{آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91]
الربط والمناسبة: في الآية السابقة ادعى فرعون أنه آمن، لكن إيمانه ليس في الوقت المقبول.. وهذه الآية ترد إيمان فرعون، وتقول له إنك تجاوزت الوقت الذي يُقبل فيه الإيمان.
المعنى: آلآن: أألآن بفكّ الإدغام، أي هل آمنت الآن وقد فات الأوان؟ هل آمنت في الوقت الذي لا يُقبل فيه الإيمان؟ إنه وقت معاينة الموت والإفلاس من كل أسباب النجاة والاستيئاس من قوة الذات والجنود والحماة والكماة والرماة؟
الآن وقد ملأتَ البلاد ذعراً منك ورعباً من بطشك وقد تألهت وطغيت وقتلت واستحييت وادّعيت الدعاوى العريضة من مثل: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ}؟ [الزخرف:51]..
أين السلطان والهيلمان؟ أين الخلان والغلمان؟ أين الندماء والجلساء؟ وأين القوة والأضواء؟ وأين كل هذه السطوة؟ أين الحرس والمواكب والمراكب؟ أين الرياش والفراش؟ أين العاج وأين التاج؟ أين التماثيل والتهاويل؟ أين أين…..؟
الآن يا فرعون جئتنا عبداً؟ أما كنت تدّعي أنك إله؟ فأنقذ نفسك.. أما أنكرت ربك وزعمت أنك رب؟ فخلّص نفسك.. أما قلتَ: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ}؟ [القصص:38].
الآن؟ ما أعظمها كلمة سجّلها القرآن وردّدتها الأكوان التي ضجّت من طغيان هذا الإنسان.. الذي خرج من إنسانيته وادّعى ما ليس له بحق. ادّعى أنه إله للخلق ونسي الخالق. ادّعى الخلود فأين الآباء والجدود؟ ألم يدّعوا الدّعاوى مثلك؟ أما كانوا مثلاً لك؟ الآن ينطق بها الذين نجّاهم الله وهم يرقبونك من الضفة الأخرى..
الآن؟ ينطق بها الماء الذي يتقاطر إلى جوفك ليقتلك.
الآن؟ يلطمك بها ملك الموت الذي جاء ليقبض روحك!
الآن؟ يصرخ بها زبانية العذاب وقد جاءوا ليعذّبوك وأنت تسلم جوهرة الروح في الجسد النتن بالإرادة المجرمة الفاسدة.
{وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ}: وقد تمرّدتَ على أمر الله وعالنته المعصية وجاهرته بالتحدي وزعمت أنك ندّ بل لا أمر إلا أمرك ولا نهي إلا نهيك ولا نافذ إلا حكمك!
لقد ملأت الأرض معصية وتجاوزاً وظلماً، وملأت وقتك واستنفدت عمرك في معصية المليك المقتدر سبحانه.. فالآن عرفته وقد عصيته من قبل وتحدّيته.
{وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} الآن تعلن أوبتك وتوبتك وقد أفسدت أمتك وضيعت فرصتك؟ أما علمت أن الفساد والإفساد وتدمير البلاد عاقبته وخيمة؟ كم من أهل بلدك ماتوا فقراً وقهراً وجوعاً؟ كم حكمت محاكمك ظلماً بقتل أبرياء من المستضعفين؟
الآن وقد امتلأت سجلاتك بالفساد والسواد وخراب البلاد؟!
* من مشروع تفسير القرآن الكريم للدكتور أحمد نوفل.
آية وتفسير – د. أحمد نوفل
11
مارس