في رحاب سورة
د. محمد صافي المستغانمي
قناة الشارقة – 1436 هـ
في رحاب سورة الأنبياء – 3
تفريغ موقع إسلاميات حصريًا
تقديم الإعلامي محمد خلف
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴿٣٠﴾) ما علاقة خلق السموات والأرض وكيف خلقهما الله سبحانه وتعالى في التكوين الأول بالماء؟
جمع الله سبحانه وتعالى بين عدد من الآيات العلمية الدقيقة في هذه السورة ويكفي هذه السورة شرفا أن الله ذكر فيها الانفجار العظيم (رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) والانسحاق العظيم في آخر السورة وهذا من باب رد العجز على الصدر وهذا دليل على تناسق السورة الواحدة دائمًأ نجد هذه الظاهرة شيء يُذكر في البداية ويذكر شيء في النهاية يعود عليه رغم تعدد الموضوعات ما بينهما لكن بينها خيط يربطها هنا لما قال (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) دعا الجميع للتأمل في حقائق القرآن (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) حقيقة أخرى عظيمة، من علّم محمدا صلى الله عليه وسلم وهو في مكة لم يخرج منها كل هذه الحقائق العجيبة؟ يقول العلم الحديث في هذه الآية أن الماء سابق في وجوده على جميع الخلائق لأن حياة الإنس لا تكون إلا بالماء وحياة النبات لا تكون إلا بالماء كل شيء، فالماء سابق في وجوده، إن الله خلق كل صور الحياة الأرضية بالماء وأثبتت العلوم الحديثة أن خلق النبات كان دائما سابقا لخلق الحيوان وخلق الحيوان سابقا لخلق الإنسان، لما قال جلّ جلاله للملائكة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (30)البقرة) كان قد سخر له من قبل كل شيء وإلا كيف يعيش الإنسان؟. خلق النباتات البحرية والأرضية سابق لخلق الحيوانات البحرية والبرية لأن هذا الماء ضروري لبناء الأجساد كما أنه ضروري لمساعدتها على القيام بمختلف وظائفها. الماء يذيب كل شيء ويشكل العنصر الأساسي في بناء أجساد كل الكائنات الحية: الإنسان 71% منه ماء و93% ماء من الجنين، دم الإنسان 80% ماء، إن جميع الأنشطة الحياتية من التغذية إلى الإخراج إلى النمو إلى التكاثر لا تتم إلا بالماء، من علّم محمدا صلى الله عليه وسلم (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)؟ هذا أمر عجيب في علم الجيولوجيا والأحياء والبحار والمحيطات، نجد في القرآن حسب شخصية كل سورة وحسب مقتضيات كل سورة إعجازا يناسبها كما في سورة النور (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ (40)النور) إعجاز علمي رهيب في هذه الآية هذه من اللفتات التي أرادها الله أن تكون في هذ السورة العظيمة.
(وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)الأنبياء) رواسي أي الجبال، تميد أي تضطرب وتتحرك.
(وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)الانبياء) الإعراض من بداية السورة (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)الانبياء) (عن آياتنا معرضون) حينما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم آية حسية هذه كلها آيات لكنهم هم لا يقرأونها قرآءة تدبرية صحيحة، هم يقولون هذه طبيعتها، من رفع السماء بلا عمد؟ (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا (10)لقمان) ثمّة أعمدة جاذبية تمسك الكون (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)الذاريات) لذلك يقول الله تعالى (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا (2)الرعد) أي بغير أعمدة مرئية ثمة أعمدة غير مرئية هم لا يحسنون قرآءة هذه الآيات العلمية العظيمة، خطاب للعلماء في العصر الحديث، هم كانوا يريدون آيات حسية مثل العصا وقد أعطاه شق القمر (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)القمر) لكنهم قالوا سحرنا ابن أبي كبشة، والآن العلوم الحديثة في الفلك أثبتت أن القمر فيه شق عظيم واضح جدا أكثر من 200 كيلومتر. ألفت الانتباه إلى الآية التي قال (وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون) لعلهم يهتدون بهذه الفجاج في الكرة الأرضية، سبلا أي طرق وهي بدل لفجاجًا، الفجاج طرق والسبل طرق لكن الفج يكون بين جبلين والسبيل عامة، كلمة مطلقة. جعلنا فيها فجاجا وجعلنا فيها سبلا. هنا قال (فجاجا سبلا) الفجاج بين جبلين والسبيل طريق عام وفي سورة نوح قدم سبل على فجاج (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) نوح) لأنه تقدم الحديث عن الأرض بساطا مدحوة مبسوطة وأما هنا لما تقدم الحديث عن الجبال الرواسي قدّم الفجاج جمع فجّ والفجّ يكون بين جبلين.
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)الانبياء) الشمس والقمر نجم وكوكب لكن الليل والنهار زمن فكيف يتحدث عن الظواهر بأنها خلق؟ وهذه الايات جعلت بعض المحدثين يقعون في إشكالية حيث أنهم فسروا أن الليل والنهار هما كوكبان يحيطان بالكرة الأرضية فإذا جاء كوكب الليل أظلمت الدنيا وإذا طلع كوكب النهار أسفرت الدنيا تفسير غريب واستشهدوا بهذه الآية وقالوا (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)؟!!!.
لقد أوتوا من عدم دراسة اللغة العربية. في اللغة شيء اسمه الكناية وفي هذه الآية (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) الليل والنهار ظاهرتان كونيتان تتعاقبان على الكرة الأرضية والآن لا مجال للشك أن الأرض التي نحن عليها كرة أرضية مفلطحة. الكرة الأرضية لها جهتان اثنتنان كبيرتان: الجهة التي فيها أوروبا والشرق الأوسط وافريقيا والجهة الثانية الأميركيتان وما جاورهما، الليل في الجهة هذه يكون النهار في الجهة الثانية، الجهة المقابلة للشمس يكون فيها النهار والجهة المقابلة لها تكون في الليل فكأن الله تعالى في هذه الآية يقول بالتلميح بالكناية: خلق الأرض والشمس والقمر، الليل والنهار هنا كناية عن الأرض، تحدث عن الأرض بالظاهرتين: الليل والنهار ودلنا على أن الأرض كروية أن الجهة المعرضة للشمس يكون فيها النهار والجهة التي تكون مختبئة عن الشمس تكون في الليل وهذا دليل على دوران الأرض حول محورها أمام الشمس وهذا ما يثبته علم الفلك فلا يقول أحد كوكب الليل وكوكب النهار لأن هذا ليس كلاما علميا وقرآننا ليس فيه تناقض مع العلم أبدًا. لا بد لمن اشتغل العلوم أن يفهم اللغة العربية قبل أن يخوص في القرآن لأنها هي الأداة لتوصيل معنى القرآن (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا (113) طه) كيف نفهمه ونحن لا نعرف عادات العرب في المجاز والكناية والاستعارة والاحتباك والاحتراس؟! (خلق الليل والنهار) كناية عن الأرض عوض أن يقول خلق الأرض والشمس والقمر كل في فلك يسبحون لو قال هذا للعرب المشركون لما عقلوه ولكذبوه ولقالوا كيف تسبح الأرض ونحن مستقرون عليها وهي ثابتة تحت أقدامنا، هم خاطبهم بما يعقلون في ذلك الزمان وفي الوقت نفسه ضمّن القرن إشارات علمية تتناسب مع جميع العصور (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) النساء) والحمد لله أنه من عند الله فليس فيه اختلاف.
عبّر الله عن كروية الأرض بطرق مختلفة وغير مباشرة (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) الحج) يدخل ظلمة الليل في منطقة النهار ويولج ضياء النهار في منطقة الليل، وقال (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ (5) الزمر) تكوير الليل على النهار دليل على أنهما ظاهرتان كونيتان تتعاقبان على كوكبنا (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا (54) الاعراف) بمعنى يغطي بظلام الليل ضوء النهار والعكس صحيح يغطي بضياء النهار الليل وقال (يطلبه حثيثا) وردت في سورة الأعراف التي تتحدث عن بداية الخلق ودلت الدراسات العلمية الفلكية أن الكرة الأرضية في بداية الخلق كانت تدور دورانا سريعا جدا عبّر الله عنه (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا) والليل يطلب النهار والنهار يطلب الليل حثيثا بسرعة لأن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وحتى تستقر الكواكب والنجوم وكل شيء لا بد من سرعة طاردة تبعدها عن مركز الكون وإلا ظلت الأرض منجذبة إلى الشمس فسبحان الذي أنزل القرآن يوافق جميع ما توصل إليه الإنسان وما لم يتوصل إليه الإنسان.
الليل والنهار قصد الله تعالى بهما الكرة الأرضية وهي والشمس والقمر في فلك يسبحون.
ثم تأتي آية تدل على بشرية الأنبياء (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)الانبياء) إلى أن يقول الله تعالى (وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)الانبياء) هذه الآية (وإذا رآك إن يتخذونك) ما يتخذونك إلا هزوا وفي قرآءة هزوءا، أهذا الذي يذكر آلهتكم؟ تصغير لمحمد صلى الله عليه وسلم ذكرنا بأن كل ما نقرؤه في القرآن هو لمعالجة ما عاشه محمد صلى الله عليه وسلم من قصص أنبياء وغيرها، قالوا (أهذا الذي يذكر آلهتكم) وفي قصة إبراهيم التي ستأتي (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)الأنبياء) نفس التعبير ما وقع لإبراهيم وقع لمحمد صلى الله عليه وسلم أدلل على الكلام الذي قلناه أن كل ما وقع للأنبياء ذكره الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم بضيغة قريبة مماثلة، قال (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) كما ذكروا عن إبراهيم ذكر المشركون عن محمد.
(خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)) لفرط عجلته، هو وصفه (وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)الإسراء) لكن هنا لا يكفي قال خلق من عجل قمة البلاغة ما قال في عجل كأنه خُلِق من مادة العجل. كل الناس إلا من رحم ربي العجلة صفة دائمة في الصالحين وفي الطالحين، الصالح يريد أن يستعجل على أمور هو يراها من الأهمية بمكان والمشركون هكذا، لكن مناسبة هذا الكلام (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ) لما ذكر قبلها كانوا يستهزئون بالرسول صلى الله عليه وسلم، تخيل أنا مسلم مؤمن وأرى المشركون يستهزئون برسولي أعجل وأقول يا رب أنزل عليهم العقوبة، يستعجل يقول يا رب أين العقوبة؟ هؤلاء لا يردهم شيء! ونحن في مساجدنا ندعوا عليهم اللهم أرنا بأسك في المشركين. فالمؤمنون في عهد رسول الله كانوا يرون رسولهم صلى الله عليه وسلم يتنقص من قيمته ويُستهزأ بهم فكان حنقهم كبيرا على المشركين فقالوا عجّل لهم بالعذاب فقال الله تعالى (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ) لا تستعجلوا سأريكم آياتي فيهم فلا تستعجلون وجاءت غزوة بدر ورأى القوم مصارعهم وقال الرسول صلى الله عليه وسلم يا فلان ويا فلان هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فقد وجدنا ما وعد ربنا حقًا.
الأولى كانت للمؤمنين لأنهم كانوا مستعجلين لوقوع العذاب على المشركين والمشركون أيضًا عندهم عناد قالوا يا محمد أنت دائمًا تعدنا بالعذاب متى هذا الوعد؟ هم أيضًا يستعجلون العذاب. فكأن الله عز وجلّ حينما قال (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ) عامة الإنسان مؤمنهم وكافرهم. أيضًا المشركون كانوا يستهزئون عندما قال يقول لهم النبي صلهم سيصيبكم كذا، قالوا (إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)العنكبوت) متى وعد الله؟ يتمادون في طغيانهم يعمهون ويستهزئون ولذلك جاءت النظرية (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ) وتم التدليل عليها بمقولات المؤمنين ومقولات الكافرين.
بعد ذلك يقول الله تعالى (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)) (لو) أداة امتناع لامتناع جوابها هنا محذوف وغالبا جوابها محذوف في القرآن، في اللغة يمكن أن يأتي جوابها نقول: لو تعلم ما في نفسي لعذرتني. لكن (لو) في القرآن بلاغة القرآن تقتضي التهويل فقال (لو يعلم الذين كفروا) حين لا يستطيعون رد النار عن وجوههم ولا عن ظهورهم لرأوا أمرًا يهولهم، لرأوا عجبا عجابا. فـ(لو) هنا أداة امتناع لامتناع وجوابها محذوف لتهويل الأمر، لو علموا لرأوا العجب العجاب. الآية فيها شيء من الناحية البلاغية (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ) يمكن لقائل أن يقول لا يكفون النار عن وجوهم لكن ممكن يكفونها عن ظهورهم، فقال (ولا عن ظهورهم) هذا احتراس بمعنى تحيطهم النار من كل جانب، هذا احتراس والاحتراس في القرآن من أروع ما يكون. لما قال (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)الانبياء) لو قال بردا فقط لأضرت بإبراهيم ويتأذى إلى الجمود لكن قال (وسلاما) احتراس.
(وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)الزمر) من قبلك أي من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، أقرب الأنبياء للنبي صلى الله عليه وسلم عيسى عليه السلام وقبله من العرب إبراهيم وابنه إسماعيل. كل أنبياء بني إسرائيل ينتمون إلى يعقوب وإسحق وكلهم أبناء إبراهيم. فلماذا بدأ القصص في سورة الأنبياء بموسى عليه السلام مع أنه بعيد جدًا عنهم؟ في سورة طه قلنا أن نبي الله موسى عليه السلام أن شخصيته وما وقع له من أحداث بالضبط شبيه لما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم، موسى أوتي كتابًا وهو التوراة ومحمد صلى الله عليه وسلم أوتي القرآن، موسى كان صاحب شريعة أتى بها لبني إسرائيل بينما أنبياء آخرون كانوا ضمن شريعة موسى عليه السلام، إبراهيم الخليل صحيح أتى بشريعة ولكنها صحف معالم للتوراة وليس كتاب بدليل أن الإنجيل جاء كمّل التوراة فالقرآن كتاب الإسلام الأعظم والتوراة كتاب موسى الأعظم وموسى هجّر من بلده ومحمد صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة، تناسب عجيب! فكان من الأولى أن يبتدئ بها (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)الأنبياء) يستحيل أن يتكلم عن موسى لوحده، موسى رمز، فكما آتى موسى الكتاب وعانى مع بني إسرائيل وفرعون كذلك الشأن مع محمد لكن الشأن مع محمد أعظم (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)الأنبياء) وصف التوراة بأنها فرقان بين الحق والباطل وضياء تنير لهم الطريق وذكرا وذكرها في سورة المائدة بأنها (هُدًى وَنُورٌ (46)المائدة) وكثر فيها الحديث عن الهدى والنور حتى أنها وصفت الإنجيل أنه هدى ونور. سورة الأنبياء سورة الذكر تكرر فيها ذكر 13 مرة فالأحرى أن توصف التوراة هنا بالذكر. وذكرها بالفرقان لأنها تفرق بين الحق والباطل. بعض المفسرين قالوا الفرقان هي المعجزات الحسية التي تفرق بين الحق والباطل، لكن الأولى حملها على التوراة غير المحرفة لأن فيها فيها فرقان لكن لما حرفوها ووضعوا ما يشاؤون ما أصبحت فرقانًا لذلك كانت لأمة مؤقتة فجاء الإنجيل قام بتصحيحات في شريعة موسى ثم حرفوه فجاء القرآن الذي يأبى التحريف والتزييف (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)الحجر) فحفظه الله جلّ جلاله في العقول والصدور والسطور وزاده تصديقا فيما يحدث في العصر الحديث من العلوم تصدق ما في القرآن.
الحديث عن موسى هنا بأن الله آتاه التوراة فعقبه مباشرة بذكر القرآن (وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ) ووصف القرآن أنه مبارك أعظم وأجلّ من وصف الفرقان لأنه مبارك أينما كان، لأن البركة تشمل كل شيء أينما حل وحيثما ارتحل في العقيدة مبارك في الشريعة مبارك وبالنسبة للعرب مبارك ولمن يأتي بعدها مبارك. (مبارك) صيفة المفاعلة تدل على المشاركة في الله العربية والله تعالى كثر خيره (تَبَارَكَ الَّذِي (1)الملك) ما قال كثر خيره وعمّ نفعه فالمباركة فيها الكثرة والمبالغة. ثمة مناسبة لوصف القرآن بالمبارك لما سخّر الله الريح لسليمان قال (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)الانبياء) وهي بلاد الشام كلها فلسطين وما حولها وفي سورة الإسراء (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ (1)) وهنا الأرض التي باركنا فيها. لما نجا الله إبراهيم ولوطا قال (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)الانبياء) فلما ذكر الأرض بالبركة مرتين ذكر القرآن بصفة البركة، ذكر القرآن بصفة البركة لأنه ذكر البركة التي تحيط حول بيت المقدس والكعبة المكرمة، وهي صفة عظيمة ولكن نحتفظ في أذهاننا أن الله سمى القرآن ذكرًا في سورة الأنبياء الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير ذكر أنه وصفه بالذكر لأن صفة الذكر متمكنة منه، (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)الأنبياء) القرآن تذكير، قصص الأنبياء تذكّر، الإعجاز العلمي يذكّر أينما فتحت القرآن فهو يذكّر بالله، فصفة القرآن بأنه ذكر صفة متمكنة، لذلك عندما نقول القرآن نقول الذكر بدون نزاع (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) المشركون يعلمون ذلك فقالوا (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)الحجر) اعترفوا ولكنهم خلطوا بين الصفات، لفرط وضوحه ولأنه يذكّر بالحقيقة التي لا تغيب، حقيقة الاعتقاد وأننا عباد الله قالوا (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) الشيخ الشعراوي يقول كيف يستوي صاحب ذكر ومجنون؟ المجنون لا يكون معه ذكر! وفي آية أخرى قال (مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)الدخان) كيف يستقيمان؟!
ثم تأتي بعد ذلك قصة إبراهيم عليه السلام (وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)الأنبياء) هذه القصة الوحيدة التي ذكرت بهذا الشكل في سورة الأنبياء نظرا لتناسبها مع محور التوحيد
تفصيل لقصة إبراهيم عليه السلام ثم يأتي بعد ذلك لوط عليه السلام وداوود وسليمان ويونس ونوح، أي القصص أكثر إفادة للنبي صلى الله عليه وسلم؟
في الحقيقة لما عددت سورة الأنبياء الذين ذكروا هم ستة عشر نبيًا بالإضافة إلى مريم في قوله تعالى (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا (91)الانبياء) بالإشارة إليها، في سورة مريم ذكر عدد أقل من الأنبياء لا يتجاو العشرة لكن السورتان التي ذكرتا الأنبياء هما الأنعام (18 نبي) والأنبياء (16 مرة) تميزت الأنعام بذكرها الأنعام ولم يكرر في جميع السور فاختار الله لها اسم الأنعام أما الأنبياء ففصلت في الأنبياء وذكرت 16 نبيا ومختلف في مريم ولكن الله أوحى لها. أشير أنه عندما نقرأ (ولوطا) أول الأنبياء بعد إبراهيم (وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74)الانبياء) السَوْء مصدر من ساءه يسوؤه سوءأً والسوء اسم يطلق على كل قبيح. بعدها يقول (وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77) وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)) وبعدها (وداوود وسليمان وأيوب) هذه كلها تعطف على الأولى بمعنى ولوطا آتيناه حكما وعلما، مع لوط قال (ولوطًا آتيناه حكما وعلما) (ونوحا آتيناه حكما وعلما) وداوود وسليمان (آتيناهما حكما وعلما) أما موسى وإبراهيم (ولقد آتينا موسى – ولقد آتينا إبراهيم) البدايات تختلف.
نتوقف عند قصة داوود وسليمان، هذه القصة التي ذكرتها سورة الأنبياء لم تكرر في سورة أخرى (وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا)[النمل: 15] على الرغم من أن سورة ص تكلمت عن سليمان وحكمه بالحق وبالعدل، سورة سبأ تحدثت عن داود وسليمان وسورة النمل تحدثت عن سليمان وقصته مع النمل لكن هذه الحادثة نفش الغنم في حرث القوم (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) لم ترد في غير موضع (نفشت) فسدت أكلها الغنم جاء العاملان يحتكمان عند داوود ليحكم بينهما (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴿٢٦﴾ ص) كان ابنه سليمان فداود عليه السلام اجتهد بعدما سمع المشكلة من الطرفين فحلّها بالعِوَض ما دامت الغنم أفسدت الأرض قيّم الأرض فجاءت مثل الغنم فأعطوهم الغنم فحكم بالعدل، لما خرج الفريقان أخبروا سليمان فقال لو كنت بدل أبي اقترح كذا فبلغ الخبر داوود فقال تعال يا سليمان فقال أنا أرى أن أهل الغنم يأخذون الأرض التي أفسدوها ويزرعونها إلى أن تصحب في حالة ينع وإثمار وأهل الأرض الذين فسدت أرضهم يأخذون الغنم يستفيدون من أوبارها وألبانها ثم بعد نهاية العام يستردونها بأقل خسارة ممكنة. فاجتهد الحكمان داوود وسليمان ولكن حكم سليمان كان أقرب للمنطقية والذكاء والعدل المحض لكن حكم داوود كان صحيحا أيضا بدليل (وكلا آتينا حكما وعلما) احتراس فكل حكم صحيح. سليمان اجتهد من زاوية جديدة وكان حكمه موفقا نستفيد أن القضايا الاجتهادية تحتاج إلى إعمال الفكر الإسلامي الفكر المنطقي السليم بما لدينا من أدلة هذا دليل قاطع على أن الفقهاء يجتهدوا وفق ما لديهم من قرآن وسنة صحيحة وقواعد فقهية صحية حتى لو أخطأ من اجتهد فهو مثاب.
كل نبي اتصف بشيء داوود اتصف بالحكم أتى بقصة تتناسب مع حكمه وسليمان (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)سبأ) هذه من معجزات سليمان وتعدد ذكرها في سور أخرى بطرائق مختلفة في سورة سبأ يقول الله تعالى (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ) وفي سورة أخرى يقول (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)ص) سليمان دعا دعاء عظيما (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)ص) فالله تعالى سخر له الجن سخّر له الرياح النبي صلى الله عليه وسلم تمكن من قرينه الجنّ فقيده ثم قال تذكرت دعاء أخي سليمان فأطلقت سراحه، كان صلى الله عليه وسلم ذا أدب عظيم فمن بين أن أعطى لسليمان سخر لداوود كرامات وكل نبي عنده كرامات ومعجزات تتناسب مع شخصه ومع ما يريد الله من حكمته، داوود أوتي ملكا عظيما (وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)سبأ) ولقد أوتي مزمارا عظيما لتلاوة الزبور ولسيلمان الريح عاصفة بأمره، الرياح تسوق السفن التي كانت تأتي بالتجارات من كل مكان كان نبيا ملكا كانت له مصالح في كل العالم فسخر له الرياح في سورة سبأ قال (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ (12)سبأ) تناسب في سورة سبأ أهل سبأ قالوا (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)سبأ) فقال الله (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18)سبأ) جاءت المناسبة فذكر ريح سليمان تناسب السياق (غدوها شهر ورواحها شهر). أما هنا قال (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)الأنبياء) لجميع دول العالم لكنه هنا خصص الأرض التي باركنا فيها لتناسق مع الكتاب المبارك وأنجا إبراهيم ولوطا إلى الأرض المباركة.
أعطى الله تعالى لسليمان حكم الجنّ، الجن فيهم المؤمن وفيهم غير المؤمن. (وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)الانبياء) كلمة عامة فيها جن مؤمن وجن كافر هو الشيطان (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)النمل) (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)سبأ) الله أخبرنا في القرآن أن من الجن المؤمنين وغير المؤمنين وهنا الآية خصصت الشياطن يغوصون له ويعملون أعمال أخرى وضحتها سورة سبأ (وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)سبأ) سخّرهم للعمل وهذا تفويض إلهي لسليمان ولا ينبغي لأحد غير سليمان ومحمد صلى الله عليه وسلم أعطي له القرآن ولا ننتقص من قيمته أبدا عندما نقول سخر الله لسليمان وداوود، فما أحوج أبناء القرآن أن يدرسوا القرآن لأن فيه العجل العجاب وفيه سر الخلائق.
(وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)الأنبياء) نعلم كل شيء، أعطيناه قدرة محددة بشرية وحكّمه في الإنس والجن والرياح بما يتوافق مع حكمة الله. هل كانت الريح تجري فقط بمصلحة سليمان؟ لا بمصلحته ومصلحة الكرة الأرضية (وكنا بكل شيء عالمين) نحن أعطيناه هذا الملك ولم نغفل شيئا.
من خصوصيات سورة الأنبياء لم أجده في القرآن، ورد فيها اسم الفاعلين يعود على الله سبحانه وتعالى بطريقة ملفتة للنظر صيغة فاعلين ورد في سورة الأنبياء (إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17)الانبياء) أي ما كنا فاعلين، والله يتحدث عن ذاته إما بصيغ المبالغة (قديرا، عليما) لكن لا يأتي اسم فاعل وحده إلا إذا أضيف مثل (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)غافر) لا يكون كان على شيء قادرا، بالإضافة (لا يوجد في القرآن على كل شيء قادرا) وإنما عالمين لأن الجمع يعوّض المبالغة، جمع اسم الفاعل يعوّض صيغة المبالغة (حاسبين، عالمين، شاهدين، فاعلين، عالمين، حافظين، الوارثين، كاتبون، فاعلين، خاشعين) لم ترد هذه الأساليب مجموعة في سورة كما ورد في سورة الأنبياء فصيغة الفاعلين مجموعة هي بدرجة صيغة المبالغة.
بقي أن نقف عند بقية الأنبياء: أيوب ويونس لم يذكرا في كثير من السور وهنا سمي يونس بذي النون ولم يسمه بصاحب الحوت وزكريا وردت قصته وقصة يأجوج ومأجوج مرتبطة بنهاية الكون.