هذا هو جزاؤهم من الرب جل وعلا. (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) الإهطاع هو السير وقد مد العنق مثل البعير مهطع مد عنقه هؤلاء الكفار لما يجلس النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن يقومون إليه هكذا ويمدون أعناقهم مسرعين يريدون أن يستمعوا كاستماع الذين يريدون الهداية في صورته وإنما يريدون الإستهزاء فقال الله عز وجل (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)) عزين أي متفرقين جاءوا جماعات من هنا وهناك. (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) أراد هنا الرب جل وعلا أن يقول هذه حال من أراد الإقبال على مجالس الذكر وهؤلاء جاءوا تهكماً كأنهم حالهم يريدون أن يدخلوا جنة النعيم فيقول الرب مجيباً عليهم إذا كان هذا حالكم صفتكم في الهيئة كحال الذين أقبلوا على الهداية ثم أردتموها استهزاءً برسولنا صلوات ربي وسلامه عليه فيقول الله عز وجل بعد ذلك مجيباً عن هذه الحال (كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ) ليس الأمر هكذا فإن كانت قلوبكم تستهزئ وكانت ظواهركم كأنها تقبل (كلا) وهنا أيضاً مفترض أن يقف لأن الوقف إما أن يكون تاماً أو حسناً فيقف عند (كلا) فإن كان تاماً فلا يرجع وإن كان حسناً فيرجع (كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) فالخلق هنا لأجل مسألة البعث هم أنكروا البعث فقال الله لمَ تنكرونه؟ كلا، هذا حالكم في الإنكار والجواب عنها بالإنكار (كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)) هذا كله ظاهر المعنى بين لا يحتاج إلى تبيان. قال (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ (43)) الأجداث هي القبور، (سِرَاعًا) مسرعين (كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) إلى أصنامهم يوفضون إليها عجلين لأجل أن يذبحوا إليها القرابين ثم قال الله سبحانه وتعالى (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) ترهقهم أي تغشاهم الرهق هو أن يغشاك من كل وجه فالذلة في كل جوارحهم في كل اتجاهاتهم تغشاهم (ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) وظاهر هنا التهكم من الرب جل وعلا بهم فما كان في أولها كان في آخرها.

د. الشهري: شكر الله لك لعلنا ناخذ سؤال الأخت نورة أول سؤال سألت عن كتاب يا شيخ عصام قالت أنهم يحفظون القرآن ولكن تتشابه عليهم الآيات فاستعانوا بكتاب أسرار التكرار في القرآن لمحمود الكرماني فما توجيهك لهذا الكتاب؟.

د. عصام: إن أرادوا أن يستفيدوا من الكتاب في مسألة ضبط الحفظ فلا بأس وهناك كتب أخرى في المتشابه يمكن أن تعينهم أيضاً لكن إن ارادوا أن يأخذوا منها الدقائق اللغوية فلا أنصح بذلك في الحقيقة الرجل لغوي وإمام ولكن ليس بالمدقق المحقق ولا يجمع بين اختياره وبين كلام السلف. في الدقائق اللغوية نحتاج من يحسن اللغة ويتقنها ومن يجمع بين كلام السلف.

د. الشهري: هل هناك كتاب تنصحهم به في قضية ضبط المتشابه أنا فيما يبدو لي من كلام نورة أنها تقصد المتشابه اللفظي.

د. عصام: كثير في كتاب للدكتور محمد المسند جميل جداً وسهل لم يكثر فيه من المتشابه بحيث أنه يصعب أنا رأيت بعض كتب المتشابه طويلة أصلاً هي أصبحت متشابه من كثرتها فكتاب الدكتور محمد بن عبد العزيز المسند مختصر ويسير ذكر المتشابه بالفعل الذي يشكل على الناس فأظنه كاف في الباب.

د. الشهري: شكر الله لك يا شيخ عصام اعتذر من الإخوة والأخوات الذين سألوا لعلنا غداً إن شاء الله نستفتح بجواب أسئلتكم بإذن الله تعالى. باسمكم جميعاً اشكر الشيخ الدكتور عصام بن صالح العويد على ما تفضل به في هذه الحلقة وأسأل الله سحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن العاملين به والمتدبرين له وأراكم غداً إن شاء الله وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.